ليالي رمضان في اليمن بين حرب العقائد والمساجد
عمرو محمد الرياشي
عمرو محمد الرياشي

تكمن أهمية شهر رمضان والمميز عند المسلمين عن باقي شهور السنة فيمتنع في نهاره عن الشراب والطعام وكل الشهوات والإمساك عن كل مايجرح الصيام وكل ذلك ابتغاء مرضات الله . فلهذا الشهر الكريم مكانة خاصة في تراث الأمة السلامية فأول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة القدر من شهر رمضان في عام 610 م،حيث كان رسول الله في غار حراء عندما جاء إليه الملك جبريل، وقال له \"اقرأ باسم ربك الذي خلق\" وكانت هذه هي الآية الأولى التي نزلت من القرآن من اللوح المحفوظ . ودعتنا اول اية انزلها الله سبحانه وتعالي بالتعلم واخذ منهج العلم ووضعت اول شعيرة في طريق الدين والعيش في الحياة وهي العلم والقراءة لتكون للمسلمين مدخلا لمعرفة نهج و حكمة الله من خلقه ودراسة ملكوت الله وإبداع قدرته ولقد أكرمنا الله نحن المسلمين عن بقية معتنقي الديانات الأخرى بهذا التميز الذي قل ما يتمعن فيه المسلمون للأسف .

لكن ماذا عن رمضان في اليمن

في شهر رمضان تصفد شياطين ومردة الجن وتغلق ابواب النار وتفتح ابوب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى منادي باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر . المسلمون في بقاع المعمورة يستقبلون رمضان بشوق ولهفة لهذا الضيف العزيز على قلوبهم خاصة ان هذا الضيف لا يأتي سوى مرة في السنة ليكرموه بالأعمال الصالحة وذكر الله والاستغفار وقراءة كتاب الله ونحن في اليمن بالرغم من قداسة هذا الشهر الكريم نرى البعض يلعب دور الشياطين المصفدة بالنيابة والدخول في مضمار التنافس على ارتكاب ما يغضب الله وتعكير صفو الروحانية في ليالي رمضان .

وهذا ما يجعلنا في اليمن أصحاب رأي أخر ووجهة مختلفة عن بقية المسلمين احيانا و تثبتها الممارسة الواقعية من خلال حرب المعتقدات التي تشهدها ساحات الحرب المذهبية في مساجدنا في اليمن وتكون ليالي رمضان شاهدا على تلك المشاحنات المليئة بالتنافر والتناحر الديني المقيت .

يبدوا ان البعض قد ألف ان يجعل من رمضان شهر شحناء وبغضاء تبرز فيه كل أشكال الاختلاف والفرقة ليفرض فيه معتقده بالقوة على الأخر في تعبير عن ثقافة الاقصاء الديني التي كان لنظام صالح دورا كبيرا في استغلال الوتر المذهبي لتحقيق مكاسب سياسية واشغال الخصوم في حرب المذاهب بين الفرقاء المتغافلين عن حقيقة الأهداف لهذا الدور .

ما تمارسه جماعة الحوثي في صعده وبعض الحوادث التي تشهدها بعض المساجد في صنعاء وغيرهما من إغلاق للمساجد و مضايقات لأداء صلاة التراويح يعكس حقيقة انعزال أصحاب هذا التصرف عن ميدان العمل الهادف لبناء النسيج الوطني بشقه الديني وما استخدام القوة في فرض المعتقد يزيد من الاحتقان المذهبي ويشتت وحدة المجتمع اليمني ويكون له من الآثار السلبية في نفوس الآخرين ما يفتح المجال لتسليم مفاتيح اليمن لغير أهلها وهذا ما أصبح حقيقة واقعية لا تقبل الجدال .

هذه الحوادث التي يرتكبها اصحبها تدل على انحسار وضيق مساحة الحرية والإنسانية التي ينادي بها اصحباها ان افترضنا وجودها أصلا لديهم . حتى هذه الممارسات الإقصائية لحرية الفكر الديني والمذهبي لا تمارسها الديانات الأخرى في الغرب تجاه المسلمين كفرنسا وبريطانيا و أمريكا ولكن نقول دائما لأصحاب الشعارات الفخارية ان العمل في الميدان شاهدا على صدق قول اللسان .

