الحاكم عندما يرد... الحاكم عندما «يعصد!»
نشر منذ: 18 سنة و 9 أشهر و 30 يوماً
السبت 18 فبراير-شباط 2006 10:21 م

* د.عبدالله الفقيه

سأل الشيخ سلطان البركاني كاتب هذا المقال في مقيل جمع بعض السياسين (اليمنيين طبعا!) من السلطة والمعارضة في منزله يوم الرابع والعشرين من يناير: «لماذا انت متشائم قوي يادكتور؟» وظل السؤال عالقا في الذهن. «لماذا التشاؤم؟» والسؤال ذاته يقود الى سؤال آخر مهم وهو «هل هناك تشاؤم بالفعل؟» ففي بلد يحفر فيه مجموعة من المساجين العزل قناة طولها -وفقا لموقع سبتمبر نت-340 مترا ثم يتمكنون من الفرار عبرها دون ان يلاحظ احد ذلك سوى فراش الجامع الذي انتهت القناة عند احد طرفيه يعتبر القلق حول مستقبل البلاد في نظر الأمين العام المساعد للحزب الحاكم لشئون الفكر والثقافة والإعلام (...الخ) نوعا من التشاؤم. كما تصبح عملية مناقشة القضايا الحقيقية بروح وطنية مجردة عبارة عن محاولة للحصول على الشهرة وبحثا عن «لبيج» الأمن السياسي. وبالمناسبة فان سماع الإنسان بالشيخ سلطان ومعاركه البرلمانية شيء وحضور مقيل الشيخ سلطان والاستماع إلى مداخلاته شيء آخر تماما. ولعل البركاني لا يختلف في ذلك كثيرا عن غيره من قيادات المؤتمر. وهذا النوع من «التسيس» الذي يمثله البركاني في بلد كاليمن وفي حزب مثل المؤتمر يمكن فهمه وان كان يصعب تبريره.

الحاكم عندما يرد

تفاءل كاتب هذا المقال كثيرا عندما علم بأن الحزب الحاكم قد ارسل ردا على مقال له حول «السلطات الدستورية والفعلية لرئيس الجمهورية اليمنية» وهو المقال الذي نشر بعد يوم واحد من حضور الفقيه مقيل الشيخ. وكان مبعث التفاؤل هوحديث الشيخ البركاني عن تحول يقوده في اداء الإعلام المؤتمري. واي تحول في اداء الإعلام المؤتمري، بالطبع، لا بد ان يبدأ بتعريف واضح لوظيفته يبتعد به عن «الدعاية الفجة» التي افقدت الناس الثقة به. كما كان مبعث التفاؤل شعور الكاتب ان الرد في حد ذاته يعني ان الحزب الحاكم لا يقرأ فقط ولكنه ايضا يفهم ما يقرأ. اما بالنسبة لمصداقية الحاكم وامانته وقدرته على المحاججة، فلم يراهن عليها الكاتب كثيرا لأن فاقد الشيء لا يعطيه ولأن الأشياء تعرف بمقدماتها والكتب تقرأ من عناوينها والمضامين تفهم من معرفة اسماء مرسليها.

وخاب ظن الكاتب. فالأمين العام المساعد لشئون الفكر والثقافة والإعلام يفتقر إلى الفكر والى الثقافة وعندما يصنع إعلاما للحزب فانه يفعل بالحزب ما لا يفعله به معارضوه. فالخطاب المؤتمري تجاه كل المعارضين والوطنيين ودعاة الإصلاح يحمل نفس المضمون، وبغض النظر عن شخص المتحدث او توجهه السياسي، وهو التخوين والتشكيك في الولاء للبلاد وفي النزاهة وفي القدرة، ثم ممارسة الإرهاب بكافة اشكاله. والرهان دائما هو على«تزييف وعي الإنسان العادي» وافقاده الثقة بالمخلصين من ابناء البلاد الذين لا يبتغون لأنفسهم جزاء ولا شكورا. ومشكلة بعض المؤتمريين الكبيرة تكمن في جهلهم المفرط بالظاهرة السياسية وطبيعتها الحركية وفي نظرتهم الى التاريخ على انه بحيرة راكدة وليس نهرا يتدفق ويجرف كل ما يقف في طريقه من بشر وحجر.

