ضرورات هيكلة الجيش
بقلم/ د/ غمدان احمد الطاهش
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الخميس 16 أغسطس-آب 2012 12:00 ص

إن ماجاء في المبادرة الخليجية مضمونا ونصا يتوافق روحا وعقلا مع تطلعات الشعب وثورته الذي خرج فيها على نظام فاشل شرع الفساد ومنهجه ومارسه داخل الدولة والمجتمع, حتى أصبحت طموحات وسلوكيات الفرد مدفوعة وموجهة بثقافة الفساد , ثار الشعب بهدف خلق دولة مدنية مستقبلية تضمن له العدل والمساواة والتكافؤ والحرية الفكرية والأمن والعيش الكريم.

إعادة هيكلة الجيش والحوار الوطني كمنظومة كما جاء في المبادرة الخليجية خطوات عملية قٌدمت إلينا كمشروعين وطنيين في طريق بناء الدولة المدنية التى هتفنا بها وماتت أصواتنا بمناجاتها. بدون تلك النقطتين كنا ومازلنا متخبطين تحت شعار الدولة المدنية التي لانعرف ولاندرك بثقافتنا البسيطة ماذا نعمل لكي نصل إليها.

إن إعادة هيكلة الجيش بهدف بناء جيش وطني قوي على أسس علمية حديثة مهم وصولاً لدولة مدنية, علما أن الهيكلة إذا لم تصب في بوتقة الدولة المدنية فاني أؤكد ان الثورة افُرغت من مضمونها وستكون خلاصتها نظام فاسد بأوجه جديدة. إليكم إعادة الهيكلة وصولا لدولة مدنية كما أرى:

أولويات إعادة هيكلة الجيش :

استبعاد مؤسسى وأركان النظام السابق وأقاربهم وحلفاءهم من الجيش وضرورة ان يشمل الاستبعاد بالإضافة الى المناهضين للثورة أيضا المواليين للثورة من النظام لتضم القائمة أولاد وإخوة وأقارب على عبدالله صالح وعلى محسن واقاربه وحلفاءه. لان الهدف هو ترحيل منظومة فكر - ليس أشخاص - وحتى يتسنى للمستقبل إحلال فكر منظومة الجيش الوطني الحديث في الدولة المدنية.

انعكاسات إعادة هيكلة الجيش على المجتمع :

إعادة النظر في ماهية و مسؤوليات وأهداف المؤسسة العسكرية في الدولة المدنية:

هنا سوف تتحدد مسؤلية الجيش من تامين الطرق والحفاظ على مقدارات الشعب بما فيها الكهرباء التى تنتهك حرمتها كل يوم من أشخاص متنفذين معروفين بالاسم والمكان, لان ثقافة الجيش وممارسته في التدخل والقبض على المتنفذين داخل قبائلهم لم تكن ضمن أجندة الحماية الوطنية بسبب الحاجز السياسي النفسي الممنهج الذي زرعه النظام السابق والذي شرع أن حدود الدولة تسقط عند أقدام مشائخ القبائل وعندئذ الوصول الى المخربين الذين يضروا باقتصاد الوطن ويعبثوا بأمنه واستقراره ويسببوا الألم والمعاناة للشعب لايمكن الا بموافقة الشيخ ومباركته بعد فرض جمله من الشروط المجحفة الملزمة والمذلة للدولة هذا اذا وافق على تسليمهم.

كذلك سوف تتحدد مسئولية الجيش من القضايا الاجتماعية مثل العرف القبلي لاستجلاب الحقوق الضائعة لأبناء القبيلة عن طريق قطع الطريق والذي بمشروعيته تنتهك الحريات والحرمات ويذوق المسافرون ألوان من الإذلال النفسي والاجتماعي, وعند إستنجادك بالجيش المرابط على الطرقات بان هناك قطاع طرق وتحت تهديد السلاح تم فيه ممارسة الإذلال والاستعلاء عليك, فيرد بكل ثقة ليطمئنك هذا قطاع قبلي لست المستهدف به.

• إعادة تحديد وتوزيع قطاعات المؤسسة العسكرية ومسؤولياتها بما يتناسب مع الاحتياج للدولة المدنية:

هنا سوف تتحدد مساحة انتشار المعسكرات و الثكنات العسكرية داخل المدن وخارجها بحسب المهام والمسؤليات وحسب حاجة البلد . مثلا إعادة النظر بمسؤوليات الشرطة العسكرية كقطاع رقابي حيوي أفرغ من مضمونه ورسالته من قبل النظام لأنه لاينسجم مع رؤيته العامة .

• إعادة النظر في التسليح ونوعيته وكميته بما يتناسب مع احتياجات المؤسسة العسكرية:

سوف يتم التسليح للجيش نوعاً وكماً بواسطة القيادة العسكرية العليا ضمن إستراتيجية علمية مدروسة بما يتناسب مع احتياجات جيش الدولة مستفيد من كل وقائع حروب الماضي. متخلين عن اتفاقية القسمة العائلية المناطقية المتفق عليها عند تأسيس النظام , والتي كان الشركاء كلا على حدة يخطط ويسلح نفسه في حدود حجم الكعكة وزاوية رؤيته للأحداث والتوقعات والمهام التى وضعها لجيشه. علما بان هناك قطاعات مهمة مثل القوات البحرية والدفاع الساحلي من صلب المؤسسة العسكرية للدفاع عن الدولة أهملت عمداً تسليحاً وعدداً وعده لأنها لم تكن ذو أهمية بعقلية المقتسمين المنحدرة من الثقافة القبلية.

