آخر الاخبار
ألم يكن كل ذلك؟ فما الذي يبقيه؟
بقلم/ نشوان محمد العثماني
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 15 يوماً
الأحد 06 مارس - آذار 2011 03:32 م

خلصت معظم القوى الوطنية اليمنية إن لم تكن كلها إلى خيار واحد في سبيل الانتقال باليمن إلى ذاك البلد الديمقراطي المؤسسي المنشود والمأمول, وأتى في مقدمة تلك القوى القوة الجماهيرية النوعية المتمثلة بالشباب. وهذا الخيار هو إسقاط النظام.

فمنذ زمن ممتد إلى ما يقارب الأربع السنوات, كانت حركة الاحتجاجات في جنوب اليمن قد بدت بالظهور, بعد أن كونت النواة الأولى للحراك الجنوبي بشكله الذي بدأ مؤخرا. وتلك الاحتجاجات كانت قد بدأت مطلبية في المقام الأهم, على رأس أولوياتها حقوق المتقاعدين العسكريين والمدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية, إضافة إلى ملف الأراضي التي تم السطو عليها بعد حرب 1994 البشعة الصيت, وذلك قبل أن تنحو المطالب إلى المطالبة بـ"فك الارتباط". ويمكنني القول إن المطلب الأخير بدأ بوضوح في الـ2 من أغسطس 2008, على لسان العميد ناصر النوبة في مدينة عدن, أي بعد انطلاق الحراك بما يقارب العام والنصف.

لكن القيادات التي تبوأت منصة الحراك الجنوبي, وهي كثيرة, كانت قد أخفقت في مواصلة السير بشكل موحد وقوي, وبخطى ثابتة, حيث شهدت الحركة الاحتجاجية الشعبية الجنوبية انشقاقات أدت إلى إضعافها والتلاعب بقراراتها, وجزء كبير من هذا الاختراق كان النظام الحاكم قد لعب دورا مؤثرا فيه. ومع أن القضية الجنوبية قضية مطلبية وحقوقية بامتياز, إلا أنه تم القفز على واقعها واتخاذ خيارات غير مدروسة, خدمت النظام أكثر مما أضرته, وهي خيارات ربما كانت قد اتخذت إكراها لا اختيارا من قبل مواطني المحافظات الجنوبية كرد على آلة القمع العسكرية التي قتلت المئات وجرحت وشردت الآلاف, وكرد أكبر على سكوت أبناء المحافظات الشمالية عما يجري, حيث لم يحركوا ساكنا, حينها, بل انساقوا مع بروبجاندا الحاكم التي خوفتهم من بعبع الانفصال, وما إلى ذلك.

إلا أن الوضع اختلف كليا مع تصاعد الثورات السلمية في أنحاء الوطن العربي, حيث لم يتأخر اليمنيون على التقاط اللحظة الثورية وقيادة عملية التغيير على ذات النمط الذي أسقط نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر, فيما كان ذات النمط قد واجه صعوبات في ليبيا التي تحولت فيها الثورة السلمية إلى كفاح مسلح, وقضية دولية, مع أن ذات المخاوف يخشى من تكرارها في اليمن جراء الصلف والغرور الذي يبديه الرئيس علي عبدالله صالح متشبها بنظيره الليبي معمر القذافي.

واللحظة الثورية, أتت من حيث لا يدري اليمنيون, لتوحدهم جنوبا وشمالا من أجل الإطاحة بالرئيس صالح ونظامه الفاسد والعسكري والقمعي الذي يحكم البلد منذ أكثر من 33 عاما, منها 12 عاما في شمال الوطن, و21 عاما في اليمن الموحد من العام 1990.

ولقد برهن اليمنيون, بقيادة الشباب, على حنكة ملحوظة, وذكاء متوقد, ففوتوا على النظام الدسائس الرخيصة التي حاكها ليحدث بين شمالهم وجنوبهم الشرخ الذي تعود أن يجترحه وفق السياسة القديمة الحديثة "فرق تسد".

