آخر الاخبار
القضية الجنوبية .. حقائق وأرقام 3 - 5
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 29 يوماً
الأحد 22 يوليو-تموز 2012 12:24 ص

تمثل القضية الجنوبية حجر الزاوية في نشاط كثير من القوى السياسية والأنظمة المختلفة ، ليس على المستوى الوطني والإقليمي فحسب ، ولكن على المستوى الدولي أيضاً ، إلاّ أن النظر إلى جوهرها ومنطلقاتها الأساسية يختلف من جهة لأخرى ، وهذا الاختلاف مبني على كثرة الجوانب التي تظهر بها هذه القضية بين الحين والآخر من جهة ، ومن حيث تعدد الأشخاص والتيارات الحاملة لها من جهة ثانية ، ومع هذا كله فإن القضية لا تخرج عن كونها قضية حقوق فردية خاصة في حدها الأدنى ، أو أن تكون حقوق جماهيرية عامة في حدها الأعلى ، أو ربما مزيج من هذا وذاك وهو الأغلب والأعم.

وعلى هذا الأساس وجب علينا أن نعيد إلى الأذهان كل ما يتردد من المفردات الكلامية التي تندرج في إطار الحديث عن هذه القضية لكي يتسنّى لنا الغوص في أعماق المشكلة من خلال العودة بها إلى جذورها التاريخية وبالتالي بيان حجم الأضرار التي نجمت عنها ومن ثم الانطلاق إلى آفاق واسعة لوضع المعالجات الصائبة وفق رؤية وطنية شاملة تضمن لكل ذي حقٍ حقه وبما يضمن عدم العودة إلى الوراء بعد أن وصلنا إلى القمة العالية والتي دفعنا في سبيل الوصول إليها تضحيات جسيمة لا يستهان بها ومن هذه المفردات : الإقصاء والتهميش والضم والإلحاق ونهب الأراضي ونهب المساكن والمواطنة غير المتساوية والاحتلال والتقاعد القسري والطرد والإبعاد ... الخ .

وإذا كان لمستخدمي هذه المفردات ما يبرر لهم استخدامها كوسائل وحجج يعتمدون عليها لإثبات حقهم في طلب الانفصال أو فك الارتباط أو التمسك بمبدأ حق تقرير المصير والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م كما يقولون ، فإن هناك من مورست ضدهم هذه الوسائل ذاتها خلال العقود الماضية من عهد الثورة والجمهورية ، وبات من حقهم التمسك بما تحقق لهم من إنجازات وحدوية باعتبارهم طرف أساسي يجب أن تؤخذ وجهة نظرهم بعين الاعتبار.

وبالاستناد إلى معايشتنا لفترة طويلة من عمر هذه القضية وعلى ما حفظته ذاكرة الوثائق عن تلك الفترة ، سوف نقدم بعض الشواهد على عمق المشكلة وامتدادها على مدى زمن طويل وعبر سلسلة من الصراعات والأحداث التي شهدها الشطر الجنوبي من الوطن ، وذلك من خلال نصوص منقولة كما جاءت عن مصادرها ومعبرة تعبيراً صحيحاً عن ذاتها وفق منطقها المطابق لواقع حدوثها ، ونعتذر سلفاً لكل الجهات والأفراد على السواء ، فليس غرضنا الإساءة أو التشهير إطلاقاً ، ولكن الغرض هو توضيح الحقائق وسرد الوقائع المتعلقة بموضوعنا هذا ، وسنبتعد عن ذكر الأسماء بقدر المستطاع ـــ وإن كان في ذكرها فوائد كبيرة ــــ ولن نذكرها على الإطلاق إلاّ ما تحتم ضرورة السياق ذكره ، لأن شاهدنا هنا الأحداث بمجملها وليس الأشخاص ، ولكي تسهل عملية الإعداد والمتابعة سوف يكون النشر على شكل حلقات متتالية وهذه هي الحلقة الثالثة تحت عنوان :

(صراع التيار الواحد)

