آخر الاخبار
ماذا تبقى من الحزب الإشتراكي
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 22 يونيو-حزيران 2010 05:29 م

لا أحد ينكر أن ماضي الحزب الاشتراكي اليمني هو ماضي مثير للجدل بشكل كبير ، كما أنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتجاهل حالات المراجعة والنقد الذاتية التي مر بها الحزب دون سواه من الأحزاب السياسية ، وأيضا وكون أن الحزب استطاع البقاء بعد التصفيات المريرة التي مر بها منذ توقيع الوحدة وحتى ألان هو إنجاز يجب أن ينظر له بعين الاعتبار .

وأن كان بعض ما ذكر في الأعلى هو شيء إيجابي ، فهذا لا يعني أن يركن الحزب على هذه الأشياء ويظل يكررها أمام كل من يطالبه بدوره الحقيقي والفعلي ، لأن هذا يعني أن الحزب أنهزم داخليا وتنازل عن مواطئ القدم التاريخية له والتي بدت لنا فعلا أنها تلاشت دون رجعة فحزب يفتقد لأدوات التأثير وعدم المقدرة على التقدم خطوة واحدة بعد كل تلك السنين هو حزب لديه خلل جذري يجب أن يعالج فورا ، وربما أول الخيارات الإستراتيجية التي أتخذها الحزب الاشتراكي اليمني والتي لاقت معارضة شديدة من النخب الثقافية والفكرية في البلد هو انضمامه إلى حزب الإصلاح ذو الميول الدينية الواضحة والصبغة العشائرية الفجة في كل تفاصيله ، مما أصاب المتكئين تنويريا على الاشتراكي بالكثير من الإحباط كون هذا التحالف يعني حالة ارتدادية عما أعتاد عليه أنصار الحزب واليسار في اليمن بشكل عام ، إذ أنه ومن خلال هذا التحالف وما تبدى لاحقا تبين لنا أن الحزب تخلى عن كل ما كان يمتاز به ولم يعد يمتلك سوى خطاب سياسي تبدوا من خلاله حالة الاستلاب والذوبان الواضحة _ المطلع على الموقع الإلكتروني للحزب سيلاحظ خلوه الفكري وفقره الثقافي _ وهذا عكس ما كان يحمله الحزب من حزمة نهضوية شاملة تثري المشهد السياسي اليمني وتجعله مضلة معنوية يعتد بها حتى وان كانت رمزية بعد أن فقدت قوتها المادية .

وأن كان انطواء الحزب تحت مضلة الإصلاح شكل صدمة لدى الكثيرين إلا أنه هنالك من ذهب أبعد من ذلك و رأى بأن هذا التحالف هي حالة مسخ ممنهجة لهوية الحزب الاشتراكي بتواطؤ واضح من تيار جهوي داخل الحزب نفسه حيث تلاشت كل الملامح الاشتراكية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والعلمانية الصريحة كما أن المرأة غدت حالة معزولة تشبه مثيلتها في حزب الإصلاح وصارت الأناشيد الدينية والصغيرات المحجبات تحت سن السابعة هي شعار الحزب في كل مهرجان سياسي يعقد ، بكل سهولة استطاع الإصلاح إخفاء كل الملامح الأخرى والتنوع السياسي تحت أبطه ليبدوا لنا كما الشمس الساطعة في قلب الظهيرة . وأن كان الحزب يبرر دائما وأبدا بأن هذه المرحلة تتطلب نوعية معينة من التنازلات ، وأن الوطن يمر بمرحلة استثنائية تحتاج إلى تكاتف كل القوي السياسية وغض النظر عن الأمور الأخرى ، إذا لماذا يصر الإصلاح على فرض رؤيته الثقافية وصبغ اللقاء المشترك بلونه فقط دون سواه ، إلا يطلب الآخرون من الإصلاح أن يراعي المرحلة  مثل سواه من باقي أحزاب المعارضة .

