الخصوصية العرقية الخاوية موضوعياً بالنسبة للحوثيين
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

الطائفيون لا يكفون عن التفكير بأنفسهم، أصحاب امتيازات تاريخية كما يتوهمون يريدون عودة البربرية الماضية إلى المستقبل.

 عندنا في اليمن تزعزعوا جداً بعد الثورة الأولى قبل خمسين عاماً، لكنهم عادوا من جديد الآن لإحياء الآمال الدينية الاصطفائية، معتقدين أنها تمنحهم حق احتكار السلطة.

 ويكمن تناقضهم الذاتي في أنهم أصحاب مظلمة - كما يدعون - فيما يريدون ظلم كل من يخالفهم هذه الرؤية في ذات الوقت، بحيث إن الإمامة للبطنين قادرة على تحقيق الازدهار الكوني أيضاً حد ظنهم الساذج.

***

جوقة عظيمة مدعومة إيرانياً الآن لا تريد لهذا الوعي البليد زوالاً، بينما لا نريد نحن غير ولادات جديدة لليمن ولليمنيين.

 لكن إذا كان الحوثي زيدياً - كما يزعم - فلماذا لم يتسق مع الزيدية الوطنية المستنيرة التي قدرت أن تتجاوز هذه العقدة في طريقة الحكم، وارتضت أن نناضل معاً من أجل الخيار الديمقراطي والمدنية والمواطنة المتساوية؟ أم أن الحوثية مذهب جديد ونحن لا نعرف، تصمم على الأحلام البائدة فقط ؟!!.

***

الأنكى أن هناك من يعتبر الحركة الحوثية أحد مكونات الأمة زوراً وبهتاناً، كما بمقابل ذلك بظني يمكن أن نجد تكوينات مسلحة شافعية - مثلاً - تقاوم هذا الادعاء البغيض أو تمضي في طريقه - أيضاً - بدافع القهر من الاستنقاص المذهبي وإثبات القوة المضادة ومقاومة همجية الحوثيين..!

***

نعم عمّ يدافع الحوثيون اليوم؟ عن إمامة البطنين..!

إنهم يبررون لأنفسهم استبدادنا إذن، مصممين على إبقاء الفروقات والتفاوتات الباغية على نحو عنصري رث، بحيث يظهرون غير مؤمنين أساساً بفكرة المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات، وأن الحكم لمن يقرره الصندوق.

كذلك فإن الجمهورية - رغم كل ما شابها - ستظل هي ضمير اليمنيين يا هؤلاء، ولا يمكن أن نعود إلى المربع الأول أبداً.. مربع الإمامة وتقبيل ركب السيد الأعلى.

***

الحوثيون كما هو واضح محاصرون بالأيديولوجيا المريضة والمأزومة التي سنوها لأنفسهم كما بالادعاءات غير المبررة، فهم مثل طبقة النبلاء في أوروبا المتوسطة حين كانت تحارب وترتكب أبشع الفظائع من أجل امتيازاتها فقط.

 ويقول ماركس: إن كل طبقة استبدادية تبدو مرغمة على إضفاء طابع الشمول على أفكارها ومعتقداتها، كما على تصويرها بأنها الوحيدة المعقولة والمقبولة عالمياً، غير أنه من الطبيعي أن يفضل كل إنسان نفسه على سبيل التفوق الموهوم، لكن من المستحيل طبعاً أن ينزل هذا التفضيل منزلة نظام مقبول من جميع أفراد الشعب.

***

إن الحوثي بالذات أكثر تعلقاً بأوهام الشمولية، وأكبر همومه اليوم هو إفساد الوعي المدني الذي بدأ يتشكل مؤخراً، بحيث إنه لا يريد أن ينصهر بالشعب بقدر ما يلوذ فقط بطبقته كملجأ مائز لاشمئزازه المترسخ من فكرة الشعب أصلاً.

***

ألا لعنتي على هذا العصاب الجماعي الهستيري لعنصر أو فئة اجتماعية تريد أن تقف على رأس المجتمع رغماً عنه بدعوى النسب الرفيع فقط، وباعتبارهم وسطاء مقدسين بيننا والله..!

