رسالة عاجلة إلى شباب الثورة
د. مطهر عبد الله السعيدي
د. مطهر عبد الله السعيدي

إن من أولى مهام الثوار والمفكرين والسياسيين والمعنيين بالشأن الوطني في هذه المرحلة الاستثنائية والخطيرة في تاريخ اليمن قديمه وحديثه، هي أولاً تحديد المعايير الحقيقية لانتصار الثورة والمضامين الموضوعية والوظيفية لهذا الانتصار بالنسبة لمصالح الشعب، وثانياً تحديد أولويات الهام البنائية والإصلاحية للمرحلة الراهنة، وتحديد خصائص ومسارات وآليات عمليات البناء ولإصلاح هذه، والإطار الناظم والضامن لسلامة نهجها ولانسجامها الموضوعي المستمر مع منطلقات الثورة ومتطلبات تحقيق المصلحة العامة.

في موازاة هذه المهمة الخطيرة يوجد ثمة مهمة بالغة الأهمية والخطورة كذلك، تتعلق بتحديد منظومة الخيارات والمسارات الإستراتيجية طويلة المدى بالنسبة لنهج البناء الوطني وصيغ تجسيدها الدستوري والمؤسسي، وكذا المؤشرات والمعايير التي يمكن من خلالها الاستدلال المبكر على انحراف الثورة عن مسارها الصحيح المحقق للمصلحة العامة لأي سبب كان، وعلى محاولات الاستحواذ الانتهازي على الثورة، وذلك قبل أن تتمكن قوى الهيمنة الانتهازية من الإمساك بناصية الدولة والمجتمع والبدء بعمليات التزييف والتخويف والتحريف الشامل، كما حصل كل مرة في الماضي، سواء في اليمن أو على امتداد الوطن العربي. وينبغي التأكيد هنا على أن محاولات الاستحواذ والتحريف الانتهازي هذه يمكن أن تأتي بصور وأشكال متنوعة منها أن تأتي باسم الثورة وتحت شعاراتها، بل ولعلها تعمد إلى المزايدة على الثورة والثوار من خلال الدعوة لشعارات وخيارات غير واقعية، ولا تعكس الأولويات المرحلية الصحيحة للثورة، تؤدي إلى حالة من الإرباك، وإلى التصدع والتصارع داخل صفوف الثورة ذاتها.

إن مثل هذا المآل لا يعني مجرد إفشال الثورة كحدث تاريخي والتفريط بدماء الشهداء وبفرصة التحول التاريخي التي أتاحتها الثورة، ولكنه يعني تحول الثورة إلى وسيلة هدامة لتفريغ إرادة وطاقة الفعل المجتمعي الإيجابي الكامنة لدى المجتمع عبر تجربة فاشلة وصادمة أخرى سلبية المردود، أرادها وشارك فيها الشعب كله هذه المرة، الأمر الذي من شأنه إعادة شحن الوعي الجمعي للأمة المستنزف والمحبط أصلاً بمحصلة هذه التجربة المؤلمة من المرارات والاحباطات والدروس التاريخية، التي مؤداها أن لا إصلاح ولا أمل في أمل في الإصلاح الحقيقي، وبالتالي لا يكون أمام المجتمع سوى إما العودة إلى حالة الكمون الانهزامي طويل المدى، أو التشضي والتمزق الذاتي في متاهات التطرف والفتن الطائفية والعرقية والعصبية والمافوية عموما، وان يوأد حيا في حفر الفقر والجهل والتخلف.

لذلك فإن على الثورة وقواها المخلصة بالإضافة إلى تحديد المعايير والمؤشرات المشار إليها، أن تجد نطاق التوازن البناء بين صيغتي الواقعية والموضوعية البناءة من ناحية، واليقظة والصلابة الثورية من ناحية ثانية، في ظل مبدأ أن الانهزام أو الانحراف عن خط الثورة هو بمثابة خيانة كبرى للشهداء ولحق الشعب ولقضية التقدم الوطني عموما.