ومن العجيب انه في الوقت الذي يعيش فيه بعض المؤتمريين في القرن الواحد العشرين فان نموهم العقلي قد توقف في بداية القرن العشرين. والدليل على ذلك انه عندما ظهرت مبادرة اللقاء المشترك سارعوا الى اتهام الأحزاب الموقعة عليها بالرغبة في «صهينة» النظام اليمني وبالعمالة للخارج وبغير ذلك من الأفعال التي يستحي الإنسان ان يذكرها. ثم سرعان ما وجه المؤتمريون سهامهم الى نحورهم عندما قالوا ان احزاب اللقاء المشترك سرقت افكار المبادرة من عقولهم. واذا كان هذا النوع من الدعاية يمكن ان يخدع بعض الناس لبعض الوقت فانه لا يمكن ان يخدع كل (او حتى بعض) الناس لكل الوقت.

ورغم ضعف حجة المؤتمريين في مواجهة نقادهم وخصوصا الموضوعيين منهم إلا انهم لا يعدمون المنطق الذي يمكن استخدامه للرد على كل ما يكتب. وقد يجهل المؤتمريون بان وضعهم سيكون افضل اذا لم يجيبوا على نقادهم وخصوصا عندما يتعلق الأمر برأي أو بدراسة علمية أو بمسألة تمس المصلحة الوطنية لليمن ككل. أما إذا أرادوا الرد فان عليهم ان يحترموا عقل القارىء ويوكلوا الرد إلى متخصصين وليس إلى رعاة الإبل. ومع الاحترام الشديد للشيخ سلطان البركاني ولكل صاحب وجهة نظر بغض النظر عن صحتها او خطئها إلا أن رد الشيخ سلطان الذي حاول من خلاله ضرب ثلاثة دكاترة بحجر واحد قد كان نوعا من الدعاية السيئة لشخص الشيخ البركاني وللمؤتمر كحزب ولسمعة اليمن كدولة. فماذا سيقول الناس عن اليمن وهم يرون اسم الأمين العام المساعد للحزب الحاكم يظهر اسفل مقال بهذه الركاكة وهذا التناقض الذي يسيء إلى الفكر والثقافة والإعلام. وماذا سيكون شعورهم إذا قدم لهم الأمين العام المساعد دليلاً قاطعاً على انه عندما يقرأ لا يفهم وانه يفتقر إلى الأمانة والمصداقية عندما يكتب.

الذين يعرفون الشيخ سلطان عن قرب يؤكدون ان مثل هذا الرد لا يمثله وانه ربما بسبب مسئولياته العديدة وابرزها رئاسته للكتلة البرلمانية للحزب الحاكم وتوليه مسئولية الشئون الفكرية والثقافية والإعلامية وغير ذلك من المسئوليات قد جعلته يعتمد في كتابة الرد على اشخاص يفتقرون الى المعرفة اللازمة والى المهارات التي تحتاج اليها مثل هذه الردود. أما آخرون فيتندرون بالمستوى العلمي للامين العام المساعد الذي جعله لا يفرق بين ما يكتبه الفقيه وما يكتبه المخلافي.

وأيا كان الوضع فالشيخ سلطان معذور. فافتقار المؤتمر الى العمل المؤسسي الذي يتم وفق التخصص، ووفق هيكل تنظيمي يراعي قدرات الأفراد، وافتقار الحزب كذلك الى البني الحزبية القادرة على إحداث تراكم معرفي يجعل قيادات الحزب تسلك الطريق الأسهل وهو مهاجمة كل صاحب رأي مخالف. ولذلك فقد ردوا على الشيخ الأحمر عندما تحدث عن «النفق المظلم» الذي تعيش فيه البلاد باتهامه بالعمالة والخيانة! وعندما طالب الأستاذ محمد قحطان بتطهير البلاد من رجس الفساد بادروا الى تهديده بالقتل. وعندما طالب استاذ الجيل الدكتور محمد عبد الملك المتوكل بوفاق وطني ينقذ البلاد من مستقبل مجهول سارعوا الى اتهامه بالإمامة وكأنهم لا يعرفون انه بفضل بعض السياسات المتخبطة وبفضل الفساد الذي ترعرع في عهدهم والذي تشهد على تميز اليمن به الكرة الأرضية بطولها وعرضها صار الناس يدعون للإمام بالرحمة كلما شتمه المؤتمريون.

واذا كان للمؤتمرين من منجز يحسب لهم فهو انهم لا يفرقون بين المواطنين ولا بين اعضاء الحزب الحاكم ولا بين ابناء المناطق المختلفة عندما يتعلق الأمر بمسألة التخوين ومحاولة اغتيال الشخصية.