طبعا يجب ان نعلم ان هذا التخبط الفكري الذي نراه في اليمن ليس سوى سوى حصاد سنين من غياب المدنية وتعطيل مؤسسات الدولة الدستورية للقيام بمهماتها وواجباتها ... بل على العكس لقد كانت تلك المؤسسات جزء من المشكلة فكيف نريدها ان توجد حلا ومرجعية موحدة في تنظيم شؤون اليمنيين في جميع شؤون الحياة ومن ضمنها الممارسات الدينية والتعبدية .

الجانب السياسي في الأمر

الجزر والمد السياسي كان عاملا في استفحال المشكلة خصوصا ان القيادة السياسية دأبت على تغذية الفكر الاقصائي وجعلته ثقافة ووزعت اثواب العصبية الدينية والسياسية والمناطقية مما زاد في خلق تشوهات في الهوية الوطنية ولبست ثوب الحداد والشقاء والبكاء على تاريخها وصناعة أعداء ذو صبغة محلية وقصة الشيخ الوادعي وزراعة مرجعية الحوثي في صعده لم تكن سوى عملية مكايدة لتفعيل الاختلاف الديني في اليمن وإحداث صراع سياسي ديني من اجل اشغال الناس بقضايا مذهبية وتقديس مرجعيات دينية خارج اطار مؤسسات الدولة وتغليب مصلحها وكل ذلك لإزالة عقبات تقف في طريق بناء إمبراطورية زيادة ثروة الفساد .

التصرفات والممارسات الراهنة لجماعة الحوثي في اليمن هو ما جعلها وعجل لها بأن تكون عرضة للخسارة يوما بعد يوم وتكسب اعداء جدد في ظل العبث المتواصل والمتلاحق في فرض ثقافة الفوضى والإختلال في المجتمع اليمني . فالإفلاس السلوكي يتبعه افلاس عقدي فالفكر الديني النقي من الشوائب هو الذي يحمل الولاء لله ثم اليمن .

فلم يكن يوما من الأيام الولاء الوطني متلونا يحل الغموض فيه عوضا عن الوضوح في معالجة ملفات اليمن الشائكة وإشكالاته التي صنعها المتملقين من كهنوت النظام السابق وأتباعه لكن يبدوا ان حوزة مران فضلت ان تحمل جزء من تطبيق سياسية الراعي والداعم الأول لها من مدرسة حوزة سنحان .

لتفتح باب لإعطاء الشرعية لبعض القوى بأن تكون اليمن فريسة للعابثين والمتلاعبين بها . وما نعايشه في اليمن من تكوين حوزات ومراجع دينية تكون كدولة داخل دولة وكيان منفصل عن سلطة الدستور في طريق واضح للإرتهان للخارج .

الحرب الأهلية الدينية في اليمن

لم تكن الورقة المذهبية في اليمن ذات جدوى سياسية الا بعد زراعة الشقاق والتخوين بين مختلف التيارات الدينية في اليمن وهذا ما نجح نظام صالح في زراعته في اليمن و كان ذو اثر ساعد في خلق حالة من الاحتقان الديني في اليمن وسط بيئة خصبة حملت عوامل مساعدة كالحالة الاقتصادية والمعيشية المهترئه وانتشار رقعة الجهل والامية في اليمن وهذا ما أنجح مهمة قساوسة الدين في صناعة حاجز قوي بين العقل المشبع بتخمة التشدد الديني والتعايش السلمي مع المخالفين في المعتقد في المجتمع اليمني وكان الفساد الحاضر للنظام هو الراعي الرسمي بلا منازع للصراع المذهبي بجانب ثلاثة عوامل اساسية هي :

(استغلال الدين لأجل السياسية – انتشار الجهل وانحصار التعليم – والفقر ) .

