الأهم من مؤتمر الحوار الوطني
أنور عبدالله السبيت
أنور عبدالله السبيت

قبل أن استكمل الحديث عما أسمي مؤتمر الحوار الوطني ،أود أن أعتذر لمن قرأ " مقال مؤتمر الحوار الوطني بين الثورة السياسية والثورة الثقافية " ولهيئة التحرير عن الإطالة ، وأعد بعدم الإطالة بقدر الإمكان . المقال المذكور لم يتناول مؤتمر الحوار ذاته بقدر ما كان توصيف للبيئة السياسية التي سيجرى فيها، وما الذي يتوجب على الداعيين والمتحمسين لهذا المؤتمر عمله قبل أن يدعوا إليه ، ولم يتم التطرق إلى ما يجب أن يخرج به هذا المؤتمر.

من وجهة نظري البسيطة أننا لسنا بحاجة إلى بحث حل للقضية الجنوبية ولا لمشكلة صعدة والحوثيين ولا إيجاد حل لمسألة تواجد الشباب في الساحات ، ولا معالجة المعضلات الاقتصادية ، وإنما نحن بحاجة إلى التأسيس للدولة الحديثة القائمة على أساسٍ من النظام والقانون والتي فيها معالجات لكل معضلات اليمن واليمنيين بما فيها تلك القضايا والمشكلات.

والدولة الحديثة لا تكون إلا بوجود قوى سياسية قوية وكفؤة تضطلع بدورها في حكم وإدارة البلد وهذا ببساطة يحتاج إلى إطار نظري يتمثل في دستور جديد وحديث.وفي تقديري بأن الدستور الجديد وطريقة إعداده ستكون الاختبار الحقيقي لكل من دعى ويدعو إلى دولة النظام والقانون. 

اليمن بحاجة في الوقت الراهن إلى حكومة تقدم خدماتها الكثيرة والمتعددة إلى المواطنين بعيداً عن الحسابات السياسية وبعيداً عن مماحكة الساسة ، واستغلالهم لموارد البلد في هذا الوقت العصيب في أمورٍ ليس لها علاقة بالحاجة الملحة للمواطن وصرفها في غير ما سخرت له. ثم إننا بحاجة إلى حكومة يعمل فيها أفرادٌ ، محايدون ، ومستقلون يشرفوا على عملية الإعداد والاستفتاء على الدستور الجديد وقبلها عملية إعداد السجل الإنتخابي ، ومن ثم الإشراف على الإنتخابات الرئاسية أو البرلمانية لما يقتضيه الدستور المستفتى عليه ، ومن ثم تسليم البلد إلى من سيحوز على ثقة الشعب آنذاك من الأحزاب.وهذه أي الأحزاب ومن باب دعم تنمية القوى السياسية و التأسيس لدولة النظام والقانون ، بحاجة خلال هذه الفترة(إعداد السجل الإنتخابي و إعداد الدستور والاستفتاء عليه) أولاً إلى التفرغ لذاتها بعيداً عن أعباء الحكم والسياسة ، وثانياً لدعم حكومي وفقاً لمعايير محددة وبالتساوي بين جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية ، دون محاباة أو تفضيل حزب على آخر وهذه هي أسس بناء الدولة الحديثة التي يتغنى بها الجميع.

