كيف سقط علي صالح في فخِّ المشترك
فكري القباطي
فكري القباطي

على الرغم من أن الحرب كانت خياراً مُتاحاً ومُباحاً بالنسبة لعلي عبد الله صالح وخياراً مفتوحاً ومسموحاً بالنسبة لأحمد علي عبد الله صالح نظراً لعنجهية الملك العجوز ونرجسية الولد الطائش وامتزاج العقليتين داخل نطاقٍ ضيقٍ من الفاسدين والفاشلين محاطةٌ بهما ترسانةٌ عسكريةٌ ضخمةٌ إلا أن الاثنين فشلا في ترجمة هذا التفوق إلى اكتساحٍ ميداني يحفظ لهما إحدى الحسنين ... النصر أو الدمار ..

ومع أن المداخلات التحليلية والتعليلية للمراقبين لخصت أسباب هذا الفشل تحت عنوانٍ واحدٍ وهو سلمية الثورة وعدم انجرارها لمخططات قياصرة الحرب إلا أن الإنصاف يقتضي منا أن ننظر بعين الإعجاب للعقول التي أدارت هذه الثورة بطريقةٍ توحي للخصم أن إمكانية الحسم دون الحاجة لحربٍ شاملةٍ أمرٌ ممكن نظراً لوجود طاولةٍ سياسيةٍ توفر للأب الماكر فرصةً لخنق خصومه داخل نطاق تحالفاته الإقليمية والدولية التي كان قبول الطرف الآخر بها كـ وسيطٍ تنازلاً مريعاً من اللقاء المشترك في نظر المتحمسين وكذلك المرجفين ..

هذا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى استطاع الأب أن يخلق جبهات صراعٍ تُتيحُ للولد النرجسي أن يستثمر ترسانته العسكرية الضخمة بعيداً عن مائدة أبيه السياسية كي يعمل الأب على شقلبة أهداف الثورة وحصارها اقليمياً وتوفير مناخٍ مناسب للولد كي يمزق الخصوم في جبهات الصراع المسلح ..

وقد كان علي صالح ذكياً حينما حدد نقاط المواجهات ضمن دوائر القوة والجاه فقط لكي ينتزع عن الثورة شرعيتها الشعبية بتحويلها إلى حلقةٍ من المصالحِ المترابطة بين وجاهاتٍ قبلية وقيادات عسكرية وبالتالي يكسب نقطةً تُضافُ إلى نقاط تفوقه السياسي بإيهام الرأي العالمي أن الصراع محصور بين طرفين متساويين في القوة ومتضادين في المصالح ..

ولكن السحر انقلب على الساحر فلا طاولة المبادرات حالت دون وقوعه تحت مقصلة التوقيع الإجباري ولا المواجهات المفتعلة نجحت في استثمار التفوق العسكري ولا الخراب الذي كان الوالد وابنه يخططان لتنفيذه بشن حربٍ شاملةٍ تم ...

فكيف استطاع قادة الثورة السياسية والعسكرية أن تخلط أوراق الأب السياسية وأن تهمش تفوق ابنه العسكري ؟؟

فمجريات الحدث الذي مال أخيراً لصالح الثورة يدل على أن قياداتها كانوا يسبقون علي صالح بخطوةٍ عند كل منعطفٍ يسلكه الأب الماكر لخلق فرص نجاح تقلص احتمالات الحاجة لخوض حربٍ شاملةٍ بالنسبة إليه ..

فعلى طاولة المبادرات استطاع جهابذة المشترك أن يضيقوا الخناق على صالح وحلفائه الاقليميين -الذين كانوا بمثابة القاضي والخصم-بتنازلاتهتم النسبية التي لم تلامس حق الشباب في تسيير ثورتهم بذات الوتيرة التي ابتدؤوها وهذا ما فرض على الوسطاء حصاراً خانقاً زادت وطأته اشتداد حدة الثورة اليمنية وغليان الرأي العالمي لتجاوزات حليفهم الذي تخلى عنه الوسطاء في آخر المطاف حفاظاً على ما تبقى من مصالحهم في اليمن ..

أما عسكرياً فقد استطاع جهابذة المشترك بمساعدة الجنرال الداهية علي محسن أن يحولوا نقاط التوتر العسكري التي أرادها الوالد أن تكون متنزهاً للولدِ إلى نقاط امتصاصٍ للتشنجات العصبية التي كانت تعتري الوالد كلما حوصر سياسياً ومحاور استهلاك لإمكانيات الولد العسكرية ضمن نطاقٍ ضيقٍ غير قابلٍ للاتساع والأهم من ذلك تقديم رسالة قصيرة للوالد والولد مفادها ( نحن قادرون على سحقكم ولكننا سنكتفي بمداعبتكم )..

وهذا ما أثار غيظ الوالد الذي حاول كثيراً أن يوسع نطاق المواجهات بعد أن فطنَ أن اللعبة التي منحها لولدهِ المدلل قد وقعت في فخ الجنرال الخبير ولكنه فشل على الرغم من أنه قصف الفرقة الأولى مدرع بالمدافع والصواريخ من شمالها وجنوبها عدة مراتٍ لاستدراجها إلى المواجهة الشاملة سعياً منه إلى إحراق الأخضر واليابس إلا أن الفرقة لم تبادر بالرد واكتفى علي محسن بإخراج آلياته العسكرية الثقيلة خارج أسوار معسكرة قبل القصف بسويعاتٍ وكأنه يقول لعلي عبد الله صالح : ( اسلك أي طريقٍ تشاء فنحن دائماً نسبقك بخطوة ) ..

أما خارج صنعاء فقد كانت القبائل المساندة للثورة تؤدي دور أسماك القرش التي تلتهم كل يومٍ قطعة من الحوت لكي يموت ببطء وهذا ما تجلى لنا من خلال اقتحامهم الدائم للصمع والفريجة مع حرصهم على عدم إسقاطه نهائياً لإدراكهم أن سقوط الصمع قد يعني إحراق الأب وابنه لصنعاء براً وجواً نظراً لأن هذا المعسكر يُشكل عنق الزجاجة التي يختبئ في جوفها علي بن أبي صالح وآله وصحبه أجمعون ..

ليكون توقيع علي عبد الله صالح على المبادرة دليلاً ملموساً ومحسوساً على أن الرجل قد فهم الرسالة -ولو متأخراً- فالحرب التي يخوضها اليوم سياسياً وعسكرياً تمتلك مفاتيحها عقولٌ لا طاقة لهُ بمجابهتها لأنه امتلك القوة والمكر ولكن خصومه يعرفون مواعيد كل نبضةٍ ينبض بها قلبه ولِمَ لا وهم من رسموا له خريطة العبور إلى المجد قبل أن يشتد عوده .. ويزيد جحوده ..


في الخميس 15 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:28:32 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=12831