المهمشون كلمة متقادمة
فؤاد سيف الشرعبي
فؤاد سيف الشرعبي

أثبتت الأيام المنصرمة والتي لا نزال نعيش فصول مأساتها البيئية أن للنظافة قدرٌ طالما غاب عن أذهاننا , وان القائم بهذه المهمة حجر أساس مهم في حياتنا , وان كان البعض ينظر إلى مهمةٍ كهذه على أنها هامشية ومن يقوم بها ينتمي إلى هامش لا يكاد يرى بالعين المجردة دونيةً وازدراءً .

لكن مجرد مسيرات واعتصامات و إضراب نُفِّذ من قبل عمال النظافة لمطالب عادلة وحقيقية , عرفنا من خلاله من هو عامل النظافة ذو البشرة السوداء , وذلك الجندي المجهول , وتلك السواعد المشاركة في البناء والتنمية .

بلغ السيل الزبى , وتراكمت الأوساخ والمخلفات منذرة بكارثة بيئية مدمرة , وأمراض فتاكة تجتاح كل حارات وشوارع الجمهورية ومنها مدينتنا تعز الحالمة التي تغط منذ ثورة سبتمبر في أحلامٍ خيالية .

في هذه البيئة المضمخة بروائحٍ منتنة , وتلك الشوارع المزينة بأكوام من المخلفات تكاد تنافس المنازل في العلو والارتفاع , هنا تساءل الكل عن المنظف بمن فيهم أعلى قيادات الحكومة , يتذللون له , يقبلون ساعديه وقدميه , ويضربون له تحية تعظيم سلام , و يتوسلون بمهارته , وبوظيفته التي لا يستغنون عنها أبدا , ويدشنون حملة النظافة على اعلى المستويات والقامات , وكل يسأل عنه , ذكرني ذلك ب نُفَيْلَ بن حبيب الخثعمي , الذي كان دليل الأحباش في محاولتهم لهدم الكعبة المشرفة , إذ دلهم على حتفهم , وبدأت الطير الأبابيل تستقبلهم براجمات الصواريخ وبحجارة من سجيل , هنا تسال الكل عن نفيل ليدلهم على طريق العودة , فقال عن ذلك نفيل :

حمدت الله اذ ابصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا

وكل الناس يسأل عن نفيل كأن عَـــلَيَّ للحبشان دينا

هكذا اليوم صرنا نتساءل بلهفة عن المنظف , ولن نعتب عليه , أو نطالبه بالاعتذار , إن تمثل بقول الشاعر :

سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ولإن عدنا إلى أسس ديننا وسألنا عن موقع هذه الوظيفة في هيكل الحياة الاجتماعية والدينية لوجدنا أن عامل النظافة يعمل على شعبة من شعب الإيمان ألا وهي إماطة الاذي عن الطريق , فهو بالتالي عمل محمود عند الله قبل الناس , والمنظف ممن يذكر إذا حضر ويفتقد إذا ما غاب , من ينسى موقف الرحمة المهداه محمد صلى الله عليه وسلم حين افتقد يوما امرأة سوداء كانت تكنس المسجد , وكم أحس بحرقة حين قيل له أنها ماتت , فقال بصيغة العتاب والحزن معا : أفلا آذنتموني ؟؟!! , ولما أحس أن بعض من أمامه أراد أن يهون من الأمر , قال : دلوني على قبرها , ثم ذهب ليودعها ثم يصلي عليها , هذا هو المنظف قدرا ومقاما في حياته ومماته .

لم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المرأة على أنها ومن على شاكلتها من المهمشين , كما كان يحلو للنظام السابق أن ينظر إلى أمثالها في اليمن بنظرة دونية واقعا ومعاملة .

لقد عانى عمال النظافة كثيرا من التهميش وأكل الحقوق وبالأخص في تعز حيث تداول على صندوق النظافة من يسومهم في أرزاقهم سوء العذاب بخسا وانتقاصا ولصوصية .

بل لقد طفح الكيل باستباحة الدماء , وما قام به أحد المتنفذين المحسوبين على النظام التالف , بعملية القتل في حقهم جهارا نهارا عنا ببعيد , إذا لم تحرك السلطة المحلية ساكنا في هذا القضية , لا لشيء إلا لان القاتل من سدنة النظام العائلي , والمقتول من مهمشي ذلك النظام !!

وبالتالي أما آن الأوان لإعطاء هذا الموظف وهذه الوظيفة القدر اللائق بها , بعد أن أدرك الجميع أن اليمن السعيد كادت أن تحل به كوارث بيئة حين غاب وغُيب صاحب البشرة السمراء عن إماطة الأذى عن الطريق , فالمهمش هو من لا قيمة له وليس له باع في خدمة الوطن .


في الأربعاء 18 إبريل-نيسان 2012 03:51:47 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=15163