آخر الاخبار
الحل الجنوبي جاء مبكراً لو كانوا يسمعون !
بقلم/ اسكندر شاهر
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 22 يوماً
الجمعة 28 سبتمبر-أيلول 2007 02:56 م

مأرب برس – دمشق – خاص

يُخطئ كثيراً من يعتقد بأن القضية الجنوبية يمكن حلّها شمالياً ، و يُخطئ أكثر من يظن للحظة واحدة أنّ جنوبياً كـ"المستشار" سالم صالح يمكن أن يكون لديه حلاً لها أو أية مقاربة للحل فالمحكوم بقضية "شخصية" ويُنكر على أبناء جلدته قضيتهم لا يمكنه أن يتعاطى مع قضية وطنية .. قضية أرض وشعب ومصير , "الحل جنوبي" .. عنوان لمقال قرأته مؤخراً للكاتب والصحافي سامي غالب ، والذي أفاض فيه بجوانب القضية مُبيناً أهمية الحل الجنوبي في ظل حضور الأزمة الجنوبية وطغيانها على غيرها من القضايا خاصة في الوقت الراهن ليصل في هذا الصدد إلى نتيجة مفادها أنه "لا يمكن تصور مخرج لليمن من أزماتها الطاحنة، إلا بتقليل أثر امتيازات الوحدة بالحرب، وتعظيم حضور مزايا المحافظات الجنوبية والشرقية في بنية النظام السياسي ذاته". وأنه "بالتخلص من امتيازات بعض الشمال، والتشبث بمزايا كل الجنوب، يمكن لليمنيين الإمساك بمستقبلهم".

وكثيرة هي الطروحات التي ترى أن الحل للقضية الجنوبية لن يرى النور ما لم يكن بروح جنوبية وجسد جنوبي وأطراف جنوبية ، وهذا الطرح الذي لا يخلو من تمييز ونوع من الفصل بين جنوبي وشمالي هو طرح طبيعي ينتظم مع ما ترتب من تأخير وتسويف ومماطلة لقضية وطنية بهذا الحجم ، وهي التي بدأت -إذا أردنا الجذور حقيقةً- بوحدة الهاربين إلى الأمام ، وحدة اندماجية "مسلوقة" وقد اعترف بذلك مؤخراً أحد أهم روادها الجنوبيين الأستاذ حيدر العطاس الذي لا يزال الرئيس يصفه "برأس الأفعى" دون أن يحدد بقية خارطة الأفعى ، والرئيس خير من يحكم على طريقة الرقص على رؤوس الثعابين والأفاعي –على حد تعبيره نفسه- ، في حين يضع الأمين العام السابق للاشتراكي الأستاذ "مقبل" رد الاعتبار للبيض والعطاس بشكل خاص في سلة الحلول أو الوصايا العشر القيمة التي أسداها في رسالة مفتوحةً للرئيس مؤخراً .

وكان من جملة ما أخر وماطل وأمعن في التعمية والتسويف تجاه المصالحة التي من الضروري أن تعقب أية حرب أهلية في أي مكان في العالم هو حالة الزهو بالانتصار العسكري منذ 7 يوليو94م ، والتي لا تزال راغبةً عن الانكماش بدلالة ترديد عبارة "الوحدة المعمدة بالدم" باستمرار وبكل فخر واعتزاز .

لم تكن الأطراف المعنية بإقامة الوحدة وبالتالي باستمرارها مؤمنة تمام الإيمان بعدم تلازم الوحدة والحرب ، وهذا ما يؤكده ترديد المنتصر عسكرياً لعبارة "الوحدة المعمدة بالدم" والتي يطلقها بوصفها قيمة مضافة ، وأكثر من ذلك بوصفها الشمّاعة التي يعلق عليها ما يصعُب تعليقه وبأنها تُغني عن معالجة آثار الحرب وبناء المؤسسات وتكريس المواطنة المتساوية ، وهذه الأمور قد تم التعرض لها بشكل صريح ومباشر في وقت مبكر لو كانوا يسمعون .

ففي مقابلة للرئيس اليمني "الجنوبي" علي ناصر محمد مع صحيفة الحياة عقب حرب 94م بحوالي شهر فقط وهو ممن كان بالإمكان الاستماع إليه أكثر من أي شخص غيره كونه ليس طرفاً في توقيع الوحدة "المسلوقة" في 22 مايو 90م ، و في الحرب كانت "القوات التابعة له" والتي ضمت 11 لواء سميت ألوية الوحدة قد لعب قادتها الدور الرئيسي في حسم المعركة لمصلحة الرئيس علي عبد الله صالح وإن كان فريق آخر من المحسوبين عليه بشكل أو بآخر قد قاتلوا في الضفة الأخرى قال الرئيس علي ناصر "من الخطأ أن نعتقد أن الحرب والوحدة متلازمتان ، لكنها تترسخ بعوامل عديدة أهمها بناء دولتها الجديدة الدولة الوحدوية التي تجسد آمال المواطنين وتنهي الفساد وتقيم حكماً لا مركزياً يطمئن مواطني كل المحافظات" وأضاف "ولا ننسى أنه بعد أي حرب في أي بلد فإن الحاجة القصوى تكون إلى تجسيد الوحدة الوطنية وتكريسها بين أبناء ذلك البلد" وتابع مؤكداً "إن ما يرسخ الوحدة هو طمأنة جميع المواطنين وإشعارهم بان كرامتهم مصانة وان الحرب بين أبناء البلد الواحد لا يوجد غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم وهذا يحتاج لإجراءات عديدة تجسد الوحدة وطنية فعالة" (صحيفة الحياة-العدد11498-بتاريخ 11/8/1994م).

