صالح والغارة على مقاصد الشريعة الإسلامية !
أ د فؤاد البنا
أ د فؤاد البنا

من الثوابت المعلومة عند من يملك الحد الأدنى من العلم الصحيح بالإسلام أن هذا الدين العظيم وشريعته الخاتمة إنما جاء لخدمة هذا الإنسان ، بجلب المنافع والمصالح له ، ودرء المضار والمفاسد عنه في الدارين.

ومن خلال استقراء العلماء لأوامر الإسلام ونواهيه وكل تعاليمه ، اتفقوا على أن الشريعة الإسلامية جاءت من أجل حماية وخدمة خمس كليات رئيسة ، تضافروا على تسميتها بـ(مقاصد الشريعة) ، وهي : الدين ، النفس ، المال ، العرض ، العقل .

وقد ذهب العلماء أنه لا فقيه إلا من أدرك هذه الكليات ، وعرف كيف يربط نصوص الإسلام بها ، بجانب معرفته بالواقع ، حيث لا بد أن يجمع الفقيه بين فقه الواجب (الشريعة) وفقه الواقع لكي يكون فقيهاً .

ومن خلال استقراء الواقع اليمني يجد المتابع بأدنى ذرة من حياء وحياد أن علي عبدالله صالح منذ اعتلائه سدة الحكم إلى أن انفجرت ثورة فبراير مطلع 2011 ، ورغم محاسنه القليلة إلا أن الاتجاه العام لسياساته وقراراته وإدارته للبلد أظهرت أنه يسير في الاتجاه المعاكس لمقاصد الشريعة الإسلامية رغم تشدقه بالإسلام أكثر من أي زعيم عربي آخر ، إذ جلب لليمنيين طيلة ثلاثة عقود (المضار) ودرأ عنهم (المنافع) ، اجتذب إليهم (المفاسد) وطرد من بينهم (المصالح) ، ولو أردنا البيان الكامل لهذا الأمر مع التمثيل والتوثيق لاحتجنا إلى كتاب ضخم ، ولكننا سنكتفي بإيراد رؤوس أقلام في كل مقصد من هذه المقاصد لوضوح الأمر عند أكثرية اليمنيين ، ولم يبق إلا الجهلاء ومن أعمى الله بصائرهم بذنوب المصالح وران العصبيات .

أولاً : العبث بالدين وتحويل (أكسار) العلماء إلى (أحبار) :

ظل صالح يتشدق بالإسلام ويتدثر بالشعارات الإسلامية ، وتلوك لسانه آيات وأحاديث لا يفقه معناها ، واستمر يهرف بما لا يعرف من أمور الإسلام ، كعادته في التأشير يميناً والانعطاف يساراًَ ، وكديدنه في تجميل الأقوال وتقبيح الأفعال ، في سياق ذر الرماد في عيون عامة اليمنيين المعروفين بعواطفهم الدينية ومحافظتهم التقليدية .

وتحت ستار من هذه الشعارات واللافتات ، مضى صالح في شن حرب شرسة ممنهجة في الواقع ضد مقاصد الشريعة الإسلامية ، لأنها تحد من سلطانه وسلطاته ، ولا تستجيب لنزعاته ونزواته ، ولا تحقق أهواءه وأحلامه بإقامة مملكة صالحية يورثها لأبنائه وأحفاده .

ولا شك أن صالح هو رأس عصابة تدثرت عباءة النظام في اليمن ، وعمل الجميع على العبث بالإسلام وتحويل أنصاف وأثلاث وأرباع العلماء إلى (أحبار) ، يبيعون كلام الله بثمن بخس ، ويفصلون الفتاوى بحسب طلب الزعيم ، ومن أجله يحرفون الكلم عن مواضعه بالتأويل الباطل والتفسير المغلوط ، ويمكن في هذا السياق إيراد عدد من النقاط كعناوين لعبث العصابة الصالحية بالإسلام :

1- ممارسة كل صور الفرعنة الواردة في القرآن ، وقد قام كاتب هذه السطور بعمل مقارنة بين أوصاف فرعون في القرآن وممارسات صالح فوجد بينهما تقارباً كاد أن يصل إلى حد التطابق ، وسنفرد لهذه المقارنة مقالة أخرى إن شاء الله .

