آخر الاخبار
ماذا نريد .. بلى نحن قادرون
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً
الأحد 22 يوليو-تموز 2012 11:43 م

قراءات في النهضة اليمانية

أيها اليمانيون ياأبناء العروبة والإسلام ..يا أصل كل حضارة ونهضة وتاريخ : آن الأوان كي نحدد بجلاء معالم حياتنا القادمة وفق أرقى عوامل النمو الفكري والتقاني الذي بلغته الإنسانية في عصرنا الحاضر،وأن نبدأ من حيث انتهى غيرنا ، وأن نقر لغيرنا ما أنكره علينا، عملاً بمبدأ التراكم في التجارب والخبرات .

علينا أن نكون عصارة لأجمل مافي تاريخ الإنسانية من علوم ومعارف وتكنولوجيا ، وأن نبدأ في خطوات عملية متسارعة كي نمتلك مقومات بلوغ هذه الأهداف .

نريد حياة مدنية وحضارة حداثية وتنمية مستدامة وحكماً رشيداً ونظاماً شوروياً فريداً وحرية فكرية مطلقة ، نريد أن نبني أعظم حضارة أرادها الله جل جلاله على الأرض ،نريد أن نخرج من عبادة الذات إلى شراكة جميع البشر، نريد أن نؤسس دولة لاتناقض فيها بين أخلاق الله وأخلاق العلم خلاف ما يحدث في الحضارة الغربية ، نريد أن نبالغ في محبة الله بمزيد من الحرية والمحبة للآخرين دون تمايز طبقي أو عرقي أو ديني أو حتى تهميش مهما كان نوعه لأي ذكر أو أنثى .

نريد أن نثبت لأنفسنا أننا قادرون على منافسة الجميع في صنع أعظم قوانين الأرض والوجود وأن نصبح محل رضا لساكني الأرض والسماء لأننا – اليمانيين- نؤمن أن شرفنا في محبة الله ربنا في السماء وربنا في الأرض واحد ونحن له عابدون، نريد أن نقول لمن يريد أن يسلب حقنا في التفكير أو يصادر حقنا في الاختيار : كفى !

نريد أن نصنع مختلف العوامل التي تمكننا من أن نكون أفضل خلق الله في نفع خلق الله لأننا نؤمن من صميم قلوبنا بالمساواة والإخاء والعدل والحرية.

فلا شورى وديمقراطية بلا حرية.. ولا تنمية مستدامة بلا عدالة وإنصاف.. ولاتطور ورفاه بلا مسؤولية والتزام.. ولاعلم وعمل إلا بمبادئ الحق والخير والجمال ..ولا حقوق إنسان إلا بعبودية رب الأكوان وإلغاء صنمية سلطان الطاغوت والهوى، نريد أن ننحت بأعمالنا الغاية من كتاب التكوين ، وأن نبلغ بعقولنا وماهيتنا الإنسانية مبالغ الدينونة العظمى .

نريد أن نخرج من هذا الجدل البيزنطي الذي أقحمنا فيه القاصرون من أبنائنا في فهم ديننا كقوة ضاربه ودافعة ومغيرة لليمانيين وغيرهم من إخونهم في البشرية، لينعم الجميع على اختلاف مللهم ومشاربهم بالأمن والسلام والرخاء والعدالة والتنمية والحرية ، نريد ان نمنح الفقراء مجدداً إنسانيتهم التي طحنتها شرذمة من روؤس الأموال والشركات العملاقة والقيادات السياسية المنحرفة بل- المجرمة – نريد ألاننصب المحاكم والمشانق لمن أخطؤوا، ولكن أن نقوم أفكارهم ليصبحوا معنا شركاء في خدمة الإنسان المحب للإنسان ولوجوده البشري المميز على هذه النقطة الضئيلة من الكينونة الربانية.

نريد أن نقدم لأنفسنا مثالاً حياً وصادقاً على إمكانية بل حتمية أن نصير الأقوى في حقول العلم والأخلاق على حد سواء ، وأن نعيد للإنسان توازنه البيئي والطبيعي والنفسي ، وأن نحمي أرضنا كل الأرض والسماء كل السماء من فساد أعمالنا وأفعالنا.

نحن يمانيون، نمتلك نواصي أقدارنا ، ونريد أن نكون كل شيء دفعة واحدة دونما خوف أو مساومة ودونما تنازل عن أشيائنا البسيطة ودونما انفصام بين قرآن يتلى وقرآن يعاش ، نريد أن نرفع أيادي الوصاية الدينية التي يستغلها بعض الأفراد في قمعنا واحتقارنا وتشويه صورة الله في قلوبنا وعقولنا ، وأن نحيل كل هذا إلى مؤسسات اختصاصية يعمل فيها أحب العلماء إلى نفوسنا يتفانون ويتفنون في خدمة ومحبة الله في وجوهنا لافي إرهابنا واستبدادنا .

