آخر الاخبار
سيادة الرئيس...ما رأيك فيما رأيت؟
بقلم/ عبد الملك المثيل
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 25 يوماً
الأربعاء 24 ديسمبر-كانون الأول 2008 08:36 م

سيادة الرئيس...قرأنا بتمعن واهتمام,تهنئتك الموجهة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما,واطلعنا على نصائحك الموجهة إليه,ولا نخفيك سرا أننا شعرنا بالألم والقهر والإحباط,ليس لأنك قمت بعملك الدبلوماسي المتعارف عليه,والمتمثل في بعث التهنئة كأمر لا يمكن أن ننتقده أو نختلف حوله,ولكن لأن تلك التجربة التاريخية بحق وحقيقة إنحصرت نتائجها لديكم في تهنئة لا تقدم لشعبنا ووطننا أي فائدة أو عائد في مجمل إحتياجاته الهائلة.

قد يكون السرد المكرر لقصة الرئيس باراك أوباما من قبلنا عديم الفائدة لأن العالم كله رآها وسمعها وقرأها عبر وسائل الأعلام الدولية التي غطت الحدث ونقلته خطوة خطوة,ولأن شعبنا جزء من ذلك العالم فقد تعرف أيضا على قصة الرئيس الجديد,صاحب لقب أقوى رجل في العالم بصفته رئيس الدولة التي تحكم العالم(رغم الأزمة المالية العالمية)ولذلك نرى أن التطرق لبعض الأمور الهامة وإسقاطها على واقع الحكم"الديمخراطي"في بلادنا أفضل وأهم من تكرار تلك القصة الخالدة في تاريخ البشرية والإنسانية.

سيادة الرئيس...قد تقول وقد يقول الكثير من الناس أن المقارنة بين ديمقراطية أمريكا وديمقراطية اليمن يعتبر جنونا أو غباء لأن تلك أمريكا بعظمتها وقوتها وغناها وتلك اليمن بكل ما فيها من مآسي وآلام,لهذا إسمح لنا أن نقول لك ولمن يشاركك في ذلك القول أن المقارنة أمر طبيعي ومنطقي وعقلاني,لأن المواطن الأمريكي حاكما ومحكوم لا يمتلك من الناحية الجسدية والعقلية عضوا أو جزءا يتفوق من خلاله على المواطن اليمني إذ انهما متساويان في التركيبة البشرية,لكن الفارق يكمن في قراءة التاريخ والتعلم من أحداثه ودروسه,والمفروض في هذه النقطة أن يتفوق الشعب اليمني على الشعب الأمريكي بصفته شعب صاحب تاريخ وحضارة تمتد جذورها إلى بداية الخلق بينما الشعب الأمريكي بوطنه مكتشف وحديث,غير أن الحديث تفوق لأنه تعلم من التاريخ وفهم أن الإخلاص للوطن وجعله فوق كل المسميات من خلال العدالة والمساواة أسس بناء الحاضر من أجل مستقبل قوي,وذلك للأسف الشديد ماافتقده يمن التاريخ"اليوم"حيث تم تجاوز التاريخ القديم والحديث في حكم البلاد,والإعتماد على الإرتجالية المطلقة في صياغة القرارات والمواقف المدمرة,المبنية على المماحكات وتصفية الحسابات وإثارة الفوضى عبر تغييب القانون من أجل استمرار لعبة التوازنات التي نسفت أسس الدولة ,مرسخة في نفس الوقت مراسم الجهل والتخلف في أوساط الشعب الذي كان يجب بحكم تاريخه وحضارته أن يصل إلى أعلى مراتب الوعي والمعرفة,ويمكن هنا ملاحظة أن الرئيس الأمريكي المنتخب وصل إلى منصبه اليوم بفعل التراكم المعرفي لدى الشعب الأمريكي,مما أدى إلى إرتفاع وعيه ووطنيته يوما بعد يوم ليؤدي في النهاية إلى وصول رئيس أسود لقيادته,محطما بذلك العنصرية البغيضة بين أبناء آدم الذين جعلوا وطنهم ومصلحته فوق كل الإعتبارات التي ودعوها يوم أن أوصلوا الرئيس المستحق إلى البيت الأبيض.