فكما إن المرحلة الراهنة هي الأكثر دقة وحسما على مدى التاريخ اليمني الحديث قبل الثورة وبعدها، فهي كذلك المرحلة التي يعتبر دور الشباب الثوري هو العامل الحاسم في ترجيح الخيارات وتحديد المسارات المتعلقة بطبيعة ونهج التحولات المجتمعية ومقومات التحديث والبناء الذاتي للوطن سلبية كانت أم إيجابية .

إن إدارة الصراع في إطار دور الشباب الثوري بقدر كاف من الكفاءة والفعالية يتطلب قدر كبير جدا من الوضوح الاستراتيجي والموضوعي بشأن حقائق ومعطيات الواقع الراهن السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وإمكانيات ووسائل التأثير في إطارها، كما يحتاج إلى قدر كبير من حسن التقدير في ترجيح الأولويات وفي تصميم المواقف والخيارات.

ولسنا هنا بصدد تقديم تحليل تفصيلي بشان معطيات الواقع الراهن ولكنني أرجو أن أنبه إلى القضايا الحاسمة التالية:

أولا: بعض الحقائق الهامة والملحة التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند أن يقوم شباب الثورة بصياغة مواقفهم وإستراتيجية عملهم السياسي.

ثانيا: وهو الأهم بعض المواقف والمطالب التي ينبغي أن يتمسك بها الشباب، والتي يمكن أن تستوعب إلى أقصى حد ممكن مقتضيات هذه الحقائق، وفي نفس الوقت توفر حد ملائم من الضوابط والضمانات الموضوعية لتحقيق أهداف الثورة في بناء الدولة المدنية العادلة وتأسيس صيغة فعالة للممارسة الديمقراطية الحقيقية وبيئة مواتية للتحولات المجتمعية الفاعلة.

على أن الشرط المسبق والجوهري لتمكين الشباب من لعب دور ريادي وفعال في الواقع اليمني، والذي يحول دون تغريبهم وتسفيههم في ساحات العمل السياسي والجماهيري، يتمثل في امتلاكهم مقومات ومؤهلات لعب هذا الدور وفقاً للأسس الدستورية والقانونية والتنظيمية السائدة من ناحية، ولامتلاكهم عناصر التأثير المجتمعي والجماهيري الفاعلة، بما في ذلك برنامج رؤيوي مقنع لصيانة مستقبل الوطن وتحقيق المصلحة العامة من ناحية ثانية.

إن مؤدى هذا هو باختصار أن يعمل شباب الثورة وبكل جد ونكران للذات من أجل تأسيس وبناء حزبهم السياسي الخاص، والنظر إلى هذا الأمر باعتباره مسألة وطنية كبرى.

وللمساعدة في تحقيق هذه الغاية النبيلة من ناحية، ولتنظيم وتعظيم دور شباب الثورة في توجيه وترشيد مسارات وخيارات العملية السياسية في الظرف الحاسم والخطير الذي تمر به البلاد اليوم، فإنني أناشد أبنائي شباب الثورة للتفكير الجاد في الخطوات العملية التالية:   

أ - تشكيل ما يمكن تسميته ببرلمان شباب الثورة ويتكون على سبيل من عدد مناسب من الأعضاء يمثلون مختلف الساحات والائتلافات بنسب ملائمة، ويتولى برلمان الشباب المهام المتعلقة بحماية الثورة وتحقيق أهدافها ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:

1- الإعداد لتشكيل تنظيم سياسي يؤطر وينظم النشاط السياسي والجماهيري للشباب الثوري باعتبارهم صمام أمان الثورة.  

 2- تنسيق وتنظيم عمليات التواصل والتحاور بين شباب الثورة في مختلف الساحات والائتلافات لغرض تبادل الأراء وتنسيق المواقف بشأن مختلف القضايا الوطنية الهامة.

3- مراقبة أداء الحكومة وإعلان المواقف التوافقية للشباب بشأن مختلف القضايا محل اهتمامهم بما في ذلك ما يتعلق بالدستور الجديد أو القوانين التي يتم تعديلها.