الحاكم عندما «يعصد»

بالنسبة لما ورد في رد «البركاني» فإن الكاتب سيحاول هنا الرد على بعض النقاط احتراما لعقل القارىء واحتراما للقضية التي يتم مناقشتها والتي هي اكبر من كل سياسي ومن كل استاذ ومن كل قبيلة وشيخ. إن مناقشة الاختصاصات الدستورية لرئيس الجمهورية اليمنية هي قضية تتصل بماضي اليمن وحاضره ومستقبله ولا تتصل برئيس او حزب حاكم معين. ولو ان البركاني امتلك الوقت وتابع ما يكتب لعرف ان الدكتور الفقيه قد تناول القضية منذ البداية وان ذلك التناول لا علاقة له بانتخابات رئاسية او غير رئاسية. ولعل مسئول «الفكر» في المؤتمر الشعبي العام يدرك ايضا ان هناك فرقاً كبيراً بين قضايا الفكر وقضايا «الممارسة» وان قدرة ابناء الأمة على المحافظة على عقول متقدة هي الضمانة لاستمرار الأمة. والشيخ سلطان كسياسي وكقيادي في الحزب الحاكم يدرك بالتأكيد أن الآحادية الفكرية التي تفرضها الأحزاب الشمولية على الناس قد قادت دائما الى كوارث لا تبقي ولا تذر في حين ان الأحزاب التي شجعت الازدهار الفكري والثقافي وتنوع الأفكار قد حافظت على شبابها وضمنت تجددها ومواكبتها لحركة التاريخ التي لاترحم العقول الخاملة. لقد وقع الشيخ البركاني- وهو معذور في ذلك بالنظر الى الظروف السابقة- في أخطاء وتناقضات لا تليق بشخص يرأس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم ويتولى مسئولية الأمين العام المساعد لشئون الفكر والثقافة والإعلام (وغير ذلك).

اولا، بدلا من ان يركز على الأجزاء الواردة في المقال والمتصلة بالرئيس الحالي ركز على الأجزاء النظرية التي تتحدث عن سلطات وردت في الدستور. فمسألة ان الدستور الحالي يركز السلطة في شخص رئيس الجمهورية هي مسألة فكرية وتتعلق برؤية مواطن لما ورد في الدستور. وبإمكان أي شخص قادر على القراءة والكتابة أن يعود إلى الدستور ويتأكد من ورود إحدى المواد أو عدم ورودها. أما مسألة السلطات الفعلية لرئيس الجمهورية فهي أمر جدلي ربما كان لبعض قيادات المؤتمر رأي مختلف حولها.

ثانيا، في الوقت الذي يحاول فيه الشيخ سلطان نفي تهمة تركيز السلطة دستوريا بيد فرد وبطريقة تكرس النموذج الإمامي في الحكم فان الشيخ سلطان ودون ان يدرك ربما قد قدم نفسه ومن خلال الرد كإمام لليمن وللفكر السياسي والفقه الدستوري. ويتضح النموذج الفكري الذي يتبناه البركاني من خلال العنوان. فحملة الدكتوراة بالنسبة له هم «رعاة إبل» لا يختلفون عن بعض ويمكن الرد على أفكارهم مهما تعددت واختلفت بفكرة «سلطانية» واحدة. والأمامية بالنسبة للبركاني تمثل نموذجا راسخا في «اللاوعي» وإلا لما رضي لنفسه ان يجمع اختصاصات ومسئوليات تحتاج الى عشرات الأشخاص. كيف يمكن للبركاني ان يكون رئيسا للكتلة البرلمانية وفي نفس الوقت وزيرا للاعلام المؤتمري وسفيرا طائرا بين المحافظات يحاضر الأعضاء عن السبيل الأمثل للتعامل مع «الإبل»؟

ثالثا، يتهم البركاني الدكتور المخلافي بقلب النصوص الدستورية. كما يتهم الدكتور الفقيه، من ضمن تهم اخرى بالجهل بالقانون الدستوري. اما الدكتور السقاف فيتهمه بانه مدع بالعلم بالقانون والفقه الدستوري. ولعل مافات الشيخ البركاني هو انه وهو يقيم ثلاثة من حملة الدكتوراة قد وقع في خطأ اخلاقي جسيم. فهو يتهم حملة الدكتوراة في السياسة والقانون بالخوض فيما لا يعرفون فيه ولا يدرك ان عمله هذا هو اسوأ بكثير من التهم التي يلقيها جزافا على الآخرين. وينطبق على البركاني دون شك قول الشاعر: لاتنه عن خلق وتاتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم.. والسؤال هو بمن يثق الناس؟ بحملة درجة الدكتوراة في السياسة والقانون ام بحامل الشهادة الإعدادية؟ بمن يثق المريض، بالمشعوذ ام بالطبيب؟

