آخر الاخبار
بغداد لحظات انكسار وانتصار
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2007 10:13 ص

مأرب برس - خاص

بهدوء شديد جدا يجب أن نعترف إننا نعاني من أزمة ..!!

رفعت صديقتي رأسها من بين كومة الأوراق وهي تقابلني بمكتبها من تخاطبين؟ أتخاطبينني ..! آآه نسيت انك أمام هذا الجهاز الذي يقلب حالك في معظم الأحيان

- أزمة طاحنة وصلت آخر مراحلها وأصبحت تهدد وجودنا.

لملمت صديقتي الورق وأنا ارمقها بطرف عيني .. وهي تتمتم زاد الوضع عن حده .. أصبحت اقلق عليكِ من هذه المواقع التي تراقبينها في اليوم أكثر من مرة.

أخذت نفسا عميقا حتى يتسنى لي شرح ما أنا عليه الان من اختناق

- عزيزتي نحن اليوم نعيش ساعات المفارقات.

- كيف..؟

- كنا في الماضي نعيش المفارقات عبر مراحل أو أزمنه ولكن اليوم ساعاتنا أصحبت تجمع مفارقات عجيبة.

عدت ارمقها بطرف عيني وقد انشغلت بترتيب الأوراق تماما وعدت إلى نفسي لأدير معها حوار بصوت عالٍ:

لم اسكنها لكنها سكنتني على الدوام ، دائما كانت معي ، في حصص التاريخ ، حلقات المسلسلات ، قص البطولات ، ارتويت من نهريها ، واغتسلت بماء عيونها ، ولفحتني شمسها.

كل شي فيها حاصرني ، علمائها ، شعرائها ، شهدائها ، مقاماتها الغنائية ، فلاحوها ، وكل أهلها الطيبين .

 فخورة أنا بها أردد شعر نازكها.

فخورة أنا لأنها أعطت العالم نخبة من المفكرين، والأدباء، والفقهاء .

فخورة أنا بها لأنها زينت السماء بكوكبة من الشهداء الذين زادت دمائهم الطاهرة النقية ترابها خصوبة ونضارة.

أمس القريب كانت محطة أنظار العالم عزةً وكبرياء ،واليوم جثم على صدرها العدو المجهول الهوية ، ليفترس البشر والحجر، ويلتهم الأخضر واليابس ،ويدمرها فوق رؤوس الخلان.

باهتني صوت صديقتي وهي تقول لابد انك تقصدين بغداد ، ما الجديد لكل هذه المرثية ..ذات الصوت المسموع .. نظرت إليها طويلا حتى رثت لحالي من طول تلك النظرة العميقة .. وشكت في تخمينها .. بقولها عفواً.. تقصدين فلسطين أو لبنان ... التقت عيني بعينيها بعمق أقوى وصمتي مستمر .. أكملت حديثها لا تقولي دمشق ..! حيرتيني من تقصدين بكل تلك المرثية ..!!

 اندهشت كثيرا. لماذا اهتزت صديقتي ..!؟

لماذا لم تستطع أن تحدد من هي موجعتي في زمن الانكسار..!؟

طارت الحروف من بين شفتاي لتزيد الأمر تعقيدا لصديقتي عندما قلت لها وقعت في خليط من الجرعات .

اتسعت عينيها وهي تردد جرعات..!! وبتذمر شديد جرعات .. لا.. لا!! كيف سنعيش؟

الراتب أصبح لا يكفي لإيجار البيت والمواصلات..

فكيف بجرعة جديدة .

واستدارت لتتخذ من كرسيها سند تواجه به جرعتها التي هزت موازينها.

إنتشلتها بابتسامة ساخرة .. ما قصدت جرعة خاصة باقتصادنا يا صديقتي .. وإنما خليط من الجرعات ، جرعه ضخمة من الغضب ..إلى جرعة من المهانة ..بعدها جرعة من الذل .. تليها جرعة انكسار .. ليجرونا إلى أفيون من الانتصار لنعيش لحظات لذة نفوق بعدها على جسد محطم لا يملك رأساً خُدِّر بأفيون الانتصار ..!

صمتت صديقتي صمتا أحسست بشفقتها لحالي ولكني لم أعطها فرصة للرد بمبادرتي بالنطق باسم بغداد نعم بغداد صديقتي انظري المفارقات التي تعيشها اليوم بلاد الرافدين! توابيت الشهداء تزاحم العراقيين في هذه اللحظة .. لحظات انكسار وانتصار .. تقف بغداد في شوارعها بتظاهرة الأولى من نوعها .. كيف يجتمع الانكسار والانتصار ..تعالي يا صديقتي وانظري معي للصورة الان على صفحات الانترنت واحكمي بنفسك لهذه المفارقات العجيبة وصححي لي لماذا اختلطت لدي الوجوه ..!؟

ما عدت اعرف ..!؟

ما عدت افهم ..!؟

هذه صورة لتوابيت الشهداء..

وتلك صورا لزغاريد..

هذه صور المعذبين والأسرى ونساءهم البكايا..

وتلك صور الأعلام العراقية ترفع مبتهجة بلحظات انتصار وسط موجة انكسار موجعه ..مؤلمة.

استدارت صديقتي لتأخذ موقعها خلفي وأنا احتضن بعيوني الحائرة صفحاتي الالكترونية

واضعة يدها على كتفي وذبذبات صوتها الحزين يترجم حروف لا تقل انكسارا عن ماهو موجود الان في بغداد.

 قائلة قلوبنا معهم ، لقد اختلط الحابل بالنابل.

- نعم صديقتي لقد اختلط الحابل بالنابل ،صناديق الموت تسال في هذه اللحظة ما سر تلك الزغرودة والفرحة .. التي اخترقت صمت الشوارع العراقية .. هل توقف شلال الدمار ..!؟

هل حُطّم سجن أبو غريب وانتهى التعذيب والقتل والتمثيل في الجثث..!؟

هل توقف مسلسل اغتيال ما تبقى من علماء في العراق ..؟!

هل توقفت الاختلاسات ، الأدوية المسمومة،الحلويات المفخخة للأطفال ..؟!

ماذا أردّ لصناديق الموت اليوم يا صديقتي بعدما اختلط الحابل بالنابل كما قلتي.

كان ردها حاسما غير شافيا..

قولي لهم : بغداد الليلة تعيش لحظات انكسار وانتصار.

أدارت صديقتي الكرسي الذي اجلس عليه .. لتمسك بالفارة الخاصة بالكمبيوتر وتغلق خط الإنترنت .. مذكرةً إياي مأساة كل شهر عندما ينقطع الخط ولا استطيع سداد فاتورته المكلفة ، وبأنه يجب علينا أن نعود لإكمال أعمالنا حتى لا يداهمنا الليل ونحن لا نزال في مكتبنا .

استسلمت لها وأمسكت بأوراقي وأنا اردد : صدقتي يا صديقتي بغداد تعيش ليلة انتصار ضمن ليالي انكسار

* بمناسبة فوز العراق بكاس أمم آسيا