نريد ان نشعر أن اليمانيين كما قدموا أرواحهم ودماءهم في خدمة البشرية ونشر نور الله في كل أقطاب الأرض بأنهم قادرون أيضا على فعل ذلك في هذه اللحظة عينها وأن يقدموا أجمل مالديهم لإنقاذ البشرية كلها من تخبطها وتراجعها عن حقوق الانسان ومقاصد الحكم الرشيد .

نريد أن نبني إنساناً يمانيا جديداً في كل شيء فعلى قدر الفقر والجهل والظلم والمرض الذي زخرنا فيه على امتداد مئات السنين أن نفعل أعمالاً ونصنع أقداراً في التحول والتغيير تفوق كل ما أجدته البشرية منذ نشأتها .

إننا يمانيون : نبحث عن الحقيقة ونطمح إلى الخروج من شخصنة الأشياء ، ونتوق إلى حكم دولة مدنية عادلة لاتفرق بين فقير وغني ، ولا تمارس أي ضغوط على ذكر وأنثى ولا تدعي الحاكمية على كل صغيرة وكبيرة ولا تتمادى في تقديس الحاكم البشري القاصر لتجعل منه طاغوتاً شيطانياً مدمراً ولا تتوانى في ضرب أي حاكم ظالم حيثما كان وكيفما كان فعله أو قوله قبل أن يستفحل شره أرضننا ويستخف بإرادتنا في عبوديته المقيتة .

نريد مجتمعاً خالياً من الفساد والتمييز الوظيفي وأن يوضع الكادر المناسب في مكانه المناسب ، بعيداً عن التبريرات والإدعاءات والذرائع المفضوحة التي لا تنطلي على حيوان بهيم ، ناهيك أن تقنع إنساناً عاقلاً زكيا .

نريد أن تحترم المؤسسات خصوصياتنا الإنسانية وألا تنتهك محارمنا ليلاً ونهاراً كما تفعل مؤسسات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .

نريد أن ندخل في صراع علمي مفتوح مع جميع شعوب العالم وأن نتحاور بالحجة البالغة مع جميع الأديان ، ولكن بعد تحصين أنفسنا من الداخل وإدراك مقومات نهوضنا وحراكنا الشامل وتحصين قدراتنا وكفاءاتنا بالعلوم العميقة والصحيحة .

نريد أن نعبد الله في ظل حرية تكفلها المؤسسات الحامية للدستور وأن يتم التعامل معنا كأسنان المشط لأن التقوى ليست من اختصاصات هذه المؤسسات فهي حكر على ربنا الملك القدوس ، ولكن ظاهر التقوى هو هدف وغاية الأداء لهذه المؤسسات نحن بحاجة إلى من يعلمنا ماذا نريد وكيف نصنع مانريد ؟

إننا –اليمانيين- أصل كل الحضارات نريد أن نقدم للإنسانية أعظم حضارة عرفها التاريخ البشري ، تكون نسخاً ومرجعاً لكل رقي وفكر وتقدم ، دون تصنع أو ادعاء أو كره أو تهميش ، بل عبر جملة من الإصلاحات والشراكات وخلق دائرة مفتوحة من التنميات المستدامة في شتى القطاعات والمؤسسات وفق قوانين مرعية ودستور نافذ وأنظمة تطبيقية تعيد للتنمية البشرية خصوصيتها وللعقل فاعليته وللنفس مكانها من عمارة الأرض والكون في سفر الدينونة العظيم حتى نندمج مع مقتضى الربانية بلا حجب ، مصدقاً لقوله تعالى:- ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم -

وتحقيقاً للتوجيه النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم :- كلكم لآدم وآدم من تراب لافرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح-

واعتزازاً بقولة الفاروق رضي الله عنه : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً .

إن الإسلام منهج شمولي يقوم على مبدأ الوحدة بين البشر وحرية الاعتقاد وحتمية التنافس في العلوم الإنسانية والصحيحة لسيادة الأرض واستعمارها وفق قاعدة الأمانة والخلافة والرسالة السماوية الموحدة .

*أستاذ علم اللسانيات بكلية اللغات جامعة صنعاء

*مندوب اليمن المساعد بمنظمة اليونسكو