هذه أهم الأركان التي جعلت من حدوث الإقتتال الديني صناعة وحرفة ولم يعد بعدها المجتمع اليمني سوى نسيجاً خشبياً مليء بمسامير الفتنة والشقاق تحت مبرر معتقدات دينية لا تغذي الروح ولا تنير العقل بل تزيد من متاعب الحياة وشقائها ولا تضيء طريق المستقبل في اليمن الا بنار وجمر الظلمات في ظل غياب المرجعية الدينية للدولة .

عدم توحيد التعليم في مؤسسات الدولة

كانت فلسفة التعليم في شطري اليمن مختلفة عن الأخر كونهما من مدرستين مختلفتين (اشتراكية – رأس مالية) وهذا ما جعل لكل شطر سياسة خاصة في التعليم فتم استيراد كثير من المصطلحات الخارجية التابعة لكل مدرسة ولم تكن مناسبة للمجتمع اليمني وطبيعته وهذا خلق حالة من التنافر الفكري والسياسي والثقافي في المجتمع اليمني .

وعليه ظلت جميع المشاريع التعليمية في اليمن رهينة حاجة النظام السياسي في شطري اليمن دونما اعتبار لأهمية النظام التربوي والتعليمي الذي يلائم المجتمع اليمني وتحديات التفكك الاجتماعي والعقدي الذي يدمر استقرار أي امة مهما عظم شأنها ومكانتها فلا يمكن أن نحلم بوجود علاج لأبسط الأمور وأيسرها في حال عدم وجود مؤسسات فاعلة .

خصوصا ان المناهج التعليمية في اليمن ظلت مبعثرة حتى بعد إعادة الوحدة اليمنية في 90م وأخرجت لنا جيل مبعثر فكريا ومشتت الهوية الوطنية والدينية . ولم تتوحد مناهج التعليم في اليمن من الناحية النظرية الا في عام 98م فظل ما قبلها من تعليم تتلقاه الأجيال حبيس المعاهد الدينية التي أخرجت لنا عددا من العقول الموجهين لهدف سياسي فشاهدنا جملة من العقول التي تشبعت بالمتناقضات في الأفكار والاتجاهات والأهداف التي لا تلبي حاجة اليمن وها نحن نجني ثمارها الفاسدة حتى الأن من تفجير وتدمير .

فإهملت كثير من المحاور التعليمية الرئيسية التي تعتبر العمود الفقري لبناء الإنسان والمجتمع تبعا للتغيرات البيئية وتطور المجتمعات الأخرى وما يستجد من تطور علمي . وما نراه اليوم من صراعات مذهبية وفكرية كان احد أسبابها هو غياب دور التربية و التعليم الموحدة على أساس علمي مدروس يخدم حاجات اليمنيين واحتياجاتهم في توحيد الهدف والبناء لوطنهم تحت هوية دينية ووطنية واحدة .

يقول الله سبحانه وتعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ) حسبنا هذه الاية من كتاب الله تعالى ... فخطاب الله تعالى لجميع الامم حتى قيام الساعة بان اختلافها سنة اوجدها الله تتغير وتختلف في المذهب والمعتقد عبر الأزمنة وتغير احوالها فوصانا الله سبحانه بقوله (فاستبقوا الخيرات ) فهل طبقنا الاستباق للخيرات في تطبيق العدل وإقامة حقوق الله والعباد وتسابقنا من منا أفضل عملا .

للأسف كان الأمر مخالفا لكلام المولى عز وجل واستبقنا التناحر والاقتتال والغرق في أعماق بحر الجدل العقيم الذي أشغل وشتت فكر الأمة واستهلكت طاقتها وأهدرت وقتها وعطلت قدراتها وتحولت فيما بينها الى حروباً دامية وقتل وتدمير وتحويل المدارس والمساجد الى منابر و معسكرات دينية تتنافس على الخلاف الديني حتى صار الحدث وكأنه حرب بين دينين متنافسين وكان الخلاف بين دين اليهود والنصارى .