ولو كان ثمة رؤية استراتيجية لدى المنتصر عسكرياً تقوم على تغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة وتتجاوز المكايدات السياسية والروح الانتقامية لكان قد أصغى للنصح في حينه ، ولكان الحال غير الحال والمقال غير المقال ، فقد قال الرئيس علي ناصر لـ"الحياة" في نفس المقابلة آنذاك أي قبل أكثر من 13 عاماً "أما إذا بقيت الجراح في النفوس واستمر التميز بين المواطنين وغابت العدالة ، فإن أسباب التوتر ستبقى وستعبر عن نفسها يوماً بطريقة قد تكون دموية ، وهذا ما يجب على القيادة اليمنية تجنبه ولهذا السبب فإننا نرى أن الرئيس علي عبد الله صالح يجب أن يقود بحكم موقعه حواراً وطنياً يؤدي إلى وفاق وطني عام يستوعب كل القوى والأحزاب والفعاليات ويجب أن يرعى مصالحة وطنية تجسد الوحدة الوطنية وتشعر الجميع بالأمن والاستقرار" .

ويضيف الرئيس عي ناصر في نفس السياق : "جوهر الأمر أن الأمور حسمت عسكرياً في عام 1986م لكنها لم تحسم سياسياً ولذا بقيت الأزمة ، والآن يجب أن لا يتكرر الخطأ نفسه إذا حسمت الأمور عسكرياً لكنها تحتاج إلى تسوية سياسية حتى نغلق ملف الأزمة والحرب ، ونتجاوز الآثار المدمرة للأزمة: ،

ويتابع قائلاً: "لقد كانت الحرب كارثة مدمرة وكان بالإمكان تلافيها ، أما وقد حدثت وخلقت حجماً هائلاً من الدمار والجراح ، فلا ينبغي إثارة نعرات إضافية إلى ما حصل والمطلوب هو تكاتف الجميع لإنهاء ما خلفته الحرب عام 1994م" .

ويأتي هذا الطرح المُبكر منبعثاً من مسلّمات وحقائق سياسية وتاريخية قلما يُحتكم إليها في حالات الزهو والغرور ولكن ما أكثر ما تكون الملاذ الوحيد عند الندم ، وقد أزفت ساعته لو كانوا يندمون .

ولم يغفل الرئيس علي ناصر هذه المسألة في حينه فقد استشعر الخطر الذي يمكن أن ينجم عن الإقصاء والضم والإلحاق والاستفراد فحذر من الوقوع في مغبة ذلك وقال :

"أرى أن أي حرب لا بد أن تعقبها مصالحة وطنية حتى لا تشعر شرائح المجتمع بالغبن ولا تشعر فئات أخرى بأنها تنتقم من مهزومين ومع هذا فمن حق كل حزب أن يسعى لزيادة حجمه في الدولة والمجتمع لكن الاستفراد بالسلطة خطر يؤدي إلى نتائج وخيمة وقد جرب مجتمعنا اليمني هذا النوع من الاستفراد".

ومن اللافت فيما يتعلق بمبدأ "المصالحة" أن السلطة التي أبت أن تحتكم إلى هذا المبدأ في أوانه دأبت إلى تثبيط كل محاولة وكل خطوة باتجاه التصالح في الجنوب والتي تابعناها وهي تنضج وتقفز من محافظة جنوبية إلى أخرى ومن موقع إلى آخر بإرادات واثقة لم تتعثر برغم كل المحاولات غير المبررة والتي وصلت حد نبش المقابر وهي المحاولات التي لا يمكن إلا أن تصنف بأنها اعتراف بالعجز والإخفاق تُرجمت بلغة طفولية لم ترق إلى مستوى الشعور بأهمية السلم الأهلي في بناء دولة مؤسسات فعبرت عن نفسها بمعاول الهدم العلوي والنبش السفلي ، وصولاً إلى هذه النتيجة التي تعج بالأخطاء الكارثية سواء اعترفت السلطة أم أنكرت.

 لقد استطاعت القضية الجنوبية أن تملأ الصحف والمواقع ووسائل الإعلامية اليمنية وغير اليمنية منذ اندلعت انتفاضة "شحتور" أبين وتصاعد احتجاج المتقاعدين الجنوبيين في مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية، ولكنها مع الأسف لم تستطع أن تملأ أذن الرئيس التي لا تسمع إلا ما يريد "رؤساء الرئيس" أن تسمعه ، والذين يمعنون في إسماع الرئيس معزوفات الانتصار الموهوم وطبول العرس الديمقراطي المزعوم .