لقد مثلت المصالح الذاتية محور الصراعات المختلفة في إطار التنظيم السياسي الجبهة القومية ثم التنظيم السياسي الموحد ـــ الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني ، إلاّ أن هذه الصراعات المصلحية كانت مستترة تحت عباءات وأقنعة متنوعة وحيل مختلفة ينتهجها كل طرف ضد الآخر ، وقد كانت شواهدها واضحة للعيان قبل وبعد أي صراع من خلال الاتهامات التي يوصم بها الطرف المهزوم وذلك طوال الفترة الممتدة من يوم الاستقلال عام 1967م حتى ما بعد أحداث يناير عام 1986م وبمحصلة زمنية تقترب من عشرين عاماً شهدت خلالها البلد حوالي ست أزمات سياسية داخلية عميقة الجذور ، يمكن ذكرها حسب ترتيب حدوثها وفق التسلسل الزمني ، وقد كان بدايتها انقلاب 20 مارس 1968م بسبب الصراع المحتدم بين ثلاث قوى رئيسية تحاول كل منها حسم الصراع لمصلحتها ، ثم انتفاضة 14 مايو 1968م التي تبناها جناح اليسار في تنظيم الجبهة القومية ثم انقلاب 22 يونيو 1969م المسمّى (الخطوة التصحيحية) ثم انقلاب 26 يونيو 1978م ثم أزمة أغسطس 1979م والمعروفة بأزمة الخلاف حول صلاحيات وزارتي أمن الدولة والدفاع والتي وصلت ذروتها بإرغام رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ـــ الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني على تقديم استقالته وتنحيته عن مناصبه ونفيه خارج البلاد في 20 أبريل 1980م حتى تم إعادته في عام 1985م لتكون هذه العودة سبباً في تأجيج الصراع داخل صفوف الحزب من جديد ومن ثم تفجير الموقف على شكل انقلاب دموي مدمر في 13 يناير 1986م.

ومع تفاوت حجم الخسائر الناتجة عن كل من هذه الانقلابات فقد كانت النتيجة النهائية لها أن تم القضاء على أطراف الطليعة السياسية (يمينها واليسار) ثم الوصول إلى قلع الرأس والعقل المدبر ، وبعد هذه الأحداث التصفوية للرأس والأطراف لم يتبقى سوى جسد منهك تنخره الصراعات وتتجاذبه المصالح الشخصية تحت غطاء الدفاع عن مصالح الكادحين واستخدامهم كأدوات ووسائل وبالتالي وقود لمعارك الخلافات والمنازعات القيادية المتكررة بين رفاق الدرب الواحد.

ولنأخذ أحد الشواهد على عمق العداء من خلال هذا القول لأحد الأجنحة (لقد عانت بلادنا من أزمة انعدام الديمقراطية قبل 22 يونيو 1969م حيث مارس التيار اليميني الرجعي اضطهاد التيار الديمقراطي التقدمي في الجبهة القومية ، كما مارس في نفس الوقت اضطهاد الفصائل الوطنية الديمقراطية الأخرى ، وأعلن حضر العمل السياسي الحزبي عليها) ، وبما أنه قد تم إقصاء التيار اليميني من السلطة بصورة غير دموية في حينها ، إلاّ أنه قد طال رأس الدولة والحكومة والتنظيم وتراوحت معاملة عناصره القيادة بين السجن مدد مختلفة والإقامة الجبرية حتى الموت وإعدام البعض داخل الزنزانات ، كما ظلت عناصره الأخرى مطاردة من مراكزها القيادية في التنظيم والدولة وطالتها أيادي التهميش والإقصاء والنفي خارج البلاد بما فيهم رئيس مجلس الوزراء في الحكومة التي شكلها التيار التقدمي بعد هذه الأحداث ، ولا ننسى حادثة إسقاط طائرة الدبلوماسيين في 30 أبريل 1973م كعملية مدبرة ضمن سلسلة التصفيات الجسدية ، وبالعودة إلى تاريخ نشؤ الجبهة القومية يتضح مدى الدور الكبير للعناصر المنتمية إلى حركة القوميين العرب في إطار تنظيم الجبهة القومية وفعالية هذا الدور من حيث القدرات الفكرية والتنظيمية لأفراد الحركة والتي اعتمدت عليها الجبهة القومية منذ تكوينها ، إلاّ أنها فقدت الكثير من العناصر بتلك الإجراءات التعسفية وبفقدها يكون تنظيم الجبهة القومية قد خسر كوادر تنظيمية فاعلة الأمر الذي اضطر التنظيم إلى البحث عن كوادر أخرى بذات المستوى الفكري والتنظيمي ، فكان لزاماً عليه فتح باب الحوار مع ما يسميها {فصائل العمل الوطني} التي يعترف بأنه قد تم اضطهادها وتهميش دورها الوطني منذ الاستقلال حتى دعته الحاجة إليها ــــ وهذه الفصائل هي الاتحاد الشعبي الديمقراطي وحزب الطليعة الشعبية ــــ بحكم انتمائها إلى أحزاب عريقة وذات قدرات عالية ، ونظراً لالتقاء هذه الفصائل مع حركة القوميين العرب من حيث الأيديولوجية ذات الصبغة الماركسية ، فقد وقع معها اتفاق 5 فبراير 1975م والذي تم بموجبه تحديد أسس ومبادئ دمج هذه الفصائل الثلاث في تنظيم واحد أطلق عليه اسم {التنظيم السياسي الموحد ــــ الجبهة القومية} والذي تم الإعلان عن قيامه في المؤتمر التوحيدي الذي جمع هذه الفصائل الثلاث خلال الفترة من 11 ــــ 13 أكتوبر 1975م تحت شعار (لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وبناء الحزب الطليعي).

