الفساد العابر للحكومات
بقلم/ عارف الصرمي
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 24 يوماً
السبت 27 إبريل-نيسان 2013 05:15 م

استطاعت ثورة الشباب في اليمن أن تزلزل عرش النظام السابق وتهدَ أركانه في الداخل وتقضي على تحالفاته الإقليمية والدولية جملة وتفصيلا! لكن لم تستطع حكومة ودولة ما بعد الثورة أن تقتلع الفساد الذي كان ولا يزال يعشعش في كل مفاصل الحكم والحكومة!

أخطر ما في الموضوع أن الفساد كان موجودا بإرادة النظام وتحت رعايته! ولذلك استفحل في جسد البلاد كفيروس تم السماح له بالتخلق في بيئة الدولة وحين كبر واشتد عوده خرج عن السيطرة حتى بات النظام عاجزا عن إيقافه ولو مؤقتا عند حد معين! لأن الفساد قد أصبح أكبر من النظام! بل لدرجة أن الفساد أمسى قادرا تماما على الإطاحة بهذا النظام.. حين يجيء الوقت المناسب!

ولأن فيروس الفساد المالي بفريقه الإداري كان -كالأرضة- التي تأكل البنيان القائم على الخشب والورق والكرتون! فقد جاء طوفان الثورة على منزل متهالك قد أكلته الأرضه! إلا من أهل البيت القادرين على العيش بمنزل آخر!.

كانت كل مؤسسات الدولة إما عاطلة أو معطلة أو صورية الاسم والأداء وبخاصة منها المرتبطة بمكافحة الفساد كالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد- التي لم تكافحه حتى اليوم- والجهاز المركزي للرقابة والمسامحة- الذي لم يحاسب أحدا- والبرلمان الذي شرَع كثيرَا- ولم يراقب أبدا- لدرجة أن خرجت منه منظمة –برلمانيون ضد الفساد- الذي كان على رأسها صخر الوجيه الذي أصبح اليوم في حكومة الوفاق وزيرا للمالية وزميله في البرلمان والحكومة وزير الإعلام علي العمراني.

وحدها مؤسسة الفساد هي التي كانت تعمل بكل طاقتها وبكامل فريقها فضلا عن المتطوعين والموجودين على قائمة الانتظار من صغار الموظفين و المسؤولين الذين يتم توظيفهم وتعيينهم بالوساطة والمحسوبية وتلفونات آخر الليل لتتاح لهم فرصة الالتحاق والمشاركة بالعمل المؤسسي للفساد!!

ببساطة.. كانت البلاد تمضي بلا مشروع وكان الأمر يدار من غير أهله! فيما كان فريق الكفاءات والمحترفين التكنوقراط المقتدرين في كل مجال تحتاجه مؤسسة الرئاسة وأجهزة الحكومة يرفعون أصواتهم وتكتب أقلامهم ثم يتفرجون بحسرة من لا حول له ولا قوة.. حتى يجيء الوقت المناسب!

فهبت اليمن بوثبة واحدة من كل أبنائها العاطلين والمظلومين والفقراء والمشائخ والقبائل والنساء ترافقهم جميعًا الكفاءات والمحترفون والمثقفون وأساتذة الجامعة وطلابهم الحالمون بفرصتهم في الحياة التي انعدمت في عهد صالح!!

الفساد كان هو الوقود الذي أشعل الثورة ضد رأس النظام و عائلته وأقاربه و أركانه في المؤسستين المدنية والعسكرية على حد سواء! والفساد هو الذي خلع صالح من الحكم وقد كان يختال وسط صولجانه المحاط بالثروة والجيش والأمن والمخابرات وتحالفاته الداخلية و الخارجية، لكنه فقط كان متواطئا مع الفساد ويسند الأمر لغير أهله بذات الوقت الذي تجاهل فيه كفاءات البلد المحترفين وتركهم لمصير الهجرة –إن استطاعوا- أو متفرجين من الداخل بحسرة! حتى كادت أبواب الأمل تغلق في وجه المحترفين والكفاءات والخبراء داخل اليمن -إلا باب الأمل بالله- أما النظام الذي بدأ سنواته الأولى غير راغب في التغيير ولا مستوعبا له، فقد كانت سنواته العشر الأخيرة على الأقل تجزم بشكل مطلق بعجزه الكامل عن القيام بهذا التغيير حتى لو أراد!!

وهو بالضبط ما دفع بالكفاءات والمحترفين –كل من موقعه وبطريقته وعلى أسلوبه الذي يجيده-في كل مجال ليتقدموا الصفوف ويرشدوا الخطى ويهدوا السبيل لنجاح الثورة التي أوصلت وزراء حكومة الوفاق وفخامة الرئيس هادي إلى مواقعهم التي يشغلونها اليوم!

