انطلاق بطولة كأس الخليج الـ26 في الكويت: مهرجان رياضي وثقافي يجمع الفرق العربية عاجل: الخارجية الأمريكية تعلن عن هدية خاصة لأحمد الشرع عقب لقاء شخصيات أمريكية رفيعه به في دمشق حصة تدريب على القيادة تتحول إلى كارثة مأساوية تفجع أسرة بأكملها في صنعاء خلافات تعصف بالمجلس السياسي الأعلى للحوثيين.. تحركات للإطاحة بمهدي المشاط وحزب المؤتمر يوجه صفعة جديدة لعبدالملك الحوثي.. عاجل السلطة المحلية بمحافظة ذمار تعلن موقفها من العفو الحوثي عن قاتل المواطن طارق الخلقي نقابة المعلمين تحذر الحكومة اليمنية وتمهلها أسبوعاً واحد .. الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية القوات المسلحة اليمنية: أبواب صنعاء ستفتح قريبًا وخطة تحرير العاصمة تسير بخطى ثابتة حزب الله اللبناني يعلن موقفه الجديد من الغارات الإسرائيلية على اليمن ماذا قال الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الغارات الإسرائيلية على اليمن؟
مأرب برس - خاص
بوفاة دولة رئيس مجلس لنواب اليمني وشيخ مشايخ قبيلة حاشد اليمنية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ، تدخل اليمن بمختلف تفاصيل شرائحها الاجتماعية ، وأطيافها الفكرية ، وتوجهاتها السياسية ، بوتقة عالم التحليلات ، والتكهنات ، ونفق إعادة ترتيب الأوراق ، على مختلف النطاقات السياسية والاجتماعية وحتى الفكرية ، باعتبار عمق حالة تداخل الشيخ عبد الله الوجداني والحركي مع كل حالة مما سبق ، حيث مثل في غالب فترات حياته نقطة ارتكاز محورية تدور من حولها ومن خلالها مختلف تجليات الأحداث السياسية والاجتماعية في اليمن ، لكونه أولا ، أحد أقطاب صناع الدولة اليمنية الجديدة الرئيسيين (الجمهورية) ، ولكونه قد أصبح قطب رحى تماوج الحراك القبلي خلال الثلاثة عقود الأخيرة على مستوى قبيلته حاشد ، وعلى مستوى غيرها من القبائل اليمنية العتيدة ، وبخاصة من بعد فناء عدد غير قليل من مشايخ وأقيال قبائل بكيل في أوائل عقد السبعينات من القرن المنصرم بالقرب من حريب ، الذين كانوا قد أعلنوا موالاتهم ومناصرتهم للنظام الملكي السابق في اليمن ، وتماهي خلفاءهم من بعدهم في صفوف النظام الجمهوري ، تحت لواء قبيلة حاشد برئاسة الشيخ عبد الله الأحمر .
ثم كانت أبعاد تجلياته الفكرية مع مطلع عقد التسعينات باحتوائه لكوادر مشروع الحركة الإسلامية في اليمن سواء التابعين للتنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين ، أو الآخذين بمنهج الفكر السلفي ومنطلقاته العقائدية ، الذين جميعا تكتلوا ضمن دائرة سياسية واحدة ، عرفت باسم حزب "التجمع اليمني للإصلاح" ، الذي ارتضى أقطابه أن يكون الشيخ الأحمر رئيسا عليهم ، وهو ما تحققت من خلاله المصلحة للطرفين ، فالشيخ عبد الله الأحمر وجد في ترأسه للحزب مجالا خصبا ، ومساحة واسعة ، لإضفاء سمة الشرعية المؤسسية على مختلف أدواره ، وجهوده ، وحركته ضمن إطار الوطن ، فخرج بذلك من ضيق المشروع القبلي إلى فضاء المشروع الوطني ، وبالتالي كان نفاذه إلى أروقة ودهاليز السياسة الخارجية في إطارها الإقليمي والدولي .
وفي المقابل فقد حضيت مختلف كوادر العمل الإسلامي - جراء ما يتمتع به الشيخ وقبيلته من نفوذ وقوة - بالحماية والرعاية ، وبخاصة وأنه قد تعمق في وجدانها ، من بعد فشل ثورة الدستور في اليمن سنة 1948م ، أهمية توفير الدعم القبلي لتحقيق أي نجاح ملموس على سطح الأرض تهدف إليه ، وبنجاح هذا التحالف بين الطرفين ، أضاف الشيخ الأحمر إلى نفسه صفة حامي الحركات الإسلامية ومشروعها السياسي في اليمن على وجه الخصوص .
