آخر الاخبار
الأزمة اليمنية وحلها بين ثورة الشباب والحوار الوطني والرئيس هادي
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 14 يوماً
السبت 06 إبريل-نيسان 2013 07:36 م
مدخل توضيحي لأعراض الأزمة
1-   منهج التفكير الخاطئ .
لا يزال تفكير الكثيرين في حل المشاكل يعتمد منهج الغوغائية والانفعال ورد الفعل ولا يعتمد على منهج التحليل والتشخيص الحقيقي لجذور المشكلة والبحث عن حلول تعتمد على معرفة تاريخ المشكلة وكيفية الفصل بينها وبين اعراضها، وكل مشاكلنا في بلادنا تعالج بهذه الطريقة الخاطئة مما جعلنا نعيش مشاكلنا ذاتها دون حلول على مختلف الصعد ومختلف الازمنة، وهذه هي الكارثة.
2- القيادة الانتهازية والعقل الجمعي.
هناك نوعان من القادة الذين ينكبون أوطانهم وشعوبهم، قادة يفجرون حماس الجماهير(العقل الجمعي) ولا يمتلكون القدرة على توجيهها والسيطرة عليها ويصبحون تابعين لها وللقادة الحقيقيين الذي يمتلكون القدرة على التوجيه والسيطرة، وقادة يتبنون شعارات الجماهير (العقل الجمعي) بل ويزايدون عليها ومصيرهم هو مصير النوع الاول. وهذان النوعان حقيقة ليسوا إلا انتهازيين يدمرون اوطانهم وشعوبهم.
3-   هيمنة العقل الجمعي.
العقل الجمعي تسيّره العاطفة الجياشة والحماس وقوة الاندفاع غير المسؤول، وهو سهل الانقياد لأي اختراق قد يقوده ويوجهه لغير وجهته الحقيقية، وبالتالي سرقة أهدافه. إن أمتنا الاسلامية في مراحل تاريخها المختلفة حتى اليوم هي ضحية العقل الجمعي الذي غيّب البصر والبصيرة، انظروا الى قصة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وكذلك الى مقتل ابن الصحابي الجليل عبدالله ابن خباب بن الأرت - رضي الله عنه وزوجه.
إن فهمنا لتلك الاحداث يفسر لنا اليوم ما يحدثه العقل الجمعي من مآسٍ وأحداث غير عقلانية .
4-   غيبة المشروع وأدواته.
وتكتمل ابعاد المأساة الكارثية عنما يغيب المشروع القائم على رؤية مكتملة الاركان والأبعاد على مستوى الإنسان والوطن والإقليم والعالم، وتصل المأساة ذروتها بغياب أدوات المشروع المتمثلة بقيادات وزعامات حقيقية تقود الجماهير ولديها آلياتها التي تستطيع توجيه العقل الجمعي من خلالها ومنعه من الانحراف او السقوط في هاوية الانتكاس.
تلك المنهجية الخاطئة في معالجات مشكلات الواقع اليمني وأزماته هي التي اوصلتنا الى وضعنا الحالي. وما يؤكد ما ذهبت إليه، الاحداث التي رافقت ثوراتنا السابقة وقيام الوحدة واعتبار ذلك خيارا ومصيرا نهائيا ينهي كل المشكلات والأزمات التي واجهتنا.
وها نحن نكتشف أن كل ما قمنا به من ثورات وتضحيات ووحدة لم تحقق أياً من آمالنا ولم توجد حلولًا لأيّ من مشكلاتنا وأزماتنا، وها هو العقل الجمعي ينطلق مجددا بثورة جديدة كافرا بالوحدة والثورات السابقة، متجها هذه المرة نحو تمزيق نسيج روابطه الاجتماعية وبنفس المنهجية السابقة، وقيدته بل وأعمته أعراض المرض عن معالجة المرض الذي سبب كل هذه المعاناة وهاهو البعض في جنوب الوطن يهتف لجلاديه ويوجه بوصلته نحو اخوته في الشمال دون تمييز، وبمفردات لم يشهدها مجتمعنا ولا تقرها اخلاقنا وقيمنا، متناسيا انهم اخوة له في النسب (كل آباء القبائل اليمنية اخوة) والعقيدة (كلكم لآدم وآدم من تراب). وفي الشمال تتجه البوصلة لدى البعض وكأن الوحدة بمفهومها الذي مثل فيدا للمنظومة الحاكمة، جزء من العقيدة الايمانية، بدونها لا يصح الايمان. وبدلاً من أن يتجه العقل الجمعي بشطريه لجوهر المشكلة ومعالجة المرض الحقيقي، تم اختراقه لينتج صراعا بين فئات المجتمع وبعضها البعض وكأن التاريخ يعيد نفسه. لنتجه جميعا بعقول لا تفقه وعيون لا تبصر نحو التمزق والصراع.

جذور المشكلة:
 إن (المشكلة) المرض الحقيقي الذي نعاني منه له جذور ثلاثة:
1-   جذر مذهبي :
 وتمثل بعدم وجود مرجعية جامعة فعقيدتنا الاسلامية هيمنت عليها ثقافة التمذهب (تحويل المذهب الى دين بديلا لدين الاسلام)، والتي بدورها اخرجت المذهب من كونه اجتهادا بشريا - لحل معضلة ما، وفق فهم نصوص دين الاسلام، مرتبطا بظرفها الزماني والمكاني وعلم ومعرفة المجتهد في زمانها ومكانها - الى جعله دين الاسلام وإسباغ قدسية الاسلام عليه لدى اتباعه وأنصاره، وأي خلاف او اختلاف مع رؤية المذهب الاجتهادية يعتبر مسا بالإسلام ومعتقداته، مما أوجد صراعا حادا بين ابناء المذاهب المختلفة.
2-   جذر ثقافي :
والتمذهب أوجد ثقافته الخاصة المتمثلة بثقافة الإلغاء والإخضاع والهيمنة والتكفير وإبراز العصبية القبلية كأداة قمع وإخضاع لهذه الثقافة لدى بعض الاطراف المتصارعة.
3-   جذر اجتماعي :
ومن خلال هيمنة التمذهب وثقافته تحول المجتمع الى طبقات هرمية تخضع بعضها البعض الاخر وتهمشه عن طريق فرض ثقافة التمذهب بقوة العصبية القبلية او الميليشية. وتناسى مسلمو اليوم تلك الاخوّة الانسانية العظيمة التي جمعت بين صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وابن عوف القرشي تحت اخوّة دين الاسلام .
ونتيجة لهذه العوامل تحول الصراع في اليمن الى حروب وتقاتل وتكفير وكراهية وأخذت الحروب القديمة الجديدة هذا المنحى الذي لم تشذ عنه كل حروب الوطن، وذلك تعبير عن ازمة جديدة قديمة فشلت ثورة الشباب في حسم حلها، فهل يحسم حلها مؤتمر الحوار والرئيس هادي.
ولن يحسم هذا الصراع دون فهم اعراض المرض وجذوره فهما يؤديان الى معالجة الاعراض والمرض في وصفة علاج مكتملة، وهذا يحتاج الى مشرط جراح ماهر وغرفة عمليات معقمة لا تلوث بها، فهل الرئيس هادي هو ذلك الجراح ومؤتمر الحوار هو غرفة العمليات تلك، نأمل ذلك.