بالوحدة نبني الوطن..
بدر الشميري
بدر الشميري

أيام ويشهد اليمن حدثاً تاريخياً عظيماً، أعاد رسم الجغرافية اليمنية،وقارب بين الأسر المتباعدة بالحدود، والمتقاربة بالجدود، انه يوم الوحدة ، العيد الثاني والعشرون للجمهورية اليمنية ،يوم أعاد اليمن الى الأصل بعد الفصل،وَحًد الشمال بالجنوب،وأرسى وحدة الأرض والإنسان،والثقافة والتاريخ،والمصير المشترك للتراب والإنسان اليمني..

الـ 22من مايو1990،يوم مجيد من أيام اليمن الخالدة ،بأمجاده الوحدوية،يحسب هذا الحدث التاريخي في المقام الأول لأبناء المحافظات الجنوبية-وهذه حقيقة يعرفها من يقرأ الكتب التاريخية لكتًاب جنوبيين، قدماء الوحدة تتدفق في كتاباتهم،فالوحدة كانت برغبة وإرادة جنوبية وشمالية،ولولا إرادة ونية وصدق أبناء الجنوب،ما كُللت الوحدة بالنجاح... إن الوحدة منجز تاريخي- وان عكر صفوها ،واخفت وهجها، سوء إدارة وتعامل النظام السابق لها –تمثلت بإعادة اللحمة، ولمَ الشمل، وجمع الأسرة اليمنية،قاربت بين الأرض الممزقة بفعل الاستعمار الخارجي(بريطانيا وتركيا)،وهذا ليس بجديد على اليمن، فكتب التاريخ حافلة بأيام خالدة ،لوحدة التراب والإنسان اليمني ..

إن الأصل في اليمن رقعة واحدة،يسكنها شعب مندمج ومترابط ،أنسابه متداخلة،شمالا وجنوبا شرقا وغربا،كما هو معروف عن القبيلة اليمنية(أبناء قحطان)،والاستثناء يمثل التمزق والتشرذم، نتاج السياسات الداخلية الخاطئة،أو بتأثير الخارج..

اليمن الأم مصطلح عرفت به اليمن منذ آلاف السنين،عاصرت شتى الظروف، تتحد فتقوى على الخصوم،وتضعف فتمزق الى دويلات.. وهلم جرا...

إن مراحل تكوين الدولة اليمنية على مر التاريخ، تظهر أن وحدة اليمن أزليه، وإنها الأصل، والشواهد كثيرة بأسماء دول قامت بحضارات سطرت بأحرف من نور، منها الدولة المعينية (1500ق م-850ق م) وعاصمتها معين بالجوف،تمثل أول دولة يمنية كبرى(وحدت جميع المخاليف)،قامت على أنقاضها الدولة السبئية(850 ق م-115 ق م) وعاصمتها مأرب،استطاعت أن تقف في وجه الطامعين بالتراب اليمني ،وخاصة دولة الحبشة..

لم تخلُ شواهد وحدة اليمن عبر التاريخ الإسلامي ،ابتداءً من الخلافة الراشدة، مرورا بالدولة الأموية والعباسية،والدول اليمنية المتعاقبة..

فعندما تولى على بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة، استعمل على جميع اليمن، ابن عمه عبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب،وفي خلافة معاوية ،جمع اليمن بكامله لأخيه عتبة بن أبي سفيان، ثم للنعمان بن بشر الأنصاري ،ثم لسعيد بن دادويه الفارسي..

بعد ضعف الخلافة العباسية وخروج اليمن عن سلطة الخلافة،قامت دول متعاقبة، وكانت كل دولة تسعى الى توحيد اليمن،واغلب تلك الدول نجحت في جمع اليمن بكامله،فهذه الدولة الرسولية (626-858هـ/1404-1228م) وعاصمتها تعز،في ظلها تم توحيد اليمن ،من حضرموت جنوبا وحتى مكة شمالا ،إنها إشارة إلى إن وحدة اليمن،سمة لا تنفك عن الأرض اليمنية..

اليمن لم يعرف التمزق الجغرافي، والتفكك الى دويلات، إلا عندما ينقم الشعب على الحاكم لسوء أفعاله وتصرفاته، وعندئذٍ تضعف سلطته وكما اشرنا يظل الاستثناء والأصل أن اليمن واحد،أو بتأثير الخارج عليه،وخير مثال وليس ببعيد عن ذاكرتنا،ما قامت به بريطانيا وتركيا في تمزيق اليمن ،احتلت بريطانيا عدن في1839م،ودعمت بعض شيوخ القبائل الجنوبية على بعض ،ومزقته الى إمارات وسلطنات ، حتى تمكنت من فرض الوصايا عليه،وفي (11فبراير1959م)أعلنت رسميا عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي،واحتلت الدولة العثمانية (تركيا) بعض أجزاء اليمن الشمالي،وصار اليمن ممزقاً بين دولتين،وبعض أجزائه الشمالية بيد الإمامة..

تمزق اليمن الى دويلات لأسباب خارجية كما سبق ذكرها،وأسباب داخلية،تتمثل بممارسات السياسات الخاطئة وغير المقبولة،ممارسات الظلم والاضطهاد،والتفريق بين أبناء الشعب على أسس مذهبية ومناطقية،وغياب عدالة توزيع موارد الدولة -وكما فعل الإمام يحيى حين تسلم سلطة الشمال بعد خروج الأتراك من اليمن(1918م)، خاصة مع أبناء تهامة(بدوافع مذهبية) وخلق أجواء عدائية أثرت سلبا على وحدة الشعب والتراب اليمني -وان كان للإمام يحيى طموح استعادة الجنوب من بريطانيا ،إلا أن سياسته أوجدت العكس-ودفعت اليمن ثمن تلك الأخطاء الكثيرة..

ليس ببعيد ما كان بالأمس، وما نشاهده ونسمعه اليوم،من أصوات نشاز تنادي بعضها بفك الارتباط، وأصوات من هنا وهناك، وكلها نتاج لواقع مرير، من سوء إدارة وتصرفات النظام السابق،وتجاوزاته،وقبضته على موارد الشعب وتلاعبه وأفراد مقربين ونافذين بها...

أخيرا ونحن على عتبة مؤتمر الحوار الوطني، ينبغي أن يتمخض عنه ما يصلح الشأن اليمني،و يعطي لأصحاب الحقوق حقوقهم،وان تسمع القيادة السياسية لجميع المطالب ،فاليمن قاب قوسين أو أدنى من التمزق،وان تظل الشراكة قائمة،ينعم كل يمني بخير بلده،لا ظلم و لا هضم ولا استبداد ولا سلطة أفراد ونافذين،دون تعريض الوطن للتمزق والتشرذم والتشطير... حلول تنزع فتيل التشرذم ،وان وصلت الى تطبيق نظام الفيدرالية لأكثر من إقليمين،فعواقب التشطير لن تقف عند دولتين(شمالاً وجنوباً)،وإنما ستجر الجنوب الى الانقسام لأكثر من دولة،والشمال ليس ببعيد عن هذا المشهد،وعندئذٍ لن يكون للشعب سلطة وسطوة ومستقبل ينعم به،وسيظل يصارع بعضه بعضا ،يسقط في أوحال الشتات والتناحر، تستثمره دول لا تريد لليمن الاستقرار والنماء...


في الأحد 20 مايو 2012 06:24:20 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=15635