آخر الاخبار
متى ينتقل اليمنيون إلى المستقبل؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 05 سبتمبر-أيلول 2012 04:15 م

ما يزال جزءا كبيرا من الخطاب السياسي اليمني يعيدنا إلى الماضي ويستحضره لنا كلما أدرك بعض الساسة أنهم فاشلون في عيش الحاضر والتوجه صوب المستقبل، وتلك ربما تأتي كتعبير عن التعويض عن الفشل الذي يعيشه اليمنيون منذ ما يقارب ثلثي قرن من الثورات وما يقارب قرن من محاولات بناء الدولة اليمنية المستقلة.

لست متحمسا كثيرا لاستمرار التذرع بالنظام السابق وشتمه ومقارعته على الدوام، ونحن نتحدث عن أحلام اليمنيين في الانتقال إلى اليمن الجديد المنشود من قبل الغالبية العظمى ، وإن كنت أتفهم أن النظام المخلوع لم يخلع بعد والنظام الجديد لم يؤسس بعد وهو للأسف ما يجعل كل فريق من طرفي الحكم يعلق فشله على الآخر حتى وإن كان (هذا الفريق) أو جزءا منه ما يزال يساهم في التوتر ونشر التسيب والانفلات، والاحتفاظ بعيوب النظام السابق كاملة أن لم يضف إليها ما أنتجتها سياسات الانتقام والتمييع والمماحكة واستغلال الشراكة في تعطيل أنشطة الآخرين، . . .أقول هذا مع يقيني أن الرئيس الانتقالي وممثلي المشترك وشركائه في الحكومة وجزء من الشريك الآخر يتمتعون برغبة كاملة في الانتقال إلى وضع جديد مختلف عن سابقه، لكن الخلل الذي خلقته المبادرة الخليجية سيظل يجر تبعاته السلبية على إمكانية الانتقال السلمي للسلطة من حالة الاضطراب إلى حالة الاستقرار للتوجه صوب المهمات الجديدة الأكبر أهمية والأشد تعقيدا والأكثر مصيرية، . . .المبادرة التي حملت داخلها عناصر فشلها من خلال بند حكومة المشاركة بين غريمي الحياة السياسية، وبند الحصانة الذي أطلق أيدي الجناة لممارسة المزيد من هواياتهم المفضلة في العبث بالوضع وتعطيل كل شيء لإثبات فشل الآخرين حتى وإن كانوا هم (أي الجناة المحصنين) مشاركين في الفشل أو هم السبب الرئيسي فيه.

لا يمكن الاستمرار بالتغني بالماضي أو التباكي عليه، وسيكون من مصلحة المعارضين لنظام على عبد الله صالح أن يحزموا أمرهم بالاتجاه إلى ما سيأتي به الجديد والتبشير بمستقبل مختلف عن نظام صالح والعمل من أجله، وستكون أكبر شتيمة له ولنظامه وأشد انتقام منهما وأعلى إدانة لهما هي إثبات أفضليات مشروع الثورة، ولن يتحقق ذلك إلا بالإتيان بإنجازات جديدة تؤكد هذه الأفضليات، . . .سيقول قائل أن وجود نصف الحكومة بيد ممثلي الرئيس السابق يعيق إمكانية الانتقال إلى مرحلة البناء لأسس الوضع الجديد، وهذا صحيح، لكن هذا لا يمنع الرئيس الجديد ورئيس الحكومة وبقية الوزراء الذين يمثلون الوجه الجديد مسنودين بشباب الثورة وبالإرادة الشعبية العامة التي حظي بها رئيس الجمهورية من أن يكشفوا من يعرقل الانتقال إلى المستقبل وأن يفضحوه أمام الرأي العام المحلي والشركاء الإقليميين والدوليين.

كما لا يحق لعلي عبد الله صالح التغني بالماضي الذي مهما كانت له من حسنات كما يعتقدون، فإن الشعب قد رفضه لأنه لم يجد فيه ما يعبر عن طموحه وهو ما دفع الشعب إلى الثورة التي دشنها الحراك السلمي في الجنوب منذ العام 2007م وامتدت لتشمل كل اليمن في العام 2011م، كما لا يحق للرئيس السابق وأنصاره عرقلة عمل الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق، فقط وفقط لإثبات أنهم (أي الرئيس السابق وأنصاره) كانوا أفضل لأن مثل هذا السلوك سيؤكد ما يتهمهم به خصومهم على إنهم مجرد عصابات لا تنجح إلا في عرقلة عمل الآخرين