2- الإساءة إلى مقام الألوهية ومقام النبوة ، من خلال وصف شعراء وأدباء وخطباء في قطيع صالح له ببعض صفات الألوهية ، واكتفي هنا بإحالة القارئ إلى بعض الدواوين والكتب والدراسات التي طبعتها دائرة (الشاطر) – التوجيه المعنوي – وهي بالعشرات خلال العقود الماضية ، لتكتشف كيف قام مجموعة من (الحثالات) بتأليه صالح تارة ووضعه في مقام النبي المعصوم تارة ثانية ، وأكثر العقلاء في هذا القطيع جعلوه فريد العصر و(وحيد القرن) !.

وإذا أراد القراء مثالاً محدداً وقريباً فيمكن أن يرجعوا إلى الأعمال الكاملة لمحمد أحمد منصور ليقرؤوا بعض وثنياته في نبيه صالح .

أما الشعارات والهتافات ، فقد أبرزت قناة سهيل بعضها في برنامج (عاكس خط) الرائع ، ولن ينسى الملايين اللوحة الضخمة التي نصبت في مدخل عدن من جهة تعز وفيها صورة من صور الشرك (قبلك عدم وبعدك ندم) وبجانبها صورة كبيرة للمتأله صالح !!.

3- إلغاء المعاهد العلمية ومدارس تحفيظ القرآن ، بما كانت تقدمه من خدمات جليلة لوسطية الإسلام ، ووقاية اليمن من علل التطرف السني والشيعي .

4- تأميم المساجد وإدخالها إلى حظيرة وزارة الأوقاف ، حيث الدخول في بيت الطاعة الصالحي ، والتحول إلى مساجد ضرار وأوكار للدعاية الحزبية وتسويق المفاسد الصالحية .

5- ممارسة صور من الإرهاب الفكري والنفسي والحسي ضد العلماء العاملين الذين رفضوا التحول إلى أبواق لتسويق البضاعة منتهية الصلاحية لصالح وعصابته ، كالشيخ الزنداني الذي مورست ضده كل صور التآمر بما فيها تقديم المعلومات الكاذبة وتحريض المخابرات الأمريكية ضده ، ومحاولة اغتياله ، وكالشيخ محمد المؤيد الذي تواطأت مخابرات الصالح مع المخابرات الغربية في نصب مصيدة له وجلبه إلى ألمانيا والقبض عليه وترحيله إلى أمريكا ليظل قرابة عقد من الزمن في السجون الأمريكية ولم يخرج إلا بعد ضغوط طويلة وعريضة ومستمرة وبعد تقارير طبية تتحدث عن أن أمراضه في الطريق للقضاء عليه خلال فترة قصيرة !

6- إيجاد خطط طويلة الأجل و(استراتيجيات) عريضة لجلب العلماء إلى بطانة صالح ، واستجلاب أنصاف العلماء إلى الإعلام الرسمي وتمكينهم من المراكز العلمية وأماكن الوعظ والفتوى ومنابر المساجد ، وإبراز بعض الموتورين على الإسلاميين كعلماء كبار ، ودفع الأموال الكثيرة للجميع ، وممارسة صور متنوعة من الضغوط عليهم ، حتى يسيروا في ركاب السلطان ، وتجميع هؤلاء جميعاً بجانب موظفي الأوقاف وقناة النفاق التي أطلق عليها لقب قناة (الإيمان) ، تحت راية ما تسمى جمعية علماء اليمن ، هذه الجمعية التي تحولت إلى (يافطة) تضم أحبار صالح الذين يمتلكون الجرأة للتوقيع لصالح على بياض باسم رب العالمين ، كما فعلت في فتواها الأخيرة التي حرمت على الشباب التظاهر والاعتصام السلميين ، واعتبرتهم خوارج بسبب ذلك ، ومن ثم أباحت للعصابة الإجرامية قتلهم ، بل واعتبرت ما يقوم به القتلة جهاداً في سبيل الله !!

ويذكرني هؤلاء الأحبار بأحبار بني إسرائيل الذين هتك القرآن أستارهم ، وحذر من التشبه بهم وتسلل عللهم إلى علماء المسلمين .

ويحكى في هذا السياق أن الأحنف بن قيس قال : سهرتُ ليلتي أفكر في كلمة أرضي بها سلطاني ولا أسخط بها ربي فما وجدتها . وقال عبدالله بن مسعود : إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه دينه . قيل : وكيف ذلك : قال : يرضيه بما يسخط الله عز وجل !

