آخر الاخبار
الأزمة في مصر..الرابح الوحيد مبارك وأنصاره.
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 04 فبراير-شباط 2013 04:45 م

تنامي التوتر في الساحة المصرية والمتمثل في ازدياد حدة الاستقطاب بين السلطة ممثلة برئاسة الجمهورية ومجلس الشورى ذي الأغلبية الإسلامية والمعارضة المدنية التي ينظوي تحت لوائها الاتجاهات القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية ينبئ عن مراحل قادمة ليست أقل قتامة من سابقاتها.

من المؤسف أن معظم عناصر التوتر لا تتعلق بالموقف من ثورة 25 يناير التي أطاحت بأسوأ نظام عرفته مصر منذ قرون خلت فالجميع يتغنى بالثورة ويعلن تمسكه بمبادئها، لكن الاتهامات بين الطرفين تقوم على أساس محاولة الاستيلاء على الثورة والتفرد بها، ففي حين تتمسك جماعة الإخوان المسلمين ومعها أحزاب إسلامية أخرى بنتيجة صندوق الاقتراع، باعتبارها التعبير عن إرادة الشعب، يتهم خصوم السلطة التيار الإسلامي بركوب قطار الثورة واختطافه بمن فيه وتجيير مخرجات الثورة لصالحهم ومن هنا تأتي اتهامات بعض الكتاب والزعماء السياسيين المصريين من قبيل"أخونة الثورة" و"أسلمة السلطة".

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الإخوان المسلمين ومعهم التيار السلفي قد حققوا فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى، وكذا في الانتخابات الرئاسية، لكن من الواجب الإقرار بأن أغلبية ما بعد الثورة (أي ثورة) وفي أول انتخابات لها لا يمكن أن تشكل الفرز الحقيقي لميزان القوى ليس فقط لأن الفائز والمعارض   لم يختبرا بعض ولم يختبرهما الشعب بعد، ولكن لأن مهمات ما بعد الثورة هي أكثر تعقيدا من أن يتصدى لها طرف سياسي وحيد دون الاستعانة ببقية الشركاء السياسيين، ولأنها تحكم على جزء، وجزء عريض من معارضة الأمس أن يتحول إلى معارضة من جديد وتنقل كل مساوئ النظام السابق (التي ما تزال حاضرة وتتناسل تماما كما كانت قبل الثورة) تنقل هذه المساوئ إلى ميزان الحاكم الجديد الذي مهما كانت عيوبه لا يمكن مقارنته بنظام ما قبل الثورة، ونقطة أخرى هي إن تفرد طرف سياسي وحده بالسلطة (حتى وإن كان صاحب أغلبية عددية) يجعل الكثير من أهالي الشهداء وضحايا عنف السلطة السابقة يشعرون بأن تضحياتهم لم تنتج أي ثمرة سياسية تعبر عن تطلعاتهم وطموحاتهم وتوجهاتهم السياسية، . . . .ربما كان على الرئيس مرسي أن يختار رئيسا للوزراء من بين منافسيه المعارضين السابقين، أو تشكيل حكومة تكنوقراط على برنامج تحالفي عريض وليس بالضرورة على برنامج حزب الحرية والعدالة، حتى تحقق الجبهة الداخلية مزيدا من المتانة والتماسك لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تقف أمام مصر والمصريين، لكن يبدو أن نشوة الفوز بالأغلبية قد أنست الإخوان المسلمين أن معارضيهم هم الثوار الذين أسقطوا مبارك وبالتالي فطالما قبلوا الانفراد بالسلطة كان عليهم الاستعداد لمواجهة غير محسوبة النتائج مع حلفاء الأمس الذين لهم من الأنصار من العدد ما لا يمكن الاستهانه به وبتأثيره على الحياة السياسية المصرية.

من سخرية القدر أن الضحايا ما بعد سقوط مبارك هم أكثر من الذين سقطوا من أجل إسقاط مبارك، وهذا بطبيعة الحال ليس مسئولية حزب الحرية والعدالة لكن الغريب في الأمر أن هذه الدماء وتلك الأرواح قد تحولت إلى وسيلة للمكايدات السياسية، فلا السلطة حققت في ملابسات عمليات القتل وحاسبت المتسببين بها ولا المعارضة أدانتها وتبرأت من مرتكبيها سوى الاكتفاء باتهام السلطة بالوقوف ورائها رغم أن العديد من الضحايا كانوا من رجال الأمن وبعض المحسوبين على الحزب الحاكم.

عندما وجه الرئيس مرسي دعوته لجلسة حوار لجميع القوى السياسية لم يقل على ماذا سيكون الحوار، ولو أنه أعلن أن الموضوع الرئيسي سيكون الحوار حول تشكيل حكومة وحدة وطنية لاستجاب المعارضون ، أو وضعوا أنفسهم في عزلة، لكنه بخل حتى بهذا التنازل عن حق (الأغلبية)، والأكثر من هذا أن رئيس الوزراء ما يزال يهدد ويتوعد بالحزم والشدة حتى بعد الحادثة التي تناقلتها القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والمتمثلة في الاعتداء على أحد المواطنين من قبل رجال الشرطة، وهي الحادثة التي كان على الرئيس مرسي أن يقيل بسببها وزير الداخلية، إن لم يقل الحكومة كاملة، وبالمقابل فإن المعارضة قد أبدت موقفا مضطربا فمن ناحية رفضت رفضا قاطعا الاستجابة لدعوة الحوار التي وجهها الرئيس مرسي لكنها بعد يومين ومن خلال د البرادعي وجهت دعوة للحوار بين كل القوى السياسية.

