في جيوبنا عناوينكم
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 13 فبراير-شباط 2013 10:17 م

باختصار: قمنا بثورة رائعة، نادرة الحدوث في التاريخ الإنساني. سنواصل القتال بكل وسائلنا حتى نحاصر آخر لص، وآخر فل، وآخر قوّاد، ولو لألف عام. لن يمروا. لن نحدثهم على طريقة "الماغوط": تملكون المشانق ونحن نملك الأعناق. بل نحن نملك المشانق والأعناق معاً. لن نقول لهم: في جيوبكم عناوين القتلة وفي جيوبنا عناوين الخصب والمطر. نحن نقول: في جيوبنا عناوينكم. لقد استعدنا بلدتنا في وضح النهار، وكان ذلك هو الجزء الأصعب، يا أسهل الأشياء وأخفها وزناً. ستعيشون في القبو، في الجزء المتبقي من حياتكم. ستسرقون في القبو، وتأكلون جثث الفقراء والمرضى خلسة. ستفعلون ذلك، فأنتم نفاية زمن منحط بكل تفاصيله. قبل أن تستدير القهقهة على الشفاه، تذكروا: في جيوبنا عناوينكم.

في العادة أكتب مقالاً لمأرب برس كل يوم أربعاء. هذه المرّة سأترك محمد الشميري يسرد حكايته في جزء من المساحة المخصصة لمقالي. إذا أردت أن أعرف بمحمد الشميري فهو شاب يمني، صيدلاني، يستخدم كرسياً متحركاً، يكتب الشعر، ويعمل في الحديدة. حضر بكرسيه المتحرّك إلى الثورة منذ أيامها الأولى. كتب لها الأشعار على طريقة المتصوفة: كان يسميها فيضاً، وجداً، وعرفاناً. يقيم في الحديدة. ملحوظة: الحديدة منطقة موبوءة بكل اللاإنسانيات واللاإنسانيين. مثلاً: في نوفمبر الفائت أوقف مكتب الصحة في الحديدة مدير مستشفى العلفي ونائبيه. أنتم تتذكرون القصة، بالطبع، لكني سأذكركم بسبب الإيقاف كما ورد في صحيفة المصدر: أقدم مسؤولون في مستشفى العلفي على رمي مريضين عبر نقلهم بسيارة إسعاف المستشفى إلى منطقة مابعد الدوّار قرب الساحل، وهم في وضع صحي سيء، بعد أن عجزا عن سداد تكاليف بقائهم في المستشفى.

بالمناسبة: لا يجرؤ أي كائن بشري على ظهر الكوكب على مثل هذا الفعل. فقط في الحديدة. مكتب الصحة لا توجد لديه مشكلة مع هذا اللون الجسيم من الجرائم ضد الإنسانية. فهو نفسه ليس أكثر تقىً وإيماناً. هدأت العاصفة، وعاد مدير المستشفى مرة أخرى إلى عمله. وزير الصحة يعرف هذه القصة، لكنه يعتقد أنها تحدث في أرض بعيدة يقال لها الحديدة، لذلك فمن الأفضل أن لا يرهق رأسه الشريفة بهذه الأحداث غير الشريفة.

 في قصة محمد الشميري، أدناه، بعد أخلاقي مريع. مخيف. لا تختلف كثيراً، من حيث بنائها الدرامي غير الأخلاقي وغير الإنساني، عما ارتكبه مدير مستشفى العلفي مع المرضى الفقراء. فعندما رفض الصيدلاني الشميري ختم أوراق مشتروات غير مأمونة ألقيَ بكرسيه المتحرك خارج المبنى الحكومي بنفس الطريقة التي ألقي فيها المرضى في مقلب مهجور في منطقة الساحل. البعد الحاسم، الآخر، في القصة هي أنكم تقرؤونها الآن في الذكرى الثانية للثورة اليمنية. الحديدة منطقة كبيرة تركت للفلول، للمتحوّلين، من خصيان النظام وعبيده وإمائه ونواظيره ومطاريده. هذا ليس مجازاً، بل حقيقة موجعة. عاد ثوّار الحديدة إلى بيوتهم تاركين عروستهم المنهكة في قصعتها مع "كل زناة الليل" بتعبير مظفر النواب.

نص رسالة الشاعر والصيدلاني محمد الشميري:

" عزيزي مروان الغفوري.

