آخر الاخبار
حسن نصرالله وهزيمة المشروع الايراني في اليمن
بقلم/ خيرالله خيرالله
نشر منذ: 8 سنوات و 9 أشهر و 14 يوماً
الأحد 06 مارس - آذار 2016 03:21 م
 لم يكن الخطاب الاخير للامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله هادئا، كما احبّ الرجل ان يصوّر لمحازبيه من خلال طريقة القائه للخطاب. كان الخطاب الذي اتسّم بلهجة تصعيدية خطابا غريبا بكلّ المقاييس، خصوصا لدى المواطنين العرب الذين يعرفون ولو القليل عن اليمن وما يدور فيه، وقبل ذلك عن علاقة "حزب الله" باليمن.
لم يكن الخطاب الاخير يوم الاربعاء الواقع فيه الاول من آذار ـ مارس 2016 المناسبة الاولى التي يتطرّق فيها حسن نصرالله الى الموضوع اليمني. سبق له ان هاجم المملكة العربية السعودية مرّات عدة بسبب اليمن. خصص لليمن خطابا القاه بعد انطلاق "عاصفة الحزم" في اواخر هذا الشهر من العام الماضي. كان ذلك الخطاب، الذي ينقص عمره على اثني عشر شهرا بقليل، مناسبة للتصعيد مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي التي شاركت في العمليات العسكرية التي استهدفت انتزاع اليمن من الهيمنة الايرانية.
اتضح الآن بعد اقلّ من سنة على انطلاق "عاصفة الحزم" كم كان ضروريا التصدّي لايران في اليمن. هذا التصدي الناجح يفسّر ذلك الالم الذي يشعر به حسن نصرالله الذي اعتقد في مرحلة معيّنة انّه نفذ المهمة المطلوبة منه بنجاح منقطع النظير يستحقّ عليه مكافأة كبيرة.
في الواقع، لم يعد لدى "حزب الله" وامينه العام سوى الصراخ لتبرير الفشل في اليمن. سارع المسؤولون الايرانيون الى الاعلان في الايام التي تلت مباشرة سيطرة "انصار الله"، اي الحوثيين، على صنعاء، ان طهران باتت تتحكّم تماما باربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
صحيح ان طهران تتحكّم الى حد كبير ببغداد وان الميليشيات الشيعة المنضوية تحت مسمّى "الحشد الشعبي" صارت صاحبة القرار الاوّل والاخير في العراق، لكنّ الصحيح ايضا انّ ثمن ذلك توفير حاضنة لـ"داعش" واشباه "داعش" في كلّ المناطق التي فيها اكثرية سنّية عربية. هل ايران حليف لـ"داعش" ام لا؟ هل ما يشير الى ان ممارساتها ذات الطابع المذهبي الفاقع في العراق وغير العراق تساهم في مواجهة "داعش" والـ "دواعش" ام لا... ام كلّ ما في الامر انّ المطلوب الاستفادة من "داعش" قدر المستطاع لتبرير نشوء ميليشيات مذهبية في كلّ المنطقة العربية، بما في ذلك اليمن؟
كان واضحا من الخطاب الاخير لحسن نصرالله فشل مشروعه في اليمن، وهو مشروع مكلّف به من ايران. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير ذلك التوتر والتصعيد اللذين اتسم بهما الخطاب. لم يكن طبيعيا ان يضع الامين العام لـ"حزب الله" موقفه من السعودية بعيد انطلاق "عاصفة الحزم" في مرتبة اعلى من تصديه لاسرائيل في جنوب لبنان.
ليس هناك من يستطيع تجاهل تضحيات "حزب الله" في وجه الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان، وذلك قبل السنة 2000، حين قرّرت اسرائيل الانسحاب وتنفيذ القرار الرقم 425، الصادر عن مجلس الامن في العام 1978 لاسباب مرتبطة بمصالحها لا اكثر. كان الانسحاب الاسرائيلي سببا كافيا كي يعلن "حزب الله" انّه حزب لبناني وليس اداة ايرانية تستخدم حيث تدعو الحاجة الى ذلك، اكان في سوريا او لبنان نفسه او العراق او اليمن او اي مكان آخر في المنطقة والعالم، خصوصا في البحرين.
