آخر الاخبار
حرب الامبراطوريات ومستقبل الشرق 1
بقلم/ علي قاسم البكالي
نشر منذ: 9 سنوات و شهرين و 5 أيام
الخميس 15 أكتوبر-تشرين الأول 2015 03:44 م
هل من الممكن استمرار الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم في ظل ظهور منافسين جدد؟
هذا السؤال الذي طرحه كاتربوان في كتاب صدام الامبراطوريات لا يزال اليوم ملحا خاصة في ظل سياسة القفز خارج النطاق الذي أعتمده روسيا مؤخرا في قرار التدخل العسكري في سوريا.
فإذا كان كاتربوان وهو فرنسي يفترض أن صدام الامبراطوريات محتمل وظاهر في مطلع القرن من خلال المنافسة الاقتصادية الصينية الأمريكية وأن صعود اقتصاد السوق على حساب اقتصاد الهيمنة سيؤدي تدريجيا الى ضعف الهيمنة المركزية وإعادة توزيع سلطة المركز بما يعني تعدد القطبية في النظام الدولي، وقد يتم هذا هذا التغيير دون حاجة لحرب عالمية ثالثة.
فإن روسيا التي تعتزم الحضور في قلب العالم عسكريا قد فاجئت العالم اليوم بقرار تدخلها العسكري في سوريا.
ولكن لا تزال الحيرة تلف المحللين والمراقبين عما قد يؤدي إليه مثل هذا التدخل العسكري الروسي وموقف الأمريكان والأوروبيين الذي لا يزال أيضا يلفه الغموض.
لقد ظل الغرب والأمريكان يعلنون تفوقهم وهيمنتهم على العالم طويلا ولم يسمحو بظهور أي قوة منافسة لهيمنتهم.
لقد آزال تفكك الاتحاد السوفيتي سابقا التحدي الوحيد والخطير بالنسبة للمركزية الأوربية حسب تقييم زعاماتها السياسية، وصارت بريطانيا وأمريكا وفرنسا تتفردان بالقرار السياسي والأمني حد تعبير هنتغتون.
لقد استخدمت ا واستثمرت الامبراطورية الأروأمريكية الوجدان الإسلامي لضرب الإتحاد السوفيتي، وطلبت تجييش المجاهدين من كل بلد عربي وإسلامي للقيام بالمهمة.
لكن وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي عاد الكتاب الفرنسيون والأمريكان للتأكيد على خطر الإسلام وحصارته الصاعدة في صورة صحوة إسلامية ودينية عارمة في صفوف الناشئة والشباب، وقد لاحظ هنتغتون أن نسبة الرفض لقيم الغرب تضاعفت وبنسب كبيرة في بلاد الإسلام خلال الربع الأخير من القرن العشرين، غير أن الخطر الأكبر من وجهة نظر السياسيين- حد تعبيره- أن تتحد الحضارات العربية والأسيوية مثل الكنفشيوسية والبوذية فقد باتت تؤكد تفوقها هي الأخرى من خلال إقتصادياتها الصاعدة.
الخوف الأمريكي والأوروبي من العلاقات الأسيوية العربية لا يزال قائما ويثير التحسسات حتى اللحظة.
فيما سبق حشد الأمريكان وصفوا العرب والمسلمين في وجه الزحف الأحمر كما قيل رغم أن المشروع السوفيتي كانت شوكتت موجهة بإتجاه الغرب والأمريكان، فالنظرية ذاتها كانت نقيضا لفكرة الرأسمال الباعث للهيمنة الأروأمريكية، ولم نكن نحن كمسلمين معنيون بهذا ولا ذاك، غير أن طريقة الفرز النخبوي بين يمين ويسار جعلتنا ملتزمين بالضرورة بنتائج وإفرازات الصراع على محور واشنطن موسكو.
كان بإمكاننا أن نحايد وندع لإمبراطوريات المحور السمالي تقرير مصيرها منفردة في نطاقها الجيوسياسي.
