غارة أمريكية تنهي الغموض الذي يكتنف حياة الشاب«سامي»
وليد البكس
وليد البكس
 
 

مساء 11 مارس تصاعد أدخنة من جبل خنفر، حيث كان سامي برفقة مجموعة من زملائه من مقاتلي القاعدة، الأمانة الصحافية تحتم علينا أن ننفي علاقة الشاب بالتنظيم ليس لأنها معلومات تأتي لاحقة ولكن لأن أغلب المقربين منه ومن أسرته يرددون ذلك.

لكن “سامي” قتل برفقة مجموعة من هذه الجماعات، بعد أن كانوا يحتمون بالجبل.

في الساعات الأولى من مساء الأحد ضربة صاروخية قاتلة، أطلقتها بارجة أمريكية من البحر، فيما خبر آخر قال: كان مصدرها طائرات بلا طيار. لتستمر حكاية أغلب من يعرفه ينفي التحاقه بالتنظيم.غير أن شهود عيان أكدوا وصول جثته إلى مدينة جعار ليدفن فجر الاثنين 12 مارس.

انضمامك إلى معاقل المتشددين شكل الصدمة. لم يكن كما يذكر البعض بغرض بقائك في صفوفهم، حدث فجأة تسبقه حرقة وغصة على ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة، مما وسع من الكارثة على الجميع، بما فيهم خبرك أنت، مع أن الكثيرين لا يرغبون بأن نطلق عليك أحد عناصر هذا التنظيم.

 فاجأتني نهايتك يا سامي. من الضروري أن تؤول حياتك إلى جبل المجاهدين. هل كان عليك القيام بذلك لتسقط صريعاً؟ تفارق الحياة. ويتطاير لحمك في منحدرات جبل خنفر.؟ أينما يقيم الموت بوحشية متفاوتة. في ضواحي الغياب، وحيث يتخلى “خنفر” كجبل عن حالته، التي لم تعد تشكل جاذباً للناس، ولم يعد بفكر أحد بأن يرتاده، حتى هؤلاء من يوصفون بمقاتلي القاعدة لم يكونوا يتخذون من الجبل مكاناً لإقامتهم - حسب رأي بعض أبناء المنطقة - لكنهم يمارسون من وقتٍ لآخر تمارينهم المميتة من خلاله، ويوهمون الآخرين أنهم من هناك ينطلقون.

هذا يعني بأنك لن تزور صنعاء مجدداً. سيتقرر علينا محاولة نسيانك يا سامي، لكن ليس إلى الأبد. نكذب لو قلنا بأن ذاكرتنا مثقوبة إلى هذا الحد. ها نحن نستعيدك من أول محطة تستضيفك في الغياب. وهي في الحقيقة الأخيرة. حينما قررت ألا تعاود السفر إلى هذه العاصمة. كما كنت تفعل كل صيف. الآن نذهب إليك نحن. منذ ما يزيد عن ستة أشهر، كنت هنا وتركتنا. لم تفصح عن مشروع موتك. هل كنت إلى هذا الحد شجاعاً مبالغاً في جراءتك حد التضحية بكل شيء؟.

 كنت شاباً غضاً يافعاً، لم تقتلك سوى غصتك على مدينتك وقهرك بعلاماتها الظاهرة على وجهك. عن جعار وناسها الطيبين والبسطاء من الفقراء والمطحونين جراء كل هذا الدمار المتلاحق بسبب وبلا سبب، ما جعل حياتك محاطة بغموض وألم.

اتخذت على إثرها قرارك شديد القسوة، تخليت من خلاله عن والدتك، إخوتك الكبار والصغار، وأصدقائك.

أمك غارقة في حزنها المستظل في القلب، ووالدك صامت واجم كصخر جلد. الأقارب هم أيضاً فضلوا الصمت الطويل. إلا ما ندر من معلومات تخصك. ووحدها الحيرة من غيابك تعلو كل شيء. وتتناسل الأسئلة، طبيعية ومحرمة هي هنا تسير في كل غرف البيت وزواياه المظلمة، حتى شرودهم لا يهدأ الجميع - على ما يبدو- ينتظرون عودتك من صنعاء أو عدن. إنهم يدركون حقيقة تغيبك الأبدي.غير أنهم يحلمون أن يستمعوا – ربما – إلى حكاياتك في صفوف المدرسة، وأحاديثك برفقة أصدقاء الجامعة.

الموت باغت الكل، لم يعلموا أنك أخفيت عنهم وعمن عرفوك فكرتك وخاتمتها، وعلى طريقتك أنت.

ضربت موعداً مع الموت ومضيت وجهاً لوجه تلتقيه. قضيت حيث مضارب جبل موحش مقفر. التهم من جسدك أحد يديك وقدمك، وترك علامته خلطة (البارود الداكن) على شكل حروق غامقة.

بصراحة كنا نتجاهل مصيرك؛ لأننا لا نعلم شيئاً، أو لأننا لا نجيد أدب الاستماع للآخرين بما يكفي.

ها نحن ندفع الثمن. تعرفنا بك يوماً ما عبر أصدقاء مشتركين. وذهبت تنجز ما طلبه غيرهم منك. نعرف بأنهم كانوا يحبونك ويخافون عليك، ويفرحون بقدومك إليهم في صنعاء. فيما البعض من الأوغاد ربما استدرجوا حماسك المعهود وخلقك النبيل، استخدموه في خططهم الخبيثة لتموت كما يريدون.

