قصة المملكة والإخوان - 2
بقلم/ إبراهيم عبدالرحمن العلفي
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 4 أيام
الإثنين 16 فبراير-شباط 2015 01:19 ص

حاول الملك عبد العزيز الحيلولة دون وقوع المواجهة المسلحة مع قيادات جيش الإخوان المتمردة فاقترح عقد مؤتمر عام تحسم فيه المسائل الخلافية وفقا للشريعة الإسلامية وعقد المؤتمر بالفعل وطرح قادة الإخوان مآخذهم على الملك عبد العزيز والتي كانت مزيجا من الاحتجاجات على قضايا متعلقة بالتحديث والتكنولوجيا والتقنين ووضع بعض الطوائف في المملكة خاصة الشيعة والقضية الأهم وهي قضية الجهاد والغزو وترسيم الحدود وخرج المؤتمر بقرارات متعلقة بتلك القضايا أرضت قادة الإخوان الى حد كبير وكان أخطر قرار اتخذه المؤتمر هو ما يتعلق بالغزو والجهاد حيث أصدر المؤتمر فتوى من كبار العلماء ذات شقين الأول بخصوص بناء العراق للمخافر على الحدود وتحريم ذلك والثاني بخصوص الغزو وتجاوز قوات الاخوان خارج المملكة واعتبار ذلك الى الإمام باعتبار الثاني من جهاد الطلب وهو الى الإمام والحاكم بحسب أحكام الفقه وهو ما فهم منه الاخوان بخصوص الشق الأول أن ما يتعلق ببناء المخافر من جهاد الدفع وهو بحسب أحكام الفقه لا يشترط فيه اذن الإمام واعتبروا تلك الفتوى من المؤتمر ضوءا أخضرا للإخوان لمهاجمة المخافر وهو ما قاموا به بالفعل مما أدى الى عودة التوتر بين الاخوان والملك عبدالعزيز وجاء قصف الطائرات البريطانية للإخوان والذي كان متعمدا من بريطانيا بحيث يظهر في صورة مساعدة بريطانية للملك عبدالعزيز ثم جاء هجوم الاخوان على بعض تجار القصيم ومهاجمة قوات ابن جلوي ليعطي الضوء الأخضر للملك عبدالعزيز والحجة في قتال الاخوان ووقعت المهاجمة في معركة السبلة التاريخية التي استطاع فيها الملك عبدالعزيز هزيمة جيوش الاخوان وأسر قياداتها والقائهم في السجون لتنتهي اسطورة الاخوان وتستعيد الجبهة الداخلية للملكة السعودية تماسكها بعد أن كاد تمرد الاخوان أن يعصف بها .

وحتى نستطيع استيعاب طبيعة المواجهات القادمة فلا بد من تحليل مختصر للمواجهة الأولى وكيف القت بظلالها القاتمة على المؤسسة الحاكمة في المملكة حتى اليوم وهو باختصار أن تمرد اخوان من طاع الله أدى الى اختلال في طبيعة التحالف الذي قامت عليه المملكة من اللحظة الأولى بين المؤسستين الدينية والسلطوية الحاكمة والتي تلتزم بموجبها المؤسسة الدينية بترسيخ مبدأ السمع والطاعة وعدم المنازعة في الأمر للمؤسسة الحاكمة حيث جاء تمرد الاخوان بحجة ما رأوه اخلالا من قبل المؤسسة الحاكمة للالتزامات الدينية التي تستحق بموجبها السمع والطاعة والاخوان المتمردون وان كانوا من رؤوس القبائل ولم يكونوا من العلماء الكبار الذين كان غالبهم في صف الملك عبدالعزيز الا ان خطاب الاخوان الديني في مواجهة الملك عبدالعزيز كان من القوة بمكان بحيث عجز كبار العلماء عن الرد عليه واضطروا للرضوخ لأكثر طلبات الاخوان في مقررات المؤتمر الذي سبق المواجهة المسلحة ولم يستطع الملك عبدالعزيز خوض المعركة المسلحة مع الإخوان الا بعد ارتكاب ما اسماه الباحث الكبير محمد جلال كشك ( الخطيئة المحتومة ) بقيامهم بمهاجمة تجار القصيم وقوات ابن جلوي والذي كان فرصة سانحة التقطها الملك عبدالعزيز بسرعة واحسن استغلالها كون هذه الخطيئة ليس لها ما يبررها من الناحية الشرعية وفقا للخطاب الديني الذي نشأت عليه المملكة بحيث يعد خروجا صريحا على ولي الأمر الشرعي يعطي المبرر الكافي لولي الأمر في مواجهته والقضاء عليه وفقا لذات الخطاب الديني بحيث ظل الملك عبدالعزيز مكتوف اليدين في مواجهة قيام الاخوان بغزو المناطق المجاورة للملكة في الخليج والعراق وهدم المخافر على الحدود باعتبار أن الحجة الدينية كانت في صف الاخوان باعتبار هذه الأفعال من الجهاد الشرعي للكفار الذي قامت المملكة على أساسه .

