الطريق الشائك للحوار الوطني(1)
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر

يبدو أن الطريق إلى الحوار الوطني الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتوافقت عليها القوى السياسية ومعها الشركاء الإقليميين والدوليين، يبدو أن الطريق إلى هذا الحوار ما يزال مزروعا بالألغام الكثيرة التي تستدعي الانتزاع قبل الشروع في السير على هذا الطريق.

كما يبدو أن مفهوم الحوار لدى الكثير من السياسيين التقليديين على الساحة اليمنية ما يزال هو نفسه بحاجة إلى تدقيق وإعادة تعريف، للخروج من ذلك الحوار العقيم الذي كان يذهب فيه بعض ممثلي المعارضة للقاء ببعض من ممثلي السلطة والاستماع منهم إلى بعض التريقات لينتهي اللقاء بتأجيل الموعد، ليستمر الدوران في هذه الحلقة المفرغة التي لا نهاية لها.

إن القوى السياسية لم تجدد فكرها ليستوعب المتغيرات العاصفة التي شهدها الوسط المحلي والإقليمي والدولي وأهمها الربيع العربي ونصيب اليمن منه ولربما كان ذلك سببا من أسباب الدخول في طريق الحوار دون تصور ولو أولي حول: على ماذا نتحاور؟ وكيف نتحاور؟ ثم ما هي الآليات التي بها تسير عملية التحاور؟ ثم ماهي اتجاهات الحوار مع القوى المختلفة والمنابر وأصحاب الرؤى المختلفة؟

ما يزال كاتب هذه السطور يستذكر عندما كنا نتوجه إلى رئاسة مجلس النواب للمطالبة بالاستماع إلى مطالب نشطاء الحراك، في مطلع العام 2007م وهي مطالب في أغلبها حقوقية، حيث كان رئيس المجلس يتجاهل حتى مجرد التعليق على من يطرح الموضوع، وغالبا ما كان يقطع عنه حق الحديث بفصل جهاز الصوت، معتقدا إنه بذلك قد تخلص من المشكلة، بينما كان المرجل يغلي، بعوامل اشتعال لم يلحظها من أصابهم عمى السطوة والتسلط، ولا شك إنهم اليوم يتمنون لو إنهم استجابوا لتلك المطالب، لكن بعد فوات الأوان.

اليوم يتكرر المشهد مع اتساع دائرة من أصابهم العمى فالذين لا يريدون الاعتراف بنتائج حرب 1994م ويتحدثون عن القضية الجنوبية، وكأنها فيضان هب على بعض الناس هم بحاجة إلى إغاثة، دون أن يعترفوا بوضوح أن القضية الجنوبية هي قضية سياسية قبل كل شيء، هؤلاء لا يختلفون عن يحيى الراعي عندما كان يغلق المايكروفون على كل من ينتقد السياسات المعوجة.

الذهاب إلى الحوار يتطلب عقليات سياسية جديدة تختلف عن عقليات ما قبل 2011م، . . . . عقليات يفترض أن الثورة حركتها وزلزلت ثوابتها العقيمة وعلمتها أن المقدسات الزائفة، التي تقدس في العلن وتداس في السلوك والممارسة، ينبغي النظر إليها من منظار مصلحة الوطن والمواطن أولا وأخيرا.

عندما اندلعت الثورة الشبابية اليمنية كان الكثير من المنخرطين فيها من البرلمانيين والقياديين في لجة الحوار الوطني يعرضون على قادة الأحزاب السياسية الانخراط في صفوف الثورة فكان البعض يقول لنا أن ما يجري هو نزوات طائشة، ينبغي عدم التورط فيها.

ليس الغرض من هذه الإشارات إدانة أحد، لكن علينا أن نعترف بأن العقل السياسي التقليدي قد تأخر بمسافات طويلة عن النقطة التي وصلت إليها حركة المجتمع ومقتضيات التغيير، وهو ما يستدعي: إما تغيير هذه العقلية السياسية وإكسابها المزيد من الديناميكية السياسية وهذا يتطلب من بعض القيادات الحزبية القسوة على نفسها وبعض مصالحها، من أجل قضية أكبر إذا ما كانت ناوية على البرهنة على إنها فعلا قابلة بالتغيير هذا هو الخيار الأول، أما الخيار الثاني فهو إن تغادر هذه القيادات مسرح السياسة وترك المجال للقيادات الشابة التي تستطيع أن تستلهم متطلبات اللحظة، ومقتضيات عملية الانتقال، وإما أخيرا إعلان القطع مع هذه القيادات ومواصلة نهج الثورة الذي لحسن الحظ لم يتخل عنه الثوار ولم يقبلوا بالمساومات السياسية التي دخلتها الأحزاب بافتراض إنها ستؤدي إلى التغيير بأقل كلفة.