وكما يعلم الكثيرون, ففي اليمن ما يقارب 60 مليون قطعة سلاح, وهو رقم هائل يشير إلى أن كل فرد يملك 3 قطع في المتوسط, إلا أنه وعلى الرغم من هذا التدجيج, يصر اليمنيون على مواصلة ثورتهم بشكلها السلمي الحضاري, والتي عبروا عنها عبر الاعتصامات المفتوحة التي اتخذت من كثير من الساحات في كثير من المحافظات مقرا لها, فأسمتها تارة بساحات التغيير وتارة أخرى بساحات الحرية, وثالثة بساحات التحرير.

وعلى الرغم من أن نظام الحكم القمعي البربري الهمجي المتخلف والغاشم حصد حتى الآن أكثر من 35 قتيلا, فيما جرح أكثر من 250 مدينا في عموم اليمن, كان لمحافظة عدن المدينة والمدنية نصيب الأسد منها بـ28 قتيلا وأكثر من 170 جريحا سقطوا في غضون عشرة أيام, إلا أن شباب الثورة السلمية (شباب التغيير) مستمرون بصمود وعزيمة على مطالبتهم بإسقاط النظام بشكل سلمي وحضاري.

أراد النظام من خلال القتل, وببشاعة, أن يجر الشعب اليمني إلى دوامة من العنف, كان يريد من خلالها أن يشرعن لوجوده كحامٍ للديار, لكن سخافة كتلك لم تمر على عقول اليمنيين في القرن الحادي والعشرين. ولنا في عدن أنموذج يحتذى, ففي حين كان الشباب والقوى الوطنية قد اتفقوا على خيار إسقاط النظام, وتنحية المطالبة بفك الارتباط جانبا, ومعهم أيضا بقية المحافظات الجنوبية, سعى النظام باختيار متعمد ينم عن حقد دفين وأسلوب لا يقل بشاعة عن البربرية الإسرائيلية إلى حصد عشرات القتلى ومئات الجرحى؛ حتى يدفع الناس دفعا إلى خيار الانفصال, لكن ذلك الصلف الغاشم والبربري كان قد قوبل بتوحد أكثر من كافة أنحاء اليمن, وانطلقت مسيرات الغضب في الأول من مارس لتؤكد وقوف اليمنيين شمالا وجنوبا مع المدينة عدن. وكانت السلطات الأمنية القمعية قد أقدمت على منع دخول قوافل تضامنية إلى مدينة عدن, الاثنين 28/2/2011, كانت قد تحركت من مدينة تعز والعاصمة صنعاء. تلك القوافل ومعها في عموم اليمن الملايين, انطلقت لتعلن تضامنها ولتدين وتستهجن بشدة المجزرة الوحشية التي نفذتها قوات الأمن والجيش في مدينة المعلا, الجمعة 25/2/2011, والتي سقط فيها 8 قتلى وأكثر من 30 جريحا, كما كانت تدين وتستهجن المجازر التي نفذتها ذات الجهات الأمنية في كل من "المنصورة", و"خور مكسر", و"كريتر", و"الشيخ عثمان", منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في الـ16 من فبراير الماضي.

حقا لا مراء ولا مدحا لذواتنا, فالحكمة يمانية, وهنا الواقع يبرهن لنا ذلك, في ضوء الأحداث المرافقة للحظة التاريخية الراهنة.

وجدير بي هنا أن أشير أيضا, وبإصبع الإعجاب, إلى شباب محافظة تعز, الذين لم يبرحوا الساحة التي تدفقوا إليها فرحا وانتصارا بالثورة المصرية لحظة سماعهم خبر الإطاحة بنظام الدكتاتور المخلوع حسني مبارك, في الـ11 من فبراير الماضي, وهم منذ ذلك الحين لا يزالون, وبإصرار, يفترشون ساحة التغيير وسط مدينة تعز؛ للمطالبة برحيل علي عبدالله صالح ونظامه فورا دون تأخير. مع أن السلطة الفاشية لم تتورع, ودفعت ببلاطجتها أن يرموا قنبلة بين جموعهم, الجمعة 18/2/2011, وهو ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة أكثر من 70 آخرين, بدم بارد ملوث بالحقد الدفين تجاه تعز التي لا تزال السلطة الحالية, ومنذ عقود, تتعامل معها باستعلاء وبمناطقية مقززة, في حين أن محافظة تعز تعد محافظة محورية بين شمال اليمن وجنوبها, عوضا عن أنها تمثل العاصمة الثقافية لليمن.