وإذا... و بجردة حساب عاجلة عابرة هنا أتساءل بحرقة.. ما الذي تحقق لكفاءات البلد ومحترفيها ومثقفيها الذين رفعوا أصواتهم عالية في وجه الفساد وفضحوا أشخاصه ورموزه وفلسفته! فقد مضى عام كامل لأول حكومة وأول نظام بعد الثورة مع وجود نفس المؤسسات التي خلقت لمكافحة الفساد، بل إن أصحاب المعالي صخر الوجيه وعلي العمراني –اللذين لطالما اعتبرهما المثقفون والإعلاميون المحترفون صديقين عزيزين لهم يستند بهما الظهر- قد جاءا من البرلمان الذي وظيفته التشريع والرقابة ومن منظمة (برلمانيون ضد الفساد) إلى رأس وزارتين سياديتين في الحكومة بجوار الداخلية والدفاع!!

ومع ذلك فاليوم وبعد أكثر من عام على الثورة وقبل سنة على انتخابات البرلمان والرئاسة فإن الكفاءات والمحترفين في هذه البلاد لا يزالون كما كانوا في العهد السابق يرفعون أصواتهم وتكتب أقلامهم ويتفرجون بحسرة مضاعفة! ولسان حالهم قول الله تعالى: ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير)!!.

ولذلك فأمام الحكومة وأحزاب المشترك والنظام بأن لا يتركوا الفساد وحده يعمل فيما تتفرج الكفاءات من خارج الأجهزة والمؤسسات!! لأنهم-مؤخرا- استبدلوا عاجزين فاسدين بآخرين مثلهم-لا أكثر ولا أقل-!

فالملاحظ بعد أكثر من عام على الحكومة والرئاسة أن صبر النخب وحبهم وتقديرهم –وما كان من إخلاصهم وولائهم- يتناقص يوما بعد آخر! إن لم يكن يتآكل من أطرافه كما تتآكل الروح حين تتسرب من الجسد قبل رعشة الموت! فيما تتناهشهم مرارة الإحساس بالخذلان- وربما- خيانة الأصدقاء الأقربين من وزراء الحكومة وحاشيتهم وأحزاب المشترك ومؤسسة الرئاسة!!

فما أكثرها اليوم الأصوات والأسماء النظيفة المقبولة من الجميع والتي لم تتغيب يوما في ساحة مكافحة الفساد وفضح رموزه إذا بهم اليوم وقد توجهت بوصلة أصواتهم وأقلامهم الناقدة ووسائل إعلامهم الساخطة جدا باتجاه أحزاب المشترك وحكومة الوفاق ودار الرئاسة! بعد أن كانت رأس الحربة لأكثر من عام من الثورة ضد نظام صالح!! بل إن بعضهم من خارج الحراك الجنوبي ومن أبناء الشمال صار يتفق مع الانفصال! وآخرون من غير الحوثيين ومن خارج الجغرافيا الزيدية يرفضون أن يسلم الحوثي سلاحه قبل وجود دولة قوية!!

ما الذي يدعو حكومة الوفاق وأحزاب المشترك وقبلهم فخامة الرئيس هادي إلى الاطمئنان حيال ما يجري من تجاهل الكفاءات والمحترفين وإهمالهم وكأنهم مجرد ظاهرة صوتية ستنطفئ مع الوقت، أو فقاعات هوائية مصيرها عاجلا أو آجلا أن تتبخر في الفراغ الذي تركوا -عمدا- ليدوخوا فيه!

 لا يلوح أمام العين المجردة وحتى العين المخبرية الفاحصة أن هناك برنامجا احترافيا يستوعب القدرات ويسند لها المهام لتقوم حكومة الوفاق-بهم ومعهم- بمكافحة الفساد بإسناد الأمر لأهله في الأجهزة والمواقع الحساسة لتحصين الدولة بأبنائها المحترفين الذين تعرفهم مؤسسة الرئاسة ويعرفهم وزراء الحكومة معرفة أكيدة بأنهم قادرون بأن ينهضوا بهذه الأجهزة والمؤسسات وينفخوا فيها الروح وهي رميم!! ويحولوها إلى أجهزة ومؤسسات فاعلة تتنفس بها البلاد!

وببساطة.. يكاد يتأكد للجميع أن اليمن لا يزال يمضي بلا مشروع! وأن الأمر لا يزال يدار من غير أهله!!

حتى يجيء الوقت المناسب!!!!