4- الحفاظ على الحالة التعبوية والنفسية للشباب وتطوير وسائل الاتصال المجتمعي والجماهير لشرح المواقف ولتأمين استمرار وتوسيع نطاق الدعم الجماهيري لشباب الثورة ، واقتراح المواقف الجماهيرية الضرورية لمواجهة أي انحراف عن خط الثورة ودعوتهم إلى ذلك.

1-  تطوير آليات ووسائل ومصادر التواصل والتأثير الخارجي لتوضيح مواقف الثوار وضمان تفهمها ومساندتها إقليمياً ودولياً.

  6- تطوير منظومة لمطالب والشروط التي من شأنها التمكين من تجاوز ما أمكن من المخاطر والتحيزات التي يفرزها الواقع الراهن للممارسة السياسية، ومترتباتها العملية والتي سوف نستعرض أهمها فيما بعد.

ب : تشكيل مجلس مستشاري شباب الثورة:  

ويمكن أن يتكون من أي عدد يراه الشباب، بحيث يتم اختياره من بين الخبرات الوطنية المميزة في مجالات الفكر والسياسة والقانون والاقتصاد والدبلوماسية وغيرها، ويتولى تقديم المشورة إلى هيئات الشباب بناء على طلبهم ومن دون تدخل في شئونهم، ويكون له كذلك حق المبادرة في تقديم الرؤى والمقترحات التي يرى أهميتها، من غير أن يكون له بعد ذلك حق التدخل بموقف الشباب منها.

أولاً الحقائق اللازم أخذها بعين الاعتبار :-

1-  إن إعادة الاستقرار السياسي والأمني أصبح مطلب عام ومصلحة وطنية ملحة وواضحة لأسباب كثيرة لا مجال للتوسع فيها الأن، وإن الرأي العام يساند على نحو متزايد هذا الاتجاه طالما مكن من تحقيق الأهداف الأساسية للثورة، كما أن بالإمكان من خلال المواقف الصحيحة لشباب الثورة، تحويل هذه الإرادة الشعبية إلى مصدر دعم فعال لتحقيق الصيغ العملية لنهج البناء الوطني الذي توفر على نحو موضوعي شروط تحقيق التحولات السياسية والإصلاحية المنشودة.

1.  إن إعادة الاستقرار السياسي والأمني في اليمن هو كذلك مصلحة إقليمية ودولية مهمة، وإن من الممكن الاستفادة من هذه الحقيقة، لخلق موقف إقليمي ودولي داعم لتحقيق الأهداف الأساسية للثورة المرتبطة بالبناء والإصلاح المستقبلي، إذا ما أُحسن تصميم وإدارة مواقف القوى الثورية الحقيقة في الساحة التي هي أنتم .

2.  إن الرئيس المكلف السيد عبد ربه هادي هو شخصية وطنية مجربة لا يشوبها شائبة، وفي رأيي أنه قد أثبت نزاهته على أرض الواقع وعلى مدى سنين عديدة، وهو كذلك الخيار التوافقي الذي لا بديل له على الساحة السياسية اليوم، وهو لذلك جدير بمهمة إعادة اللحمة الوطنية وإدارة عملية التحول السياسي والإصلاحي الشامل الذي لا يمكن إن ينجح إلا بمساندة قوى الثورة الشبابية التي هي أنتم.

3.  إن المبادرة الخليجية هي مجرد مبادئ عامة للتوافق الانتقالي في ظل وضع الأزمة، وهي الصيغة الممكنة الوحيدة التي تم التوصل إليها لاستعادة الاستقرار في ظل تغيير سلمي وجزئي للنظام، وهي مع أنها تتجاهل دور الشباب وتتيح من حيث المبدأ إمكانية استمرار وحتى تنامي التحيزات في تخليد عناصر القوة لمصلحة القوى السياسية التقليدية، إلا أنها لا تمنع من حيث المبدأ استيعاب الصيغ الإصلاحية وضوابط الممارسة التي إذا ما أحسن تصميمها وإدارتها يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تجنب أوجه القصور هذه وإلى تأسيس مسارات وخيارات العمل التي من شأنها تحقيق التحولات الثورية المجتمعية المنشودة.