وحتى في العاصمة صنعاء, سفك بلاطجة النظام دماء اثنين من المدنيين سقطا بالرصاص الحي, فيما جرح قرابة 12 آخرين, الثلاثاء 22/2/2011.

وغير أساليب القمع الوحشية, والأساليب البلطجية, يلوح نظام صنعاء ليل نهار بالمؤسسة العسكرية, التي تعد ملكا للشعب, وحامية له, وفي حين كان الكثير من البرلمانيين والسياسيين, إضافة إلى شريحة واسعة من القبائل اليمنية, وحتى بعض علماء الدين, قد أعلنوا جميعا انضمامهم لثورة التغير وإسقاط النظام, لا يزال موقف الجيش اليمني مكتنفا بالغموض, مع أنه, ممثلا بالحرس الجمهورية, كان قد فتح النار تجاه المواطنين في مدينة عدن, الجمعة 15/2/2011, طبقا لما تؤكد مصادر متطابقة.

ومن الإنصاف أن نقول, إن الشباب المنادين بالتغيير والثورة السلمية, وإلى جانب إقدامهم بشجاعة واقتدر على خوض الثورة لتنحية النظام, كانوا قد كسبوا الرهان بذكاء, واسقطوا عددا لا يحصى من أوراق النظام واحدة بعد الأخرى؛ لأنهم خرجوا إلى الساحات حاملين أكفانهم من أجل الوطن, ولا شيء غير الوطن. ولا تزال تلك الأوراق تتساقط تباعا, ولن تتوقف إلا وقد تمت الإطاحة بالنظام. وبالنسبة للذين قدموا استقالاتهم من الحزب الحاكم والذين اتخذوا مواقف واضحة وجلية, والمقام لا يتسع لذكرهم هنا, فهي بدون أدنى شك تحسب لهم اعتزازا, كما أنها علامة فخر على جبين هذا الوطن الذي يريد الخلاص ممن كبله؛ حتى يكون بوسعه أن يحضن كل أبنائه شمالا وجنوبا دون فروق وتمييز مهما كانت الاختلافات.

وكم كان موقف الشباب الواعي والواعد صلبا وشجاعا ومعبرا عن قضية مبدئية لا تماريها مصلحة شخصية أو حزبية أو ما شابه, حين رفضوا أي حوار مع الحاكم الظالم, كما رفضوا أي تأجيل لنقل السلطة, وأصروا على المطلب الملح لإسقاط النظام فورا ودون تلكؤ أو تلاعب بثورة التغيير, وكان لهم ما أرادوا, إذ جَمَعُوا القوى الوطنية لأن تتخذ ذات الوقف, وسيكون لهم ما يريدون حين تشعشع على جبين الشعب اليمني أسارير الفرح والغبطة بفجر جديد تملؤه ضياء الحرية والتقدم.