ومع هذا التطور التنظيمي في إطار الطليعة السياسية التي تقود البلد إلاّ أن عقلية التآمر ظلت ملازمة له وامتدت غصونها من تلك الجذور الإقصائية وأزهرت بثمار الحقد الدفين حتى أنتج اليسار الديمقراطي التقدمي فصيله الجديد المسمّى (الجناح اليساري المغامر) والذي تم القضاء على رموزه الأساسية في انقلاب 26 يونيو 1978م من خلال محاكمة ميدانية مستعجلة وتشريد أعداد كبيرة منهم وتصفية مرحلية لأعداد أخرى وذلك تمهيداً لقيام الحزب الطليعي من طراز جديد الذي أعلن عن قيامه في المؤتمر التأسيسي المنعقد خلال الفترة من 11 ــــ 13 أكتوبر 1978م تحت شعار {لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية} ، حيث ساد الاعتقاد أنه بقيام الحزب الاشتراكي اليمني تكون البلد قد تخلصت من كثير من شوائب وعقد البحث عن المصالح الذاتية وأنه بالإمكان تحقيق تقدم أكبر في بناء حياة أفضل على أنقاض أوضاع متردية نتيجة للسياسات اليسارية المتطرفة التي تقود البلد نحو مجتمع اشتراكي على الفهم الماركسي ، وهي غاية لم يكن بالإمكان الوصول إليها في ظل مجتمع تسوده قيم عقائدية صلبة لا تؤمن بمبادئ الماركسية اللينينية ونظرياتها الهائفة ، والتي تتنافى جملة وتفصيلاً مع قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، غير أن أولئك الداعين إلى تلك النظريات يريدون ذر الرماد على العيون واستهبال عامة الناس وإغراء الخاصة منهم لحشرهم والسير بهم في فلك تلك النظريات رغم أنوفهم في ظل حالة من شظف العيش وسؤ الحال المادي والمعنوي والإرهاب الفكري المنظم ، في حين تعيش تلك القيادات أعلى مراتب البذخ والتنعم بما لذ وطاب على حساب كدح الغالبية العظمى من جماهير الشعب ، وأشير مرة أخرى إلى أن تلك القيادات لم تتنعم بما لذّ وطاب فقط ، ولكنها تمعت بما خبث وخاب من جميع أنواع المحرمات الشرعية ، حتى أنها أصدرت قراراً يقضي بمنع بيع وتعاطي القات في المناطق والمديريات والمحافظات التي لا تنتجه إلاّ في أيام الإجازات والعطل الرسمية فقط ، في حين تكون حانات و(طاقات) الخمر مفتوحة على مدار الساعة وفي جميع المناسبات ، والأدهى من ذلك أن هذه السلطة الثورية قد وفرت عناء استيراد الخمور فأقامت مصنع صيرة لإنتاج أجود أنواع الخمور التي تتناسب مع حجم دخول المتعطشين لهذه المادة.

وبما أن قيام الحزب الطليعي على أنقاض التنظيم الجبهوي يشكل حالة أرقى من حيث البناء الهيكلي والالتزام التنظيمي والرقي السياسي والفكري لجميع الأعضاء فضلاً عن القيادات العلياء المعهود إليها مهام الإدارة والتخطيط والبرمجة لضمان تحقيق التقدم الشامل لكافة أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... الخ ، ولكنه في تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان العكس تماماً ، حيث وقعت تلك القيادات في حمأة العصبية القبلية والمناطقية والشللية وجعلت منها وسائل للسيطرة على مقاليد القيادة والحكم على مستوى مؤسسات الدولة والحزب نفسه ، وهذا ما عبرت عنه إحدى وثائق الحزب الرسمية بالقول (إن عملية بناء أجهزة الدولة الجديدة قد واجهت مصاعب عديدة إذ جرت في ظل النقص الحاد للكوادر المؤهلة وغياب السياسة الكادرية المتكاملة ورافق ذلك تعامل غير موضوعي مع الكادر الوطني اتسم بالنزعات المزاجية والشللية والولاءات الشخصية مما أدي إلى ظاهرة عدم استقرار الكادر بشكل عام والحزبي والسياسي بشكل خاص ... وإلى جانب ذلك فإن التدخلات الغير شرعية للتيارات الانتهازية اليسارية واليمينية في أعمال وصلاحيات مجلس الوزراء وأجهزة الدولة قد أضعفت هذه الأجهزة وساعدت على تفشي الظواهر السلبية فيها وأبهتت الدور القيادي للحزب).