وباختصار أكبر نحن أمام مؤسسة دينية موازية للمؤسسة الدينية الرسمية الملتزمة بصرامة لمبدأ السمع والطاعة هذه المؤسسة الدينية الموازية تستطيع أن تقول كلمة (لا) للمؤسسة الحاكمة وباستخدام الخطاب الديني الرسمي ذاته الذي نشأت بموجبه المملكة حيث تذكر المصادر التاريخية أن أحد قيادات الاخوان فيصل الدويش قام بنفسه بقص ثوب الملك عبدالعزيز عندما رآه طويلا وذلك في محضر من الناس وسط ترحيب من الملك عبد العزيز أو تقبل على مضض بمعنى أننا أمام خطاب ديني له انياب ومخالب في مواجهة المؤسسة الحاكمة نفسها وهو الأمر الذي سيتكرر تباعا في المواجهات القادمة .

المواجهة الثانية مع الإخوان: بعد معركة السبلة استتب الأمر للمؤسسة الحاكمة واستعادت المؤسستين الدينية والحاكمة تماسكهما وان ظل الخطاب الديني للمؤسسة الحاكمة الرافض للتحديث ولحقوق الأقليات الطائفية في المملكة ولخطوات المملكة في التقنين والعلاقات الدولية تشكل صداعا مزمنا للملك عبد العزيز ويمكن أن يلاحظ ذلك في فتاوى ورسائل الامام محمد بن إبراهيم المفتي العام للملكة للسلطة الحاكمة مما اضطره كما يقول العديد من الباحثين للاستعانة بعلماء ومفكرين إسلاميين خاصة من حركة الاخوان المسلمين الذين استقطبت المملكة الكثير منهم بعد صدامهم مع الرئيس جمال عبد الناصر حيث كانوا يتميزون بأطروحات شرعية فقهية تؤصل لقضايا التحديث استغلها الملك عبدالعزيز في مواجهة الخطاب التقليدي للمؤسسة الدينية . استمر الخطاب الديني التقليدي يشكل قلقا كبيرا للمؤسسة الحاكمة والذي انتشر بقوة بين طلبة العلم المنتمين للتيار السلفي من طلبة المعاهد والجامعات وللحقيقة فلم يكن كله متعلقا بقضايا التحديث بل كان أيضا مواجها للمد القومي واليساري الذي استشرى في العالم العربي والإسلامي حيث يصف الشيخ عبدالمحسن العبيكان وهو عالم سعودي سلفي معروف وفقا للباحث منصور النقيدان أنه في حقبة الخمسينات والستينات وصل الأمر في المملكة الى حد أن من يؤدي الصلاة من الشباب عدد محدود جدا يقابلون باستهزاء وسخرية من العامة بمعنى أنه كان خطابا صحوويا في اطار حركة البعث الإسلامي التي واجهت المد القومي واليساري الا أنه حشر نفسه في زاوية ضيقة بتبنيه لأفكار وآراء متشددة متعلقة بالتحديث كالتصوير والتلفزيون وحقوق المرأة وتعليم البنات وغيرها من القضايا وان ظل في اطاره السلمي التعبيري الى أن جاءت الحادثة الشهيرة المعروفة بقيام مجموعة من المتدينين المحتسبين باحتجاجات في الرياض والمدينة المنورة رافضة للبث التلفزيوني وقاموا بحصار مبنى التلفزيون في الرياض بقيادة أحد الأمراء الشباب من الأسرة المالكة قتل اثرها وتزامن ذلك مع ما عرف بحادثة تكسير الصور في المدينة المنورة حيث قام عدد من المتدينين المحتسبين أيضا بمهاجمة استديوهات التصوير وواجهات محلات الملابس النسائية التي توجد فيها تماثيل وقاموا بتكسيرها وادى ذلك الى مواجهة أمنية مع المحتسبين في الحادثتين وكل ذلك حدث عام 1965م الا أن السلطات اضطرت للرضوخ لطلبات المحتسبين وأمرت بإزالة اللافتات الاعلانية الضوئية لمبنى تلفزيون الرياض الا انها في نفس الوقت فتحت أعينها من الناحية الأمنية على ظاهرة التشدد بين الشباب وبدأت العمل على الحيلولة دون استشراءه بدافع الخوف أن يتخذ شكلا عنيفا منظما وكان ذلك في نهاية حكم الملك سعود .