وهذا بالطبع مع خلفاء المسلمين والصحابة الكرام ، فكيف بهذه العصابة الإجرامية التي استباحت الحرمات واستحلت المحرمات ؟!

7- تبني تيارات الجمود والجحود في ذات الوقت ، تيارات الجمود والتطرف التي شوهت صورة الإسلام ، كالقاعدة وبعض الجماعات السلفية والصوفية المتطرفة ، وتيارات الجحود العلماني التغريبي التي تحتضنها السلطة وحزبها الحاكم .

8- انتهاك ثوابت الإسلام في سائر مؤسسات النظام بصورة عملية ، كالبنوك الربوية ، والشركات الاحتكارية ، والاتفاقيات التي تنتهك بعض ثوابت الإسلام ، أو بعض السيادة الوطنية ، وتربط البلد بالمشاريع التغريبية أو الاستعمارية .

ومن ذلك انتهاك الإعلام الرسمي لكثير من ثوابت الإسلام ، والسخرية من العلماء ، وتقنين البرلمان ذي الأغلبية السلطوية لمشاريع قوانين تنال من مقاصد الشريعة وثوابت الدين ومصالح الشعب ، وشرعت للتبعية والعمالة .

9- تحويل النظام الجمهوري الديمقراطي الذي ينسجم مع الشورى والحرية والعدالة الاجتماعية كقيم رئيسة في الإسلام إلى نظام أسري مستبد ، يجمع في طياته كل مساوئ الأنظمة الملكية دون مزاياها ، وكل مفاسد الأنظمة القمعية الفاسدة في دول العالم الثالث .

والمصيبة الكبرى والداهية العظمى أن هذا القبح كله يقد م تحت راية نظام ديمقراطي شوروي ، ينص دستوره على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع القوانين !!

10 – ممارسة أعمدة النظام ورأسه لكل صور الكذب الممجوج ، والمخاتلة المفضوحة ، والوصول إلى توريث الجمهورية للابن الأكبر تحت مباركة الحواة والسحرة والدجالين والأحبار !!.

ثانياً : تدمير الكعبة وهدم بنيان الله :

ورد في الحديث الصحيح قوله (ص) :" إن الإنسان بنيان الله فلا تهدموا بنيانه " وقال (ص) : " لزوال الدنيا أهون عند الله من استباحة دم امرئ مسلم" وفي حديث آخر قال (ص) : " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم" .

هذا في الإسلام ، أما عند الإمام صالح وابنه الإمام أحمد ومن دار في فلكهما من عصابة السلطة فإن القتل لأتفه الأسباب أهون من شرب الماء ، ولو قمنا بدراسة تحصي من قتلهم صالح ومن تسبب في قتلهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة فإنهم يصلون إلى مئات الألوف ، أي أنه دمر الكعبة مئات الآلاف من المرات ، ومع ذلك يدعو أحبار السوء إلى طاعته وحرمة الخروج عليه .

 ومن أهم صور القتل واستباحة الدماء وإزهاق الأرواح وعدم المبالاة بموت الأنفس:

1- اغتيالات الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها ، كاغتيال الحمدي ، واغتيال كثير من قادة الاشتراكي في الفترة الانتقالية التي كانت انتقامية بحقهم ، واغتيال بعض رموز السلطة والمقربين منها كمجاهد أبو شوارب ويحيى المتوكل ومحاولة اغتيال د. أحمد الأصبحي وعبدالمجيد الزنداني والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر .

2- إعدام بعض المناوئين والمنافسين ، واتخاذ أخطائهم ذريعة لإعدامهم من الوجود ، كما فعل صالح مع قادة الحركة الناصرية وبعض قادة اليسار الاشتراكي في الثمانينات .

3- ضحايا الحروب العبثية التي قام بها صالح ضد خصومه ، ومن أجل تحقيق "أجِنْدات" الأسرة الحاكمة والبطانة المتحكمة ، سواء التمكين للفاسدين ، كما في حرب الجنوب التي راح ضحيتها عشرة آلاف إنسان ، أو للتمكين التوريث ، كما في حروب صعده التي تذهب التقديرات الوسطية إلى أنها قتلت أكثر من خمسين ألف يمني في جولاتها الست ، وإذا كان نائب الرئيس عبده ربه قد اعترف بأن عدد الجنود الذين قتلوا في حرب صعده السادسة فقط خمسة آلاف ـ إن لم تخني الذاكرة ـ فإن هذا الرقم لو كان متوسط لكل حرب فإن قتلى الجيش يكونون ثلاثين ألفاً في الحروب الستة ، ولو افترضنا أن الحوثيين مع المدنيين قد قتل منهم مثل ذلك فإن الرقم يصل إلى ستين ألفاً ، هذا غير المشوهين والمعوقين والثكالى والأيتام والأرامل ، كل ذلك لماذا؟

