أيها المسلم تمهل فإن أمر القتل عظيم..
محمد بولوز

مأرب برس – المغرب – خاص

أعلن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة قتلتها بسبب الحبس والإهمال، وأن رجلا دخل الجنة في كلب سقاه وأنقذه من الموت، وخشي عمر أن يسأل عن بغلة لم يسو لها الطريق،وفي باب بني الإنسان اعتبر الله عز وجل السماح بقتل الواحد بغير حق كقتل النوع كله (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).

وجاء في الحديث أن ابن آدم،القاتل الأول لأخيه سيتحمل وزر القاتلين بعده، لما سنه من قتل من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا.وقال الله في شأن الكافر المستأمن: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ••} أي اجعله في حماية منك حتى يبلغ المكان الآمن من بلده•وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قتل المعاهد غير المسلم :( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) وقال عليه السلام في الحديث المتفق عليه في شأن أهل الذمة من الكفار" ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل "أي من غدر بالذي أعطي له الأمان من مسلم، فعليه اللعنة المذكورة.

وشدد الشرع عقوبة البغي وحمل السلاح لترويع الآمنين فقال الله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"

وعصم دماء المسلمين بمجرد الشهادة، روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحرقة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا اله إلا الله ، فكفَّ الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال ( يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله ) ، قلت : كان متعوذاً ، فما زال يكررها حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. وفي لفظ لمسلم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ( أقال لا إله إلا الله وقتلته ) ؟ قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح . قال : ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ) قال النووي -رحمه الله تعالى-في شرحه للحديث " فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر "

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتياط للدماء ولو في الحرب القائمة مع الكفار،ولو باعتقاد خداعهم بإظهار الإسلام.

والأمر في قتل المومن أعظم وأخطر،قال تعالى"ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" وجاء عن ابن عباس سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول "يجيء المقتول متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما فيقول أي ربي سل هذا فيما قتلني"وفي الحديث الصحيح " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما " قال ابن العربي في شرحه:" الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره"

 وفي الحديث أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" ونظر النبي مرة إلى الكعبة فقال "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا".

وكان من آخر وصاياه في حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" وقوله:"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"

وهذا الشرع الحنيف لم يأذن لك في قتل نفسك التي بين جنبيك،فكيف تجرؤ على وضع حد لحياة غيرك؟ وإنه لأمر محير أمام هذا الزخم الكبير من النصوص والتوجيهات الربانية والنبوية في حرمة الدماء،وعظم شأن الأرواح وإزهاق النفوس،ومع ذلك يلغ فيها الكثير من المسلمين حتى الركب،ومن فجر تاريخنا،تطل بين الفينة والأخرى فتن كقطع الليل المظلم،يتجلى فيها الفشل الذريع في إدارة الخلاف والتداول السلمي على السلطة،وتصبح فيها السنان والسيوف والبنادق والمدافع والأشلاء والدماء،اللغة الوحيدة التي يفهمها "الإخوة الأعداء" سواء في الفتنة الكبرى،أو ما حدث بالأمس القريب في وأفغانستان وغيرها،واليوم في العراق والصومال وفلسطين..وربما غدا لا قدر الله في لبنان.. فيكون عندنا المأتم والمأساة،وعند أعداء الأمة الفرح والابتهاج..

ولعل بعض الحل في إعمال ما تيسر من الشرع، من ترسيخ معاني حرمة النفوس في التعليم والإعلام والثقافة والوعظ والإرشاد،ومختلف أشكال التوجيه الرسمي والشعبي والمؤسساتي في الجماعات والأحزاب وغيرها،وكذا غرس معاني المواطنة الحقة وأدب الاختلاف وقبول الآخر،والشورى والديموقراطية والتوزيع العادل للسلطة والثروة..وأخذ من له شوكة وقدرة على التأثير وحسم الأمور بقوله تعالى:" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"

وأما العاجزون عن ذلك ممن هم قريبون من نار تلك الفتن،من أهل الورع والتقوى ممن اختلطت عليهم الرايات،ولم يتبين لهم الحق الناصع،فليس أمامهم غير الإقتداء بفقيه الفتن الذي كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه،حذيفة بن اليمان رضي الله عنه،فقد صحح الحاكم عنه أنه قيل له: ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون‏؟‏ قال آمرك أن تبصر أقصى بيت في دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك فتقول تعال ‏(‏بؤ بإثمي وإثمك‏)‏ فتكون كالخير من ابني آدم‏:‏ كن المقتول ولا تكن القاتل‏.

 وكما قال ابن عمر رضي الله عنهما: وإذا هو في الجنة، وإذا قاتله في النار، وكما روى البيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه‏ وهو يتحدث عن زمن الفتة:‏ اكسروا قسيكم (جمع قوس) ، واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم..والذي قال يومها:"(لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين. إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين)


في الثلاثاء 06 فبراير-شباط 2007 06:59:44 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=1111