آآآآآه عليك..!
معاذ الخميسي
معاذ الخميسي

.. لم أتصور أني سأودعك في يوم ما..وأعود لأتوارى في زوايا حزني ..وآوى إلى أعماق آلامي ..وأخلد في قاع الحسرة التي تجتاح لحظاتي وساعاتي وأيامي..لألملم ما تبقى لي منك هناك في أقصى الحب الذي لا يستطيع أحد أن يصله ولا استطيع أبداً أن أفارقه أو أن أتخلى عنه مادمت أنت تحمل فيه أجمل التفاصيل وأحلاها..وتمنحه القدرة على أن يستمر في إمدادي بالدفء..وبالأمان..حتى وقد فارقتني!

لم أكن أتخيل على الإطلاق أنك ستفارقني هكذا في هدوء رهيب..وأنك لن تعود ..ولن أراك مرة ثانية بوجهك البشوش..ولهفتك..وودك..وحبك..وقلبك الطيب..ونقاوة أحاسيسك..ورقة مشاعرك..وبتلك البراءة التي ظلّت تلازمك في حلك وترحالك..في صغرك وكبرك.. وفي سعادتك وألمك..وفي المنزل ..والعمل..والشارع..وبين أولادك..وإخوانك..وأحبائك وأصدقائك وزملائك ..وفي كل مكان تذهب إليه ويسبقك صفاء قلبك..وروحك المسكونة بالنقاء الذي ما عاد له مكان في هذا الزمان المحكوم بالغل والحقد..!

صعب جدا..أن أتخيلك تغرب عن حياتي..وتختفي من أمامي ..وتصادر حق عينيّ في أن تغتسلا بوجهك صباح مساء..وأنت منذ أن عرفت ما حولي زادي الذي أقوى به على مواجهة الحياة....ورئتي التي أتنفس بهما .. وقلبي الذي ينبض بك..وروحي التي عشقتك!

كيف أ ستطيع أن أقوى أمام هذا القدر الذي كنا ومازلنا محكومين به شئنا أم أبينا..وكيف بإمكاني أن أتعامل معك بعد عمر طويل عبر "صورة" تقدم لي وجهك وربما ابتسامتك..وتمنعني من أن أتكلم معك..أخاطبك..أمازحك..أحاورك..أسمعك.. وتسمعني..وأحكي لك..وتحكي لي.. وتجلس إلى جواري..تنصحني..وتؤنبني..وتغمرني بالدعاء!

ما بوسعي من قدرة أحاول أن استجمعها..لكي أسلم بك" كذكرى" واعترف أنك في خارطة أيامي قد تحولت إلى "حكايات" أحفظها عن ظهر قلب..وإلى "صور" تتزاحم في داخل حدقات العين ولا أعرف كيف أرتبها..من أين أبدأ ..وأين أنتهي..وإلى أين أصل..ووجهك يرفض أن يغادر ..وحضورك يأبى أن يختفي على امتداد النظر..وأنت لا يمكن أن تأفل أو أن تنتهي إلا عندما أنتهي "أنا" !!

ما الذي سأقدر عليه دون أن يستسلم قلبي للتعب..إذا ما كنت أنت حياً لم تمت..وحضورك مازال طاغيا..وظلك الخفيف مازال مستمرا يظلل ما يسبق خطواتي أين ما ذهبت..وأين ما حللت..وارتحلت!

كيف لي أن أعيش في هذه الحياة دون أن أشعر بوجودك..وأحس بك تحاصر لحظاتي..وتلملم شظايا أوجاعي..وتخفف من آلامي ..وأحزاني..وتتصدى لجراحي..وتكبل اليأس إذا ما أطل..والإحباط إذا ما حضر !

تحملت كل آلام الإقصاء وقانونية وجودك واستمراريتك باقية وأنت المُعيّن بقرار جمهوري لا يلغيه إلا مثله.. لكنك فضلت أن لا تصارع مكتنزا الحب والسماحة حتى مع من أوقف شرايين حياتك العملية..ولكنهم لم يكتفوا وسوداوية قلوبهم أكثر وأحقاد نفوسهم أكبر فصادروا قوت أولادك بنهاية ديسمبر من العام الماضي..وبعد شهور أعادوا شيئا بسيطا..مع أن كل ما تم تنزيله لا يساوي مكافأة واحدة في كشف واحد من كشوفات متعددة في الشهر الواحد يستلمونها بقلب بارد ..!

فضلت أن تبقى ما بين جدران "الشقة" المستأجرة في عدن تتابع دراسة أولادك ..واستمررت تدفع "الإيجار"من تحويشة عمرك التي لم تمكنك من امتلاك منزل أو حتى شقة في عدن أو صنعاء..وانتظرت لحظة استشعار أو شيئا من إحساس..لكنهم أقسى وأصم من الحجارة وأظلم من الليل الأسود!

ويوم أتيتني إلى الحديدة" قبل أيام" قادما من عدن كنت تستجمع كل آلامك السابقة واللاحقة وتحرص على أن تخفيها مع أنك مصاب بانزلاق في عمودك الفقري وظللت تتحمله منذ أشهر وتهديد توقف حركة رجليك قائم إذا لم تخضع للتدخل الجراحي .. وعدنا إلى صنعاء ولم يتمكن منك اليأس ولم تتألم كما تألمت ممن اكتفيت بالرد عليه حين نسي نفسه ..لا كبير إلا الله !

ما أقواك حين ضمّدت جراحك..وأخفيت آلامك.. وكتمت أحزانك.. وخبأت معاناتك..حتى غلبت قواك..وزادت فوق احتمالك..إلى آخر ساعة..ودقيقة..وثانية..حين توقف قلبك لترتاح وتستريح من العناء!

توقف فجأة لتذهب عند من لا يضيع عنده شيء..وإلى من كنت تقول انه حسبك على الظالمين..وانه نعم المولى ونعم الوكيل..وتركتهم لعذابات الأرق والقلق وهم يبحثون عن راحة واستقرار وشيء من نوم هادئ!

كنت أبي ..وأخي..وصديقي..وزميلي..ورفيقي في مشوار حياتي..وفجأة..لم أتوقع..ولم يخطر ببالي..أني سأفقد كل أولئك..مرة واحدة..في لحظة خاطفة.. خطفتك من بين يدي وأنا لم أكمل حديثي معك ولم أخبرك أنك مصاب بجلطة قلبية..أخفيت ذلك عنك حتى لا تتأثر وخوفا من أن تزداد حالتك سوءاً..وظنا منا نحن كل من حولك أنك ستتعافى وسنخرج سويا للعودة إلى منزلنا بك.. لا بجثمانك وقد سكتّ عن الكلام ..وأغمضت العينان..وصعدت روحك إلى الرحيم الرحمن!

آه عليك..يا أحب وأطيب وأغلى وأحلى وأصفى وأنقى الناس..ويا قدري ..ويا شقيق روحي..ويا أغلى من عمري..

آآآآآآه عليك..عبدالواحد حمود الخميسي ..وحسبي الله ونعم الوكيل..واللهم إنا إليك راجعون..أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها!


في السبت 24 ديسمبر-كانون الأول 2011 07:22:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=12991