 من أجل تمكين صالح لابنه من وراثته في السلطة ، حيث حاول بهذه الحروب العبثية ضرب عصفورين بحجر ، عصفور الجيش الوطني ولا سيما الفرقة وقائدها اللواء علي محسن الذي ظل شوكة في حلق صالح ومشروع التوريث ، والعصفور الحوثي الذي يمثل طليعة المذهب الزيدي الذي لا يرفض التوريث فحسب ، بل ويصر على بطلان شرعية صالح في السلطة من حيث المبدأ ، لأنه لا ينتمي إلى البطنين!!.

4- ضحايا الثارات القبلية والسياسية ، حيث لم يكتف صالح بموقف المتفرج بل تدخل هو وسلطته في مرات كثيرة لصب الزيت على نيران الثارات كلما بدأت نارها تتجه نحو الانطفاء ، وهذا يتم عبر أجهزته الأمنية ومن وراء الكواليس ، وفي بعض المرات يقوم بهذا الدور علناً ، ولاسيما في المجال السياسي ، حيث ذكر عشرات المرات ـ على سبيل المثال ـ بالثارات بين جناحي الاشتراكي: جناح أبي وشبوة (علي ناصر) وجناح لحج وبقية المحافظات الجنوبية (علي سالم البيض) ، وعمل بقوة لإفشال مهرجانات التسامح والتصالح بصورة علنية .

 ويشبه ذلك تذكيره دوماً بالخلافات السابقة بين الإصلاح والاشتراكي ، واستماتته في محاولة تفجير المشترك ، وكان اغتيال جار الله عمر من قبل جهازه الأمني في مؤتمر للإصلاح قد جاء في هذا السياق ، حيث تم تداول معلومة آنذاك تقول بأن الرئيس كان يشاهد ما حدث في نقل مباشر ، لكن المؤامرة افتضحت ولذلك شكلت جسراً جديداً من جسور التعاون بين الإصلاح والاشتراكي .

5- ضحايا غياب الدولة الإيجابي وحضورها السلبي الممنهج أحياناً ، كمشاكل الأراضي والعقارات التي تحصد المئات من اليمنيين سنوياً ، والعبث بالأسلحة ولاسيما في المناسبات الوطنية والاجتماعية بل وحتى الشخصانية المرتبطة بصالح ، فقد رأينا كيف قُتل العشرات من المواطنين في مختلف المناطق والأعمار ، عندما أطلقت قوات الحرس (العائلي) والأمن المركزي والأمن العام وقوات الجيش الصالحي وبلاطجة العصابة وبعض المغرر بهم نيرانها في الهواء ، بمناسبة نجاح عملية صالح ، وبمناسبة خروجه من المستشفى ، وبمناسبة قرب عودته ، وبمناسبة عودته بالفعل خلسةً في الظلام إلى صنعاء ، وهذه المرَّة أطلقت النيران في الضحى عند مطلع النهار!.

6- ضحايا الفساد واللامبالاة بأرواح الناس ، كالذين يسقطون بسبب سوء الطرقات والحفر والمطبات والنقاط العسكرية ، وفي تقرير وزارة الداخلية عن ضحايا الحوادث المرورية فإن متوسط الضحايا كل عام يصل إلى نحو عشرين ألف قتيل وجريح ومشوَّه ، وهو عدد يفوق ضحايا كثير من الحروب في العالم !!

 ويقترب من هذه المأساة ضحايا المجاري المفتوحة والحفر العشوائية والكهرباء المكشوفة ، وأمثالها من الحوادث التي تتم بسبب فقدان مؤسسات الدولة الحس الوطني وعدم شعورها بحرمة الدماء الإنسانية.