4.  إن فعالية الشباب في تحقيق أهداف الثورة في هذا المرحلة الحساسة وفي ظل هذا الوضع الدقيق والمعقد سوف تعتمد إلى حد كبير على مقدرتهم على استيعاب هذه المعطيات ومترتبها الموضوعية من ناحية، وعلى تطوير منظومة المطالب التي من شأنها أن تحقق في ظل هذا الواقع الحد الأقصى الممكن من مقومات التحول الثوري المنشود وتضمن بذلك حد آمن من أهداف الثورة .

5.  |إن معاداة أحزاب اللقاء المشترك وبالذات شركاء الساحة من شبابهم، وكذا الشباب الوطني النزيهة في المؤتمر وغيره هو أمر ينبغي العمل على تجنبه، بل لابد من العمل الدؤوب على تعزيز قناعات هولاء جميعاً برؤى الشباب وخلق القواسم المشتركة للعمل الوطني، وهو أمر يتطلب قبل كل شيء تطوير الرؤى والطروحات المحددة والمقنعة لدى شباب الثورة أنفسهم.

6.   إن خلق بيئة نفسية وسياسية وموضوعية للتعاون والتكامل البناء بين اليمن وجوارها الإقليمي والعربي والدولي وبالذات في دول مجلس التعاون الخليجية هو مصلحة وطنية لا جدال فيها، ومن ثم فإن من المهم الحرص على مناخ حسن النوايا الذي أظهرته دول الخليج والبناء عليه لتصحيح بنية وأسس هذه العلاقة وتنميتها إلى أقصى حد ممكن مستقبلا، وكذالك بالنسبة للدول المانحة الأخرى بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وحل مسائل الاختلاف من خلال التعبير والدفاع الايجابي عن الرأي. 

 

ثانياً : محاذير الوضع السياسي الراهن والضوابط التي يمكن في إطار صيغة العمل السياسي الراهنة وفي ظل حقائق ومعطيات الواقع المحلية والإقليمية والدولية السائدة أن تضمن تحقيق حد آمن من مقومات التحول السياسي والإصلاحي الذي هدفت الثورة إلى تحقيقه .

أ‌-  المحاذير

قبل سرد أهم هذه الضوابط فأن من المهم استعراض بإيجاز بعض أهم المحاذير التي يمكن أن تترتب على الوضع التوافقي الراهن بالنسبة لتحقيق أهداف الثورة ومنها :

1.  إن وجود قوى معينة في السلطة خلال المرحلة الانتقالية حصرياً من شأنه أن يفرز العديد من التحيزات الغير عادلة والغير صحية في بيئة العمل السياسي المستقبلي، سواء بالنسبة لعناصر ووسائل التأثير المجتمعي والسياسي أو بالنسبة للموارد أو قدرات وآليات التواصل والتنظيم المختلفة، وذلك لمصلحة القوى المسيطرة هذه، مما يهدد بجعل المرحلة الانتقالية بمثابة مرحلة تمهيدية أو تأسيسية لما يليها تضمن استمرار هذه القوى وتغليب جانبها في مجال العمل السياسي المستقبلي، وتستثنى بذلك مختلف القوى السياسية الأخرى موضوعيا بما فيها قوى الثورة الحقيقة.

2.  إذا ما استثنينا البعد ألإخواني والسلفي في حزب الإصلاح، وكذا خاصية الدمج بين قيادة الدولة وقيادة الحزب في شخص الرئيس وما يترتب على ذلك من التحيزات والتداخل في بيئة الممارسة السياسية بالنسبة للمؤتمر، فإن حزبي الإصلاح والمؤتمر يعبران في الواقع وضمن حدود معينة عن نفس المصالح تقريبا ويعكسان نفس مرتكزات النفوذ وحتى أساليب التفكير، وسوف يجدا نفسيهما إزاء مواقف متقاربة إن لم تكن متطابقة إزاء الكثير من قضايا التحول السياسي والمجتمعي الأساسية، وبالتالي فإن من غير المبرر التفاؤل بأن الإتلاف يستطيع أو حتى يرغب في إنتاج ورعاية التحولات السياسية والمجتمعية والإصلاحية الثورية الطابع التي يتطلع إليها الثوار وبالذات في الجانب السياسي والاجتماعي، وهو ما يمكن أن يؤدي كمحصلة إلى مجرد إعادة إنتاج صيغة أخرى للديمقراطية الملائمة والآمنة من منظور هذه القوى.

