آخر الاخبار
شوارعنا لا تطاق!القتل الخطأ 1-3
بقلم/ نشوان السميري
نشر منذ: 16 سنة و شهر و يومين
الأحد 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 03:40 م

شوارعنا لم تعد تطاق! هذه نتيجة سهلة قد يصل إليها المرء بعد جولة صغيرة بالسيارة في شوارع العاصمة، ولعل عناوين مثل الازدحام والاختناق المروري وما شابهها قد غدت من الأمور المألوفة في العالم أجمع وتشحذ الحلول يوميا من أجل حلها بالطرق المتناسبة مع ظروف كل مدينة، لذا ليس علينا الصراخ والعويل إلا على العلاقات المتدهورة يوما بعد آخر بين السائقين أنفسهم فلا نبالغ إن قلنا أننا نفتقد بشدة إلى علاقات الاحترام بيننا كسائقين، ولا نبالغ أيضا إن قلنا أن مقولة " قيادة السيارات هي فن وذوق وأخلاق " لا تلقى وهجها الكافي في شوارع مدننا الرئيسية، فمن المسؤول؟.

لقد ظل هاجس الطرق هو هاجسنا الأول منذ أن عدنا للكتابة قبل أكثر من عام، بل إنه هاجس يتنامى باضطراد لأنه يعكس حالة سيادة القانون واحترامه في البلاد، ولأن حوادث المرور تحصد سنويا حسب إحصائيات وزارة الداخلية أكثر مما تحصده أمراض مثل السرطان أو الإيدز، وتتلف من الممتلكات ما يقدر بمئات الملايين من الريالات، وتخلف من الآلام والأيتام والأرامل والثكالى أكثر مما قد تخلفه الحروب، ومع هذا كله يغيظني جدا أن افتقد كمواطن أي تحسنٍ ملحوظ في الحالة المرورية في العاصمة وما زالت دار لقمان على حالها.

ومن هذا أن الصغار مازالوا ينعمون بسياقة السيارات تحت سمع شرطة المرور وبصرها بل وفي بعض الأحيان بتسهيل منها، وما يخشاه شرطي المرور المغلوب على أمره هو أن يدفع إلى زنزانة لبضعة أيام بسبب محاولته تطبيق القانون بحق طفل سائق قد يكون أبوه نافذاً لا يرحم أو أب لم يفقه أنه يهدي ولده سيارة الموت سوى بعد فوات الأوان، فمال الشرطي وما للمتاعب كما يقول لسان حاله وهو لا يجد قائدا يحميه ويقدر أمانته أو قانونا يكافئه؟.

وكم من طفل سائق قتل لنا خطأ ودهساً أبا أو أما أو أخا أو جدا أو جدة في الشارع ودفع الثور هذا الحيوان المسكين دمه ثمناً ليضيع دم القتيل المهدور، وغالبا والحق يقال يكون عفو إنسان اليمني الطيب والأصيل هو الجواب الشافي لهذا الحادث، لكن حسب رأيي يجب التفريق في هذه الحالة - قبل أن نقرر العفو - بالمسؤولية التي تقع على ولي أمر الطفل السائق وأن لا ندع الديّة أو العفو يضيع حقوقا لا يمكن التغاضي عنها.

 وحتى نوضح موقفنا هذا أكثر نقول أن لا مشكلة في نظرنا على الإطلاق في قبول الدية أو العفو عن راشد بالغ دهس آخر خطأً وقضاءً وقدراً، لأن نية القتل هنا بالطبع غير متوفرة ولأننا جميعا نعلم أن السائقين البالغين عادة حريصون على سلامة المشاة، وعادة يتحملون نتائج الخطأ بشهامة ونبل، عدا بعض الحالات النادرة والدنيئة مثل أن يهرب السائق، أو مثل ذلك السائق الذي دهس طفلا قبل أسابيع ثم ألقى به للكلاب تنهش لحمه، ولا بد أن يلقى جزاءه الرادع لأن التهمة هنا تحولت من قتل خطأ إلى قتل متعمد وللقضاء كلمته الفصل في هذه القضية الخطيرة.

وقبل أشهر شاهدنا طفلا مراهقا يعيث فسادا و"تفحيطا" وإيذاءً للمشاة بسيارة والده وقد تكرر مثل هذا المشهد أمامنا أسبوعيا مما جعلنا نعتقد أن هذا الطفل سيزهق يوما ما روحا بريئة وقد كان ما اعتقدنا للأسف، وكالعادة عفى أولياء الدم عنه وأجرهم على الله، إلا أننا كنا نفضل أن يستلموا الدية ثم يتبرعوا بها علنا لجمعية دعم مرض السرطان أو أي جمعية خيرية وما شابه، لأنه هنا لا يستحق العفو حسب رأينا، كما كان يجب على القانون أن يكون في هذه الحالة أكثر صرامة مع المراهق أو مع ولي الطفل بشكل أساسي لأنه المسؤول عما حدث، وأن ينص على أن لا تسقط عقوبة الحبس لمدة معينة بسبب العفو أو دفع الدية لأن الإهمال المؤدي للوفاة واضح في مثل هذه الحالات ويجب أن يحاسبا عليه.

شوارعنا عنوان أخلاقنا وتحضرنا وقد أصبحت رغم إيماننا بأخلاقنا وسعينا نحو التحضر لا تطاق، ولنا عودة في الأسبوع القادم معها ومع الدراجات النارية الخارجة عن القانون.

n.sumairi@gmail.com