الحسم الثوري السلمي واللقاء المشترك
حسين علي بدران

خاض الكثير في العلاقة بين شباب الثورة في ساحات التغيير واللقاء المشترك وادعى البعض أن أحزاب اللقاء المشترك قد خانت شباب الثورة السلمية ؛ بل طعنت الثورة السلمية أكثر من مرة ، بمواقفها المتخاذلة ومجاراتها للسياسات الإقليمية والدولية ــ كما يقول البعض ــ لتحصل على مكاسب شخصية لقادة هذه الأحزاب والمقربين منهم ، ويضيفون أننا لم نسلك مسلك الثورة التونسية التي لم تستغرق سوى ثمانية وعشرين يوما أو الثورة المصرية التي أنجزت في ثمانية عشر يوما ، فهل هذا الطرح مقبول ومنطقي في هذه الظروف التي تمر بها البلاد أو أن لهذا القول سند من الواقع أم أنه حاجة في النفس نريد قضاءها ؟

الحقيقة أن من يعزف على هذه الأوتار إما أن يكون مدسوسا من قبل الأمن (الخوف) القومي أو غيره ليفرق الصف الثوري ، وإما أن يكون غير مستوعب لما يدور في عالم السياسة من ألاعيب ومطامع ومصالح إقليمية ودولية ، فأما القول أن الثورة اليمنية لم تحسم مثل غيرها فبداية مع اتخاذ الأسباب لابد أن نؤمن أن كل شيء بقضاء وقدر والخير فيما اختاره الله ولكننا قوم مستعجلون ، وليعلم الجميع أن اليمن ليست مثل تونس أو مصر لأسباب منها أولا : أن تونس ومصر في كل منهما جيش وطني وقف في صف الثوار ولم يكن أحد من أبناء الرئيس ابن علي أو مبارك أو أقاربهما له سلطة أو نفوذ في الجيش أو حتى في القوى الأمنية بعكس اليمن الذي يقود نصف الجيش تقريبا فيها ابن الرئيس ( قائد الحرس الجمهوري ) وإخوانه وأبناء إخوانه وأقاربه بالإضافة إلى القوى الأمنية ( الحرس الخاص ، القوات الخاصة ، الأمن القومي ، الأمن المركزي ) كلها بأيديهم.

ثانيا : أن تونس ومصر ليس فيهما أحزاب قوية تستطيع أن تقود الجماهير وتوجهها ، بل كانت أحزابا ضعيفة وأغلبها من تفريخات تلك الأنظمة ، على خلاف اليمن التي يوجد بها أحزاب قوية وعريقة وفاعلة بعضها أصوله متجذرة من قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، فالتجمع اليمني للإصلاح مثلا حزب سياسي معروف بحرصه على الوطن وقد ضحى بكل غالي ونفيس في سبيل الحفاظ على اليمن ، وفيه كوادر مثقفة وواعية ويضم جميع فئات الشعب ، وفيه من الوطنيين الكثير الذين يسعون إلى استقلال اليمن واستقراره ، وكذلك الحزب الاشتراكي له دوره في الحياة السياسية وقد كان يحكم الشطر الجنوبي من الوطن وفيه كوادر ومثقفون حريصون على اليمن أيضا ، ومثل ذلك الأحزاب الأخرى كالناصري وغيره ، كل هذه الأحزاب والتي تكون اللقاء المشترك هي أول من دشن النضال السلمي في عام 2006م عندما تم اغتصاب السلطة من قبل علي عبد الله صالح باسم الديمقراطية .

فلماذا هذا التحريض ضد اللقاء المشترك ، وهو مكون من مكونات الثورة السلمية ، والتحريش بينه وبين بعض شباب الساحات ، أقول البعض أما جل الشباب فيعرفون من هو اللقاء المشترك ، حيث يعتبرونه من ضمن الطاقم الثوري وكل له مهام يؤديها ، وأنا هنا لا أدافع عن هؤلاء القادة ولا عن أخطائهم ولا أبرر تلك الأخطاء الناتجة عن تصريح أو موقف سياسي أو غير ذلك فهم بشر يصيبون ويخطئون ولكني أجزم أنهم لا يريدون غير مصلحة البلد ، وفيهم فضلاء لا يريدون مناصب ولا نياشين تعلق على صدورهم ، ولو أرادوا ذلك لحصلوا عليها منذ زمن ولأغدق عليهم علي صالح مثل غيرهم ممن تخلى عن المصلحة الوطنية ووقف في صف الظلم والفساد ، وتحركاتهم ومبادراتهم من باب الحرص على البلد ، ولما لديهم من بعد سياسي وقراءة متفحصة للواقع الإقليمي والدولي ، وهم أكثر الناس معرفة بعلي عبدالله صالح ، ويعرفون ألاعيبه ومكره ودمويته ؛ ولذلك حشروه بسياساتهم في زاوية لم يخرج منها إلا محمولا حافي القدمين كما وعد الشيخ صادق الأحمر . 

