المؤتمر في مواجهة الفناء أو إعادة البناء
عبد الرحمن تقيان
عبد الرحمن تقيان
 
 

جاءت تأكيدات رئيس الجمهورية على التوجهات الوطنية المستقبلية لحكومة الوفاق الوطني في وقت لا يزال كل إعلام حزب المؤتمر الشعبي العام ووحدات هامة من قوات الجيش تحت عباءة الرئيس السابق، ولا تزال بعض قيادات ذلك الحزب تخشى من إعلان أسمائها حين تتحدث للصحافة عن أي خطة تطوير ذاتية يعدها الحزب مثل عقد مؤتمرهم العام بداية شهر سبتمبر القادم الهادف إلى تقييم وتقويم مساره وسياسته.

لقد شعرت أبرز قيادات ذلك الحزب بأقصى حالات الإقصاء واختفت من المشهد السياسي والإعلامي الوطني كلياً حتى اليوم، ليدور في فلك صالح عددٌ قليل ممن احترقت أوراقهم حد الرماد المتطاير، ولم يعد يكترثون لمستقبل سياسي لأنفسهم، وهم المعروفون بتصادميتهم ونبذ زملائهم لهم. وهذا هو الأمر الذي أوصل الحزب إلى الجمود والعزلة التي يعيشها اليوم، حيث فشل في عقد مؤتمره العام بداية العام الحالي ويحتمل كثيراً أن لا مشاكل في الحزب الحقيقية أو أن يحضره حمائم الحزب في الموعد المؤجل في بداية سبتمبر 2012 الذي يتزامن مع الذكرى الثلاثين لتأسيسه الذي يحتمل كثيراً أيضاً أن يتجنب نقاش تطويره بما ينسجم مع مرحلة التحول السياسي الذي تعيشه البلاد.

لقد تشكلت ملامح عزلة صالح وتعزز غياب بقية قيادات الحزب عن مركز صنع القرار وإدارة الأحداث عقب مجزرة الكرامة منتصف مارس 2011 التي رسمت أول شرخ غائر في بنية الحزب الحاكم آنذاك ووحدة صفوفه عند انعزال الكثيرين من قياداته المسرح السياسي والإعلامي وإعلان عدد غير قليل من قياداته الحزبية والعسكرية استقالتهم ومن ثم انضمامهم لمعارضة نفس الحزب وسياساته في مواجهة ثورة شباب التغيير. وتمدد حجم وعمق الشرخ بولادة تيارين رئيسين في قياداته العليا إثر تطبيق المبادرة الخليجية وتسلم رأس التيار الإصلاحي الجديد، المشير عبدربه منصور هادي، زمام قيادة البلاد وإعلانه توجهه نحو الوفاق الجاد الذي سيخرج البلاد من عنق الزجاجة ذات النتوءات الحادة، وبالتالي عدم التزام بعض القيادات بتوجهاته والعمل على عرقلة مساعي الوفاق وتثبيت الأمن الوطني. حتى ظهر لمن يتفرج على المشهد اليمني أن أكبر تحدي لهادي هو وجود رأس الحزب مع وحدات الجيش الموالية له واقفة ضد التيار المتدفق نحو مخرج النفق الذي يلقي بنوره على مستقبل أفضل للوطن والحزب وأن أكبر تحدي لرأس الحزب هو "هادي" الواقف بحزم ضد طموحه المتناقص نحو بقية زعامة.