وخلال مدة ترأسه للحزب التي استمرت طوال فترة حياته ، تمكن الشيخ عبد الله من أن يواجه أي تمدد سياسي لقوى حزبية مناهضة له ، أو شخصيات وجاهية ، وعسكرية ، وإدارية عليا ، عملت على تحجيم دوره الاجتماعي ، والتقليل من مكانته السياسية ودائرة تأثيره في اليمن ، لكونه – من وجهة نظرها - مجرد شيخ لقبيلة منضوية تحت إطار أركان وأجنحة الدولة ، وهو ما يعني تضاءل حجمه السياسي ودوره الفاعل ضمن إطار الحركة السياسية على المستوى الإقليمي والدولي ، مقابل ما يمكن أن يتناما من دور سياسي ، وتأثير استراتيجي فاعل لمختلف أولئك الوجهاء والعسكريين وكبار موظفي الدولة داخليا وخارجيا ، انطلاقا من تلبسهم لجلباب مشروع الدولة بمكنوناتها المادية والمعنوية ، التي تشكل الداعم اللوجستي لقراراتهم ، بمنحها الشرعية الدستورية لهم . فكان بانخراطه في العمل المؤسسي ، وترأسه ، من ثم ، لقبة البرلمان ، أن وفر له الشرعية الدستورية المطلوبة للانفتاح على أفاق العالم السياسية .
وهو ما لم تدركه بقية الزعامات القبلية في اليمن ، التي وعلى الرغم من عظم حجم تأثيرها المادي في الداخل ، سواء في الإطار العسكري أو الاجتماعي وبالتالي السياسي ، إلا أنها قد ضلت حبيسة لموقعها القبلي الضيق ، كما وضح صغر حجمها التمثيلي ، وبعد تأثيرها الفعلي في أروقة ودهاليز الحراك السياسي على النطاق الإقليمي أو الدولي ، باعتبارها مجرد زعامات قبلية ، لا تملك أي غطاء دستوري مؤسسي ، منبثق من مشروعية الدولة بمؤسساتها الرسمية والأهلية ، في الوقت الذي اهتمت تلك الشخصيات الفردية فعليا ، المعزولة اجتماعيا ، الفاقدة لأي تأثير حقيقي على تكوين الشارع المحلي ، بالتحصن بجلباب مؤسسات الدولة الرسمية ، المعترف بها ضمن سياقات المجتمع الدولي ، مما أضفى عليهم سمة الشرعية الدستورية ، التي تخولهم التخطيط ، والعمل ، والتنفيذ بقوة الفصل السابع من قرارات مجلس الأمن إن لزم الأمر ، في حال مواجهة الزعامات القبلية ، القوية التأثير ، مستقبلا لمشاريعهم .
وعلى كل ، ودون الخوض في مدى نجاح مشروع الدولة في اليمن مقابل مشروع القبيلة ، ومدى تحقق مبادئ الدولة القوية ، العادلة ، الديمقراطية ، المؤمنة بحتمية تداول السلطة ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه حاليا هو : كيف ستتشكل الخارطة اليمنية من بعد وفاة الشيخ عبد الله الأحمر ؟ وهل سيرث أحد من أبنائه ، أو من غيرهم من الزعامات القبلية ، مشروعه السياسي ونهجه التكتيكي ؟ أم أن ذلك قد أصبح مستحيلا في ظل تفتت الزعامات القبلية ، وخلو ساحتها من شخصية محورية تاريخية ؟ وإلى أين سيتجه مشروع العمل الإسلامي بعد وفاة الشيخ عبد الله ؟ هل ستعمل كوادره على إيجاد مظلة قبلية بديلة في المنظور القادم ؟ أم أنهم سيركنون إلى قوتهم التنظيمية والحركية في مواجهة الدولة المدنية الفارغة من أي نسق قبلي قوي ؟ وإلى أين أيضا سيتجه النظام القبلي في حاشد من بعد وفاة الشيخ عبد الله ؟ هل سيكمل مسيرة شيخه في تعزيز التماهي بين القبيلة والحزب ؟ أم أنها ستعود أدراجها مرة ثانية صوب مسارها التاريخي ضمن المنظومة اليمنية ؟ وبالتالي فما هي أوجه نجاحاتها في تعزيز تكاملها مع غيرها من القبائل اليمنية ؟ لتعمل على خلق جبهة توازن جديدة ضمن منظومة الجمهورية الجديدة أيضا ؟ وكيف سيكون مآل مختلف القبائل اليمنية ، وحجم تطلعاتها المستقبلية للتواصل مع المحيط الإقليمي ، لاسيما من بعد زوال غيم الحجاب الحاجز على بوابة اليمن الشمالية بوجه خاص ؟
أسئلة عديدة يمكن أن يطرحها المهتمون والمراقبون لتطور الحراك السياسي والاجتماعي والفكري في اليمن خلال الوقت الراهن ، وأجزم أنه بمقدار تعدد تلك الأسئلة ، فإن إجاباتها ستتعدد وتتنوع بحسب منطلق كل منها ، وزاوية النظر للمشكلة اليمنية ، وعمق معرفتها بخبايا الأمور وتطوراتها . وبالتالي فإن الباب سيظل مفتوحا على مصراعيه لمختلف التكهنات والتحليلات السياسية المنظرة في هذا الباب أو ذاك ، والعقدة في تصوري تكمن في مدى ملامسة مختلف المراقبون لحقيقة وجوهر الأشياء في اليمن ، وحجم فهمهم للظاهرة اليمنية بكل تجلياتها الاجتماعية والفكرية وحتى السياسية .