 ولو ألقينا نظرة على الأمراض التي تنتشر في وسط اليمنيين بصورة غير طبيعية ، لوجدنا أن اليمن هي الأولى عالمياً في وفيات الأطفال ووفيات الأمهات عند الولادة ، ومن أعلى النسب العالمية في أمراض كالكبد والسرطان ، وهذه لها علاقة بالدور الغائب للدولة ، بل مساهمة بعض رموزها وفاسديها بأدوار سلبية كالسماح بدخول الأغذية والأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية ، بحيث صارت اليمن مزبلة ، بجانب السماح بدفن النفايات الخطيرة في الأراضي اليمنية ، ودخول السموم والمبيدات المحرمة دولياً واستخدامها بطريقة عشوائية وبدون أي ضوابط ، وضحايا ذلك كله يعد سنوياً بعشرات الآلاف من اليمنيين الذين قصف فساد عصابة صالح أعمارهم ، حتى صار متوسط عمر اليمني يقترب من نصف مثيله السعودي مثلاً!!

7- ضحايا المواسم والفعاليات السياسية ، ففي كل انتخابات تحدث جرائم من قبل السلطة ونافذيها ويسقط العشرات على الأقل ، وكذا في المسيرات والمظاهرات والاعتصامات ، كما حدث في هذه الثورة التي زاد ضحاياها في الساحات والميادين فقط عن ثمانمائة من خيرة شباب اليمن ، وبعضهم من النساء والأطفال والشيوخ والمعوقين .

 في هذه الثورة وجهت السلطة نيران صواريخها وطائراتها ومدافعها التي غابت عن (حنيش) إلى صدور الشباب العزل .

8- جرائم (العار الأسود) وقتل الشهود: فقد امتلك صالح ثروة سوداء فيما تسميه القبائل اليمنية بالعار الأسود ، كقتل الوسطاء ، كما بدأ بذلك عندما كان قائداً عسكرياً لمحافظة تعز حيث قتل الوسطاء ليحمل عبدالله عبدالعالم المسؤولية ، وكما فعل عندما أرسل الشبواني لمفاوضة القاعدة في مأرب وقتله معهم وهو أمين عام المحافظة ، وكما فعل بوفد الوساطة الذي أرسله مطلع هذه الثورة إلى علي محسن ، وبوفد الوساطة الآخر الذي أرسله إلى بيت الشيخ عبدالله الأحمر ، وكان فيه بعض كبار المشائخ والمسؤولين كغالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي والذي أصيب في الحادث!

 ومن جرائم العار الأسود قتل النساء والأطفال ، كما فعل قناصة صالح مع عشرات الأطفال ، ومنهم أنس السعيدي ذي العشرة أشهر!!

 ويأتي قتل الأطباء والمسعفين والشهود من الصحفيين والمصورين ضمن هذه الدائرة المحرمة في كل قوانين السماء والأرض ، فقد قتل صالح العشرات من هؤلاء قبل الثورة وبعدها .

9- التمكين للأجانب من قتل اليمنيين ، وقد بدأ الأمر بقتل أبو علي الحارثي في مأرب عام 2002م وهو متهم بانتمائه للقاعدة ، حيث تولت طائرة أمريكية إرسال صواريخها فأردته قتيلاً هو ومن معه ، رغم أن قوانين الأرض والسماء تقول: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته!

 وبعدها توالت الحوادث في شبوة وأبين ولا سيما في (المعجلة) التي قتل فيها العشرات من المدنيين الأبرياء ، ثم في زنجبار وجعار ومودية ، وكذا في مأرب وأرحب ، وأخيراً في الجوف حيث قُتل العولقي وعدد من رفقائه على يد طائرات أمريكية بدون طيار .

 وقد أوضحت "ويكيلكس" أن صالح منح أمريكا شيكاً على بياض ، حيث طلب منهم أن يخبروه عن من ضربوه أو سيضربونه حتى يعلن مسؤولية أجهزته الأمنية عن ذلك! ولهذا تمسك الأمريكيون بصالح إلى آخر لحظة ، فمن يمكن أن يتيح لهم البلاد ويبيح لهم البلاد مثله؟!.

ثالثاً: العبث بأموال الشعب:

 حفظ الأموال هو المقصد الثالث من مقاصد الشريعة ، لكن شريعة صالح القائمة على الأهواء والغرائز عبثت بأموال الشعب اليمني في أسوأ صور العبث ، وهذه صور من ذلك العبث الذي ليس له مثيل:

1- العبث بأموال الموازنات العامة للدولة ، بالتهام الفساد لنصيب الأسد من بنود الميزانية التي تقع خارج إطار المرتبات ، وهذا ما تثبته سنوياً تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التابع مباشرة لرئاسة الدولة .

