آخر الاخبار
فعل التغيير التاريخي بين الاستمرار والتحول
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 11 يوماً
الأحد 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:25 م

فعل التغيير التاريخي هو فعل سياسي بامتياز يمارسه طرفان في معادلة سياسية واجتماعية « سلطة سياسية مقابل مجتمع ، ومجتمع مقابل سلطة سياسية » هذا الفعل يكون حفاظا على واقع الحال المتخلف والبدائي «= الاستمرار» أو دفعه نحو التحول إلى المدنية الحديثة « التغيير». لذلك فإن الفعل التاريخي يتم انجازه من قبل الفاعلين التاريخيين وهما: « السلطة أو المجتمع » في ضوء أربعة احتمالات:

1-مجتمع فاسد وسلطة فاسدة « = الاستمرار التاريخي في وحل التخلف »

2-سلطة مستنيرة ومجتمع فاسد « = التغيير التاريخي الحتمي نحو المستقبل »

3-مجتمع مستنير وسلطة فاسدة « = التغيير التاريخي الحتمي نحو المستقبل »

4-مجتمع مستنير وسلطة مستنيرة « = التغيير التاريخي والتحول الحضاري والقطيعة مع الماضي والحاضر واكتشاف جديد للذات وصناعة مستقبل جديد ».

ما الذي يوحي به واقع الحال في البلدان العربية ومنها اليمن في ضوء هذه الاحتمالات ؟.

الحالة الأولى : «= مجتمع فاسد وسلطة فاسدة»:

الفساد الاجتماعي ناتج عن غياب القيم المعرفية لانجاز التحول التاريخي ؟ وسياسيا ناتج عن سوء استعمال السلطة واعتسافها لمصالح شخصية في غياب مجتمع مستنير تنعدم مع غيابه ممارسة أدوار رقابية على أداء السلطات، ولا يستطيع المجتمع الفاقد للقيم المعرفية أن يتحرر من سيطرة الفساد السياسي الذي تمارسه سلطة فاسدة بفعل غياب المشروع السياسي لدى السلطة وبالتالي فهي تعكف على النهب العام باعتبار المنصب السياسي إنما هو فرصة للثراء والنهب والكسب غير المشروع حتى يصل الأمر إلى حد توريث السلطة في أعلى مستوياتها، والمناصب في أدناها، وشيوع السلوك السياسي الانتهازي لخدمة الذات واستلاب المباح وغير المباح واستباحته بطرق شتى معظمها غير شرعية ، وهذا التجانس بين طرفين متساويين في الانحطاط والفساد العام (= السلطة والمجتمع) يجعل كل طرف متعلقا بوجود الآخر واستمراريته انسجاما مع المقولة الشائعة « كيفما تكونوا يولى عليكم » « وكيفما يولى عليكم تكونوا».

وليس مطروحا للجدل إن كان هذا ينطبق علينا أو لا ينطبق فهذا الجدل سيكون من السخف بمكان. لكن السؤال الذي ينبغي طرحه بمسؤولية هو: كيف يمكن لمجتمع وسلطة كلاهما فاسدين التحرر من الفساد واقتحام التاريخ من أوسع أبوابه ونوافذه؟.

لابد أن يستيقظ أحد أطراف المعادلة بدافع الإحساس بالمسؤولية وريادية الدور والتحرر من الوضع السيئ للقيام باستلال المبادرة «= السلطة أو المجتمع » بإصلاح ذاته أولا ثم تهيئة الوعي الاجتماعي ليتقبل الطرف الآخر فكرة الإصلاح وتنفيذها وفرض المشروع تدريجيا بقوة القانون وشرعية الإجماع السياسي على التغيير كما هو واقع الحالة التالية.

الحالة الثانية: «= سلطة مستنيرة ومجتمع فاسد»:

في المجتمع البدائي المتخلف والفاقد لقيم المعرفة فإن السلطة المستنيرة « نخبة المجتمع » المتقدمة في الوعي على ما دونها هي التي تبادر إلى صياغة مشروع سياسي للتغيير وفرضه على المجتمع بالقدوة الصادقة وبقوة القانون والتربية السياسية وإعادة صياغة سلوك المجتمع بما يمكنه من الاستجابة للتغير وتعديل المواقف والاتجاهات الاجتماعية والفردية وفقا لتحقيق المشروع، ولا يمكن لأي سلطة أن تكون مستنيرة أو أن تدعي ذلك دون أن يتحقق فيها شروط ضرورية دنيا :

1- « الشرط المعرفي بالعلم.