وفي هذا الإطار ، فيمكن القول بأن مشروع دولة النظام الجمهوري في اليمن ، القائم منذ بدايات عقد الستينات ، قد أخفق ، في بعض مسارات خطه البياني بشكل عام ، في تحقيق المواطنة العادلة ، والنمو المتوازن ، والاستقرار الداخلي ، لكونه قد اعتمد سياسة تركيز خيوط السلطة في جانب معين من شرائح المجتمع اليمني وبخاصة ما كان منتميا منها لقبيلة حاشد بوجه عام ، في مقابل إعمال وتكريس حالة الإقصاء لفئات عديدة من الشرائح الاجتماعية الأخرى ، كما هو الحال مع فئات عديدة من قبائل بكيل ، ومع شرائح عديدة من الفئات الاجتماعية في المحافظات الجنوبية منذ نهاية حرب الانفصال سنة 1994م ، علاوة على ما تعرض له الهاشميون بوجه عام ، من إغفال لدورهم الكبير في قيام النظام الجمهوري والدفاع عنه سنة 1962م ، بل لقد تم في سياق تكريس تلك الحالة من الإقصاء ، ربطهم بصورة مجملة بدائرتي موضوع الإمامة والزيدية ، بحيث كان من السهل تشاكلها في ذهن المستمع والقارئ ، لتتداعى تلك الصور الثلاث دفعة واحدة حين الحديث عن أحدها .
فمثلا إذا جاء الحديث عن الإمامة تداعت إلى الذهن مباشرة صورتي الهاشميين والزيدية ، وإذا تم الحديث عن الزيدية برزت صورتي الإمامة والهاشميين ، وهكذا لتشكل هذه الموضوعات المتنوعة ، ثلاث دوائر متشاكلة ، في منحى غير سوي ، الهدف منه تحجيم دورهم ، تلبية لغايات مختلفة ، منها ما هو متعلق بحالة التطرف الفكري الواضح في ثنايا أفكار التيار السلفي الجهادي على وجه الخصوص ، الذي لم يقتصر هجومه على المذهب الزيدي وحسب ، بل امتد ليشمل بلهيبه كل المذاهب والأفكار المخالفة له بشكل عام ، سنية كانت أم شيعية ، ومنها ما هو مرتبط بالتضارب المصلحي مع هذه الشريحة من قبل فئات بسيطة من بعض الشرائح الأخرى .
وهو ما تبلور مؤخرا في روح ونفس العديد من الكتابات المنشورة ، خلال التأزم الأول لأحداث مشكلة الشباب المؤمن في اليمن بقيادة السيد حسين الحوثي مع الدولة (الحرب الأولى) ، تلك الأزمة التي وبالرغم من أن تنفيذ فعالياتها القتالية لم تكن حكرا على بعض الهاشميين بقيادة السيد حسين الحوثي وإخوانه ، بل شاركهم في قيادتها وتحريك مجرياتها العديد من بعض القيادات القبلية كعبد الله عيظة الرزامي وغيره ، ومثل كثير من أبنائهم عمود ارتكاز فتيلها خلال ذروة المعارك القتالية مع الدولة ، إلا أنها قد حركت الراكد ، وكشفت عن حجم البركان المشتعل في نفوس البعض ، الذين راموا تحقيق أهدافهم المقيتة ، بتحريضهم العنصري والطائفي الغير مبرر ، وترويجهم على الصعيد الإعلامي والتعبوي ، فكرة اختزال حركة الشباب المؤمن لكل توجهات التيارات الهاشمية المختلفة ، وتمثيلها الحصري للأفكار والشخصيات الزيدية في اليمن ، على الرغم من أن ردة فعل عديد من الهاشميين في مختلف أرجاء اليمن قد اتسمت بالحيادية والتفاعل السلبي معها ، بل ووقف بعض منهم في موقف المؤيد والمناصر لقوى الدولة ، وهو ما يصب في خانة تأصيل الفرقة ، وليس في خانة تكريس عرى المحبة والوحدة والاتفاق.