كشفت "عاصفة الحزم" مشروع "حزب الله" في اليمن. تبيّن بكل بساطة، من خلال الخطاب الاخير لحسن نصرالله، ان الحزب متورّط في اليمن اكثر بكثير ممّا يعتقد، وعلى كلّ صعيد. هذا التورّط يفسّر الى حدّ كبير مدى تضايق "حزب الله" من "عاصفة الحزم" التي، وان جاءت متأخّرة، انّما قضت على المشروع الايراني في اليمن. هذا المشروع الذي لم يكن من هدف له سوى استكمال تطويق ايران للمملكة العربية السعودية والدول العربية الاخرى في الخليج.
من يستعيد المرحلة التي سبقت "عاصفة الحزم"، يكتشف ان ايران، مثلها مثل حسن نصرالله، كانت تعتقد انّ العرب "تنابل" وذلك على حد تعبير الامين العام للحزب. العرب ليسوا "تنابل". على العكس من ذلك تصدّوا للمشرع الايراني في اليمن الذي كان يستهدف السيطرة على البلد كلّه وتحويله مستعمرة، كما الحال حاليا في لبنان، حيث يقاوم الشعب اللبناني كلّ المحاولات الهادفة الى القضاء على البلد ونشر البؤس فيه من اجل اخضاعه بشكل نهائي.
وجد هناك من يساعد اليمنيين في المقاومة. هناك نواة لشرعية في اليمن ترفض الرضوخ لايران. جاءت "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية لتفاجئ المشروع الايراني الذي كان حسن نصرالله يلعب دور المتعهّد له.
يروي صديق يمني، من العارفين بخبايا الامور، انّ اليمن كان الى ما قبل سنوات عدّة مسؤولية الخارجية الايرانية والاستخبارات و"الحرس الثوري" في الوقت ذاته. وجدت ايران اخيرا ان افضل ما يمكن عمله هو تلزيم اليمن لـ"حزب الله" الذي زرع عناصر كثيرة في البلد منذ سنوات عدّة.
عندما سيطر الحوثيون، "انصار الله"، على صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول ـ سبمتبر 2014، وجد من يعلن قيام نظام جديد في البلد. اعلن عبدالملك الحوثي زعيم "انصار الله"، الذي كان يقلّد حسن نصرالله في تفاصيل التفاصيل، بما في ذلك رفع اصبعه لدى القاء خطبه، ولادة نظام جديد مستندا الى "الشرعية الثورية". انطلقت ميليشياته في كلّ الاتجاهات وصولا الى باب المندب، ذي الاهمّية الاستراتيجية الاستثنائية، والى مدينة عدن، ذات الميناء المعروف تاريخيا، والمناطق المحيطة بها.
قضت "عاصفة الحزم" على المشروع الايراني في اليمن. هذا ما عكسه خطاب حسن نصرالله. وهذا ما جعله يفقد السيطرة على اعصابه والذهاب بعيدا في الحملة على السعودية، غير آخذ في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية. بالنسبة الى ايران، يظلّ اليمن بسبب قربه من السعودية اهمّ بكثير من فلسطين. يمكن المتاجرة بفلسطين وبالقضية وبالفلسطينيين انفسهم في كلّ وقت وفي كلّ مناسبة، لكنّ السعودية تبقى شيئا آخر نظرا الى انّها قلعة عربية صامدة في وجه سقوط المنطقة.
يبدو ذلك سببا كافيا كي يخرج الامين العام لـ"حزب الله" عن طوره. يبدو واضحا انّه ادرك انه لم يعد قادرا على تنفيذ بنود الالتزام الايراني الذي اخذه على عاتقه.
كان الاجدر بحسن نصرالله الاعتذار من ايران، نظرا الى انّه لم يتوقّع "عاصفة الحزم" بدل ان يصبّ جام غضبه على السعودية. ماذا تستطيع المملكة ان تفعل غير الدفاع عن امنها وامن دول الخليج قبل فوات الاوان؟ هل كان لديها خيار آخر غير هزيمة المشروع الايراني الذي يستهدفها بشكل في اليمن؟