عدن مدينة منكوبة
بقلم/ سارة عبدالله حسن
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
السبت 18 أغسطس-آب 2012 10:01 م

إن أردتم أن تقضوا إجازتكم في مدينة جميلة فلا تذهبوا الى هناك ... الى عدن ... فهذه المدينة الجميلة الساحرة لم يعد يحتمل العيش فيها هذه الأيام إلا أهلها الطيبين الصابرين ... اعتبروها منطقة محظورة .. منطقة محاطة بحزام خاص يميزها عن المدن التي تلقى عناية فائقة من حكوماتها و هو ليس حزاماً أخضر كما هو متعارف و لا حتى أسود ... بل هو حزام ناسف و حسب ..كالذي تعودنا أن يفجر به الإرهابيون هناك حياتهم و حياتنا

دعا البرلماني إنصاف مايو الى إعلانها مدينة منكوبة و سبقه أخي العزيز الصحفي عاد نعمان في وصف أدق فسماها مدينة منهوبة .... و هي كل هذا و أكثر !!!

نكذب أعيننا و نقول لا ... ان ما يحدث في عدن مجرد صدفة ... مجرد معاناة و ان زاد حجمها ... الا أنها معاناة مشتركة بين جميع المحافظات ...

و كلما صرخ واحد من عدن او غيرها و قال أن عدن تعاني ... عدن تقاسي .. انبرى آخرون له بالقول ( كل اليمن تعاني ) و كأن قولهم هذا هو الحل أو كأنه المبرر لنكتم ألمنا و معاناتنا و كوارثنا في عدن

و كل هؤلاء الآخرون للأسف هم بعض إخواننا في المحافظات الشمالية - أكرر و أقول البعض – الذي بدلاً من ان يقفوا معنا في معاناتنا و يحاولوا ان يجدوا حلاً ... يجهزون التهمة المعتادة - وصمة العار في نظرهم - و يرموك بالانفصال حتى لو كنت وحدوياً حتى النخاع ، و كأن جملة عدن تعاني .. أو الجنوب يريد أو يتطلع ... او حتى كلمة الجنوب و كفى ... جريمة لا تغتفر !

نعم نعترف و ندرك أن كل اليمن تعاني مدينة مدينة و قرية قرية و شارع شارع شمالاً و جنوباً شرقاً و غرباً... لكن لدي سؤال بسيط ... هل معاناة أهلنا في صنعاء مثلاً من انقطاع الكهرباء هي نفس معاناة أهلنا في عدن و هل الأوبئة التي ستنتج عن عدم رفع القمامة من شوارع عدن و جميع المناطق الحارة ستكون بحجم الأوبئة أو بقوة انتشارها ان كانت في مناطق غير حارة علماً ان ما تعانيه صنعاء و غيرها من مشكلة انتشار القمامة في الشوارع من حين لآخر ليس حتى بحجم نصف ما تعانيه عدن !

عندما ذهب مجلس الوزراء ليعقد إحدى جلساته في عدن تمنيت يومها لو يجربوا شيئاً بسيطاً مما يعانيه سكانها و يحاولوا النوم بضع ساعات دون كهرباء بل على أقل تقدير دون تشغيل مكيفات الهواء مكتفين بالمرواح التي يعيش عليها كثير من سكان عدن ... و تمنيت ان ينهضوا من نومهم بعدها ( هذا ان ناموا أصلاً و هو امر شبه مستحيل في جو عدن و الكهرباء منقطعة ) ليتناقشوا و هم في عز الحر كيف يمكن أن تحل مشكلة الكهرباء في عدن و كل المناطق الحارة لعل اجتماعهم هذا في ظل انقطاع الكهرباء سيجعل ضمائرهم تزداد نشاطا فتتفتق دهنياتهم عن حلول عملية و حقيقية لهذه المعضلة الجبارة و يدركون عندها أنها من أولويات مسؤولياتهم .

لكنهم من غرفهم المريحة ذات التكييف المتواصل من مولدات كهربائية لا تتوقف ، أقروا ضرورة حل مشكلة الكهرباء في عدن بتزويدها بطاقة إضافية قدرها 60 ميجاوات

و بدوا يومها كأنهم قد قدموا أعظم انجاز لعدن و للقضية الجنوبية كلها ، و في حين سخر البعض من ان توفير الكهرباء لعدن فقط لن يحل القضية الجنوبية ... تساءل كثير من سكان عدن أين هي حتى هذه الكهرباء ...أين هي هذه الميجاوات الإضافية التي ذهبت وعود الحكومة بها أدراج الرياح ... بل و حتى الكهرباء التي كانت متوفرة تناقصت أكثر و كأنها غادرت معهم فور مغادرتهم عدن ... فهل يذكرني احد ... هل وعد مجلس الوزراء بتزويد محافظة عدن بطاقة إضافية قدرها 60 ميجاوات أم وعد باستقطاعها منها ...فزاد الطين بلة و الهواء نار ؟؟؟

لكن المشكلة في عدن ليست كهرباء مقطوعة و قمامة منتشرة فحسب مع ان ذلك كاف لإعلانها مدينة منكوبة ، لكن أشياء كثيرة تحدث هنا في عدن في الخفاء والعلن تؤكد ان معاناتها تختلف و ان التعاطي مع عدن يجب أن يكون تعاطياً خاصاً دون أن نستثني أهمية ان تحل مشاكل اليمن كلها محافظة محافظة ... شارع شارع ... دار دار ...