من الواضح أن ثقافة الاختلاف والتنافس لم تتوطن بعد لدى القوى السياسية المصرية فالحاكم يتصور أن فوزه بالأغلبية قد أعطاه تفويضا نهائيا بالتصرف في مصر ومستقبلها، وليس أدل على ذلك من الموقف من لجنة إعداد الدستور التي لم تعبر في تشكيلها وفي طريقة إعدادها للدستور إلا عن حجم القوى الفائزة في الانتخابات وليس عن توافق كل قوى السياسية المعبرة عن كل الشعب، وقد كان بالإمكان تشكيل لجنة من عشرات الأفراد من أساتذة القانون في الجامعات المصرية وهم كثر، لكن إصرار الأغلبية على هذه الطريقة عبر عن الرغبة في إعداد دستور للأغلبية وليس لكل الشعب.

المعارضة المصرية من جانبها ما تزال تمارس مع مرسي وحكومته ما كانت تمارسه مع مبارك وأركان حكمه ووصل الأمر إلى المطالبة بإسقاط مرسي ومحاكمته، متناسين أنه منتخب بأغلبية الشعب المصري في انتخابات لا يمكن التشكيك في نزاهتها، وبدلا من القلق على مستقبل مصر والذهاب إلى حوار جاد لإنقاذ مصر من الإنهيار تسعى المعارضة إلى إثبات فشل حكومة الإخوان المسلمين وحلفائهم بأية وسيلة من الوسائل.

في الطرف الآخر لا يمكن إغفال الدور الذي يمكن أن يلعبه من يطلق عليهم الفلول من خلال استغلال هذه الأجواء المضطربة لتوسيع الشرخ المجتمعي والقيام بأعمال شغب تربك الحاكم من ناحية وتسيء إلى المعارضة من ناحية أخرى.

ستظل الأزمة المصرية قائمة ما لم يتم التغلب على ثقافة اتهام الآخر والنظر إليه على إنه عدو يجب التخلص منه سواء كان الآخر هو السلطة أو المعارضة، وستستمر الأزمة طويلا ما لم يتدارك العقلا أسباب نشوئها، بل إن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية كارثية، وهو ما يحتم ضرورة التوافق على العديد من القضايا الرئيسية وأهمها:

•تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تسيير أعمال تعد الساحة للانتخابات البرلمانية القادمة.

•سرعة التعجيل بالتوافق على تعديل المواد الدستورية المختلف بشأنها لجعل الدستور دستورا لكل الشعب المصري وليس دستورا للأغلبية.

•تحريم اللجوء إلى العنف من أي طرف كان، وتجريم استخدام القوة في حل الخلافات السياسية وتمكين القضاء من القيام بدوره المستقل والحيادي إزاء جميع القوى السياسية.

استمرار الأزمة في مصر لا يعبر إلا عن ضعف الخبرة السياسية للقوى السياسية المصرية سلطة ومعارضة فلا الحاكم أجاد الحكم بإتقان ولا المعارض أتقن معارضته بما يخدم مصالح كل الشعب المصري.، وهو (أي استمرار الأزمة) قبل هذا وبعده يمثل مصدر بشارة وسرور لأنصار نظام مبارك ، وللحكام العرب الذين يتشفون وهم يتابعون المصاعب التي تمر بها بلدان الربيع العربي ويعتبرونها دليلا على إن الثورات العربية كانت خطأ تاريخيا يجب تصحيحه وإن بقاء الأنظمة الاستبدادية والقمعية الفاسدة هو الصواب الذي ينبغي التمسك به والحفاظ عليه، متناسين أن الانتقال من الدكتاتورية والاستبداد إلى الحرية والديمقراطية له الكثير من المخاطر التي تهدد في ما تهدد الديمقراطية والحرية نفسها إذا لم يتم التصدي لها بإتقان، فالنصر على الخصم لا يكفي بل يجب إتقان الحفاظ عليه وتسخيره لمجابهة التحديات القادمة وهي أكبر من مجرد إسقاط النظام الفاسد.

برقيات:

*الحملة التكفيرية الشعواء الموجهة ضد الناشطة السياسية والكاتبة الصحفية سامية الأغبري لا تعبر عن تفوق أصحابها أو غيرتهم على الدين الإسلامي الحنيف الذين هم منه براء والذي يفهمونه على إنه سلعة يحتكرونها وحدهم، لكنه يدل على استمرار العقلية الإرهابية ونزعة تصفية الآخر عندما يبدأ الاقتراب من الحقيقة التي تكشف عن جوهرهم وتعري تجارتهم البائرة، ستبقى سامية قوية شامخة، كما عرفناها وسيتوارى تجار التكفير وسماسرة التشهير كما توارى أسلافهم.

*قال الشاعر العربي الفلسطيني توفيق زياد:

على مهلي!! على مهلي!!

أشد الضوء.. خيطاً ريقاً من ظلمة الليلِ

وأرعى مشتل الأحلام عند منابع السيلِ

وأمسح دمع أحبابي بمنديلٍ من الفلِ

وأغرس أنضر الواحات وسط حرائق الرملِ

وأبني للصعاليك الحياة من الشذا والخير والعدلِ