أعرف أنها الذكرى الثانية للثورة، ساعات رائعة. لكني دعني أعكّر مزاجك قليلاً، فأنا لا أنام ولاأجدني أنتظر ما ستكتبه عن قضيتي. الموضوع قتلني. قمنا بثورة في القطاع الصحي ضد المدير السابق. خرجنا في مسيرات ومظاهرات وكدت أموت فيها بالرصاص والغاز. عزل المدير السابق واختلفت النقابة مع المحافظة حول البديل. اتفقوا في الأخير على ترشيح مجموعة. رشحنا 4، رفض منهم ثلاثة. قيل لنا بسبب انتمائهم إلى محافظة أخرى. غالباً ستكون هي تعز، يا عزيزي، فهي محافظة كل المحافظات، وهي آخر جدار عازل ضد التمزيق. كان هناك د. عبدالرحمن جار الله وهو مقرّب سابق ولاحق للنظام المخلوع انضم للثورة مؤخرا، قال المحافظ إنه أقرب شخص ممكن أن يوافقوا عليه، لكن رفض بسبب ما يدور حوله من شكوك منذ كان مديرا لدار السلام للأمراض النفسية، وقد دمر ما تبقى من مستشفى العلفي حين كان مديراً له. المهم خرج بحيلةٍ مع زملائنا الصيادلة الذين عيّنهم نوّابا له -بالمناسبة مدير مكتب الصحة لديه 6نواب غائبون معظم الأيام- أن يعينني مديرا لمكتبه. وجاؤوا لبيتي يقنعوني باسم الثورة. وافقت وعلى طول بدأت الدوام من 8صباحا حتى 2ظهرا كل يوم وكنت أشعر بالفرحة حين تتورم قدماي لأني أمارس عملا يخدم ما ضحّى لأجله الشهداء والجرحى. لم يصدر لي قرار تعيين رسمي. وكلما طالبته يقول حين تتمكن من كل شيء وتعرف الأمور. عرفت كل شيء ولم يصدر القرار. بدأت التركيز على كل صغيرة وكبيرة ومخالفات، إلخ. كنت أحاول أرشفة كل شيء كنوع من إتقان عملي. المدير بصفته طبيبا نفسيا بدأ يمارس هوايته ليصدمنا ببعض أنا والنواب. فكان يتصل بي قائلا: لاتختم للنواب شيئا ذا بال. أبلغتهم أني لاأستطيع ختم كل شيء لهم بأمر المدير، وطلبت أن يجتمعوا معه بوجودي ليحددوا لي صلاحيات الختم. لم يفعل المدير. المهم بدؤوا يمنعون شراء ورق التصوير حتى لاأقوم بالتوثيق والحجة انعدام الميزانية. في يوم 14-12-2013 جاء مدير المخازن باستمارة شراء موقعة من النائب يريد مني ختمها. قلت لايوجد ورق تصوير وأريد توثيقها وأرشفتها. قال اختم بس وأنا سأعطيك صورة في وقت لاحق، فرفضت. ذهب للنائب -وهو د-سلطان إبراهيم مقبولي. قال له الشميري رفض الختم بسبب الورق. اتصل النائب تلفونيا لأنه كان خارج المكتب. قال اختم بالأمر مالك دخل. قلت عفوا هذا شغلي وواجبي. هددني. قلت والله لن أختم حتى أوثّق كل شيء . طبعا اتصل للمدير العام، قال له المدير :شوف شغلك مع الشميري وكأني لاأعلم . حوّلني النائب للتحقيق. قلت كلامي بماحصل وأنني مصمم على رفض أي ختم إلا بورق. اتصلت الساعة الثانية ظهرا لحظة خروجي من العمل للمدير لأشتكي له. لم يرد. كان يوم أربعاء. الخميس إجازة. السبت لم أذهب. واعتكفت في بيتي. طلب المدير مني الختم. وهكذا بقيت في بيتي. الناس بدأت تسال عني وحين علموا القصة كتب بعضهم في الفيس بوك، في صفحة مكتب الصحة، طلبوا التوضيح ولماذا هذا التعامل معي، لم يرد أحد. رددت أنا ووضحت الأمر وألمحت لبعض التجاوزات. ثارت حفيظة المدير والنواب معا وبدؤوا حملة تشويه ممنهجة ضدّي. فجأة وفي اليوم التالي لموضوع التضامن معي ودون احترام لمشاعري وكرامتي ودون اتصال أو استئذان، أمر المدير بإخراج الكرسي من مكتبي ، وتفاجأت بها جنب البيت في الحارة ،وكان عندي زملاء شهدوا الواقعة . اتصلت للنقابة وقدمت شكوى وطالبت برد اعتبار عن الإهانة ورمي الكرسي، كذلك أبلغت نقيب الأطباء ولم يرد. تواصلوا مع مدير مكتب الصحة. اتصل بي ليلتها، وتعمّدتُ إطلاع الشباب عندي على المكالمة حتى يعرفوا الحوار بيننا. قال بالحرف الواحد: النائب هذا غبي، وليس من حقه التحقيق معك، وأنا بعد العيادة سأمرّ عليك وغدا سأعمل لك القرار. طبعا كانت محاولة فقط لامتصاص غضبي وغضب زملائي. لم يحضر للبيت ليعتذر كما وعد. ولاأصدر القرار. وحين اجتمعوا ذات خميس في بيت نقيب الصيادلة د-خالد سهيل، وطلبوا منه إصدار القرار ورد اعتباري قال ليس لي علاقة بالأمر. د-سلطان هو المعني. اتفقوا معه. بعدها بدأت الحملة ضدي أني مزور. طالبت بكشف نتائج التحقيق على الملأ، لم يحدث شيء. رفض النواب قرار تعييني كما قيل لي لأني خطر على مكتب الصحة وفي حديث مع أحد المقرّبين منه قال المدير حين سُئل متى نصدر للشميري القرار:قال من مات دفنّاه! لكني الحمدلله لم أمت بعد. أنا مقهووووور جدا من زملائي لأنهم ثوّار أطهار يعرفوه ويعرفوا كذبه وخداعه لكنهم أعطوه الفرصة ليعمل كل هذا وفي الأخير رموا بي حرصا على مصلحتهم ومناصبهم، وتركوا كل المخالفات والبلاوي الكبرى بل قاطعوا زيارة مجلسي الذي كان قبلتهم الدائمة،كلّ هذا لأني حرٌّ واضح حدّ إيلامهم! هل كنت غبيا حين قبلت نصيحة الزملاء الثوار وعملت في مكتب الصحة ؟ هل كان عليّ أن أختم على قرارات تعيين مسائية تُلغى الصباح، واستمارات الشراء والبيع وكأن الأمر لا يعنيني عملاً بقاعدة "خربانة خربانة"؟ هل أكفُر بالثورة والشهداء وبالله لأجلهم! ربما صار لزاما عليّ الاقتناع بأني معاق في بلدٍ لايحترم غير الكراسي الهايدروليك!