لكل حضارة كما يقول هنتغتون: دولة مركز ومجال حضاري وفي أوقات الحرب والصراع تبحث الأمم والشعوب عن دولة المركز لتتمحور حولها فتغدو بمثابة مركز جذب لأطراف الشخصية القومية لأمة أو لأمم تجمعها ثقافة مشتركة.
وقد ظلت دول شرق آسيا منذ تفكك الإتحاد السوفيتي دون مركز جذب، غير أن صعود الصين اقتصاديا خلال العقد الأخير من القرن المنصرم مثل مركزا جديدا ليس لشرق أسيا ولكن لكل القوى المتضررة من الهيمنة الأمريكية.
في مجتمعات الشرق العربية لم تكن الرؤية قد تبلورت بعد لغياب مركز الجذب والاستقطاب الذي حل محله الإملاءات والخطط الأمريكية، فلقد قدمت أمريكا نفسها حليفا عسكريا وسياسيا وشريكا أمنيا للدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
غير أن أمريكا ذاتها كانت تخدع العرب وتمنحهم الوهم في كل مشاريعها في المنطقة، حتى مشاريع التحديث في المنطقة ظلت وهما يعشعش في كنفها الاستبداظ السياسي لا غير.
كل ما في الأمر أن سياسات التفرد الإمبرتطورية كانت تقتضي الحفاظ على القطب الأوحد.
ويقتضي ذلك وجود وكلاء حصريين موثوق بهم من جنس مشروع الهيمنة متسلطين على طموحات الأمم المنافسة.
بالنسبة للشرق العربي اقتضت الخطة التمكين لدولة إسرائيل لتغدو القوة المهيمنة على كل مجتمعات الشرق.
من وجهة النظر الأمريكية كانت المهمة تقتضي انهاك الدولة الوطنية في مجتمعات الشرق بظهواهر متعددة من الصراع تجعلها مهيأة لإستعمار جديد قد تفرضه يوما متطلبات الصراع الحضاري مع الدب الروسي والتنين الصيني.
في البدء وبعد انهيار السوفيت تحديدا كانت الرؤية الأروأمريكية تتجه صوب الإسلام خصما حضاريا جديدا، ولكن وبسبب غياب دولة المركز الإسلامي تم تعديل الخطة لنشر الفوضى في المنطقة وجعلها قابلة لإمتصاص الصراع وإفرازاته المتعددة
ما إن فرغ الأمريكان من الإتحاد السوفيتي حتى عادوا لإستثمار التطرف الذي خلفه الصراع الديني مع البلشفية الروسية ممثلا في تنظيم القاعدة ومخرجاته، فلم يكن ليكتب لهذا التنظيم البقاء بعد حروب أفغانستان لولا رغبة الاستثمار الإمبراطوري للظاهرة.
وبالمقابل وجد الأمريكان في المشروع الطائفي مقدرة عجيبة على تفتيت الشعوب والأنظمة على السواء في المنطقة.
قد لا يرى البعض للأمريكان مطمع في تفتيت الدولة الوطنية في منطقة الشرق غير أن هنري كيسينجرفي تصريحاته الأخيرة كشف عن طلب تقدمت به الدوائر الاستراتيجية الأمريكية للقادة العسكريين يقتضي احتلال سبع دول شرق أوسطية لضمان توسيع هيمنة إسرائيل على كامل المنطقة ولضمان استغلال موارد المنطقة فيما إذا احتدم الصراع مغ روسيا والصين مستقبلا.
هذه الرغبة تلتقي مع المشروع الإيراني في رغبة التوسع الفارسي على حساب العرب، وهذا هو الجامع بين المشروعين الفارسي والإسرائيلي في المنطقة.
وبدلا من أن تعود أمريكا عبر فكرة الإحتلال لشعوب المنطقة وهو أمر لن يكون مقبولا ولا مستساغا لدى الشعوب، فإن من المهم أن تسمح بنشر الفوضى الطائفية والتطرف على نطاق واسع لتتفكك الدول والأنظمة بسهولة.