ففي حين قلعت كثير من مخالب و ريش بل و رأس الرئيس السابق نفسه في صنعاء – رغم احتفاظه حتى اللحظة بحجم كبير من قواته فيها – لا يزال يسرح و يمرح بقواته القليلة في عدن دون رقيب و حسيب ، هذا اذا فرضنا انه وحده عبر قوات الأمن المركزي و الأمن القومي ...الخ و غيرها من القوات التابعة لعائلته ، وراء مذابح المنصورة و العبوات الناسفة و اعتقالات الناشطين في عدن و أخيراً و ليس أخراً اعتقال الحسني و مرافقيه في مطار عدن .

فإذا كان المشترك بريئاً من جرائم المقلوع براءة الذئب من دم يوسف لماذا إذا أراد أن يتحمل مسؤولية محافظة جعلها المخلوع واحدة من قنابله الموقوتة التي وعدنا بها ؟! ما الذي قدمه محافظ المشترك لعدن منذ تعيينه و من ذا الذي ينكر انه عندما قامت ثورتنا العظيمة قام المخلوع بمعاقبة كل المحافظات بقطع الكهرباء و المشتقات النفطية و بالانفلات الأمني و لم يفعل ذلك بصورة ملحوظة في عدن لغرض في نفسه ، في حين انه منذ ان عين المحافظ الجديد ساء الوضع فيها كثيراً و صارت اليد الطولى للمقلوع هناك تعمل بشراسة أكثر ، ألم يفهم أحزاب اللقاء المشترك حتى اللحظة إنهم وقعوا في ورطة كبيرة عندما تحملوا مسؤولية محافظات و وزارات لا يستطيعون السيطرة عليها و أن المخلوع أوقعهم في هذه المصيدة التي لا يحسدون عليها لكي يقول للشعب ((هيا انظروا ... ألم أقل لكم ان المعارضة شريكتي في الفساد و الفشل )) بل و يريد ان يقول اكثر (( ألم أكن أفضل منهم بدليل ان حال البلد كان أفضل مما هو عليه الان )).

يعي البعض منا أن هذا غير صحيح ، لكن المواطن البسيط لا يعي ذلك ؛ لا يعي أن السبب الرئيسي في فشل المشترك الآن في حل كثير من المشاكل هي العراقيل التي يضعها أمامهم المقلوع و أذناب نظامه الذي لم يسقط بعد ، لذا فان قبول المشترك الاستمرار في هذه الشراكة سيحملهم مسؤولية جميع الأخطاء بل و سيضعهم موضع النظام الذي ثرنا ضده و على المشترك الآن أن يخرج نفسه من هذه الورطة ، فان لم يستطع أن يعترف بفشله و ينسحب من هذه الشراكة بشرف و أراد أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في إنقاذ البلاد حتى اخر المشوار فعليه إذا أن يكون حازماً و حاسماً و ان يعالج نفسه من فوبيا ( فزاعة الإقصاء ) التي يخيفه بها أذناب نظام المقلوع ، فطالما و المشترك يقود وزارات ينخر فيها سوس أذناب نظام المقلوع ، و طالما المشترك يدير محافظات لا زالت أجهزتها الأمنية بيد المخلوع لن يستطع أن يزيل أي فساد أو يتقدم أي خطوة للأمام .

لابد من إزالة الفساد من كل شبر في هذا البلد دون أن نضع نصب أعيننا اننا بذلك نمارس سياسة اقصائية ، فالإقصاء هنا هو للفساد لا لأشخاص بعينهم ، و بعيداً عن العراقيل التي يضعها المقلوع لكي لا ينجح المشترك في حل مشاكل عدن و غيرها ، يجب أن يعترف المشترك أيضاً بخطئه في اختيار شخصيات غير صالحه تمثله سواء كوزراء أو كمحافظين و بعضها كان شريكاً في ما مضى في فساد نظام المقلوع بطريقة أو بأخرى ، و هنا حيث تزر وازرة وزر أخرى يتحمل المشترك أخطاء و فشل مسئوليهم ، و من الجيد انه أعلن مؤخراً عن عزمه تغيير بعض هؤلاء و نأمل أن يتم ذلك قريباً كما نأمل ان لا يخطئوا فيغيروا الجيدين منهم و يبقوا على الذين أثبتوا فشلهم بشكل ذريع .

  و ختاماً كنا نتمنى لو أن أحزاب اللقاء المشترك و تحديداً الحزب الاشتراكي اليمني الذي وضع عدة نقاط كمقترحات لحل القضية الجنوبية ، أن يلح منذ اللحظة على تنفيذ بعضها عملياً حتى يستكمل الحوار أو العمل على تنفيذ بقيتها ، ففي خضم هذه المليارات التي تصرف هنا و هناك و المساعدات التي تأتينا و ستأتينا من الخارج ... هلا تذكرتم المتقاعدين و الموظفين الذين سرحهم نظام المخلوع من أعمالهم في الجنوب ، ألم تستطيعوا مثلاً إقناع داعمي مبادرتكم الخليجية أن يدعموكم بما يكفي لتعويضهم تأكيداً لنصرتكم للقضية الجنوبية بعيداً عن الشعارات و الخطب الرنانة حول الوحدة و الجنوب و أهله .

دعونا من السياسة جانباً ، فقط نريدكم أن توفروا لليمن كلها و لعدن خصوصاً ( لخصوصية معاناتها و وضعها السياسي الحساس ) الخدمات الأساسية و تعيدوا المتقاعدين و المسرحين الى أعمالهم و تعويضهم ، أعيدوا أراضي عدن المنهوبة و أبدأوا برفع أيادي بعض شركائكم عنها ، و أوقفوا النهب و البناء العشوائي المستمر فيها ، و اتركوا أهالي عدن يعبرون عن آرائهم و سخطهم كيفما شاؤا و بطرقهم السلمية المعتادة و ذلك دون ان تكتموا صوتهم برصاص قناص ...ثم بعد ذلك ...بعد ذلك .... ناقشونا في قضيتنا الجنوبية .