إن مسألة سقوط نظام الرئيس علي عبدالله صالح باتت ضرورة ملحة للجنوب وللشمال دون أدنى شك.. أليس هو النظام الذي جعل الدولة اليمنية أضحوكة أمام العالم؟ ألم يركع الشعب اليمني طيلة العقود الماضية تحت خط الفقر وفي أحضان البطالة, بل واحتلت اليمن في عهده كل الدرجات الهابطة في سلالم كل المقاييس, لحتى وصلنا إلى مرحلة الدولة الرخوة أو الفاشلة أو الآيلة للسقوط؟ هل نسينا لهذا النظام حرب 1994 سيئة الصيت, وحروب صعدة الستة 2004- 2010؟ ومن ثم هل نسينا له خيانته لهذا الوطن بالسماح للطائرات الأمريكية بقصف مدينة المعجلة في محافظة أبين, ديسمبر 2009, والذي أدى إلى مقتل 53 مدنيا بينهم أطفال ونساء؟ أو هل نسينا له خيانته أيضا في مقتل الشيخ جابر الشبواني, مايو 2010؟. وهل نسينا تعرض اليمنيين لشتى أنواع الإهانات والتعامل الاستعلائي من قبل الآخرين بفعل دناءة هذا النظام؟ وهل نسينا إهانة الصيادين اليمنيين على يد الأجانب وربما العرب؟ كما هل نسينا الاعتداء على سيادتنا الإقليمية في شواطئنا وبحارنا؟ وهل نسينا اعتقالات الصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي والمعارضين, بل وضربهم وتعذيبهم وإهانتهم؟ هل نسينا أن هذا النظام يحكمنا بحالة طوارئ غير معلنة فيعتقل منا من يشاء, ويفعل بنا ما يشاء متى ما يشاء؟ هل نسينا حربه الكاذبة والوهمية والخادعة ضد القادة في عدد من المحافظات اليمنية, ومنها محافظات جنوبية؟ ثم هل نسينا تعرض إخواننا لشتى أنواع التنكيل والهمجية والوحشية والبربرية في كل من ردفان والضالع؟ كم عدد قتلى الجنوب منذ العام 2007 فقط, وكم عدد ضحايا صعدة منذ العام 2004 من قتلى وجرحى ومهجرين؟ وكم عدد الذين سقطوا بدم بارد جراء الحرب الوهمية المعلنة ضد القاعدة؟ ثم هل سننسى أن انتهاك سيادتنا وصل إلى حد تحكم الرئيس الأمريكي بسجن أحد الصحفيين اليمنيين وهو عبد الإله حيدر شائع, السجين مند أغسطس 2010؟ من يقول لي أي كرامة تبقت لليمن في ظل هذا النظام؟ أي مكانة ظلت لليمن في العقدين الماضيين, وتحديدا من بعد حرب 1994؟ أبعد كل هذا نقبل أن نظل تحت حكم هذا النظام؟ ألم يصل إلى درجة الخيانة العظمى؟ وإن لم يصلها فماذا نسمي خيانة الوطن وجعله جغرافية دون سيادة ولا حرمة ولا يملك أي وزن؟ وبالإضافة, هل نسينا مافيا الفساد التي نخرت شبعنا حتى العظم, لحتى صرنا نرى شباب وطننا يتسكعون في الشوارع, ويُقاسمون على حقوقهم ولقمة عيشهم, وهم إذا ما قارنهم بشباب الوطن العربية لوجدناهم متبوئين مقاعد منافسة عن جدارة وثقة, في مقابل أننا نرى ثلة من البلطجية تحكم وتنهب ثروات هذا البلد دون ضمير حي أو ذرة من وطنية لدى هذا النظام, ودون أي حسيب أو رقيب؟ ثم ألا تلاحظون أننا افتقدنا في الأساس حتى لوجود دولة؟.

وكم سأسأل إن سألت؟؟

إن اللحظة الثورية تتقدم إلى الأمام يوما فآخر, ولا مفر منها, وعلينا الصمود أكثر فأكثر لحتى ننال النصر والنجاح اللذين نالوهما أشقاؤنا في كل من تونس ومصر, ويجب أن ينالوهما كل الأشقاء في الوطن العربي من الماء إلى الماء, وفي مقدمتهما اليمن وليبيا.

****

لماذا لي الجوع و القصف لك؟ يناشدني الجوع أن أسألك

وأغرس حقلي فتجنيه أنت وتسكر من عرقي منجلك

لماذا؟ وفي قبضتيك الكنوز تمدّ إلى لقمتي أنملك

وتقتات جوعي وتدعى النزيه وهل أصبح اللّصّ يوما ملك؟

لماذا تسود على شقوتي؟ أجب عن سؤالي وإن أخجلك

ولو لم تجب فسكوت الجواب ضجيج يردّد ما أنذلك!

لماذا تدوس حشاي الجريح وفيه الحنان الذي دلّلك

ودمعي, ودمعي سقاك الرحيق أتذكر "يا نذل" كم أثملك!

فما كان أجهلني بالمصير وأنت لك الويل ما أجهلك!

غدا سوف تعرفني من أنا ويسلبك النبل من نبّلك

(البردوني)