3.  إن من بين المهام الأساسية المتعين إنجازها خلال الفترة الانتقالية هو صياغة الدستور، وإعادة تأسيس بنية الدولة، وتحديد مناهج ومرتكزات وآليات الفعل الإصلاحي في إطارها، أي إعادة صياغة شكل يمن ما بعد الثورة ومسار تطوره المستقبلي للعقود القادمة، وهو ما يعني بالضرورة استيعاب وترجمه أهداف الثورة كليا خلال هذه المرحلة، وهذا الأمر لا يجعل المرحلة الانتقالية انتقالية بالفعل بل تأسيسية، وفي ظل انحصار المشاركة في حزبي التوافق الحاكم، فإن أهداف الثورة سوف يتم تفسيرها وتحديد مضامينها الموضوعية ليس فقط في غياب قوى الثورة الشبابية، ولكن في غياب مختلف الفعاليات السياسية الأخرى حتى في ظل وجود حوار وطني لا يمتلك أدوات وحقوق دستورية ومرتكزات مؤسسية للتأثير من خلالها، بل ويتم تحت الهيمنة الكاسحة لقوى الائتلاف التوافقي ذاتها.

4.  كما أن من شأن وجود طرفي التوافق في السلطة من شأنه أن يؤدي إلى تقوية مرتكزات فاعليتهما السياسية النسبية مستقبلاً، فإن وجود قوى الثورة الشبابية وغيرها من القوى السياسية خارج إطار العمل العملية السياسية الفعلية من شأنه إذا لم تحسن هذه القوى التصرف أن يؤدي إلى إضعافها التدريجي حتى بالمقارنة بوضعها الراهن، وبالتالي تعزيز الهيمنة السياسية المستقبلية لطرفي التوافق الحاكم على نحو متزايد خلال الزمن، وأنا لهذا السبب أيضاً أعيد مناشدة شباب الثورة للمبادرة الفورية والحثيثة لبناء مقومات فعاليتهم السياسية المنظمة والمستمرة، سواء على أساس المقترحات السابقة في هذا الخصوص أو سواها، وحينها فقط سيكونوا قد أزالو الخطر الماثل باعتبارهم مجرد ظاهرة ضوئية أنارة الطريق من حولها ثم اختفت. 

ب- الضوابط :

أولاً: إن أول وأهم الضوابط هي تلك التي تتعلق باستمرار حضور وفاعلية قوى الثورة الشبابية ذاتها واستمرار التزامها الصارم بالعمل لتحقيق أهدافها الأساسية على أن هذا الوجود لكي يكون محسوس ومؤثر فلا بد من تطوير صيغة هذا الوجود وآليات وأساليب العمل نحو اكتساب مقومات الفعالية والاستمرارية في ظل الواقع الراهن وقد تم سابقاً التعرض لهذا الموضوع بقدر كبير من الإيجاز وهو أمر لا يمكن التقليل من أهميته على الإطلاق.

 

ثانياً: تطوير منظومة المطالب والشروط التي من شأنها التمكين من تجاوز أقصى ما يمكن من المخاطر والتحيزات المذكورة أنفا ومترتباتها العملية على اختلافها، ولكي تحظى هذه المطالب بالمساندة المجتمعية والدولية فلا بد ان تتسم بالصفات التالية :

كونها عادلة

كونها واقعية

كونها مقنعة

( وسوف يتم شرح المضامين المحددة لهذه المعايير الثلاثة في ملحق خاص)

إن تطوير هذه الضوابط والمطالب هي مهمة تفصيلية وكبيرة تتجاوز حدود هذه الورقة المستعجلة، ولكنني أورد هنا نماذج لمثل هذه المطالب والشروط لأهميتها ولإمكان الاهتداء بها في مجال العمل المستقبلي .

