فرحة التوقيع وتوجس التنفيذ
نبيل عبدالرب العواضي
نبيل عبدالرب العواضي

ربما لم يعد يوم الاربعاء يوم شؤم في الثقافة اليمنية , وسيدخل يوم 23 نوفمبر كعلامة فارقة جديدة في التاريخ اليمني المعاصر إلى جانب يوم 11 فبراير , وهما بداية ونهاية فترة اندلاع الاحتجاجات في اليمن وتوقيع المبادرة الخليجية والياتها التنفيذية المعول عليهما في الخروج من أزمة خانقة طالت النواحي الأمنية والاقتصادية.

وأستطيع القول ان التوقيع على المبادرة والياتها انتصار للاطراف وللشعب اليمني برمته. وان كان من حقنا ان نتوجس بعض القلق من مرحلة ما بعد التوقيع فيما يتصل بالتنفيذ. ولعل القلق يأتي من عمق ازمة الثقة بين قوى السلطة وقوى المعارضة, وايضا من تجربة 1994 التي شهدت حربا عقب اتفاق \" معاهدة العهد والاتفاق \" في الاردن.

بالمقابل التفاؤل يجد له مساحة كبيرة في نفوس اليمنيين لوصول الناس إلى حالة تململ من طول الازمة,

غير ان ظروف 94 مختلفة عن ظروف اليوم لناحية قدر الاهتمام الدولي باليمن الاّن بسبب خطورة تنظيم القاعدة فيها، وكذا رعاية الجزرة الخليجية وعصا مجلس الامن للاتفاق الجديد.

وبطبيعة الحال لايجب ان نرى الطريق سهلا لتنفيذ المبادرة واّلياتها لاسباب متعلقة بعدم رضا قوى في طرفي السلطة والمعارضة, اضافة لاختلاف رؤى التيارات الاحتجاجية سيما في اوساط الشباب مفجري الاحتجاجات واختلاف اجندتهم وان كانت غير واضحة سياسيا عن اجندات الاحزاب وبنود اتفاقية المبادرة الخليجية.

الأزمة اليمنية ليست وليدة اليوم بل لعلها ممتدة في التاريخ الحديث إلى وقت تسلم اليمنيين الحكم من الاتراك بناءا على صلح دعان1911, وهي ذات جذر سياسي قوامه الاحتكار للسلطة وسيطرة قوى تقليدية- صعبة التكيف -على مفاتيح السياسة.

ومن التفاؤل الموهوم الاعتقاد ان بناء دولة يمنية ناهضة ومختلفة عن سابقاتها سيتم بمجرد تنفيذ المبادرة وبين ليلة وضحاها.

فمازالت فاتورة الازمة خلال تسعة أشهر بانتظار السداد من المستقبل المنظور,وتكاليف تغيير بنية الدولة وقواها لصالح التحديث تحتاج لسنوات من الجهد على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

رغما من ذلك تحن كيمنيين امام فرصة لاينبغي تضييعها للتغيير وتحويل الاحتجاجات لثورة حقيقية تقتلع سوءات الماضي من حياتنا.

ومن الملح خلال فترة السنتين الانتقالية استغلال اطراف العمل السياسي من احزاب ومنظمات مدنية وكيانات شبابية للرعاية الاقليمية والدولية للاتفاقية للخروج بعقد اجتماعي جديد بين الحكام والمحكومين يتمتع برسوخ وثبات يمنع اعادة تفصيله على مقاسات القوى المسيطرة في مرحلة ما, ويضمن ديمقراطية تحول دون احتكار السلطة واستخدامها في تجذير وتوسيع وتوليد المزيد من القوة والنفوذ الذي يمنحها ميزة تنافسية غير عادلة مع القوى الصاعدة.

لعل الفترة القادمة بحاجة لانخراط كل القوى السياسية بل والاجتماعية والاقتصادية في حوار حول دستور تتمتع مواده ذات الصلة بالديمقراطية ونظام الحكم بالجمود حتى لو تضمن اشتراطات من قبيل حظر تعديلها إلا بأغلبية شعبية خاصة, أو منع تعديلها والقوانين المترتبة عليها خلال فترة عشر أو عشرين سنة.

وعلى الدستور الجديد يتم بناء قوانين الديمقراطية الخاصة بالاحزاب والانتخابات والمنظمات المدنية والاعلام وغيرها,بحيث يقوم المتحاورون بتسميتها في مادة دستورية جامدة تمنع تعديل هذه القوانين إلا بعد فترة كافية يتشرب فيها اليمنيون الثقافة الديمقراطية, وتنشأ طبقة وسطى وقوى حداثية واسعة قادرة على إفشال أي مشروعات رجعية تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء..إلى الاحتكار والتفرد والإلغاء.


في الأحد 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 05:06:01 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=12531