اليمنيون لا يبحثون عمن يشتم الآخر بشكل أقوى، ولا من يستعرض عيوب الآخر بشكل أوضح، فهم قد راكموا من الذكاء والخبرة ما يمكنهم من التمييز بين الحقيقة والزيف، وبين الصدق والرياء، وبين الحق والباطل لذلك فلم يتبق في صف هذا الطرف السياسي أو ذاك إلا من يقتنع قناعة تامة عن رضا أو بفعل مصلحة تربطه بالطرف الذي يؤيده، وليس تحت تأثير الدعاية أو بفعل الضغط والترهيب، لكن ما يجعل الآخرين يغيرون مواقفهم هو ما يقدمه هذا الطرف أو ذاك من منجزات وما يحصلون عليه من مصالح مشروعة ومستديمة وشاملة من هذه السياسة أو تلك.

من المؤكد أن طرفا سياسيا وحيدا لا يستطيع الانتقال إلى المستقبل بمفرده إذا ما أصر الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى على البقاء في الماضي ( مدحا أو قدحا رفضا أو تمسكا) وفي وضع مثل اليمن حيث يتقاسم إدارة البلد طرفان لم ينفكا بعد من أسر التصارع على القضايا المختلفة منها ما هو مشروع، ومنها ما تكمن وراءه مصالح فئوية أو جهوية أو شخصية، في وضع كهذا لن يستطيع السياسيون مغادرة الماضي إلا بإرادة سياسية جديدة مشتركة تنتمي لتطلعات الناس وتقرأ آمالهم وتحاول الاستجابة لها بعيدا عن سياسة (المناجمات) والمناكفات التي تقدم من الفشل أكثر مما تقدم من الحلول للمصاعب والآلام التي يعاني منها الناس.

الانتقال إلى المستقبل يستدعي التعامل مع حياة الناس ومتطلباتهم بعقلية جديدة، وبطموح جديد وبفكر جديد عن المستقبل، ومغادرة أزمنة الرهان على فشل الآخرين أو اقتناص عيوبهم للتشهير والمماحكة بدلا من تقديم الحلول والمعالجات، وبمعنى آخر أن هذا الانتقال يتم من خلال تقديم الأفضل والرهان على إرادة الناس ورضاهم ومؤازرتهم وهذا لا يأتي بمجرد الخطابة وأحاديث الاسترضاء والاستعطاف، ولكن بمعالجة مشاكل الناس وتقديم الحلول المبتكرة لها وأولها قضايا الفقر والبطالة والجوع وتردي الخدمات وغياب الأمن وتراجع العدل وانهيار التعليم وهذه كلها بحاجة إلى ثورة في الفكر والسلوك، يمكن لليمنيين خوض مغامراتها ببعض الجهد والمثابرة والصدق، وإلا فسيظل الماضي يلاحقنا حتى وإن ادعينا انتماءنا للحاضر وطموحنا للمستقبل.

برقيات

*ما تعرضت له مسيرة جبهة إنقاذ الثورة في عدن وفي مقدمة المشاركين فيها النائب البرلماني القاضي أحمد سيف حاشد، عمل هابط لا يليق بالحراك السلمي الجنوبي ونهجه وقضيته، ولأننا لا يمكن أن نتهم الحراك بالوقوف وراء هذا العمل فإن المنتظر من هيئات الحراك أن تباشر التقصي وأن تعلن ملابسات الحادثة وتعرية من يقف وراءها.

*لا يكفي أن تكون قضيتك عادلة لينتصر لك الناس ويتبنون مطالبك، بل يتحتم عليك أن تحرص على تقديمها للناس بالوسائل العادلة والسامية وإلا فأنت ستتحول إلى محامي فاشل يدافع عن قضية عادلة، وسينفض من حولها كل من يؤمن بعدالتها، بسبب سوء تقديمها وفشل مقدميها.

* قال الشاعر الأندلسي صفي الدين الحلي:

لا يمتطي المجدَ من لم يركبِ الخطرا، ولا يــــــــــنالُ العلى من قدمَ الحذرا

ومن أرادَ الــــــــــعلى عفواً بلا تعبٍ،   قضَى، ولم يَـقضِ من إدراكِها وطرا

لابدّ للــــــشهدِ من نـــــحلٍ يمـــــنِّعهُ،      لا يجتني النفعَ من لم يحملِ الضررا

وأحزَمُ الـــــنّاسِ مَن لو ماتَ مِنْ ظَمإٍ،    لا يَـــقرَبُ الوِردَ حتى يَعرِفَ الصَّدَرَا

وأغزَرُ الـــــــنّاسِ عَقلاً مَن إذا نظَرَتْ   عـيــناهُ أمــراً غـــدا بالغـــــيرِ معتبرا