مشكلة اللقاء المشترك كانت حالة تحول تكاد تكون شبه جذرية لمسيرة الحزب الاشتراكي اليمني وخاصة أنها وخلال السنين الماضية كلها لم تستطيع أن تنتقل في عملها السياسي الي مرحلة أكثر تقدما أو تحقق نجاحا حتى وان كان هذا النجاح نسبي ، فهي مازالت تصر على عزل نفسها عن الشارع كما أنها تظل تدور في فلك النظام السياسي وتوقع معه اتفاقيات غريبة وغير مفهومة مثل تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة سنتين دون وضع أي مبرر لمثل هذا التصرف قافزين بذلك عن مستحق دستوري ما كان لهم حق التصرف فيه بهذا الشكل العشوائي .

كان الحزب الاشتراكي اليمني يرى في المناطق الجنوبية من الوطن حديقته الخلفية ولطالما كان خطابه ممزوج ببعض مشاكلهم على اعتبار أن فترة حكمه لجنوب اليمن هي فترة تسمح له بالتحدث نيابة عنهم وأنه متكفل بكافة قضاياهم وهو من تولى قيادتهم نحو الوحدة ، إلا انه وحتى هذا الخطاب وهذه اللغة لم تعد موجودة في أدبيات الحزب بشكل واضح ، بل أنه ومن ناحية أخرى بدت لنا انشقاقات كثيرة ومتتالية من قيادي الحزب الجنوبيين على اعتبار أن هذا الحزب تخلى أولا عن منهجه الفكري وثانيا لم يعد معني بقضايا الشارع الحقيقية والقضية الجنوبية بشكل أخص ، ومع تنامي القضية الجنوبية وتفاعل الشارع في الجنوب مع همومه وجدنا حالة لا مبالاة غريبة من الحزب تجاه هذه الأمور بينما كان يستطيع أن يندمج معهم ويقوم بدوره الطبيعي وبمكانه الأصيل في التفاعل ، وكردة فعل متوقعة قام الشارع في الجنوب بإقصاء الحزب من كل قضاياه وبات يرفضه جملة وتفصيلا ، واجزم أن الحزب وبعد أن أعلن الجنوبيين رفضه له لم تعد له أية مواقع تؤهله للفوز في أية انتخابات قادمة ، إنه أصبح مثل الأحزاب الصغيرة التي تقاتل من اجل مقعد أو مقعدين في مجلس النواب هذا طبعا أن وافقهما لحظ وحصلوا عليه .

وأخيرا تخلي الحزب عن كلمة " رفيق " _ وهي الصفة الرمزية التي تحدد هوية الحزب _ هي إعلان صريح عن تغير مسار الحزب ، لكنه في نفس الوقت يرفض أن يغير اسمه من الاشتراكي إلى أي اسم آخر ، ورمزية هذا التخلي والإصرار على المحافظة على الاسم هو تناقض صريح لا يستوي إطلاقا ، فهو أما أن تكون اشتراكيا أو لا تكون ، وفي كل الخيارين لا عيب ولا نقيصة ، لكن لا تحاول أن تلعب بين الحبلين فتضيع كل من المفاهيم والمبادئ التي طالما حلمنا بها .

لماذا هذا الكلام عن الحزب الاشتراكي اليمني ، هذا لأني كنت أضع أمالا كبيرة عليه ، وكنت أعتقد أنه الشعلة التي ولا بد أن تضيء عتمة المكان ، إلا انه أستطاع أن يخذلني بجدارة ، وأشعر أن عودته كما السابق باتت مستحيلة ، لأنه أن حاول أن يفعل سيتصدون له من داخل الحزب نفسه و سيقومون بتكفيره ويعلنون أن الحزب عائدا إلى الإلحاد بعد أن أنار الله قلوبهم من الظلال !!!

وفي اليمن لا نجد إلا العجائب .