2- العبث بالحسابات الإضافية وهي بمئات المليارات سنوياً ، حيث توقع عليها الأغلبية السلطوية في المؤتمر بدون التحقق من أوجه الصرف ، مع الاكتفاء بتوصيات لا تسمن ولا تغني من جوع ، إرضاء لكتلة المعارضة في مجلس النواب .

3- العبث بمئات المليارات سنوياً من مقدرات الشعب الآنية من النفط والغاز وأمثالها من الموارد ، حيث لا يعرف أحد كم إنتاج البلد من النفط حتى وزير النفط إلا إذا كان من صميم عصابة صالح ، وكان المهندس فيصل بن شملان قد قدَّم استقالته من قيادة الوزارة ، لأنه لم يستطع معرفة إنتاج البلد من النفط على وجه الدقة وهو وزير النفط!! أما فضيحة بيع الغاز اليمني لكوريا بربع سعره العالمي فهي فضيحة تمت بتوجيهات عليا وحاسمة من صالح لمتنفذيه من حمران العيون مقابل عمولات ، وهي وحدها تكفي كمبرر لإسقاط مائة نظام وليس نظام علي صالح الغارق في الفساد حتى شحمة أذنيه!!.

4- العبث بمئات المليارت سنوياً من فوارق أسعار النفط ، حيث يقدر بأقل من سعره الحقيق بكثير ، ولاسيما في السنوات الأخيرة التي ظلت أسعاره في تصاعد بدون جدوى في اليمن ؛ لأن الفوارق تذهب إلى الجيوب السوداء "لحمران" العيون الذي عينهم علي عبدالله صالح "الأحمر" لهذا الغرض!!

5- الإنفاق العبثي سنوياً ـ بمئات المليارت ـ على نزوات صالح وأهوائه ، كالإنفاق على الأجهزة الأمنية المتعددة التي لا تعرف عن أمن الوطن والمواطن شيئاً ، حيث اختزلت الوطن في كرسي صالح واختزلت الشعب في شخص صالح!.

 ومن ذلك إنفاق عشرات المليارت سنوياً على شراء الذمم والولاءات والرشوات ولاسيما في بعض المواسم كالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ، ومثلها على المطبلين والمزمرين والمسبحين بحمد صالح والذين لا يكفون عن الحديث عن "باني نهضة اليمن الحديث" "والمنجزات العملاقة" ، وهؤلاء "كتلفون الشارع" ، حيث يعملون لتضليل الشعب بأمواله ، ويُغمدون سيف الشعب في صدره!

 ولا يختلف علماء "الدفع المسبق" عن جملة هذا القطيع المسبح بحمد صالح مقابل الأموال المنهوبة من هذا الشعب المغلوب على أمره!

6- العبث العام بالأموال العامة: وهناك عبث آخر بأموال الشعب العامة حيث يلتهم غول الفساد وأسماك "القرش" الصالحية نصيب الأسد منها ، كأموال الضرائب والجمارك والزكوات ، وأراضي وعقارات الدولة ، وعائدات الصيد ، ومشاريع المناقصات عموماً ، ولاسيما الأموال الضخمة المخصصة لمشاريع المحافظات التي يتم فيها الاحتفال بأعياد الثورة والوحدة ، وعلى سبيل المثال خصصت الحكومة قبل بضع سنوات لمحافظة (إب) 86 مليار ريال للاحتفال بالعيد فيها ، وعندما نزلت لجنة من البرلمان اكتشفت أن قيمة المشاريع المنفذة مع كل ما فيها من عيوب لا تزيد عن سبعة مليار ريال ، أي أن 79 مليار ريال ابتلعها غول الفساد الصالحي دفعة واحدة!!.

 الجدير بالذكر أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ورغم إقصائه من قبل صالح إلا أنه سجل الكثير من العبث فيما مررنا عليها من بنود ، كما فعل في خليجي عشرين ، ومع بعض قلاع الفساد كياسر اليماني وسلطان البركاني ، ولكن صالح كان بالمرصاد لهذه التقارير ، وقد رفض منذ البداية تبعية الجهاز للبرلمان ، وأصر على أن يظل تابعاً لرئاسة الجمهورية ، حتى يُبقي هذه التقارير أوراقاً بيده يستخدمها للضغط على المسؤولين ، وهذا ما يفسر بقاء كبار الفاسدين حول صالح حتى الآن رغم اهتراء النظام ورغم الجرائم التي ارتكبتها عصابة صالح بحق الشعب!.