سيادة الرئيس....لم يكن باراك أوباما يتخيل يوما أن يحكم أقوى دولة في العالم عندما ولد ونشأ وتعلم,بفعل الظروف"العنصرية"التي تواجدت في أمريكا يومها,وذلك ما عبر عنه أوباما بنفسه يوم أن قال(من كان يصدق أن رجلا أسود إسمه باراك أوباما سيرشح نفسه رئيسا لأمريكا في يوم من الأيام)لكن الأيام التي مرت بعد تخرجه ودخوله المعترك السياسي منحته الضوء الأخضر للتفكير في نسف ذلك العائق وتدمير التساؤل الغير مشروع في وطن مثل أمريكا,يقدم للإنسان المبدع المتفوق كل أسباب النجاح لتحقيق أحلامه وطموحاته,ولهذا بذل باراك أوباما جهدا خارقا في التعلم بشقيه الدراسي والحياتي,واضعا نصب عينيه حلم آبائه وأجداده الأمريكان ,متجاوزا مسألتي العرق واللون,عاملا على صقل وتطوير إمكانياته ومواهبه المتعددة,معتمدا في ذلك على نفسه ومستندا إلى مؤهلاته ومزاياه التي مكنته من إختراق الصفوف وتجاوز الجميع ليقدم نفسه كمرشح لرئاسة أمريكا.

لم يكن هنالك عائقا يمنعه من ذلك,فهو والمرشحين جميعا جمهوريين وديمقراط ومستقلين إمتلكوا حق الترشح لتوفر الشروط الدستورية والقانونية لمنصب الرئيس وهي/

1-أن يكون من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية

2-أن يتجاوز عمره أربعين سنة

3-أن يكون قد عاش في أمريكا 14عاما.

لم يكن هنالك شرط دستوري آخر يمنع أوباما من الترشح لرئاسة أمريكا,لذلك قرر السير في طريق السباق نحو البيت الأبيض رغم إدراكه بوجود منافسين أقوياء في الحزب الديمقراطي أولا ثم مواجهة المرشح الجمهوري فيما بعد,لكن إيمانه بإمكانياته الهائلة دفعه لمغامرة خلدها التاريخ بعد ذلك,فتجاوز أولا هيلاري كلينتون بتاريخها العريق المدون في ذاكرة الشعب الأمريكي بعظمة الرئيس المحبوب بيل كلينتون,ثم التغلب على جان ماكين بتاريخه الحافل وسجله الجمهوري الذي قدمه كطائر يغرد خارج السرب,لعل ذلك يشفع له في الحصول على ثقة الناخب الأمريكي الذي رآه جورج بوش آخر ,وبفعل ذلك تجاوز أوباما تفرد ماكين وقبله تاريخ هيلاري في صورة تؤكد أن الرئيس الأمريكي المنتخب لم يعتمد على أي مؤثر غير صدق ووضوح مشروعه وبرنامجه.

أي صورة أعظم من تلك,صورة سير أوباما في طريق البيت الأبيض,بمؤهلاته وكفائته فقط,حيث غابت وانعدمت كل مظاهر الدعم المتعارف عليه في نظامكم الذي يمنح الإنسان المنصب على مؤهلات الفساد وأبناء الذوات والقبيلة والوساطة والمعرفة والنسب...الخ ,فيما تغيب وتموت برغبتكم معايير العلم والكفائة والوطنية والإخلاص.

سيادة الرئيس....كان الشعار الأساسي للرئيس المنتخب باراك أوباما هو(التغيير)فما التغيير الذي تحتاجه أمريكا؟

إنها القوة العسكرية الأولى في العالم,وصاحبة الهيبة والرأي,كما أن مواطنها في الداخل يعيش في أمان القانون وعدالة الحكم ومساواة الفرص,حاصلا على العلم الراقي والرعاية الصحية المتكاملة....الخ,ومع ذلك رفع أوباما ذلك الشعار حتى أن المتابع يعتقد أن المواطن الأمريكي يكاد يموت من الجوع والمرض.