ولاشك فإن المراقب لتطور الأحداث الدراماتيكية لمختلف الأزمات السياسية في اليمن ، سواء كان ذلك في محافظة صعدة ، أو في المحافظات الجنوبية ، أو في المناطق الوسطى ، إلى غير ذلك ، ليدرك مدى صعوبة نجاح أي مشروع إقصائي يهدف إلى تهميش جانب من أي منظومة سياسية ، أو اجتماعية . الأمر الذي يدعوا إلى إعادة النظر في مسألة كيفية ترتيب الأوراق ضمن إطار الدولة المدنية ، التي يتساوى فيها الجميع بحكم القانون والدستور ، ويرتفع فيها الإنسان وفقا لقدراته ، بعيدا عن أي منحى عصبي أو طائفي أو جغرافي .
كما وفي المقابل ، فإن تأزم الصراع السياسي جراء حدة الخلاف الفكري المذهبي بين المذهبين الزيدي والشافعي من جهة ، والفكر السلفي والمذهب الإثناعشري من جهة أخرى ، ليؤكد فشل أي مشروع فكري ، يستهدف تغيير الطبيعة التكوينية الفكرية والمذهبية للمجتمع اليمني الزيدي أو الشافعي ، سواء كان ذلك لصالح التيار السلفي الجهادي ، الهادف إلى إخضاع القبائل اليمنية المحاربة لكامل سلطته العقائدية ، فيكون ذلك مكسبا كبيرا له في إطار مشروعه الجهادي العالمي ، أو كان ذلك في إطار منظري المذهب الإثناعشري ، الراغبين في إحكام تطويق منطقة شبه الجزيرة العربية ، السنية المحتوى بوجه عام ، ليس بهلال شيعي وحسب ، وإنما بدائرة شيعية ، حتى تستفيد منها في تسهيل وتوسيع رقعة مصالحها الإقليمية .
حيث وعلى الرغم من ضخامة المشروع التبشيري لكلا المذهبين (السلفي والإثناعشري) في اليمن ماديا ومعنويا ، في ظل ما يواجهه الفكر الزيدي على وجه الخصوص من ضعف مادي ومعنوي ، وتواجهه الطرق الصوفية الشافعية من عنت ومضايقة ، إلا أن كلا المشروعين لم ينجحا في خلق حالة متماسكة لأفكارهما ضمن إطار المجتمع اليمني ، حيث سرعان ما تعود الأفئدة تدريجيا إلى تكويناتها الطبيعية التي تشكلت ملامحها الوجدانية طوال قرون عديدة ، مع أول عائق جوهري لها ، كانقطاع وشح الأموال ، أو بروز الشخصية المذهبية الوطنية القادرة على لملمة شعث أبناء مذهبها ، كما هو الحال مثلا مع حركة الشباب المؤمن وعديد من الشخصيات الفكرية الفاعلة بصورة محدودة في الساحة حاليا في الإطار الزيدي ، وكما هو الحال أيضا مع جهود دار المصطفى بتريم وجامعة الأحقاف علاوة على كثير من المرجعيات العلمية الفاعلة على الساحة حاليا في الإطار الشافعي .
وهو ما يتوجب النظر إليه بعناية تامة ، والتمعن في أبعاده بروية ، حيث يمثل الفكر الزيدي والمذهب الشافعي ، بعمق تاريخهما الأصيل ، واعتدال منهجيهما ، ووسطية أفكارهما ، وبعدهما عن مسالك التطرف والإقصاء لأي فكر وأي منهج ، القيمة الجوهرية المانعة لتسلط أحد المشروعين التبشيريين على الآخر في اليمن ، وبالتالي الرهان الأكبر على ضمان استقرار منطقة اليمن سياسيا وعسكريا ، والنأي بها عن مكامن الصراع الأيدلوجي في المرحلة القادمة ، التي ستحيل المنطقة بأكملها ، في حال تورط اليمن بشعبه وجغرافيته في ذلك الصراع الدفين بين المشروعين ، إلى بركان ثائر ، يقذف بحممه الملتهبة إلى مختلف الآفاق وبصورة عشوائية ، الجامعة في تكوينها بين سمات وخصائص وملامح كل من الصوملة والعرقنة واللبننة ، وحينها لا ينفع الصوت حين لات مناص .