1.  إن يتم الحوار عندما يتقرر مع لجنة يشكها القائم بأعمال رئيس الجمهورية، وتكون تحت إشرافه المباشر وبمشاركة المؤسسات الدستورية في مجلسي النواب والشورى وليس مع الحكومة، باعتبار أن الحكومة هي مجرد هيئة تنفيذية لا ترقى صلاحياتها الى مستوى القضايا محل اهتمام الثوار ولا تستطيع أن تتعاطى معها.

إن حصر الحوار في الحكومة سوف يعني انه سوف يتم في إطار وتحت سقف صلاحياتها مثل توظيف الشباب ومنح التعويضات والمنح لأسر الشهداء والمعاقين، وهي صيغة أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها تنطوي على تسفيه الثورة والثوار، باعتبارهم مجموعة طلاب المصالح الخاصة التي حفزتهم للخروج حاجات شخصية ويمكن شراؤهم مقابل توفير النذر اليسير منها من خلال الوظائف الشكلية والهامشية وغيرها التي تقدم لعدد محدود منهم، وبالتالي فإنهم حتى عند مستوى المصالح الشخصية يرتكبون جرم خيانة بقية الشباب والمواطنين الذين لا يمكن استيعابهم ولا الوفاء بحاجاتهم المشروعة في العيش الكريم وفي مجالات العمل الكريم، إلا من خلال تبني برنامج تحديث وإصلاح حقيقي يطلق عملية النمو والتطوير على مستوى المجتمع اليمني كله، ولا مانع بعد ذلك بل لا بد من منح فرص العمل والتوظيف لخدمة الوطن للنخبة الفذة التي أثبتت ولائها للوطن واستعدادها للتضحية من أجله ولكن ليس كمكرمه حكومية مذلة وإنما كحق من حقوق المواطنة وكمكافئة تقدم باعتزاز لشباب الإنقاذ والتغيير نظير لتضحياتهم العظيمة .

2.  لتجاوز مخاطر التحيزات في بنية وبيئة الممارسة السياسية التي يمكن أن تنشأ من إنفراد قوى الائتلاف في الحكم خلال المرحلة الانتقالية المشار إليها سابقا فإنني أقترح على سبيل المثال ما يلي :

أ‌-   التزام الحزبين الرئيسيين في التوافق الحاكم بعدم الترشح في الدورة الانتخابية القادمة لأكثر من 50% من مقاعد البرلمان للحزبين مجتمعين يتم التفاوض فيما بينهم بشأن تقاسمهما على أن يحرم على كافة أعضاء الحزبين الترشح بصفة مستقلين ما لم يكونوا قد استقالوا من أحزابهم وتخلوا فعلياً عن خدمتها بما لا يفتح مجالاً للطعن، وذلك قبل مدة عشرين شهر على الأقل من موعد الانتخابات البرلمانية. 

ب‌-  عدم مشاركة الشخصيات التي تشغل مناصب سياسية غير منتخبة في الوقت الراهن في أي مناصب سياسية في الدولة ولمدة دورة انتخابية كاملة.

ت‌-  تجريم استغلال مناصب ومؤسسات الدولة للأغراض الحزبية وإخضاع العلاقة بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الحزبية لرقابة دائمة من قبل برلمان شباب الثورة.

ث‌-  يمنع شاغلي المناصب السياسية والقيادية من ممارسة العمل السياسي خلال الفترة الانتقالية.

3.  يتحدد نصيب شريكي حكومة التوافق في هيئات الحوار الوطني وكافة اللجان المنبثقة عنها وبالذات المعنية بقضايا صياغة الدستور وقانون الانتخابات وغيرها من المهام بما لا يتجاوز أربعين في المأة من الأعضاء.