ولأن الشعوب العربية قد لا تكون جميعها بيئة قابلة للطائفية فإن من الضرورة أن تنشأ قوى تطرفية نقيضة للتطرف الشيعيةتعمل على إذكاء الصراع والإبقاء على البيئة الملتهبة الطاردة لأهلها الأصليين.
إنةاستراتيجية الأرض المحروثة التي لا تتوقف عند استبدال الإنسان السني بآخر شيعي ولكن استبدالهما معا بإستبطان جديد يوسع من إسرائيل لتغدو دولة المركز في الشرق الإسلامي.
ولا مشكلة في تقاسم مصالح الشرق مع إيران، فإيران لا تمثل خصما حضاريا ولا تاريخيا لإمبراطورية الغرب والأمريكان بقدر ما ستكون وكيلا على أجزاء من الشرق لصالح المشروع ذاته.
فقد ثبت تاريخيا أن شوكة إيران موجهة باتجاه الشرق العربي بشكل دائم، ولا مشكلة إذا لدى الأمريكان والغرب من أستخدام إيران مفككا لعالم الشرق.
هكذا كانت رؤية الأمريكان لمستقبل الشرق، فالأمريكان والأوربيون وضعوا في حسابهم أن تكون بلاد الشرق موطن الصراع القادم تجنبيا لدمار جغرافيا أوروبا حال نشوب حرب عالمية ثالثة.
لكن الغريب في المسألة تحالف إيران مع روسيا علنا مع الإحتفاظ بالشراكة الأروأمريكية في تفكيك المنطقة طائفيا.
الجامع الوحيد كما قلنا سابقا هي الرغبة في عودة الإحتلال لضمان استمرار الهيمنة ومنع تعددد الأقطاب.
حيث يمثل التحالف الروسي الصيني قطبا قويا صاعدا في وجه الهيمنةالأروأمريكية، ويسعى القطب الجديد لتوسيع دائرة نفوذه على حساب القطب المهيمن.
وقد ظلت الولايات المتحدة تفرض حصارا على البضائع الصينية من غزو الشرق الأوسط وأفريقيا عقودا من الزمن لكنها فشلت لإزدياد الطلب بسببب سياسة التصنيع التي تنتهجها الصين، وأصبحت الاستثمارات الصينية تزاحم الأمريكان والأوروبيين بقوة.
ولا مناص إذن من مواجهة سياسية وعسكرية محتملة ومتوقعة، وهذا يتطلب حضورا عسكريا في منطقة الشرق لن يهيأ له سوى الفوضى الطائفية وذوبان الحكومات فيها، حينها يكون الحضور العسكري مسببا ومبررا ليس على المستوى السياسي فقط كدعوى حماية المصالح الأمريكية، ولكن على الصعيد النفسي أيضا لدى شعوب المنطقة، فالإرهاب الطائفي والإبادة العرقية التي تصاحبه تستدعي القبول بأي قوة خارجية لفك الصراع والإشتباك، وليس أقرب إلى الذهن من النموذج العراقي بعد حرب رحيل نظام صدام.
وفي حال نشوب حرب عالمية فإن ميدان الحرب من وجهة النظر الأروأمريكية لن يكون جغرافيا المركز الحضاري المتمثلة في أوروبا وأمريكا ، وهو ما سبخفف من وطأة الحرب وتأثيرها على الحضارة الغربية بمركزيتها العالمية.
هذا الأمر لا نقوله جزافا ولكن من خلال دراسة واقع الصراع الإمبراطوري بين القطبين الغربي المهيمن والشرقي الصاعد.
حينما كان الإتحاد السوفيتي يستعد لحرب عالمية ثنائية عابرة للقارات لجأ الأمريكان لدعم انفصال الدول الإسلامية عن الإتحاد السوفيتي، تماما كما فعلت بريطانيا مع القارة الهندية يوم أن دعمت استقلال الباكستان وتيوان عن شبه القارة الهندية كي تنهي التهديد الإمبراطوري لشبه القارة مستقبلا، ثم عمدت إلى زرع الصراع الطائفي البيني للتخلص من الوحدة الإجتماعية للشعب الهندي.