• تحديد البنية البشرية والتسليحية والتدريبية للمؤسسة العسكرية:

إعادة النظر في إعداد الجيش الحالي ووصفه الوظيفي ومهامه ومستوى التدريب الذي يتمتع به. وعندئذ لن يتم التجنيد او الالتحاق بأحد قطاعات الجيش إلا بحسب الاحتياج ضمن إستراتيجية علمية مدروسة بما يتناسب مع احتياجات جيش الدولة. متخلين عن اتفاقية القسمة العائلية المناطقية المتفق عليها عند تأسيس النظام والتي كان المقتسمون كلا على حدة يجند في حدود رؤيته وبما يخدم ولاء المنتسبين لشخصه وجيشه.

• إعادة النظر في الهيكلة الإدارية والتنفيذية والتبعية المؤسساتية: مثلا القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب سيحدد موقعها الإداري والتنفيذي والتبعية لمؤسسة الرئاسية أو وزارة الدفاع في إطار الهيكلة.

• حصر عدد الجيش الخلفي وإعادة توزيعه على المعسكرات بحسب الاحتياج و تسريح الفائض وتحويل معاشاتهم الى الضمان الاجتماعي لضمان مكافحة الفقر لأسرهم.

• حصر عدد جيش المرافقين للمشائخ وإعادة توزيعه على المعسكرات بحسب الاحتياج في الدولة المدنية و تسريح الفائض وتحويل معاشاتهم الى الضمان الاجتماعي لضمان مكافحة الفقر لأسرهم.

مخرجات إعادة هيكلة الجيش على المجتمع

• عدم حدوث انقلابات عسكرية على الرئيس المنتخب: لان الرئيس المنتخب لم يأتي الى السلطة مع المنقلبين من قادة الجيش وحلفاءهم كما كان في الأنظمة المتوالية منذ قيام الثورة.

• تحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية: في حال خروج الرئيس الحالي من الرئاسة عبر صناديق الاقتراع فانه سيسلم السلطة بسلاسة وسهولة لان وسائل التشبث والمراوغة لن تكون مخلوقه في وقتها.

• التبعية الوطنية للجيش والحيادية السياسية والفكرية: لان اعتقاد المنتسبين في فضل وجودهم في المؤسسة السكرية يرجع لاحتياج المؤسسة لمؤهلاتهم ومقدراتهم وليس ضمن حصة أشخاص او مناطق.

• الحد من سلطة المشيخ في المجتمع وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية: لان السلطة الممنوحة للمشائخ في ظل التقاسم والمصالح مع النظام السابق سوف تنتهي لان جيش المرافقين الذي يصل أحيانا للآلاف والاستحقاقات الشهرية واليومية التي تصل الى مئات الملايين والسيارات المرافقة والأراضي سوف توقف في فكر الدولة المدنية, وسيعاد تشكيل واستيعاب السلطة السياسية لمشائخ القبائل في إطار أهداف ومهام المجالس المحلية وسيحل محل مهام الشيخ مهام عضو المجلس المحلى و يحدد استمرار الشيخ(عضو المجلس المحلى) في ممارسة مهامه وسلطته داخل القبيلة او المنطقة بفوزه بالانتخابات المزمًنة التنافسية ضمن لوائح المجالس المحلية وبذلك ستتلاشى العنصرية الطبقية وتذوب القبيلة بمكونها السياسي في الدولة

• القضاء على أكثر من 60% من فساد الدولة: لان ميزانية الدولة للمؤسسة العسكرية أكبر ميزانية معتمدة, وإعداد منتسبي المؤسسة العسكرية تمثل أكثر فئة ممثلة في الدولة الحالية.

• ضمان عدم تكرار التقاسم للسلطة على أساس اسري او قبلي او مناطقي : لان الرئيس المنتخب جاء عبر الصناديق والمؤسسة العسكرية تحمي النظام وتحمي الرئيس بحكم موقعه السياسي المؤقت.

• إعادة ثقة المجتمع بالجيش : لان رؤية الجيش للوقائع تحت مظلة الوطن أولا ستكون اشمل وأعمق, وستتحول عقيدته القتالية من حماية الأشخاص او الأحزاب او القبيلة الى حماية ثوابت الوطن ومصالح الشعب. وبالتالي سيخوض اي استحقاق وطني بإيمان وعزيمة ارسخ متجاوزاً أي صفقات او تحالفات شخصية اوقبلية او حزبية مع المخربين.

• تغير فكري مجتمعي ايجابي نحو بناء مجتمع مدني: لان المجتمع سيعيد صياغة ثقافة أبناءه في خلق فرص العيش الكريم عن طريق التعليم والتنافس في ركاب بناء الدولة المدنية ,وسيكون حجم الوظائف على الصعيدين العسكري والمدني متساوي او بحسب الاحتياج الفعلي .لان الباب الذي فتحه النظام على مصراعيه للمجتمع كحتمية لفرص العيش عن طريق الالتحاق بالجيش سيغلق,والذي هدف من وراءه خلق كتلة بشرية ضخمة في الجيش والمجتمع بخلفية تعليمية متدنية او معدومة مهامها التجمهر وحمل السلاح ومرافقة قادتها في جيش الخلفي و المشائخ, وهذا عمل بصورة غير مباشر و ممنهجة على تجهيل المجتمع وزيادة أميته وفقره.