في العام الذي تلى عام هاتين الحادثتين تأسست (الجماعة السلفية المحتسبة) من مجموعة من طلبة العلم وطلبوا من الشيخ عبدالعزيز بن باز أن يتولى الاشراف عليهم وهو الذي أطلق عليهم ذلك الاسم الا أن هذا الاسم لم يكن يرق كثيرا لهؤلاء الشباب وكان الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم ويحبذون أن يطلق عليهم هو (الإخوان) ولعل ذلك من عجيب المقادير.

تكاثر عدد المنتمين للإخوان الجدد وامتد وجودهم ليشمل كل أنحاء المملكة وحواضرها وأصبح لهم في كل مدينة مقرات تعرف ب( بيوت الإخوان ) وهي عبارة عن تجمعات سكنية يقطنها هؤلاء وصلت في بعض المدن الى أحياء كاملة ولكل بيت ما يشبه القيادة ولم يقتصر الانتماء للجماعة على السعوديين فقط بل تعداه الى الكثير من الجنسيات من اليمن ومصر والباكستان والكويت وغيرها وكان من رؤوسها من اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ احمد المعلم الا أن الشيخ مقبل الوادعي اختلف معها وترك الجماعة وتم ابعاده من المملكة عقب القاء القبض عليه وقبل الأحداث الدامية التي حدثت بين هؤلاء ( الإخوان ) وقوات الأمن والتي عرفت فيما بعد بحادثة ( احتلال الحرم ).

بدأت جماعة الاخوان هذه تأخذ المنحى شبه التنظيمي داخليا وان كان المشرف في الظاهر عليها الشيخ ابن باز ونائبه الذي عينه مشرفا بديلا الشيخ أبو بكر الجزائري وعرف هؤلاء الإخوان الجدد بالتقشف والزهد والالتزام الحرفي بما يعرف في الفقه بسنن الهيئة مع مبالغة في التخشن في الملبس واطالة الشعر وبدأوا في تبني آراء متشددة أهمها موقفهم الرافض للفقه المذهبي وتدرسيه ورفض علم أصول الفقه بحجة العودة الى الكتاب والسنة مباشرة وقضايا فقهية منها التثويب في الأذان الأول وتحريم المحاريب في المساجد وتحريم التصوير حتى قام الكثير منهم بإتلاف وثائقهم الثبوتية وجوازات السفر لوجود الصور فيها ولكونها تقر الحدود بين الدول الإسلامية وبدأ الخلاف والتوتر في العلاقة يستشري بن أعضاء الاخوان والشيخ بن باز والشيخ ابي بكر الجزائري وكبار العلماء بسبب المشاكل التي أحدثها الاخوان في المملكة بخصوص هذه المسائل الفقهية ومحاولة فرض آراءهم .

أخذت الفجوة تزداد بين العلماء وبين الاخوان من طلبة العلم والشباب وفي الوقت ذاته ازداد نمو الاخوان وانتشارهم وازداد خلافهم مع كبار العلماء وشكلوا قيادات بديلة للجماعة عن العلماء وكان على رأس هذه القيادات جهيمان العتيبي وهو أحد أبناء (الاخوان) الذين قاتلوا الملك عبدالعزيز في معركة السبلة ونشأ أيضا في احدى هجر الاخوان التي أنشأها الملك عبدالعزيز وهي هجرة ساجر.

بدأ تشدد هؤلاء الإخوان يأخذ منحى آخر ليتحول من مجرد آراء في مسائل فقهية بسيطة الى فكر تأصيلي يتبنى مواقف في قضايا رئيسة لها علاقة بالحكم وشرعيته والموقف من الدول والأنظمة عبر الرسائل التي يصدرها جهيمان وبدأت الأجهزة الأمنية تفتح عيونها على الإخوان بشكل أكبر.

كيف تطورت الأحداث لتصل الى احتلال الإخوان بقيادة جهيمان للحرم والمواجهة المسلحة معهم؟ نستكمل الحديث في الحلقة القادمة بإذن الله ،،،

من مراجع هذه الحلقة وسابقتها : - السعوديون والحل الإسلامي – محمد جلال كشك - المحتلين للحرم – مركز المسبار السعودي - الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج - مركز المسبار السعودي