2- وشرط المقدرة بالكفاءة.

3- وشرط السلوك بالنزاهة والشفافية.

4- والشرط السياسي بشرعية الوصول إلى السلطة برضا المجتمع واختياره ».

وهذا ينفي عن السلطة الحالية بطبيعتها العسكرية أو الأسرية أو الفردية أو الانقلابية أن تكون سلطة مستنيرة لفقدانها أي من هذه الشروط حتى وان كان مشروعها مستنيرا ، على اعتبار أن سقوط أي شرط مما ذكر أعلاه يفقدها أهليتها لقيادة المجتمع نحو التغيير التاريخي، فالسلطة المستنيرة لا تنبعث في المجتمع سوى بمجمل هذه الشروط مجتمعة. فما الذي تملكه السلطة في البلاد من هذه الشروط لتقود المجتمع نحو المستقبل ؟.

وفي مثل هذه الحالة « ابتدار السلطة بفعل التحول والنهوض » نهضت كل شعوب الدنيا عبر بوابة السلطة المستنيرة التي أعدت وأنتجت مجتمعا مستنيرا. وهذا في المقابل يفسر سر نقمة المجتمع على السلطة الفاسدة لأن التغيير رهن بيديها لا بيد غيرها. على اعتبار أن المجتمع المستنير لا يكون سابقا على السلطة ، بل السلطة المستنيرة هي الأسبق على المجتمع ، وإن كان المجتمع من الناحية التاريخية هو الأسبق على السلطة السياسية، وما انبعاث السلطة السياسية وولادتها إلا لتؤدي هذا الدور التاريخي الهام.

الحالة الثالثة: « مجتمع مستنير وسلطة فاسدة »:

هذه الحالة تنطبق على البلدان المتقدمة حيث يصل أحيانا إلى السلطة أشخاص يكون أداءهم السياسي والاجتماعي مجاف لطموح المجتمع ورغبته ومناقض لمصلحته ولهم أفكار هدامة أرادوا التغيير بمعاول الهدم ووسائل فاسدة لاتستقيم مع العقل، عندئذ لايسمح المجتمع المستنير لهذه السلطة بالاستمرار بل يسعى لتغييرها عبر طرق شرعية سلمية أو عنيفة أحيانا إذا اقتضى ذلك، للتذكير فإن سلطة هتلر ألمانيا وموسي ليني ايطاليا وفرانكو اسبانيا والزعماء الاشتراكيين في أوروبا الشرقية نحو هذا المنحى فأسقطهم المجتمع سلما وعنفا.وتتنزل أحداث أوكرانيا وجورجيا وفنزويلا وهندوراس واندنوسيا ضد سلطاتها الانقلابية والفاسدة باعتبارها علاقة طبيعية بين مجتمع مستنير وسلطة فاسدة لا يقوى المجتمع على التغاضي عنها.

الحالة الرابعة:« مجتمع مستنير وسلطة مستنيرة»:

تنطبق هذه الحالة على الدول المتقدمة في العالم حيث يتمتع المجتمع والسلطة معا بـ« القيم المعرفية، والكفاءة، والشفافية، والشرعية » وبالتالي فإن هذه البلدان تعيش تغيير يومي على كل الأصعدة ، وليس مستغربا أن يحاكم جاك شيراك الزعيم المحبوب للفرنسيين، وهلمت كول الزعيم المحبوب للألمان، وبيل كلنتون الزعيم المقتدر في وعي الأمريكان، ولا حصانة لأحد أمام القانون فالكل سواسية، وقد دخلت تركيا وماليزيا باعتبارهما دولتين إسلاميتين وحيدتين إلى هذا النموذج وهما كانتا تنتميان إلى دول العالم الثالث قبل عقود قليلة. بينما لا تزال بقية الدول العربية والإسلامية في عتبة الحالة الأولى سلطة فاسدة هي نتاج ذاتها أو نتاج مجتمعها الفاسد.

hodaifah@yahoo.com