وبطبيعة الحال مثل هكذا مهمة لا تستطيع حكومة الوفاق أن تقوم بها ولا يجب أن تقوم بها ، وذلك لسببين الأول لأننا في مرحلة استثنائية قامت فيها ثورة شعبية في فبراير2011م على سلطة بعد أن عجزت معارضة هذه السلطة على إحداث التغيير التي يتطلع إليه الشعب ، فمن غير المنطقي أن تتولى قيادة وحكم الفترة الاستثنائية السلطة السابقة أو معارضتها ، أو كليهما معاً لأن الثورة الشعبية قامت ضدهما ، كنتيجة مباشرة وطبيعية لسوء الإدارة ،والعجز السياسي و ما مضى من الفترة الانتقالية يثبت ذلك. والسبب الآخر أن هذه الفترة الاستثنائية تعتبر مرحلة تأسيس للدولة الحديثة ليس من حق طرف أو أطراف بعينها أن تحتكرها ، طالما ونحن نتحدث عن مرحلة تأسيس لدولة جديدة تمتاز بالحداثة ونتحدث عن مستقبل أجيال ، إذاً ذلك حق لكل أبناء الوطن ، فضلاً عن أننا بحاجة كما ذكرت آنفاً إلى أناس محايدون مستقلون ينظرون إلى جميع القوى السياسية بعين واحدة ويشرفون على وضع الدستور وعملية الإنتخابات التي ستجرى وفقاً لما يقتضيه . و من البديهي ألا يكون حكماً ويضع قواعد اللعبة منفرداً أو متسلطاً مع آخرين لا يمثلوا الكل، من يكون طرفاً في المنافسة وإلا أدعينا المثالية والفضيلة في أنفسنا ومثل تلك الخصال لا تتوافر إلا في أنبياء ومن المؤكد أن زماننا خلا منهم. 

وقبل أن أتناول ما الذي ينبغي على مؤتمر الحوار الوطني أن يتبنى من قرارات أو توصيات ، وهو الأقل أهمية أود أن أوضح أمراً أكثر أهمية وهو وجوب الأخذ بعين الاعتبار مسألة وضع دستور من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب ، حيث أقل حكمة من الحكم الكثيرة لهذا الإجراء هو أننا لا نتحدث عن إنتخاب برلمان أو إنتخاب رئيس للجمهورية ـ على الرغم من أهمية ذلك ، فهؤلاء إذا ما أنتخبهم الشعب وكانوا سيئين فيمكنه أي الشعب أن يتحاشاهم و يتجنبهم في الإنتخابات القادمة ، أي هناك فرصة لتغييرهم ، أما الدستور فعادة يوضع لمرة واحدة ولا ينبغي أن يعدل إلا في حالات نادرة و وفق إجراءات معقدة ، والأهم من ذلك أنه من حق كل مواطن أن يشارك في وضع الدستور الذي يحكمه وأن يجد فيه ما يعبر عن رأيه ، وليس لأي أحد أو فئة أو جماعة أن تعطي لنفسها الحق في التفكير نيابةً عن الناس ، ولاسيما ونحن نتحدث عن أسس وقواعد عامة تخص كل من يعيش أرض الوطن ونتحدث عن المستقبل الذي يفترض أن يتعايش فيه الجميع.، كما أن ليس من حق مؤتمر الحوار أن يكلف لجنة لإعداد الدستور وحتى البرلمان المنتخب ليست تلك مهمته .

ثم أن ذلك ليس بدعة ، فهذا الأمر الطبيعي في المجتمعات الديموقراطية ، إذ تُنتخب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من قبل الشعب لهذا الغرض بعينه وتنتهي مهمتها بذلك ، ونحسب مجتمعنا كذلك ، أو كما يدعون.

أعود بكم إلى مؤتمر الحوار الوطني وما الذي يتوجب على الداعيين والمتحمسين له من الخروج به لبناء الدولة الحديثة التي طالما سمعناهم يرددوها. في تقديري لن يكون ذلك إلا من خلال فترة انتقالية جديدة يكون للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي دورٌ تنفيذي فيها وهو الذي ارتضى به الجميع و كان محل توافق وقبل هذا وذاك هو الشرعي الوحيد من بين جميع القوى الموجودة في الساحة إذ أنتخبه الشعب بطريقة مباشرة بعد اندلاع الثورة وبصرف النظر عن آليات وملابسات تلك الانتخابات.

إن شيئاً من ذلك لن يحدث إلا إذا نظر الجميع إلى المستقبل فقط وجردوا أنفسهم من كل الحسابات الضيقة والمصالح الخاصة ، واتصفوا وعملوا بالشروط أو المضامين الواجب توافرها فيهم قبل عملية الحوار و رسم مستقبل لليمن و التي تم التطرق إليها في المقال السابق فإذا ما حدث ذلك فإنني أتوقع أو أتمنى أن يخرج المؤتمر بالقرارات أو التوصيات التالية للخروج باليمن من عنق الزجاجة:ـ

1-إعفاء حكومة الوفاق الوطني ، وقيام رئيس الجمهورية المنتخب برئاسة حكومة مستقلة لا يكون للأحزاب السياسية والقوى الوطنية يدٌ فيها ، متخصصة في مجالها تعمل على توفير احتياجات المواطنين بعيداً عن المماحكات السياسية و على كل القوى دعم وتسهيل مهمة هذه الحكومة.

