رمضان مدرسة للتغيير والثورة
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني

أولاً : نهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك سائلين المولى جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن يصوم نهاره ويقوم ليله وينال خيراته العظيمة ويفوز فيه بالمغفرة والثواب وبالتغيير الإيجابي على الصعيد الشخصي والعام . آمين.

يأتي رمضان هذا العام ونحن نشهد في بلادنا وبعض البلدان العربية أوضاعا استثنائية ومستجدات وتغييرات سياسية هامة فالملايين من أبناء الشعب اليمني ما يزالوا يرابطون في الشوارع وهذا الشهر الكريم سيعطي ثورتهم زخما كبيرا ودفعة قوية فهو شهر الصبر والثورة والتغيير للفرد والأسرة والمجتمع والأمة كما أن عشرات الآلاف من اليمنيين مشردون بسبب رغبة ما تبقى من سلطة صالح في استعادة هيبتها وتوجيه رسائل للداخل والخارج ولو بقتل البشر وتدمير الشجر والحجر وقصف الأخضر واليابس كما يحدث في أرحب ونهم وهذا الشهر فرصة لمن تبقى من هذه السلطة لتراجع نفسها وتعيد حساباتها ولعلها تتقي الله في هذا الشعب الذي أعطاها كل شيء وأعطته مقابل ذلك الموت العاجل والبطيء كما انه فرصة للتجار لمراجعة أنفسهم وإحياء ضميرهم بدلا من رفع الأسعار فالمواطن منهك منكوب وحانب بقيمة طلبات رمضان ولا رقابة على التجار سوى ضمائرهم.

كما أنه فرصة للوقوف مع إخواننا وتعزيز قيم التكافل والتراحم ولو بشق تمرة نقف مع إخواننا المشردين والمنكوبين والذي شردتهم السلطة وتداعيات حربها الحمقاء وتخلت عنهم.. فهل نتفرج عليهم يموتون جوعا ومرضا؟!!

تلك مقدمة فرضت نفسها في مقال أردت أن أطبعه بطابع روحاني شفاف يناسب روحانية الشهر الكريم ولكن لا نستطيع تجاهل ما يجري حولنا من أحداث ومستجدات وأقول:

لرمضان جو خاص من الإيمان والروحانيات والطاعات والعبادات فهو شهر الصيام والقرآن شهر الرحمة والغفران تصفد فيه مردة الشياطين ويقبل الناس في رمضان على المساجد وسائر الطاعات والعبادات وهذه الظاهرة تشير إلى الإيمان الكامن في النفوس الذي يتوهج ويشع خيراً في رمضان بسبب الجو الإيماني العام فكثرة الصائمين والقائمين والتالين للقرآن والمتصدقين الباذلين كل ذلك يؤثر في النفس البشرية ولاشك فتندفع مع المندفعين وتسهم في الخير وتتسابق في مضماره وتتعرض لنفحات الله ورحماته فيربح أقوام ويخسر أقوام آخرون والأرباح والخسائر تتفاوت في الدرجات أو الدركات.

· فرصة سانحة قد لا تتكرر

ونحن في أوائل أيام شهر رمضان المبارك لا بد أن نحمد الله على هذه النعمة الكبيرة أن أعاد علينا رمضان وبلغنا رمضان فهذه فرصة سانحة قد لا تتكرر ، من حرم صيام رمضان وقيامه وبذل أسباب المغفرة من الله فقد حرم الحرمان الأكبر .

إن رمضان بالصيام والقيام والزكاة والقربات طهارة للنفوس ومدرسة للأخلاق الفاضلة والسلوك الاجتماعي العظيم وهو شهر القرآن ذلك المنهل الصافي الفياض بالروحانية ويربط النفوس بخالقها ويفتح أمامها آفاق رحبة من أسرار الكون وملكوت السموات والأرض .

· أهمية تدبر القرآن

حين نزل القرآن على الأمة في رمضان عمل القرآن حينها في الأمة عمل السحر بلغ بأثره أعماق القلوب والأرواح وبدل الله به الأمة خلقاً آخر يسمعه عتاولة الكفر والشرك فيخرون أمامه مسلمين ويغير مسار حياتهم.. والسؤال هنا لماذا اليوم يتلى علينا القرآن دون أن نلمس أثره المطلوب في القلوب والأرواح ؟؟

 

الجواب: أننا نقرأ القرآن قراءة آلية جافة ، كلمات تقرأ وحروف تردد بلا خشوع ولا ترتيل ولا تدبر وتفكر بل بلا تجويد والله المستعان .

ولكي ندرك أثر القرآن لا بد لنا من القناعة بأهمية تدبر القرآن وفهم معانيه وأحكامه فلو خصصنا في رمضان وقتاً طيباً لتفهم القرآن وتدبره وتطبيقه لكان خيراً كثيراً ، وأعتقد بل أجزم أن قراءة القرآن مرة واحدة أو حتى نصف القرآن أو ثلثه أو ربعه بشرط التفهم والتدبر والتطبيق خير من قراءة القرآن ثلاثين ختمة في الشهر قراءة هذر مذر نردد حروفها ولا نفقه حدودها ولا ندري ما معانيها .

· تصحيح المفاهيم المغلوطة

وفي هذا المقام لا بد أن نؤكد على ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة حول رمضان فالبعض يرى رمضان فرصة لنوم النهار وسهر الليل على المسلسلات وبرامج المسابقات والفوازير أو التسويق بالإضافة إلى الإكثار من الأطعمة بمختلف أنواعها وكأننا في سباق لاستعراض القدرات على إعداد موائد الطعام والأكل مما لذ وطاب !!