أنت تجبرنا على أن نسافر إليك هنا، ليس لنخبرك بصدمتنا بك؛ لأننا لم نشفَ منها حتى الآن. ويتحدث البعض عن الإمكانية التي كان يجب أن يستفيد منك الوطن،عبر تخصصك في الجامعة الآي تي(برمجة المعلومات)، ولكن لننقلك جثة هامدة. من على جبل (خنفر70متراً) شمال محافظة أبين، إلى صدر هذه المطبوعة.

لا أستطيع أن أقدمك على أنك نجم حفلة هذا المساء في واحدة من ساحات الثورة الوطنية، أنت لست أبعد من مجرد ضحية تضليل (أنصارالشر) وزعمائه، أعدائك، أعدائنا، وغرماء أنفسهم والوطن.

أعرف أن هذا سيزعجك. أدرك أنك لا توافقني.غير أني متأكد أنك لن تقاطع الكلام أو تصرخ. يجب أن تصغي لي ولو لهذه المرة. أقترح أن تقوم حجة القراء هنا بيننا. أعدك لو كسبت هذه الجولة لن أعدها نصراً. مع أنني أسقط في أكثر من منازلة مع نفسي وأنا أحاول تصديق خبر موتك.

كنت ولاسيما بما يكفي هادئاً كفيروزة مطر. نشاطك الملفت معهود.على هذا الأساس عرفناك، لم نتفق نحن وأنت وكثيراً من أصدقائك وكل الذين عرفوك إلى ما ذهبت إليه. وما قيمة الصحافة إن لم تنصف نفسها من تهمة التحيز والاصطفاف.

حزننا عليك صحيح يا سامي، لكننا يجب أن نتجرد. هذا سيء أيها الشاب العشريني الجذاب.على كل منا أن يختار نهايته كما يحب. الكلمة أيضاً رصاصة، وهل علينا أن نصوبها بعيداً عن نطاق من نتعرف أو من نود لو أصبحوا يوماً قريبين منا وأجبرونا على ذلك، خاصة في مثل هذه الحالات؟ من المؤكد أننا لن نقتلكم مرتين. اللحظة مغايرة بدت أكثر سوداوية مؤلمة. ولم نفعل أكثر من محاولة إشراك الناس في عزائنا بك. من أجلنا وأجلك.

سأخبر المعزين عنك. دعني أحدث القراء بخصوصك قليلاً. كيف تحول طالب ذكي بارع في جامعة الأندلس الخاصة في العاصمة صنعاء إلى مشروع (مجاهد) وهو لا لم يتجاوز(25) من العمر؟.

البعض لايزال يشك بما نقول ويعدها تهمة، وربما يعزي كثيرين ردة الفعل التي لحقت بك كانت بدافع الطيش والجنون نحو العالم الآخر. جاءت تعاطفاً بحسب مقربين منك”مشاهدتك المتواصلة لتعرض مدينة أبين وجعار على وجه الخصوص لهجمة شرسة ونزوح أبنائها بالآلاف”هو ما جعل منك تقدم على خطوتك الأخيرة، وبغرض أن تفعل شيئاً يذكر للناس. مع أنهم اختلفوا معك لذلك.

هذه ليست دعاية إعلانية. إنها أكثر من برقية عزاء، لكل هذا الجيل وجيل يليه. لا أعلم كم منهم سيقرأها. إنها تهمكم في الدرجة الأولى. من المؤكد أنها ليست مجرد رسالة. تساهم في كبح مشاريع الجماعات الضالة وبكل غصة خانقة. لكنها تقدم صورة حية على المزيد من الطرائد، من تنوي أن تلاحقهم هذه الكتائب لتوقع بهم في مصائد أفكارها المحبوكة. ويجب أن يتجنبوا مصائرهم القاتلة.

دفع سامي وغيره من طابور طويل سقطوا ويسقطون - ربما تباعاً - ضحية هذه الفخاخ المفجعة الموجعة.عليهم أن يفلتوا من كمائن أنصار الهاوية. ومخططاتهم المدمرة.

 لا يهم الطريقة التي لقي فيها هؤلاء الشبان حتفهم. ثلاث ضربات عنيفة هزت الجبل.عند الساعة السابعة والنصف. هذه حلقة من مسلسل الضربات المتبادلة بين المتشددين والجيش اليمني بمساندة الطيران الأمريكي تتواصل. ويسقط ضحيتها الأبرياء والمجندون وأيضاً المسلحون من عناصر التنظيم السيئ.

كما أن التنديد بكل ذلك لا يمنحنا في هذه اللحظات موقفاً مغايراً.

إن حجة المتشددين تنتهي بوحشيتهم المقيتة ضد الحياة، وأيضاً تغيب معها فكرة التلويح بانتهاك السيادة أو اختراق الأجواء.

يسقط كل يوم ضحايا جدد، مضرجين بدمائهم. يتوزع لحمهم في عدة اتجاهات. وتنهي حياتهم حيث يرابطون، كما حدث مع سامي والآخرين. تلاشت أحلامهم وتبخرت في أحد معسكرات خنفر، واحد من جبال مديرية جعار شمال محافظة أبين.

هناك وعلى هذه الشاكلة المؤلمة يختفي أغلب الشباب إلى النهاية لتبقى المرارة حاضرة.. بين أحبابهم وأهاليهم.


في الجمعة 23 مارس - آذار 2012 10:51:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=14727