رابعا، زعم الشيخ سلطان البركاني أن مقال الفقيه المنشور في صحيفة الوسط (العدد 84 بتاريخ 25 يناير 2005) تحت عنوان «السلطات الدستورية والفعلية لرئيس الجمهورية اليمنية!!» هو استنساخ عن دراسة للدكتور محمد المخلافي عن نفس الموضوع نشرت في صحيفة الثوري في الأسبوعين الثالث والرابع من ديسمبر 2005 . كما ذكر البركاني أن الفقيه «اخذ هذه الدراسة على علاتها وحتى مجرد المراجعة لم يقم بها رغم ان من يستهويهم تزوير حقوق الغير يعيدون اخراجها وقولبتها وهو ما لم يعمله الفقيه، ولم يراجعه رئيس تحرير الوسط». ثم قال بعد ذلك «ولكي لا نظلم الدكتور الفقيه نبرئه من عملية التزوير ونعتب عليه وهوالدكتور الجامعي ان يحاول الركوب على موجة كتاب الإثارة الذين يتمنون ان تتصرف السلطة بشأنهم اي تصرف لكي يحصلوا على لجوء او شهرة».

وادعاء البركاني بان الفقيه نقل مقاله عن دراسة للمخلافي هو محض افتراء الهدف منه تشويه السمعة والإرهاب الفكري. والإخوة الصحفيون والقانونيون والأكاديميون في اليمن وخارجها مدعوون إلى الإطلاع على مقال الفقيه ودراسة المخلافي ليتأكدوا من كذب البركاني وليكتشفوا حجم الإفك الذي جاء به الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام لشئون الفكر والثقافة والإعلام. لقد اشار الفقيه في بداية مقاله إلى الدراسة التي قام بها الدكتور المخلافي حول سلطات واختصاصات الرئيس اعترافا بحق المخلافي في الريادة ولأنه (أي الفقيه) سيتناول نفس الموضوع وان بطريقته وأسلوبه. وفي الحالات التي اخذ فيها الفقيه فكرة من الدكتور المخلافي لم يتردد في الإشارة إلى أن تلك الفكرة هي للدكتور المخلافي وليست فكرته وهو السلوك المتوقع من أي أكاديمي نزيه يعتز بدوره الاجتماعي ويتصرف على أساس ذلك الاعتزاز.

خامسا، نسب الشيخ سلطان الأفكار التي وردت في مقال الدكتور الفقيه إلى المخلافي. وهذه «سلطنة» غير عادية. والإنسان إما ان يحسن النية فيقول ان البركاني لا يفهم وإما أن يسيء النية فيقول أن البركاني قد اتبع أسلوبا جديدا في الإرهاب الفكري لا يخطر حتى على مخيلة إبليس. فأفكار الفقيه تجعل مهمة البركاني سهلة في تصفية أي حسابات بينه وبين المخلافي. كما تمكن البركاني من التشكيك في نزاهة الفقيه كأكاديمي.

خامسا، يظهر الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام كشخص غير أمين في اقتباساته وفي تفسيره للافكار وفي النتائج التي يقفز اليها. ويبدو واضحا انه في الوقت الذي لم يقرأ فيه البركاني دراسة المخلافي فإنه ولسبب في نفسه قد صب جام غضبه عليه.

الهروب من الإصلاحات

كان موضوع النقاش في منزل الشيخ سلطان لبضع دقائق على الأقل يدور حول «مكافحة الفساد» وكان كاتب هذه السطور يتساءل عن الخطوات الفعلية التي سيقوم بها المؤتمريون لمنع التدهور الشامل الذي تشهده البلاد ولإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان. ومع التسليم بان هناك الكثير من العوامل التي قادت الى الوضع الحالي. ومع التسليم كذلك بمسئولية بعض الأطراف السياسية الأخرى عن الوضع الذي وصلت إليه البلاد إلا ان المسئولية الكبرى تقع على عاتق المؤتمر الذي انفرد بالسلطة منذ عام 1997 والى اليوم. واذا كان المؤتمريون يريدون دليلا على النفق الذي تسير فيه البلاد فما عليهم سوى الخروج من قصورهم الفخمة والعيش مع الناس ومراجعة التقارير المحلية والدولية حول اوضاع البلاد الصحية والتعليمية وحول المستقبل المظلم.