إن شهر رمضان شهر النصر والصبر والمعارك فكثير من المعارك التي خاضها أسلافنا كانت في رمضان مثل معركة بدر وفتح مكة ومعركة عين جالوت قديماً ومعركة العاشر من رمضان عام 1393هـ أي قبل حوالي ( 35 ) عاماً كانت في رمضان أيضاً .

· رمضان مدرسة للتغيير:

شهر رمضان المبارك مدرسة فريدة لتغيير النفس والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها ولكن هذا التغيير المطلوب لن يتأتى إلا من خلال خطوات تربوية مدروسة خطوات طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون فالبداية كما قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) وهي أصعب خطوة خاصة ونحن في عصر يطفح بالشهوات والمغريات والمسليات ووسائل الترفيه والترويح في الفضائيات والانترنت ووسائل الإعلام ، فالصيام يعطي الفرد المسلم ثقة كبيرة بقدرته على ضبط نفسه وكبح جماحها ليس فقط بالامتناع عن المحرمات بل بالامتناع عن الحلال أيضاً بكلمة : ( الله أكبر ) عند أذان الفجر وإباحته بكلمة : ( الله أكبر ) عند أذان المغرب

· علاج لقسوة القلب وجفاف الروح:

إن الصيام علاج لقسوة القلب وجفاف الروح والتجرد لله بالصيام هو سر بين العبد وربه الذي يعلمه أن يكون باطنه خيراً من ظاهره بالإضافة إلى قراءة القرآن وطول الصلاة والقيام والأذكار والدعاء والقنوت في أجواء مهيأة من تقييد مردة الشياطين ونزول الرحمات وتجول الملائكة ووجود المسلم بين إخوانه وهذا كله يجعل الروح تأخذ قسطاً وافياً من العلاج الشافي من أمراض قسوة القلب وجفاف الروح وجمود العين عن البكاء وقصور اليد عن التضرع والدعاء وخمول اللسان عن الذكر والثناء .

· علاج لسوء الأخلاق:

وأما كون الصيام علاجاً لدنايا الأخلاق فذلك أن الشهوات الأربع في كل إنسان هي لعمارة الأرض واستمرار النسل وبقاء القيم والأخلاق لكن بشرط الاعتدال في استعمالها فثوران الشهوات والبطن والفرج والكلام والغضب كفيل بتحطيم الإنسان لنفسه وأسرته ومجتمعه وعالمه والصيام مدرسة تربوية رائعة تضع لجاماً اختيارياً على هذه الشهوات الأربع في وقت واحد ليكون المسلم أهلاً لرضا الله ولنيل جنته .

· الصيام ينشط العقل :

وأما كون الصيام علاجاً لجمود العقل فذلك أن التخمة تضعف التركيز الذهني وكثرة الطعام تستوجب ذهاب أكثر الدم من الدماغ إلى البطن لتهضم الفضل من الطعام الزائد وهنا يسترخي العقل أو ينام فيحرم الإنسان من حب العلم والتعلم والفكر والتدبر والاختراع والإبداع .

إن كبسولة الصيام وقاية وحماية وعلاج وشفاء من كل هذه الأمراض.

كما أن صيام رمضان فرصة لاستعادة الثقة في أننا فطرة نقية وعزيمة قوية على ترك العادات السيئة إذا استحضر الإنسان ثقته في نفسه ودعا ربه ليعينه على نفسه قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) .

· تراجع الالتزام بعد رمضان لماذا ؟!

ظاهرة تراجع الالتزام بعد رمضان وضعف الإيمان وخفوته لدى البعض مما يسميه البعض ظاهرة "العبادة الموسمية" ولها أسباب كثيرة فتصفيد الشياطين يسهم كثيرا في تهيئة أجواء الالتزام والطاعات في رمضان وخروجهم من أصفادهم يجعلهم يستأنفون نشاطهم في إفساد الخلق وتزيين الفساد والمعاصي كما أن اعتقاد البعض أن صوم رمضان والصلاة فيه وقراءة القرآن والصدقة وعموم الطاعات كاف لغفران ذنوب العام كله ويعفيهم من أداء العبادات والطاعات في بقية العام وهو تصور خاطئ كما أن الجو العام يجعل البعض يساير الناس ويمشي مع الخلق في الطاعة والالتزام إضافة إلى جلساء السوء ولهم أثر في التراجع والتأثير السلبي وتزيين المعاصي والتهوين من شأنها وكذلك وسائل الإعلام الموجه لها أثرها في تشويش الأفكار وتثبيط الهمم وإثخان النفوس بجراحات المعاصي والآثام .

والعلاج يكون في تقوية الإيمان واليقين وغرس معاني التقوى في النفوس والخوف من الله حث الناس على ضرورة مواصلة العبادات والطاعات بعد رمضان بنفس الوتيرة فرب رمضان هو رب شوال وصفر وشعبان.

وعلى الدعاة والمربين والمصلحين أن يصححوا المفاهيم المغلوطة حول رمضان ويستوعبوا أكثر عدد من المقبلين في محاضن تعليمية وتربوية ويعملوا بإخلاص وربانية في التعليم والتلاوة والتزكية فتلك هي المهمة التي أبتعث الله بها نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وهي وظيفة وراثة وأتباعه ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) . 


في الأحد 31 يوليو-تموز 2011 08:00:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=11201