ولذلك لا ننس جميعا أننا نتعامل مع رجل سفاح أكثر دموية من القذافي ، لو وجد فرصة لحول البلاد إلى حمامات من الدماء ، ولأحرق الأخضر واليابس ، ولكن الثورة السلمية سدت عليه الطريق ، ويعرف أيضا أن الشعب اليمني مسلح وسوف يرد عليه الصاع صاعين ، وقد حاول في مأرب بحملة عسكرية فتصدى لها عشرون فردا فقط فكسروها ، وحاول في أرحب فهزم وفي نهم فهزم أيضا ، وعملها في تعز عندما كانوا مسالمين ، ولكن القبائل المناصرة للثورة تدخلت لحماية الشباب المعتصمين فحصرت كتائب علي صالح في أماكن محدودة في مدينة تعز والبادي اظلم .

كذلك فإن ما يقوم به قادة القوات المسلحة المؤيدة للثورة وعلى رأسهم اللواء علي محسن من صبر وتحمل للحملات الإعلامية والقصف المدفعي على مواقعهم يعتبر حكمة بالغة يؤجرون عليها عند الله ويشكرون عليها عند الناس ؛ حيث أنهم فوتوا الفرصة على هذا السفاح الدموي أن يدخل البلد في دوامة العنف فمزيدا من هذه الحكمة والصبر ، ومع ذلك لابد أن يفهم ما تبقى من النظام أن الصبر له حدود وعليهم أن يتقوا غضبة الحليم ، وكذلك أعتبر أن ما يقوم به قادة اللقاء المشترك من تحركات سياسية هو عين الحكمة أيضا وفي ذلك تجنيب البلاد والعباد كثير من المآسي والمتاعب ، فلا تلوموهم أيها الشباب الثائر فكل منكم مكمل للآخر ، فلا تسمعوا لهذه الأصوات التي تريد شق العصا وفرقعة ثورتكم ، واذكروا قول الله عز وجل ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .

والشهادة لله لولا الله ثم الشباب في الساحات لما تحقق أول هدف للثورة ، فصمودهم وصبرهم والتضحيات التي قدموها من شهداء وجرحى ودماء غزيرة كان له الدور الكبير بعد توفيق الله في زوال هذا السفاح الذي كان يظن أنه لن يتزحزح ؛ ولكن هذا فضل من الله ونعمة فاحمدوه على ذلك ، ويا شباب ساحات التغيير حافظوا على ثورتكم السلمية التي أذهلت العالم ، والذهول حاصل من صبركم على هذا السفاح وكتائبه وانتم قادرون على حمل السلاح ، واثبتوا في مواقعكم حتى تتحقق أهداف ثورتكم ، فأنتم العمود الفقري للثورة وغيركم تبع ، ولذلك لابد من اتخاذ شتى الطرق والوسائل للوصول إلى تحقيق ما تبقى من الأهداف ، وانتم وحدكم بنفسكم الثوري السلمي تستطيعون أن ترغموا الجميع على اللحاق بكم سواء قادة المشترك أو القوى الإقليمية والدولية ، ومواقفكم الجادة الحكيمة هي التي تساعد الآخرين على تبني مطالبكم ، واعلموا أن الحق ينتزع من الطغاة ولا يوهب ، والله معكم ولن يتركم أعمالكم .

والله أسأل أن يكلل ثورتكم بالنجاح وتحقيق بقية أهداف ثورتكم ، كما أسأله عز وجل أن يحفظكم من كل مكروه ، وأن يسدد على طريق الخير خطاكم . 


في الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2011 07:31:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=10664