لقد فشلت الحكومات المتعاقبة التي شكلها المؤتمر الشعبي العام منذ «اقالة» الدكتور فرج بن غانم في عام 1998 في إحداث تحولات اقتصادية يمكنها خلق فرص عمل جديدة وتحسين المستوى المعيشي لعامة الشعب. وما حدث هو العكس فالإصلاحات المحدودة التي نفذتها حكومات الإرياني وباجمال والتي كانت قد بدأت في عام 1995 قد أدت- بحسب العديد من الخبراء والمنظمات الدولية- إلى تحقيق مكاسب كبيرة لقوى الفساد المؤتمرية والى اتساع رقعة الفقر والتنازل للجيران عن ثلث مساحة اليمن والى دفع معظم سكان البلاد للعيش الهنيىء المزدهر تحت خط الفقر. لقد وعد المؤتمر الشعب اليمني بالعدالة والتنمية والحرية لكن سنوات حكمه لم تعد على الشعب اليمني سوى بالولايات والثبور. وقد كان الفساد بشهادة العالم كله ابرز منجزات المؤتمر وبشهادة المؤتمريين انفسهم.

بالنسبة للتعليم فبرغم أن المؤتمر سعى إلى تصفية المعاهد الدينية التي كان يسيطر عليها حزب الإصلاح، وهي خطوة اعتبرها الكثيرون في الاتجاه الصحيح، إلا أنه قام وخلال نفس الفترة بتشجيع نظام تعليمي آخر سرعان ما ظهرت خطورته في صيف عام 2004 عندما اندلعت المواجهات العسكرية بين العلامة بدر الدين الحوثي وأتباعه من جهة، والدولة من جهة أخرى. وبالنسبة للديمقراطية والحقوق والحريات فقد أثبتت السنوات اللاحقة لحرب 1994 بان تلك الحرب كانت بداية النهاية لمرحلة التحول الديمقراطي في اليمن التي كانت قد بدأت في عام 1990، فالتعديلات الدستورية والقانونية المتتابعة صبت جميعها في اتجاه التضييق على الحقوق والحريات. وهذا أمر أكده معظم الدارسين للتطور السياسي في اليمن. كما انه مستشف من تقارير المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.

وهناك شعور متزايد اليوم بين اليمنيين بأن الحزب الحاكم وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الجمود ولم يعد قادرا على مواكبة التغييرات ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد. وبرغم ان احداث يوليو 2005 كانت كفيلة باعطاء المؤتمريين مؤشرا على شعبيتهم الحقيقية بين الناس وعلى المخاطر التي تحيط بالبلاد وخصوصا من جراء التدهور الإقتصادي الذي يمثل واحدا من ابرز انجازاتهم الا انهم للاسف اضاعوا تلك الفرصة بنفس الطريقة التي اضاعوا بها فرصا اخرى. ويصر الحزب الحاكم وبشكل غريب على تجاهل التحديات التي تواجه البلاد. واذا كان الداخل والخارج يجمعان على ان الفساد يشكل عائقا للتنمية ومهلكة لليمنيين، فان الحزب الحاكم ينحاز الى الفساد على حساب مصلحة البلاد. وبدلا من تبني اصلاحات حقيقية تنقذ الفاسدين قبل ضحايا الفساد فانه يراهن على تزييف الوعي وارهاب مثقفي الأمة ومفكريها.

تهديد البركاني

عندما ينشر هذا الرد سأكون قد غادرت اليمن إلى هولندا في مهمة ترتبط بعملي الأكاديمي تستغرق حوالي ثلاثة أسابيع. ومع أني لم أكن انوي الكتابة وانا خارج البلاد إلا أن تهديدات البركاني تجعلني أكثر عزما وتصميما على مواصلة الكتابة حتى من المريخ. ورحم الله الشهيد الزبيري القائل:

وطني لو شغلت بالخلد عنه

                            نازعتني إليه في الخلد نفسي

افتقار المؤتمر الى العمل المؤسسي والبنى الحزبية القادرة على إحداث تراكم معرفي يجعل قياداته تهاجم كل صاحب رأي مخالف.

عن الشورى نت

الصفقة التاريخية!
المؤتمر والإصلاح... «زواج كاثوليكي» أم «طلاق بائن؟»
القرار التاريخي لتجمع الإصلاح!!
هل انتهت هدنة القاعدة مع القمة في اليمن؟
كلارينس بيدج يكتب عن الحرية والصحافة والإرهاب والفساد في اليمن
مشاهدة المزيد