اليوم، وعقب إعلان هادي بالمضي نحو سياسة القيادة السياسية نحو تطبيق بنود المبادرة بلا هوادة الذي ترافق مع أنباء غير مؤكدة عن قرب سفر الرئيس السابق خارج البلاد وبالاستقرار النسبي للأمن والحكم وبداية خروج الجيش من عباءة عائلة واحدة، بدأت تلك قيادات المؤتمر الشعبي تدرك ضرورة تغيير ميزان القوى داخل تياريه المتناقضين، بدا أن زعيمه الأقوى حالياً، والحانق عليه، لم يعد يثق أو يجتمع بأطراف التيار الآخر بل لم يعد يعقد اجتماعات حزبية رسمية بسبب تشبث الطرف الآخر بقوة بكل تلابيب الحزب. ومع هذا الوضع الداخلي المتفكك، يواجه المؤتمر ثمة مخاطر حقيقية قد تؤدي إلى انحلاله تلقائياً بسبب تشتت قياداته بين التيارين المتناقضين، أحدهما يتشبث بالحزب ويستمر في فقدانه كافة عوامل القوة والقيادة ويعمل على مقاومة التوجه الوطني الجماعي نحو نقطة الضوء مدعومين من كل المجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي تصر القيادة النقيضة برعاية هادي على السير عليه بثبات.

كما تزيد احتمالات انحلاله بسبب عدم تمكن الحزب حتى الآن من امتلاك الحزب لأيدلوجية فكرية أو ثقافية متميزة عدا اعتداله وتوسطه التي يشكك الكثيرون في فعاليتها وكفايتها بعد الأحداث الأخيرة، وهو الأمر الذي يمكن لأي قيادي مؤتمري نشيط ولو باتفاق ثنائي مع هادي بمسابقة الوقت قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القريبة القادمة لتأسيس حزب جديد يحمل ذات التوجه المعتدل واستقطاب مؤيدي الحزب كما يتم حالياً من قبل قيادات وكوادر الحزب في بعض المناطق الجنوبية بقيادة أحمد الميسري عضو اللجنة الدائمة للحزب. وسيتحقق هذا الأمر لا محالة في حالة انتقال الحزب فعلياً إلى المعارضة مستقبلاً وتحسن سجل الحكم الرشيد للبلاد، لأن الناس سيظلون يعيشون في حالة مقارنة دائمة للوضع الجديد بوضعهم السابق الفاسد وعزو ذلك الوضع إلى فساد الحزب. في المقابل، يرى آخرون أن بإمكان الرئيس هادي تأسيس الحزب الجديد في حالة فشله في فرض سيطرة تياره على الحزب وعدم احترام بعض قيادات الحزب لشخصه وقراراته، لكن ذلك مستبعد تماماً خلال عامين لمخالفة ذلك المبادرة الخليجية التي تقضي بمشاركة أحزاب المؤتمر والمشترك السلطة وعدم دخول حزب آخر.

على أي حال، يتضح تدني المكانة الرسمية والشعبية والسلطوية للحزب بسبب عمل الرئيس هادي على حرمانه من كافة عوامل القوة التقليدية المدعومة بمال وإعلام الحكومة والجيش، إلا أن هذا الموقف الدستوري الصالح سيُكسب الحزب قوة وشعبية بشكل غير مباشر سيتضح أثره بعد استكمال هادي تطبيق خطته للإصلاحات الأساسية في شكل وجوهر نظام الحكم.

على المستوى الوطني وباستقراء مستجدات القرار السياسي والعسكري والحكومي، يتضح أن رئيس الجمهورية قد مضى في وعده لناخبيه على حل مشاكل البلاد بأقل التكاليف والوقت الذي يسمح له بمراعاة تعقيدات الواقع الفعلي الذي يؤثر على جعل تلك الحلول تمر على وتيرة متوسطة أو طويلة. وبالرغم من عدم استطاعته الحركة داخل البلاد وعدم امتلاكه دراسات تحليلية جاهزة وعدم وجود إستراتيجية تغيير مستقبلية مدروسة بعناية أمامه، إلا أن هادي قد أظهر توازناً كبيراً وسعة أفق واسعة أظهرت فهماً متعقلاً وناضجاً إزاء الوضع الحقيقي للبلاد وخطورة التحديات التي تواجه شعبه.