رابعاً: الأعراض اليمنية في كف (العفريت) صالح:

 المحافظة على الأعراض والأنساب هو المقصد الرابع من مقاصد الشريعة ، وقد فرط به صالح ، وبدون شرح سنذكر بعض النقاط والأمثلة على النحو الآتي:

1- إقرار النظام لوجود أماكن للدعارة في الفنادق الراقية والمنطقة الحرة ، ولولا المقاومة الشعبية القوية في هذا الباب لكان الوضع أسوأ بكثير .

2- الزواج السياحي ، وهو زنى مقنن ، حيث يستغل الآلاف من أغنياء الخليج فقر الناس وجهلهم للعبث ببناتهم لأيام أو لأسابيع وربما لأشهر ، ثم الرمي بهن في الشوارع ليواجهن المستقبل المحفوف بالظلمات والمخاطر!.

3- وجود شبكات منظمة للمتاجرة الجنسية بأطفال اليمن ذكوراً وإناثاً في أعمال دعارة تحت يافطة التسول في دول الجوار ، وقد كشفت دراسات اجتماعية هذا الأمر وتوصلت إلى حقائق مذهلة في هذا السياق!

4- استغلال مئات الآلاف من أطفال الشوارع داخل اليمن جنسياً أو الاعتداء عليهم. وقد قامت مراكز بحوث اجتماعية بدراسة هذا الموضوع ، فوجدت أن حوالي خمسمائة ألف طفل يمني يعملون في الشوارع أكثر من نصفهم أفادوا بتعرضهم لاعتداءات جنسية مختلفة ، وهؤلاء الأطفال من الذكور والإناث! ، وهذا بالطبع أحد المنجزات العملاقة لصالح وأحد معالم "نهضة اليمن الحديث" التي بناها!!

5- وجود شبكات فساد منظم في بعض الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية ، واستغلال حاجة النساء للضغط عليهن وجَرِّهن إلى هذه الشبكة القذرة ، واغتصاب بعضن ، كما أوضحت جريمة السوداني محمد آدم في مشرحة جامعة صنعاء ، والتي أشارت بأصابع الاتهام إلى عتاولة كبار في أجهزة الدولة ، ولهذا قتلت السلطة السر بإعدام محمد آدم ورفضها التحقيق مع من يقف وراءه!.

6- إدخال المرأة في بعض المؤسسات الأمنية بدون الحاجة وبدون الضوابط الشرعية الكافية ، فقط من أجل المباهاة في الخارج وتنفيذ أجندات أجنبية ، ولأغراض أخرى في نفس يعقوب!!

7- محاربة المرأة الملتزمة إذا غردت خارج السرب الصالحي ، والوصول إلى حد الطعن في كرامتها وشرفها ، وقد رأينا مراراً كيف طعنت ألسنة رموز النظام من صالح إلى أصغر بلطجي في الشارع في بنات ونساء الثورة ، وعَرَّضَت بهن هذه الألسن القذرة!!

 ولنشاط المرأة في محاربة الفساد بشجاعة من قبل قيام الثورة ، فقد تعرضت عدد كبير منهن للسب والقذف كالأستاذة رشيدة القيلي والأستاذة رحمة حجيرة والأستاذة توكل كرمان .

 ورأينا أيضاً كيف اختُطفت توكل كرمان من بيتها وكذا بعض نساء الثورة في عدن وتعز وصنعاء من بيوتهن ، وكيف اختطفت عصابة صالح الطبيبات الأربع من ساحة التغيير في صنعاء ، كل ذلك للإساءة إلى هؤلاء البنات ، لحساسية هذا الأمر في المجتمع اليمني!!.

8- محاربة مصانع الشرف والكرامة وإغلاقها وتجفيف منابعها ، كإغلاق المعاهد العلمية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ، وتعديل المناهج الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم ، وإقصاء المتدينين عن مراكز التوجيه والتربية رجالاً ونساءً ، وتأميم المساجد وإلحاقها بوزارة الأوقاف ، وفي المقابل انطلقت وسائل الإعلام الحكومة كالشياطين لتغتال أخلاق الناس وقيمهم بدون رقيب أو حسيب!!.