2-قيام رئيس الجمهورية رئيس الحكومة بتكليف لجنة عليا للإنتخابات تعمل على تجديد سجل الناخبين والإعداد والتهيئة لعملية إنتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية المناط بها وضع الدستور.

3-قيام رئيس الجمهورية رئيس الحكومة بتوفير الأجواء الملائمة و الحرة و النزيهة والشفافة لإجراء عملية انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسة لإعداد الدستور وكذلك عملية الاستفتاء على عليه بعد ذلك.

4-قيام رئيس الجمهورية رئيس الحكومة خلال الفترة بدعم الأحزاب السياسية وفق معايير محددة.وتوفير الأجواء الملائمة لها لتأخذ دورها داخل المجتمع وتتهيأ للمنافسة الديمقراطية وهي تمتلك قدراً لا بأس به من القوة ، بعد أن ابتعدت عن إدارة الحكومة وتفرغت لبناء ذاتها.

5-قيام رئيس الجمهورية رئيس الحكومة بتوفير الأجواء الملائمة و الحرة و النزيهة والشفافة لإجراء الإنتخابات وتسليم السلطة للحزب الفائز وفقاً لما يقتضيه الدستور الجديد.

6-يحتاج كل ذلك إلى مدة زمنية محددة لا تقل عن ستة عشر شهراً ولا تزيد عن موعدٍ أقصاه 21فبراير2014م.

هذه هي الأسس التي تُبنى عليها الدولة الحديثة المتسيد فيها النظام والقانون وهذا ما يحتاجه المجتمع اليمني خلال هذه الفترة بالتزامن مع قيام حكومة بواجباتها الأمنية والغذائية والقضائية ، إلى أن تتسلم إحدى القوى السياسية منفردةً أو مؤتلفةً البلاد و تتحدد المسؤولية وفقاً لدستور واضح ومعد بشكلٍ سليم.

وإذا كان الرئيس المنتخب مباشرةً من الشعب ومن قدمته القوى السياسية المتناقضة ليكون الواقف على مسافةٍ واحدة من الجميع لا يستطيع أو لا تمكنه الظروف المحيطة به من أن يضطلع بإدارة هذه الفترة والخروج الآمن باليمن ، فمن المؤكد بأنه لا يوجد ما يمنع دستورياً أو حتى عرفاً فيما أسميت بالمبادرة أو لما تقتضيه المصلحة العليا، من أن يقيل حكومة الوفاق التي أثبتت فشلها ، ويلغي سياسة تقاسم إيرادات الدولة التي لم تستطع أن تقرب المتشاركين في إهدارها من بعضهم وتجعلهم يعملوا بصمت وبروح الفريق الواحد كما يقتضيه عرف من هم على شاكلتهم ، بل تعدوا ذلك إلى أن يصطنعوا المشكلة تلو الأخرى لبلدهم ويحمل كل طرف الآخر المسؤولية، وتضيع مصالح الناس بين هذا وذاك. ويكلف بدلاً عنها حكومة مستقلة ليس لها علاقة بمثل هذه القوى المريضة التي عافها الزمن وعافته. وهمساً في الآذان.. الكفاءات الوطنية المستقلة كثيرةٌ وكثيرة جداً ولا تريد جزاءاً ولا شكوراً. وبطبيعة الحال كل ذلك في إطار التوافق الوطني أتمنى أن يحدث هذا التوافق على هكذا شكل وبرضى الجميع إن كانوا يعوا ويفقهوا أين تكمن مصلحتهم الحقة. 


في الثلاثاء 26 يونيو-حزيران 2012 06:27:26 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=16231