لم يقف هادي هادئاً إزاء ما يتعرض له حزبه من جمود وانهيار، فعلى هامش الإصلاح الوطني "الأساس"، يبني هادي قراراته الحكومية والعسكرية الجديدة بطريقه قانونية ومقبولة تمهيداً للبدء بطبخ ثورة مؤتمرية على نار هادئة تستهدف إنقاذ حزب المؤتمر الشعبي من الدمار الذي سيئول إليه الحزب ببقاء سيطرة رئيسه المتفرد بقراره فيه والذي يدير الحزب اليوم بنفس الطريقة السابقة رغم تدهور إمكانياته ووضعه وشعبيته المحلية والدولية، بل أنه لا يزال يمتلك ذات أهدافه الأهم والقاضية بإزالة بعض خصومه ولو كلف ذلك البلاد أو الحزب ما كلفه. قد تكون جدية هادي هي وراء أولويته لإصلاح بنية الوطن أولاً، لكنه يعلم أيضاً ضرورة وحتمية إنقاذ حزبه المتهاوي بعد أن نزعت بنود المبادرة الخليجية جميع المميزات غير الدستورية لهذا الحزب الخاص مثل توظيفه الواضح للمال والإعلام العام.

أمام التغيرات الحقيقية في الخارطة السياسية اليمنية، لا يزال هادي يدرك أن الأسلوب السياسي الأكفأ لاسترداد مهابة الحزب وشعبيته ونجاحه هو أسلوب إيجاد القدوة الحسنة من حزبه في الصف الأول بالضرورة ووضع الرجل المناسب وفي المكان المناسب، لاسيما أن الشباب والأحزاب والمجتمع الدولي سيقف بحزم أمام أي توظيف للمؤتمر للمقدرات العامة لأجل مصلحة حزب المؤتمر، وأن أساليب رأس النظام السابق لن تكون مجدية الآن تحت كل تلك الموجبات والضغوط. ولم يعد أمام هادي إلا إصلاح وإعادة هيكلة حزبه في فترة وجيزة وإضفاء بعض المنجزات الكبيرة أثناء هذه الفترة.

وسط كل ذلك التشتت والانقسام المؤتمري الحالي، أضحى لزاماً على قيادات المؤتمر على مختلف مستوياتهم وفي أجهزته الإعلامية التفكير بشكل متجرد في متغيرات المرحلة والسيناريوهات المحتملة لمآلات حزبهم وأنفسهم عند اختيار الانضمام إلى صف أيٍ من صالح أو هادي، ووضع اعتبار خاص لميزة وجود هادي في سدة صنع القرار وازدياد شعبيته وإنجازه الوطني بينما فقد سلفه كل ذلك، وبالتالي وضع قرار شخصي حاسم يتصل بمصلحة الحزب ومستقبلهم السياسي أيضاً. ولذات الغرض، فقد بدا أن الوقت قد آن أكثر من أي وقت مضى لتطبيق قيادات الحزب ورؤساء المؤسسات الحكومية والعسكرية لمعايير الحكم الرشيد التي كانوا يجدون أمامهم ضغوطاً وعراقيل عليا ضد تطبيقها سابقاً. فهم يدركون عدم عودة صالح للحكم ولو بشكل غير مباشر تحت معطيات الواقع الراهن حتى لو حدثت أية مستجدات غير متوقعة ضد إستراتيجية الرئيس هادي المدعوم شعبياً وحكومياً ودولياُ. وبالتالي فان مصلحتهم تقتضي أن لا ينتهجوا السلوك الرافض للشخصيات العائلية التي استهدفتهم إصلاحات هادي، وهم قادة الحرس الخاص والقوات الجوية ومحور المنطقة الجنوبية سابقاً الذين شكل كل منهم أزمة كبيرة إزاء قرارات الرئيس بتغيير مواقعهم، وعليهم التأكد أن أي محاولة إلتفاف سرية على ذلك ستبوء بالفشل الذريع وستفقدهم فرصاً مفيدة لهم.

ataqi2003@yahoo.com 


في السبت 01 سبتمبر-أيلول 2012 09:07:55 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=17089