خامساً: الضحك على ذقون الشعب والتسول به:

 حماية العقل هو المقصد الخامس من مقاصد الشريعة الإسلامية ، وقد انتهك نظام صالح هذا المقصد أيما انتهاك ، ومن صور هذا الانتهاك والتعامل غير العقلاني مع الشعب ما يأتي:

1- العبث بالدستور اليمني ، وتفصيله نظرياً على حجم صالح ، وتقطيع أوصاله عملياً بحيث يغطي عورات صالح ، ويلبي أهواءه وغرائزه ، ويحقق طموحاته وأطماعه (الأشعبية) .

2- تجهيل الجيل اليمني ، وتخريج جامعات الحكومة لقوافل من الأميين الذين يحملون درجة البكالوريوس أو الليسانس مع أن كثيرين منهم لا يستطيعون كتابة أسمائهم بطريقة صحيحة ، فكيف سيقرؤون الحياة بل كيف سيصنعونها؟

3- بناء نظام استبدادي عفن وتلفيقه بثوب جمهوري ، وتحويل مواسم (الانتخابات) إلى مواسم (للانتحابات) على كرامة اليمني المهدورة بجانب أمواله وأوقاته وأعصابه التي تُهدر فقط من أجل إعطاء الحاكم الفرعون ديكوراً ديمقراطياً!.

4- إنجاز جبال من الأكاذيب وآكام من الأوهام والخرافات والتي جعلت اليمني يتشرد في الأرض ويعاني من عقدة نقص داخلية وانتقاص خارجي ، وتصوير المجتمع اليمني كأنه غابة من الإرهابيين والوحوش الآدمية أو (إصلاحية) تضم المعوقين والمشوهين وأصحاب العلل والأمراض النفسية والسوابق الإجرامية ، وإكمال المشهد الإجرامي بالتسول بهؤلاء بين الدول الإقليمية والدول الغربية!!

5- العبث بالإسلام وتحويل المساجد إلى أدوات للدعاية الحزبية الرخيصة لحزب الحاكم ، وتمكين بعض الكهنة والدجالين وبعض أصحاب العلم المنقوص من هذه المساجد ليمارسوا صوراً من العبث بعقول الناس باسم الإسلام ، ولاسيما بعد الثورة ، فعندما رفض العلماء العاملون السير في ركاب الظلمة ـ كالدكتور عبدالسلام المجيدي خطيب مسجد الصالح ـ عمدت السلطة إلى البحث عن الدجالين في الآفاق ، وكان ـ على سبيل المثال ـ أن وجدت دجالاً كبيراً وأفَّاكاً أثيماً يدعى شرف القليصي لتجعله خطيب مسجد الصالح ، ولا يملك هذا الخطيب من الشرف إلا اسمه ، ولهذا تحول إلى بوق كبير لتسويق الأكاذيب والافتراءات التي لم يجرؤ صالح نفسه على التفوه بها ضد الشرفاء والمصلحين!.

6- تأميم مقدرات الدولة والشعب لصالح عصابة تتدثر بدثار حزب الحاكم ، حيث استأثرت هذه العصابة بعائدات النفط والغاز ، والجمارك والضرائب ، وعبثت بميزانية البلد وبالوظيفة العامة ، واحتكرت الإعلام الرسمي ، وأدارت الجيش والأمن والقضاء والبرلمان بـ(الريموت كنترول) ، وتملكت المؤسسات والشركات والمقرات الحكومية بدون وجه حق ، والغريب أن هذا كله تحت غطاء الديمقراطية!.

 هذه باختصار صور من الغارة التي شنها صالح على مقاصد الشريعة في الواقع العملي ، ومع ذلك فإن من يزعمون أنهم موقعون عن رب العالمين في جمعية العلماء الصالح ختموا وبصموا على البيان الذي جاء من قصره الرئاسي ومطبخه الأمني ، ولو لم يكن لصالح وزمرته إلا هذه الجريمة التي بالغت في الإساءة إلى الإسلام لوجب خلعه وإياهم ، ويأبى الله أن لا تصل هذه الثورة إلى محطة الختام إلا وقد فضح جميع المنافقين والمرجفين وكل من في قلبهم مرض ، حتى تستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين ، ويبدأ العمل الفوري بعد الثورة بإذن الله ، فقد تبين بفضله تعالى الرشد من الغي!. 

* أستاذ الفكر الإسلامي السياسي المشارك بجامعة تعز

رئيس منتدى الفكر الإسلامي


في الإثنين 10 أكتوبر-تشرين الأول 2011 11:43:51 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=11908