النخبة ودورها التاريخي
م. عبدالرحمن العوذلي
م. عبدالرحمن العوذلي

أثبت التاريخ أن الثورات التي تحدث في بلد ما يسيطر عليها في الغالب فئة من المجتمع وهي الأكثر التحاما بالجماهير وهي من توجهم أثناء الثورة وترسم لهم خيارات العبور الى ما بعد الثورة ، هذه المجموعة سواء كانت حزبا سياسيا أو جماعة ذات مرجعية أيدلوجية أو طبقة مثقفة تأثرت في مضمونها الفكري خارج إطار الدولة المستبدة غالبا ما تكون هي المستفيد الأكبر بعد انهيار النظام السياسي الحاكم وتجد زخما وإقبالا من الجماهير عليها لتكون هي البديل الطبيعي الذي سيقود البلاد إلى تحقيق الأهداف التي ثار من أجلها المجتمع

لا يوجد هناك شعبا ثائرا كله وهذا ليس انتقاص من ثورات الشعوب وإنما هي الحقيقة فعلا فمن يقوم بالثورة في أي بلد هي الفئة المثقفة والتي تكسر جدار الصمت والخوف عند الجماهير لتسيل حركة الجماهير بعدها في تلقائية طبيعية ونتيجة محتملة لما يعانيه الشعب من اضطهاد وظلم وضيق في العيش وغيرها من الأسباب المعروفة .

التجربة العربية في الثورات في القرن الماضي لم تكن في المجمل ثورات ذات حركات جماهيرية واسعة في الفكر ولكنها جاءت نتيجة انقلابات عسكرية رافعة في الأغلب الشعارات القومية وبالفعل انسابت حركة الجماهير معها لتضفي عليها الشرعية وسرعان ما تحولت هذه المشروعات الثورية الى مشاريع دكتاتورية فئوية شمولية وأسرية .

من أهم الأسباب التي مكنت لهذه الدكتاتوريات هو الجهل فالجهل هو أفيون الشعوب ، فالشعوب لم تكن تعلم أن لها حقا وأنه يجب على الحاكم أن يوفر لها من العيش الكريم والتعليم والحرية الكثير واتجهت بتوجيه من النخبة التي باعت نفسها للدكتاتور في سبيل المصلحة الذاتية الى تمجيد الحاكم وتقديسه مما ولدى الجماهير أن هذا الحاكم هو المنقذ والمخلص وبدونه ستنهار البلاد كل ذلك متوازيا مع ترديد شعارات الثورة والحرية والديمقراطية في تناقض عجيب فعلا بعيدا عن الحياء السياسي داخليا او خارجيا مما يوحي ان الشعوب العربية فعلا تخدرت لفترة من الزمن .

بعد الهزيمة الساحقة للجيوش العربية من قبل الاحتلال الإسرائيلي بدأ وزير الدفاع الصهيوني موشى ديان في نهب الآثار العربية من الضفة الغربية وسيناء المصرية بطريقة منظمة جدا بينما كان المجتمع في تلك البلاد بجهله يبحث بكل جد وينقب عن الآثار ليعطيها المجنون الصهيوني الذي كان يشتري التراب والأحجار بأسعار غالية الثمن

كانوا يعتقدون أنهم أذكياء وأن هذا الديان هو معتوه لا يعرف كيف يتصرف بأمواله ، بينما هو كان يشتري التاريخ بأبخس الأسعار ، بعد أربعة عقود أدرك الفلسطينيون والمصريون المشاركون في ذلك النهب أنهم كانوا لصوصا يسرقون تاريخهم دون أن يعلموا ذلك .

من هنا ندرك دور النخبة المثقفة من الشباب في توعية الجماهير وتثقيفها وتوجيهها الى المسار الصحيح وتوضيح و تعرية كل من يمارس النهب المنظم هذه الأيام ليتمكن من العودة الى الحكم بطرق ملتوية ربما لا تكون واضحة لمعظم الشعب ولكنها قطعا مفضوحة لدى النخبة المثقفة والتي لا بد أن تمارس دورها بكل شجاعة انطلاقا من المسئولية التاريخية ، وكما أن هناك الكثير من المثقفين اللذين باعوا أنفسهم للدكتاتور مقابل المال والمنصب فستجد اليوم أيضا الكثير من النخب التي تجيد التحول وتدور باتجاه بوصلة المال .

Eng.abdulrahmann@gmail.com


في السبت 25 أغسطس-آب 2012 03:36:45 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=17000