المجلس الانتقالي كضرورة حتمية.. رؤية قانونية
د. عادل صالح بن ناصر
د. عادل صالح بن ناصر

كثر الجدل اليوم حول خلو منصب رئيس الجمهورية، وخاصة في ظل الغموض الشديد الذي يخيم على حالة الرئيس الصحية وما مدى قدرته على ممارسة مهامه الرئاسية؟، وما تلا ذلك من جدل أيضا حول الجهة التي بإمكانها إدارة شؤون البلاد في المرحلة القادمة، وهل الضرورة تقتضي تشكيل مجلس انتقالي يقوم بهذه المهمة أم لا؟، وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد أولا من التنبيه هنا إلى أنني لن أتناول الإجابة عليها من جانب "المشروعية" التي تستند إلى رضا المحكومين عن الحاكم وقبولهم به، والتي أعتقد أن اندلاع هذه الثورة المباركة قد حسم هذا الأمر لصالح الشعب الثائر، ولكنني سأتناول الأمر من جانب آخر وهو مدى شرعية بقاء الرئيس في منصب رئاسة الجمهورية في ظل حالته الصحية الراهنة.

وسأبدأ بالحديث عن الوضع الصحي للرئيس وأثره على "الشرعية الرئاسية" ـ إن صح التعبير ـ قبل أن أنتقل إلى الحديث عن المجلس الانتقالي ومدى ضرورة وجوده من عدمها، فلتحديد مدى شرعية بقاء الرئيس في منصبه في ظل غموض حالته الصحية لا بد من الإشارة أولا إلى الحالات التي يصبح فيها منصب رئيس الجمهورية شاغرا وهو ما عبر عنه الدستور اليمني بمصطلح "خلو المنصب"، حيث أن هناك حالات إذا تحققت إحداها فإن منصب رئيس الجمهورية يصبح شاغرا، هذه الحالات هي الوفاة أو الاستقالة أو العجز الدائم عن العمل بسبب مرض بدني أو عقلي.

 وبالتطبيق على الواقعة التي نحن بصددها نجد أن الأمر يتعلق بالحالة الثالثة من حالات شغور المنصب وهي حالة العجز الدائم عن العمل بسبب مرض بدني أو عقلي، وبالرجوع إلى دستور الجمهورية اليمنية نجد أنه قد اعتبر العجز الدائم عن ممارسة المهام الرئاسية إحدى حالات خلو منصب رئيس الجمهورية، حيث نصت المادة 116 من الدستور على أنه "في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلاها إجراء انتخابات جديدة للرئيس، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس النواب...".

غير أن هذه المادة لم تحدد نوعية العجز عن ممارسة المهام كما أنها لم توضح الجهة المخولة قانوناً بتحديد درجة ذلك العجز والجهة التي تملك صلاحية تقديره كما فعلت كثير من الدساتير، وإذا كان الحال كذلك وبالنظر إلى ما نحن بصدده من حديث حول حالة الرئيس الصحية فإن سؤالا يثور هنا وهو: هل يمكن تصنيف الحالة الصحية التي يمر بها الرئيس في الوقت الراهن تحت بند العجز الدائم عن القيام بهام الرئاسة؟، ومن المخول في هذه الأثناء قانونا بتقدير درجة ذلك العجز؟.

وبما أن المادة المشار إليها آنفا من الدستور اليمني قد أغفلت التطرق لهذا الجانب فلا بد من الرجوع إذن للأحكام العامة في قانون الخدمة المدنية وقانون التأمينات والمعاشات التي تقضي بأن عدم اللياقة الصحية للخدمة كإحدى حالات إنهاء خدمة الموظف العام تتقرر بمقتضى قرار من الجهة الطبية المختصة، وذلك بموجب نص المادة 119/ج من قانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م – الجدول رقم 1 بشأن قواعد تحديد العجز وتقديره – الملحق بقانون التأمينات والمعاشات الصادر بالقرار الجمهوري بالقانون رقم 25 لسنة 1991م، وذلك باعتبار رئيس الجمهورية موظفاً عاماً تسري عليه تلك الأحكام، كما تسري على جميع الموظفين.

وعطفا على ما تم بيانه من معطيات فإنني من هنا أتقدم باقتراح أستمده من النصوص سالفة الذكر بحيث يتم بموجب هذا الاقتراح تشكيل لجنة طبية على وجه السرعة مكونة من خمسة من الأطباء المشهود لهم بالخبرة والنزاهة ومن تخصصات مختلفة للتوجه إلى المملكة العربية السعودية للإطلاع على حالة الرئيس الصحية ورفع تقرير فوري عن حقيقة وضعه الصحي ومدى قدرته على مزاولة مهامه، والأمر هنا يقود إلى أحد احتمالين.

فإما أن تخلص اللجنة إلى أن الرئيس لا يزال قادر على ممارسة مهامه الرئاسية، وهنا لا بد للجنة أن تحدد الفترة التي يمكن للرئيس أن يعود خلالها لممارسة مهامه، وأقترح أن لا تتجاوز هذه الفترة أسبوعا واحدا بحيث يسلم الرئيس صلاحياته فور عودته لنائبه وبحيث يقوم النائب خلال فترة تولية مهام الرئاسة ـ والتي حددها الدستور بستين يوما ـ بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ويجب أن تقوم هذه اللجنة بعرض تقريرها على وسائل الإعلام وأن يرافق ذلك بث شريط مصور للرئيس يبين حقيقة وضعه الصحي، غير أن التسريبات الإعلامية في هذا الجانب تفيد بأن حالة الرئيس الصحية متدهورة للغاية وهو ما يجعل تحقق هذا الاحتمال أمرا مستبعدا.

أما الاحتمال الثاني وهو أن تخرج اللجنة بنتيجة مفادها أن الرئيس غير قادر على مزاولة مهامه الرئاسية، وفي هذه الحالة فإن تشكيل مجلس انتقالي لإدارة شؤون البلاد يصبح أمرا حتميا نظرا لغياب البديل الدستوري، فنائب الرئيس لا يمكن أن يتولى مهام الرئاسة لعدم صدور قرار رئاسي حتى هذه اللحظة بتعيينه نائبا للرئيس بمعنى أن منصب نائب رئيس الجمهورية لا يزال إلى الآن شاغرا، كما أن تولي رئيس مجلس النواب الرئاسة مؤقتا في حالة خلو منصب الرئيس ونائب الرئيس بحسب ما قرره الدستور أمرا غير ممكن كونه في وضع صحي لا يمكنه من القيام بهذا الدور.

وبهذا نخلص إلى القول بأن المخرج الوحيد الآن هو تشكيل مجلس انتقالي كضرورة حتمية فرضتها المعطيات السابقة، تكون مهمته إدارة شؤون البلاد في الفترة القادمة، ولا يمنع أن يتم اختيار الأخ الفريق الركن عبدربه منصور هادي رئيسا للمجلس، أو أي شخصية توافقية أخرى كالدكتور صالح باصرة مثلا المشهود له بالجرأة والشجاعة في أكثر من موقف، على أن يجري الترتيب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، وأشدد هنا على مسألة الحرية والنزاهة فيكفي اليمن مهازل.

هذه رؤية قانونية لمن لا يزالون يتشدقون بالقانون وينادون باحترام الشرعية الدستورية والدستور والقانون منهم براء، أتمنى من الجميع الأخذ بها للخروج من الأزمات المتلاحقة التي أنهكت البلاد والعباد..والله من وراء القصد.


في الإثنين 13 يونيو-حزيران 2011 07:00:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m2.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m2.marebpress.net/articles.php?id=10617