الأمر متعلق بالطموح الجامح والعمل الشاق من أجل تغيير رحلة ثمان سنوات إنتزع بوش خلالها من الشعب الأمريكي بعض البرامج لتغطية نفقات حروبه المجنونه ,وهو أمر لم ينساه الشعب الأمريكي لرئيسه المقاتل ولذلك وجه له ولحزبه يوم 4نوفمبر صفعة قاسية رد له من خلالها الدين,فكيف الحال في بلادنا سيادة الرئيس وأين شعبنا من الطموح والحقوق ومتى يسمح له برد الديون التي أرهقته وقتلته؟

سيادة الرئيس....أنظر كيف انطلق الناخب الأمريكي نحو صندوق الإقتراع وأمام عينيه البرنامج الإنتخابي لكل مرشح,لم يتم إرغامه على التصويت لهذا أو ذاك,لم يتم شراء صوته أو الضغط عليه من شيخ القبيلة ومدير الناحية ومحافظ المحافظة وقائد اللواء والمحور,لم يتم إرغام الجيش على التصويت في ذلك الإتجاه ولم يتم تهديد أي موظف بوظيفته وخسارة عمله.

قناعة الناخب وحريته الكاملة في التصويت هي التي تحدد من هوالرئيس والمحافظ والقاضي ....الخ في أمريكا,ولهذا كان أوباما قد حاز على تلك القناعة لأنه نجح في كسب ثقة الناخب بما قدمه في حملته الإنتخابية ليقول لكم بأعلى صوت أن تلك هي الديمقراطية الحقيقية,أما ديمقراطيتكم العجيبة فاعلم أنها مجرد سلم تشرعون من خلاله بقائكم,وديكور تزينون به رئاستكم فكيف إذا تتفاخرون بديمقراطيتكم وأين وجه الشبه من ديمقراطية الآخرين؟

سيادة الرئيس...الإنتخابات في أمريكا بمختلف مسمياتها تمثل إرادة شعب بحق وحقيقة,ولأنها كذلك يدرك الفائز من المرشحين أهمية الوفاء ببرنامجه وخطورة التلاعب بوعوده,مما يجعله دوما وأبدا حريصا على إرضاء تلك الأصوات لعلمه أنها ستكون سببا في بقائه أو رحيله بعد سنوات قليلة فقط.

بجانب حرية الإختيار تتوفر حرية الترشح لكل من يرى ويعتقد أنه جدير بالمنصب الذي يسعى للحصول عليه وتغيب في ذلك صورة التأثير المركزي الموجود في ديمقراطيتكم النادرة التي تقومون من خلالها باختيار المرشحين وفرضهم على الناس ولو كانوا آخر من تتوفر فيهم صفات الترشح والمسؤولية.

سيادة الرئيس..يتعامل المرشح مع شعبه في أمريكا بشفافية ووضوح,فيقوم بنشر تاريخه وسيرته الشخصية والعملية,محاولا إثبات جدارته بالمنصب والحصول على ثقة وصوت الناخب,وما يستحق الذكر في هذه النقطة بالذات أن المرشح يطرح لشعبه سيرته بدون رتوش أو تزيين أو إدعاء بطولات كاذبة ,كما تنعدم محاولة إخفاء أو تكذيب أي خطأ في السيرة الذاتية للمرشح,كما حدث للرئيس باراك أوباما الذي وضع سيرة حياته بين يدي شعبه بكل صدق ولم يجد حرجا في الإعتراف بتعاطيه المخدرات في مرحلة من مراحل حياته ليصل بنفسه إلى قناعة تلخصت في كارثية تلك الطريق,فهل ترى سيادة الرئيس أن سيرة رجال سلطتكم تنشر بين يدي شعبنا كما هي أم أن اعلامكم يسوقهم بصورة تمتلأ بالتلوين والبهارات والصفات التي تظهر معالم تزويرها في أول ظهور وممارسة لمن تم تنقيح سيرتهم العطرة.

سيادة الرئيس...إن التطرق للديمقراطية الأمريكية نقطة نقطة يحتاج منا وقتا وإطالة,ولهذا حاولنا وضع أبرز المظاهر بين يديكم ,لعل ذلك يكون سببا في تطهير ديمقراطيتكم من شوائبها القاتلة,وإخراجها إلى الشعب بصورة تجعله بحق صاحب القرار في إختيار من يحكمه,وكذلك صاحب الحق في محاكمته ومحاسبته عند خروجه عن النص والقانون والوعد الإنتخابي.

