آخر الاخبار
عاصفة الحزم أسباب قلق وبواعث أمل 1/2
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 01 إبريل-نيسان 2015 09:43 م

الجزء الأول: أسباب القلق.
في البداية أذكر بالحكمة القائلة:
(لا تسمح للاحتمالات المخيفة أن تنغص عيشك، فهي غالبا لا تقع، فقد ثبت علميا أن 90% مما يخافه الناس لا يقع)، ومع ذلك فإن10 % نسبة لا يستهان بها وخاصة في أمر يتعلق بحاضر وطن ومستقبله..

عاصفة الحزم لا تزال مستمرة وسط عاصفة من الفرح في أوساط الخليجيين، وفي المقابل توجد عاصفة من الجدل في أوساط اليمنيين حول شرعية عاصفة الحزم، وعاصفة من الغضب عند قطاع كبير من أنصار الرئيس المخلوع، وأنصار الحوثي، أفقدتهم توازنهم، وأوجدت شرخا في المجتمع اليمني يتزايد يوما بعد آخر، في الوقت الذي يتزايد عند الجميع قلق مزعج من مصير العمليات العسكرية دون حسم بري يقضي على التمرد ويمنح الدولة روحا جديدة للبدء في البناء ،
وعاصفة أخرى من التحليلات السياسية عربيا وعالميا تقذف بها الصحافة يوميا، وكل ينظر إلى الأمر من زاويته الخاصة ، فالكتاب الخليجيون ينظرون إليها من زاوية التمدد الإيراني الذي يحيط بالجزيرة العربية بينما كانت دولهم تراقب المشهد دونما أي ردة فعل، بل تظهر هذه الدول مصابة بشلل سياسي كامل تجاه الأخطار المحدقة بهم، فجاءتهم عاصفة الحزم مع بداية حكم سلمان لتكون هذه العاصفة شهادة امتياز لحكم سلمان الذي كان قد بدأ بتغييرات في الوضع الداخلي السعودي، ربما كان أكبر تغيير أحدثه هو إقالة (خالد التويجري) رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد الله، والذي كان له دور كبير في السياسة الخارجية -كما يقولون- ، فما إن تمت إقالته حتى هللوا وكبروا وسجدوا شكرا لله على ذلك، وذهب فرح البعض إلى أبعد من ذلك، ليجعل من هذه التغييرات اليسيرة - في نظري- ، ليجعلوا منها: مرحلة جديدة في حكم الدولة السعودية.
ومما أحدثه في العلاقات الخارجية تقاربه مع تركيا التي كانت مستبعدة في عهد الملك الراحل.
ثم باغتهم سلمان بقرار أكثر جرأة وشجاعة قرار إعلان بدء العمليات العسكرية ضد التمرد الحوثي فيما أطلق عليه (عاصفة الحزم) لنسمع بعد ذلك الضجيج الإعلامي الذي يسبق ضجيج الطائرات فوق أجوائنا الحرة الواسعة، حيث وصف الملك سلمان بكل أوصاف البطولة، وأنه الملك المنتظر الذي سيرسم للعرب مشروعا قوميا جديدا، يعيد لهم مكانتهم وهيبتهم التي أضاعوها منذ عقود مضت، مبتهجين بهذه العملية راسمين تحت ظلالها الكثير من الآمال والأحلام والتوقعات، وتفننوا في التوصيف السياسي والتاريخي لهذه العملية، فها هو أحدهم يصف هذه العملية قائلا : (نقطة انطلاق جديدة للتاريخ في منطقتنا) وآخر يقول:
(إن عملية عاصفة الحزم هي ميلاد وتدشين لواقع جديد يصنع على يد الملك سلمان) ولفت نظري عناوين بعض المقالات، مثل(«عاصفة الحزم».. وولادة نظام إقليمي جديد)
ومثل («عاصفة الحزم» تحجب بزوغ الهلال الإيراني)وغيرها من الأوصاف التي يطول بنا المقام لاستعراضها وصفا وصفا؛ غير أن العامل المشترك بينهم جميعا هو الإجماع على أن قواعد اللعبة قد تغيرت في المنطقة، ليأخذهم التفاؤل كل مأخذ آملين أن تكون بعدها عاصفة حزم أخرى في سوريا الحسم، في استسلام منهم للعواطف الجياشة التي هيجتها نشوة الفرح بعاصفة الحزم، متناسين التركيبة المعقدة للأزمة في سوريا التي كان أصحاب عاصفة الحزم هم السبب المباشر في تعقيدها، كما كان لهم دور في تعقيد الأزمة في اليمن، ولذا أرى دون أدنى تردد أن من حقي كيمني أن أصرخ بهذا السؤال صرخة حريص على وطني ومستقبله بعد هذه العاصفة:
(هل تحمل هذه العواصف النوايا الحسنة لليمن أمنيا وسياسيا؟ وهل رسمت خط المستقبل السياسي اليمني بشكل يضمن له استقراره في ظل وحدته المباركة؟
(و هل –فعلا- عاصفة الحزم ستغير قواعد اللعبة ؟وما هو مدى هذا التغيير؟وهل حضور الملف اليمني في المفاوضات الجارية بشأن النووي الإيراني سيحدث شيئا جديدا في المعادلة؟
أم إن قواعد اللعبة هي هي لم تتغير، وما عاصفة الحزم إلا جزء من هذه اللعبة الأمريكية في المنطقة؟
وهل تتجه العاصفة اتجاها يمكن التحكم فيه لتحقيق الأهداف المعلنة؟ إم إن رياح هذه العاصفة ستأخذ اتجاهات لم يتوقعها أصحاب العاصفة؟