لم يكن الساسة الروس بحجم التحدي إبان الحرب الباردة فقد قبلوا الطعم تماما وانصرفوا إلى حرب الأفغان، فتحولت بذلك وجهة الصراع من شرقية غربية إلى شرقية شرقية.
وبدلا من أن يتحالف الشرقيون في وجه الهيمنة الأمريكية بغض النظر عن إيديولوجياتهم استخدمت تلك اىإيديولوجيات ذاتها في تفكييك الشرق بدءا بتفككةالإتحاد السوفيتي ثم تفكك المجتمعات العربية والإسلامية من الداخل بعد استثمار جماعات التطرف والعنف الطائفي.
اليوم وبعد كل هذه الدروس البالغة يرمى بالطعم مرة أخرى في مرمى الساسة الروس لذات الغرض.
فإذا كانت الإستراتيجية الروسية تحاول القفز على أسوار جغرافيتها الحبيسة لتفويت فرصة الحصار الذي تفرضه أوروبا وأمريكا على روسيا بسبب أحداث أوكرانيا وهو المدخل القومي الذي حاولت أمريكا استخدامه لتفكيك الإمبراطورية الصاعدة، فإنها ستقع في شباك الأمريكان من جديد من خلال تهييج الوجدان الإسلامي والعربي لمواجهة الإحتلال الروسي لسوريا العربية الإسلامية.
صحيح أن التدخل الروسي يتذرع بطلب النظام السوري غير أن النظام السوري ذاته صار خصما لكل العرب والمسلمين بسبب ولاءه لإيران الفارسية وهي العدو التاريخي للعرب وحضارتهم الإسلامية.
هذا البعد سوف يستثمره القطب الأروأمريكي لتحويل المعركة من شرقية غربية إلى شرقية شرقية تماما كما حدث في السبعينات من القرن المنصرم، خاصة إذا ما علمنا أن الأنريكان يجيدون استثمار الفرص أكثر من غيرهم.
البعض يبرر للتدخل الروسي بالتدخل العربي في اليمن بقيادة المملكة، وهذا جهل وغباء فالتدخل العربي يأتي في سياق الهوية العربية والشخصية الحضارية الموحدة التي تقف في وجه التدهل الفارسي الخصم الحضاري للعرب تاريخيا، وهذا التدخل يدعمه الروح القومية كما تدعمه العقيدة سواء بسواء
فهو تكامل لدحر استعمار فارسي لليمنوإن كان له فئة يمنية تستجلبه، لكنها في نظر المجتمع عميلة ومتآمرة على الوطن باستجلابها للمشروع الإيراني المتمثل في ولاية الفقيه.
في حين يفتح التدخل الروسي بوابة الصراع المقدس فهو بمثابة الغزو الخارجي الذي يهددوالوجود الحضاري للعرب والمسلمين، وسوف تحاول أوروبا وأمريكا الزج بالعرب والمسلمين للوقوف بوجه روسيا، وهذا ما هو واضح من خلال موقغ الناتو المساند لتركيا بعد اختراق الروس لمجالها الجوي.
إن أي خطأ في هذا السياق سوف يستثمر اليوم في إطار تفجير حرب بالوكالة من طرف واحد في حين يحضر الطرف الآخر مكرها، فإذا كان الصراع بين القطبين الروسي الصيني والأوروبي الأمريكي فإن غياب العقلانية لدى الساسة الروس قد يحول وجهة الصراع بما يضمن لقاء هيمنة القطب الواحد.
وهذا ما يجب على الساسة العرب أن يفقهوه في هذه المرحلة الخطرة من تاريخنا المعاصر.
وللحديث بقية.
ثقافة الكراهية في الجنوب الأسباب والمسببات
د. عبده سعيد مغلس
مشاهدة المزيد