إن الديمقراطية الأمريكية تحتكم في كل مراحلها إلى القانون,فانظر كيف حاول كل مرشح التأثير على الناخب بعدم أهلية الآخر بمنصب الرئيس من حيث البرنامج الإنتخابي والقدرة على إدارة الدولة ,وابتعدوا كليا عن كيل الإتهامات والتخوين لأن هنالك قانونا قادرا على الوصول إليهم,وهو القانون الذي يحرم تحريما قاطعا قبول أي تبرعات ودعم لأي مرشح من خارج أمريكا,فهل ترى سيادة الرئيس في اتهاماتكم الدائمه للمعارضة بالعمالة والخيانة وكذلك سعيها كما قلتم في انتخابات 2006م للسيطرة على البنك ووزارة النفط..الخ هل ترى أن ذلك أمرا ديمقراطيا؟وماذا عن قبولكم تبرعات من دول مثل السعودية وليبيا أثناء الإنتخابات ,هل ذلك أيضا أمرا ديمقراطيا؟.

إن ديمقراطية أمريكا خالية من عوامل التزويرالحكومي,فلا جيش يستخدم للتصويت لمصلحة طرف ضد آخر,ولا إعلام موجه يرعب الناس ويخوفهم يملكه طرف واحد,ولا أموال تصرف على الناس لشراء الأصوات ولا أكياس طحين ودقيق وعلب زيت وفول توزع مقابل الصوت ,كما تنعدم وسائل الضغط الحكومي والقبلي وتغيب الأوامر بتوجيه الصوت نحو جهة ما,ولذلك ينتخب المواطن الأمريكي في مركزه الإنتخابي ويعود إلى بيته أو عمله بدون أن يرى شرطيا واحدا يحرس الصندوق ,فهل ترى بعد ذلك كله سيادة الرئيس أن عندنا ديمقراطية؟!!.

العملية أيضا أعمق وأعظم مما يدعيه نظامكم عندما يصف نفسه بالديمقراطي إذ يجب أن تعلم أن من يسعى لإلغاء أي معارضة حقيقية خوفا من وصولها إلى السلطة معتقدا أن تلك سلطته وملكيته ولا يجوز لأحد غيره الوصول إليها ,إن من يفكر باسلوب كهذا ويطبقه على أرض الواقع لا يمكن أن يكون ديمقراطيا.

سيادة الرئيس...إن تجربة وصول الرئيس المنتخب باراك أوباما إلى البيت الأبيض جديرة بالتأمل ,ليس فقط في مسألة وصوله وإنما أيضا فيما بعد الوصول.

أوباما أو غيره من الرؤساء يعلم حجم صلاحياته ومقدارها,لذلك لا يمكن تجاوزها لأنه مقيد بالدستور والقانون,ومراقبا ومحتكما إلى السلطة التشريعية في الكونجرس والنواب,وأي مخالفة دستورية كفيلة بإخراجه من السلطة ولو كان الرئيس,إذ لا أحد فوق القانون,لأن المسألة تتلخص في أن الدولة الأمريكية دولة مؤسسات حقيقية,تقوم كل مؤسسة فيها بعملها في إطار الدستور والقانون.

الرئيس الأمريكي لا ينفرد أبدا بالقرارفهو يحتكم لجيش من الموظفين يعينونه على أداء مهمته ,تتوفر فيهم صفات علمية وعملية ووطنية ,ولهذا سيدخل مع الرئيس الجديد يوم20يناير 2009م ما يقارب8433موظف في مختلف مفاصل الدولة,فيما سيخرج عدد مماثل في نفس اليوم والتاريخ وهم يتصافحون ويبتسمون بدون أن يسمع الناس طلقة رصاص أو أنة إعتراض,فهل ترى بعد ذلك أيه الرئيس أنكم بديمقراطيتكم أحدثتم تغييرا طفيفا في الأشخاص والمؤهلات؟وهل ترى أن مؤهلات وصفات من بجانبكم من المستشارين والوزراء والمقربين تمنحهم جواز مرور إلى دار رئاستكم؟وبعد ذلك أيضا هل حققتم شعار التبادل السلمي للسلطة؟.

سيادة الرئيس..تلك هي ديمقراطية أمريكا التي أوصلت الرئيس الأسود باراك أوباما إلى السلطة وقبله منذ عام 1978م يوم أن توليتم أنتم السلطة في اليمن أوصلت خمسة رؤساء قبله هم جيمي كارتر-رونالد ريجان-جورج بوش الأب-بيل كلينتون-جورج بوش الإبن,تلك هي الديمقراطية التي تلد وتصنع القادة والزعماء ,أما ديمقراطيتكم فاعلم في الختام أنها ثابتة لم تتحرك منذ 17يوليو 1978م.

aalmatheel@yahoo.com