هذه أسئلة مشروعة يجب الحديث عنها والإفصاح عنها ولو كنت- أخي القارئ- مؤيدا للعاصفة؟ لأن العاصفة في الأخير ستأتي على كل شيئ ، وتلك طبيعة العواصف، وخاصة كلما طال أمدها،
والذي يدفعني إلى مثل هذه التساؤلات التي تنطوي على قلق مشروع وخوف مزعج هو عدة أمور:
- افتقاد الثقة بالنظام العربي الحالي، وخاصة النظام الخليجي الذي يفتقد هو ذاته الثقة بين أعضائه الستة، ويزيدني قلقا هو أن مجلس التعاون لا يمكن أن يسير باتجاه مغاير للبوصلة الأمريكية مهما زعموا أن عاصفة الحزم باغتت الطرف الأمريكي قبل غيره، هذا الإدعاء لم أستطع – صراحة- أن أجد له قبولا في نفسي، لأن التاريخ السياسي الحديث للأنظمة العربية- وخاصة السعودي- لا يشفع لهذا الزعم بأي نسبة من المصداقية ، ومع ذلك فإني أتمنى أن يكون زعمهم صادقا وأن تكون هذه المخاوف التي تقلقني مخاوف لا أساس لها.
- ومن الأمور التي تجعلني أكثر قلقا هو الاحتراف الإيراني الماكر باللعب بالأوراق كلها في المنطقة، فلها خبرة دبلوماسية في التفاوض مع الغرب عموما، وأمريكا خصوصا، فهي تجيد القفز فوق الحبال بدقة متناهية وبطريقة لا يدركها خصومها، وتمارس هوايتها المفضلة مع الغرب( خذ وهات) بمتعة كاملة كما يتلذذ أبناؤها بمتعتهم الخاصة، وما حضور الملف اليمني في المفاوضات الخاصة بالنووي الإيراني إلا جزء من هذا الاحتراف.
- أمر آخر مهم : تذكر أن روسيا، والصين، والهند دول كبرى لم تظهر دعمها بشكل واضح للتحالف الجديد، فهل يا ترى ستظل روسيا مجرد مراقب لتطورات الوضع في المنطقة دون أن يكون لها موقف؟، وهل ستترك حليفتها إيران وحيدة تواجه العاصفة العربية دون أن تنجدها ولو بقدر يسير مما تملكه من تاثير وسط الدول الخمس الكبرى؟ وهل سيتمكن التحالف من تحييد الموقف الروسي وإبقائه خارج التغطية ؟ وما هي الأوراق التي يملكها للتأثير على روسيا؟ ألم يفشل هذا النظام العربي في سوريا لأن روسيا راهنت على بقاء الأسد ؟ فما كان من أمريكا إلا أن تراجعت إلى الوراء وآثرت أن تتبع الدب الروسي في موقفها، بل وزادت أن صنفت أغلب الفصائل المقاومة للنظام السوري كجماعات إرهابية، دون أن تنبس الدول الخليجية ببنت شفة، وأنى لها ذلك، وهي رهينة – أصلا- للنفوذ الأمريكي، وليس لها من الأمر شيئ إلا أن يأذن لها البنتاجون ويرضى.
- وأخوف ما أخافه : أن تطول أمد هذه العاصفة، ثم تنجح إيران بدعم روسي بإقناع أمريكا لفتح باب الحوار بين الأطراف، فتكون العاصفة قد عصفت بالوضع اليمني إلى واد سحيق، وجعلته أسوأ مما كان عليه قبلها، ليجلس بعدها المتمردون من جديد على طاولة المفاوضات ويطل علينا بن عمر جديد يزيد الوضع اليمني سوءا ويكمل المهمة، ويكون الضحية في كل الأحوال هذا الشعب الذي تجرع ويلات الفقر والحرب لمدة زمنية ليست قصيرة، وتعود صرخات المتمردين تصك الأسماع من جديد، ويخرج علينا زعيم الميليشيات متقلدا وسام النصر منتفخة أوداجه، يتشدق بالصمود والنصر كما يتشدق بها سيده زعيم (المقاومة والممانعة) في لبنان، ليصدق فيهما قول المتنبي:
وإذا أشار محدثا فكأنه قرد يقهقه أو عجوز تلطم.
وأخيرا: لست متشائما ولكني أتساءل : هل يمكن لنظام عربي ظل في غرفة الإنعاش يحتضر لعقود مضت، ثم فجأة تنبعث فيه الروح من جديد في لحظة خاطفة من التاريخ، هل يمكن لهذا النظام أن يحدث شيئا وان يغير قواعد اللعبة كما يقولون؟!!!
- الأيام القادمة كفيلة بأن تظهر لنا كثيرا من الحقائق الخفية حول هذه العاصفة ، فإما أن تبدد هذه المخاوف وتتحقق أهداف العاصمة كما يعلنون؛ وهذا هو ما نأمله ونرجوه- ، أو تزداد هذه المخاوف رسوخا في ذهنية الجميع، لنقول وقتها: ليتها لم تكن العاصفة.
ومع ذلك كله فإننا نهتدي- ولله الحمد- بنور قوله تعالى( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا...)
ركز: قال:( خيرا كثيرا...) ،
(وفي الجزء الثاني سأطرح بواعث الأمل إن شاء الله تعالى.)