وواقع الحال أنه مع تقاطر الوصايا والمبادرات وتنظيرات المعالجة فإن القضية بالرغم من تراكمات أكثر من 13 عاماً لا يعوزها مبادرات ووصايا –وإن كانت توفر فُرص للتوبة-بقدر ماهي في أمس الحاجة لتوافر الإرادة السياسية لإنقاذ الوطن من محنته المقيمة والتي حولت بعض الذين كانوا من الهاربين هرولةً إلى الوحدة والمدافعين عنها إلى أشد المتشددين في الاتجاه المعاكس . وأصبح الارتداد عن دين الوحدة "المسلوقة" (اللاّت) و "المعمدة بالدم" (العُزى) ، والكفر بعبادة الأصنام كصانع الوحدة (هُبل) أمراً ثقيلاً وقاسياً وصعب التحمل بالنسبة للكثير من المؤمنين اليمنيين ولكنه إلــهي من الأرض حتى السماء كإيمان بلال وعمار في كفار قريش. بالرغم من وضع الصخور على صدورهم ، بابتداع تهمة الخيانة العظمى واستصدار قوانين لحماية "الوحدة" ، إلى أن قاموا بتحويل الوحدة إلى بعبع مخيف ومرعب وكأنها أهم من الإنسان ، إذا كان الإنسان المؤمن أشرف من الكعبة السوداء المشرفة في السياق الديني فكيف تكون الوحدة الحمراء المعمدة بالدم أهم وأشرف وأغلى من الإنسان اليمني بحيث يجرؤ رأس الهرم الحاكم بأن يعلن أنه سيضحي بمليون يمني ومستعد لفتح حمامات الدم من أجل الوحدة التي تحفظ مصالحه والتي يراها ليس خط أحمر بل دم أحمر "الوحدة" التي من المفترض أن تحمى أبناء الوطن وتحقن دماءهم... لا تُحمى منهم ، أو بدمائهم لو كانوا يعلمون .

أي حوار ينبغي أن يلتزم بقيم الحوار ، وقضايا الحوار في الوقت الراهن ينبغي أن تكون مفتوحة على كل شيء دون إقصاء لأي طرف ودون استبعاد لأي موضوع بما في ذلك "الوحدة" فمن حق الناس أن تناقش موضوع الوحدة بكل قوة فهي من صنع الشعب والشعب هو الذي ضحى من أجلها ، وأما المزايدون باسم الوحدة فهم النهابون لخيرات البلد ، والممعنون في تكريس الفساد والإفساد الذي بدونه تضرب مصالحهم ، وعلى الداعي لأي حوار أن يتزود بقدر كاف من ثقافة الحوار المفقودة بحيث لا يتم تحويل الحوار كما في كل مرة إلى نوع من التكتيك ، ودعوة مساء الاثنين شاهد جديد وحي على الإصرار على الأسلوب ذاته التي رفضها المشترك لفقدانها شروط الحوار ، والحقيقة أنها فاقدة لأبسط أخلاقيات الحوار ، وكأن الآخر ملحق وتابع ، فإذا كان ملحقاً وتابعاً فلماذا الدعوة إلى الحوار ولماذا الضحك على الذقون .

 والآن وبعد مضي أكثر من 13 عاماً على حرب الخُسران الكبير وتجاهل الدعوات المبكرة والمبكرة جداً كدعوة الرئيس علي ناصر للتسوية السياسية والمصالحة الشاملة وغيرها من الدعوات الوطنية المتلاحقة ، فكانت النتيجة هذا الحصاد المر والخطير اليوم ، أما آن لهذا الحصان الجامح أن يلتفت لكبواته القاتلة ، و يعترف أمام شعبه بالخطأ ويتوب إلى الله مستفيداً من المبادرات والوصايا الجديدة و من بركات الشهر الفضيل والسماوات المشرعة .. ويقول بحق : "إن الله حق" .

أما آن للحاكم أن يصل إلى قناعة وصل إليها الناس كلهم بعد أن جربوا الحروب والتصفيات والعنف في الشمال والجنوب ، وهي أن الحوار اليوم بات أقدس الحاجات لتحقيق أقدس المطالب الملحة التي ستحدد مصير وطن وشعب بأكمله؟! ، وإن لم تستوعب هذه القضايا ويتم تصحيح المسارات بسرعة وبدون أي تلكؤ ، فعلى الحاكم إذاً –بعد كل ذلك- أن يستبدل أطراف المصالحة الحقيقيين بفريق الوعاظ المضللين الذين اعتاد عليهم ، ولا يطيقون فراقه ، وليطلقوا العنان لخيالاتهم الخصبة ليصوروا لنا صورة الوطن بعد "تأخير" آخر و"مكابرة" أكبر ، ومزايدات أخطر .

وضالع جديد .. صعدة أفضل !!!

 واللهم إني صائم

eskandarsh@yahoo.com