4.  يمنح حزب الشباب أين كان اسمه مزايا متناسبة مع أعطي لحزبي التوافق عند تأسيسهما من قبل الدولة وذلك بعد تأسيسه كما يمنح أثناء تأسيسه مزايا موازية لما منح لهما في مرحلة تأسيسهما. 

أبنائي وإخواني المنافحين عن كرامة هذا الشعب العظيم والمظلوم، إن من المهم أن لا تنسوا أبداً إن الهدف الاستراتيجي الأعم والشرط المسبق لتحقيق كافة الأهداف الأخرى للثورة على المدى الطويل هو استعادة السلطة إلى الشعب وتحصينها ضد كافة محاولات الاستحواذ والتتويه الانتهازية، وجعل غاية الحكم ألأولى هي تحقيق المصلحة العامة كما يراها الشعب ووفقا لخياراته ولأولوياته الحقة ، على أن هذا الهدف العام يحتاج لغايات الممارسة العملية أن يفكك إلى أهداف وإلى مهام تفصيلية مرحلية قابلة للتحديد والتوصيف ومن ثم التقييم الموضوعي والوظيفي، وحينها فقط يمكن وضع المعايير والمؤشرات ذات الدلالات الأدائية المحددة للأفعال والمواقف. 

ولعل من أهم المهام المرحلية هي تلك التي من شأنها تأمين حالة مستمرة من الانسجام الآني والمستقبلي مع صيغة فعالة لبناء مرتكزات النظام الجديد ومع شروط ومتطلبات تحقيق الأهداف بما في ذلك هدف تحصين الثورة، ومن أمثلة هذه الأهداف والمهام التفصيلية ما يلي:

-بناء الدولة الوطنية العادلة والفاعلة المعبرة عن إرادة الشعب والمتجردة لمصالحه وتحصينها ضد محاولات التتويه والاستحواذ الانتهازية بكافة الوسائل اللازمة. 

- تحديد وتنميط مرجعيات الممارسات السياسية والأخلاقية والمسلكية المنسجمة مع ضرورات ومتطلبات تحقيق التحول التاريخي في دور الدولة وفي مقومات الكفاءة الأدائية للدولة والمجتمع، ومن ثم تأصيل هذه المرجعيات وما يترتب عليها من أنماط التفكير والسلوك في الوعي الجمعي للشعب، وتحويلها إلى قواعد حاكمة للمقبول المجتمعي في مجالات السلوك الفردي والجماعي المختلفة. 

- بناء الوعي الجمعي بشأن طبيعة المخاطر الجوهرية التي تتهدد الثورة سواء من داخلها أو من خارجها بما في ذلك الإشاعات وأعمال التشكيك التي من شِأنها إشاعة الإرباك وعدم اليقين والتطرف واللاواقعية في المواقف، وبشأن طبيعة ومتطلبات مهام البناء الوطني الأكثر إلحاحاً، وتخليق وتفعيل مؤسسات وآليات الرقابة المجتمعية الكفيلة بتمكين المجتمع من لعب دور حاسم لحماية مصالحه سواء في هذه المجالات أو غيرها من المجالات. 

- بناء المؤسسات الديمقراطية وغيرها من مؤسسات العمل السياسي، سواء منها الدستورية أو غير الدستورية، وتطوير الضوابط وأساليب العمل التي من شأنها منع السلطة بالدرجة الأولى وغيرها من القوى النافذة في المجتمع من ممارسة أي نفوذ أو تكتيك يمس حيادية العملية الديمقراطية ومقدرتها على التعبير عن إرادة المجتمع بدون تحيز.

هذه هي المقاييس والمعايير العملية الهامة لتحديد طبيعة ومدى التحولات التى أرادتها الثورة والتي يريدها الشعب والتي هي الوسيلة الأهم لتأمين انعتاقه وتطوره وهي لذلك معايير انتصار أو عدم انتصار الثوره الحقيقي.   


في الأربعاء 28 ديسمبر-كانون الأول 2011 08:51:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=13066