ماهو الحل اذن ؟

- ممارسة مؤسسات الدولة لدورها حيث تكون المرجعية الأولى والأخيرة لجميع الاختلافات في الاعتقادات الدينية وتنظم الاختلاف تحت مظلة ومشاركة العلماء في الدين لينشأ جيل يحمل النهج التسامحي والوسطي خاليا من الحمى و العقد المذهبية .

- إلغاء التبعية الدينية الفردية في جميع اليمن لأنها سببا في استبشاع عقائد الآخرين وتحرضهم على العنف فجعلت من اختلاف الدين اشد من اختلاف الجنس بين الذكر والأنثى .

- توحيد المنهج الديني الذي يحمل جميع مواضيع الجوانب المشتركة والتلاقي بين جميع فرقاء المذاهب الدينية في اليمن لتعطيل الغلو الديني لدى جميع فرقاء المذاهب الدينية المتواجدة في اليمن ونهج الشوكاني مثالا للنهج الوسطي.

- جمع جميع فرقاء المذاهب المتصارعة في اليمن وتوحيدها وحسم الخلاف تحت سقف مرجعية واحدة وإقناع الجميع بان الإسلام يحمل صفة واحدة وليس عدة صفات كما تحاول بعض الأطراف .

- إيقاف خطاب الابتذال الديني في استغلال الإختلافات المذهبية لغاية سياسية لان الدين فيه ما يجمع المسملين اكثر مما يفرقهم و الاختلاف سنة اوجدها الله سبحانه وتعالى من اجل التسابق في الخير وليس العكس . فإضطراب أمواج المحيطات فيما بينها لا يبعثرها بل يبقيها متماسكة .

- تأهيل رجال دين وخطباء يحملون الفكر الاجتماعي والنفسي والثقافة العلمية عبر مناهج يعدها مختصين في مؤسسات الدولة لأن الإفراط في تعلم الشعائر الدينية فقط دون الأخذ بالعلوم الأخرى سيساهم في تحول المجتمع اليمني من طور السلم والاستقرار الاجتماعي الى طور صراع الحقبات الظلامية و الهمجية التي تحمل في كنفها الإنحلال الفكري وزيادة الانقسامات في نسيج المجتمع اليمني .

- هدم قلاع الظلم وإلغاء التماثيل والأصنام التي تحاول بعض الأطراف الدينية والسياسية إعادة صناعتها بأشكال مختلفة طبعا يحتاج الأمر لسنوات من التخطيط والتنظيم والتنفيذ المدروس تنفذه مختلف مؤسسات الدولة المعينة بذلك.

- أخيرا لا يمكن ان تتم أي معالجات منطقية وعلمية حتى تقوم الدولة بكافة مؤسساتها بإلغاء التفاوت الطبقي المجحف والامتيازات الاجتماعية الجائرة كالقبلية وغيرها من مسميات جرت العادة وتعايش الناس عليها من مصطلحات طبقية جعلت من اليمنيين درجات ذو مراتب مختلفة في الإنسانية والحقوق .

وفي الختام أقول خواتم رمضانية مباركة ... وأود من كتبانا الكرام وشعبنا اليمني ان يخفف نبرة الغضب والحنق على كثير مما يثار ضد اليمنيين في بعض المواد الإعلامية والفضائية من وانتقاص لليمنيين بيانا جهارا خصوصا ان اليمن وحال شعبها أصبح مادة دسمة للضحك والسخرية كما يحلو للبعض لأن ما نراه من الاخرين تجاهنا كيمنيين هو نتيجة نتحملها جميعا .

فهذا حصاد طبيعي نتيجة لعقود من العبودية الفكرية والجسدية التي أوجدت واقعا مأساويا في اليمن ومازلنا نكافح للخلاص منه حتى هذه اللحظة ونرى البعض يريد بقاء العبودية والعيش في أكنافها .

لذا نلوم أنفسنا أولا قبل ان نوجه اللوم للآخرين تجاه الصورة الناقصة والاستهزائية نحونا لأننا كنا سببا فيها فلا نخدع أنفسنا أكثر مما مضى


في الإثنين 06 أغسطس-آب 2012 11:33:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=16804