***

إن هذا المشروع الذي يتم إحياؤه الآن بصورة مؤججة - للأسف - يجد رواجاً كبيراً عند الجهلة أو الانتهازيين من الذين يساعدونه على إيجاد تبرير إيجابي لجنونه اللامشروع وطنياً.

ولقد كنا نعتقد أن رأيهم قد تعدّل بعد خمسين عاماً على الثورة الأولى، لكنهم مازالوا يريدون مكاسب اجتماعية وسياسية دوناً عن الآخرين أو أكثر منهم، فيما الإنسانية تظل متجانسة من حيث القيم التحررية على الأقل.

 وهؤلاء لا يعرفون أن المسألة صراع إرادات لا ينتهي بين القاهر والمقهور، ينتصر فيه المقهور مهما طال الزمن أو استفحل الخداع والغشم.

***

إن هؤلاء يعتمدون الخداعات بأضاليل أخلاقية وعاطفية، وبديهي عليهم الآن كواجب إنساني ملّح بشدة استيعابهم فعلياً لضرورة عودتهم إلى الصواب قبل أن نجد أنفسنا في غمار حروب طائفية لا تنتهي.

 وللعلم فإننا نعلم بأنهم مجردون من سلاحهم التاريخي أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً وإن أكثر ما يحرجهم الآن هو أننا في القرن الواحد والعشرين.

 على أن النزعة الذاتية الهاشمية وهي تأخذ هذا الوضع المتطرف بالفضائل السامية لدمائهم الزرقاء وبضرورة سيادة مشيئتهم على اليمنيين تبدو مضحكة ومقززة جداً وهي ذات طابع خاص وأناني وأحمق بل وأكثر تخلفاً.

 ثم إن النبي العظيم محمد كان ينطلق من مواقفه الذاتية في التواضع والنبل وعدم الامتياز، أما أنتم فدون تأنيب ضمير ترون في أنفسكم خلاصاً لمعاناة البشر، بينما نقطة ارتكازكم الأساسية أكاذيب التميز والاستحقاق والتعالي، وهذا هو الضلال نفسه الذي خرج ضده كل الرسل والأنبياء وأبطال الإنسانية يا أصحاب النيات السيئة لو تعلمون.

***

تلك – للأسف - جوهرية الخصوصية العرقية الخاوية موضوعياً بالنسبة للحوثيين، وهي تخبئ في طوايا تابعيها تفوقهم المزعوم، فيما الحوثي يبني نفسه في ظل التخلف؛ بحيث إن وعيه هذا يؤجج صراعنا الطبقي معه كوعي متعجرف باصطفائية لا يليق التبرير الديني لها بأية حال من الأحوال.

ولقد كنت أنظر للحوثيين بريبة، رغم تعاطفي الكبير معهم بناصر الإنسانية جرّاء ما تعرضوا له من حروب مثلاً، إلا أنهم ما إن شعروا بأنفسهم أقوياء حتى حل العنف محل الفكر، فأرادوا التوسع إلى الجوف ثم تقهقروا بعد خسائر فادحة، وهاهم أيضاً لايزالون يرتكبون أفظع الجرائم في حجة - للأسف - وبدوافع استحضار “العرش المفقود”.

يريدون بذلك إقناع الآخرين - كما إقناع أنفسهم - بأنهم يتطلعون إلى غايات مثالية نبيلة، رغم أنهم يدافعون عن مصالحهم التحقيرية لبقية طبقات الشعب؛ عبر اختراعهم التاريخي لقدرية عليا، يصبح الاستئثار والظلم باسمها مبرراً.

***

بالمختصر الشديد يا هؤلاء يبدو سيدكم عبدالملك الحوثي مجرد صنم مضحك ومقزز جداً، ما لم يستوعب المستجدات والتحولات الكبيرة على الوعي والأفكار وبنية المجتمع، بدلاً من استمراره في هذا النهج وباللامبالاة المريرة ذاتها والتحايل أو الاستخفاف ذاته.

*الجمهورية


في الخميس 12 إبريل-نيسان 2012 05:18:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=15050