منطق الثورة والتغيير يستدعي ثورة وتغييرا في الفكر السياسي أولا وفي طريقة التعاطي مع المتطلبات التي فرضتها الثورة ثانيا، وفي النظرة إلى المستقبل ثالثا، وإلا فإنه لن يكون هناك فرق بين تعامل علي عبد الله صالح، وبين تعامل من خلفوه في إدارة العملية السياسية في البلاد، أي أن علينا أن نعيد النظر في منظومة المبادئ الفكرية للسياسة ومنطلقات العمل وطريقة صياغة المعالجات وطريقة التعامل مع آراء الناس وتصوراتهم، وفي النظر إلى القضايا المطروحة، والأهم من هذا التخلص من ثقافة الحلول الجاهزة والمواقف المسبقة، والنظر إلى الخيارات المطروحة ليس من منطلق ماذا تفيدنا وماذا تضرنا كأفراد أو حتى كأحزاب وتنظيمات، ولا من منطلق المقدسات والمحرمات، بل من منطلق قدرتها على صناعة مستقبل مختلف عن ما عشناه وما نعيشه، وما كنا نتوقعه قبل الثورة، كمجتمع وكشرائح اجتماعية وكأطراف متشاركة في القضية وفي الحاضر وفي المستقبل، وما ينبغي أن ننتظره وينتظره الشعب من عملية التغيير الذي يأتي الحوار الوطني من أجل استكماله عن طريق التوافق، وإلا فإن النهج الثوري سيكون الخيار الوحيد أمام الساحات ومن ارتادوها منذ اليوم الأول ودفعوا ثمنا غاليا لهذا الخيار.

وللحديث بقية.

برقيات:

* لم أفاجأ بخبر إطلاق النار على منزل رئيس الجمهورية، فهو من تجرأ على القبول بأن يحل محل الرئيس المخلوع، لكن المفاجأة أن أحدا لم يتخذ إجراء واحدا ضد من يمارس هذا النوع من السلوك، ولو حتى ببيان إدانة، . . . الشعب اليمني يعرف أصحاب هذا السلوك، بقي أن ينالوا جزاءهم القانوني، قبل أن يتمادوا أكثر.

*الحملة الإعلامية التي يشنها حزب الرئيس المخلوع ضد الأستاذ محمد سالم با سندوة رئيس حكومة الوفاق هو موجه ضد حكومة الوفاق ، لكن الغباء السياسي هو ما يجعل هؤلاء يعتقدون بأن الشتم والاتهام والإهانات لا تصل إلى وزرائهم، في هذه الحكومة، . .السؤال هو كيف يقبل هؤلاء الوزراء البقاء في حكومة يتهمها حزبهم بالفشل والفساد وزراعة الفتن، أو كيف يقبلون البقاء في حزب يوجه لهم كل يوم الشتائم والإهانات والاتهامات؟؟

*أجرى الأخ سالم صالح محمد مستشار رئيس الجمهورية عملية جراحية في الجهاز الهضمي كللت بالنجاح، . . . ألف الحمد لله على السلامة أبا صلاح وتمنياتنا لك بالصحة الدائمة وسلامة العودة إلى الأهل والوطن.

* قال الشاعر فاروق جويدة:

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

 خمسون عاماً والحناجر

 تملأ الدنيا ضجيجاً ثم تبتلع الهواء

خمسون عاماً والفوارس تحت أقدام الخيول

تئن في كمدٍ وتصرخ في استياء

خمسون عاماً في المزاد

وكل جلاد يحدق في الغنيمة

ثم ينهب ما يشاء


في الأربعاء 04 يوليو-تموز 2012 05:06:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=16340