آخر الاخبار
الزلب: نعيش بيئة إعلامية تعمها الفوضى والخطاب التحريضي
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
الأحد 15 إبريل-نيسان 2012 10:12 م

 

يتحدث رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون المستقيل من منصبة، عبد الله الزلب في هذا الحوار، عن أسباب استقالته من منصبه جراء التدخلات التي كانت تتم في عمله.

كما يتحدث الزلب عن تجاهل الإعلام في الاتفاق السياسي الذي تم بموجبه نقل السلطة، الأمر الذي شكل عقبة كبيرة أمام تنفيذ المبادرة الخليجية.

وقال الزلب بأن حكومة الوفاق تحولت إلى حكومة وفاق حزبي وسياسي بين الأطراف المتصارعة، مشيرا إلى أن الإعلام صار جزءا م المشكلة بدلا من أن يكون جزءا من الحل.

واعتبر الزلب في حوار مع صحيفة كواليس أن النزعة الفردية السائدة تجعل من تنفيذ أي اتفاق مرهون بمصالح أفراد وأجندة شخصيات سياسية أو عسكرية محدودة.

وفيما يلي نص الحوار

*برأيك لماذا تجاهلت المبادرة الخليجية دور الاعلام رغم أهميته..؟

- من الواضح أن الأطراف الموقعة على المبادرة وآليتها التنفيذية إما أنها تعمدت تجاهل المسألة الإعلامية عند صياغة المبادرة لمصالح معينة وحسابات سياسية لكل طرف، أو ان ذلك يرجع إلى العقلية السائدة لدى النخبة السياسية وخاصة في الأحزاب الكبيرة والتي تنظر إلى الإعلام منذ عقود وحتى يوم الناس هذا على أنه مجرد وسيلة للدعاية والتعبئة أحادي الإتجاه يتحكم به القائم بالاتصال - مالك الوسيلة غالبا- وتحكمه النزعة الفردية. وأرجح الفرضية الأولى... وهذا الأمر يثير القلق والشكوك حول نوايا هذه الأطراف الحقيقية لإنهاء الأزمة وتجاوزها.. وما نشهده اليوم من معارك إعلامية بين الطرفين الأساسيين في الأزمة يؤكد هذا التوجس. فبدلا من أن يقف ويتعامل الطرفان، المؤتمر والمشترك، في إطار الحكومة وغيرها كطرف واحد في مواجهة المخاطر المحدقة بوحدة البلاد وأمنه واقتصاده، نجد أن كليهما يتجه إلى تحميل الآخر المسؤولية ويحاول توظيف كل العوامل والمتغيرات لإلحاق أكبر ضرر بخصمه. ويتصدر الإعلام اليوم هذا الصراع بحيث اصبح المحرك الأساسي للأحداث إن لم يكن فعلا هو الصانع لها. ولذلك فإن من أولى اولويات رئيس الجمهورية والحكومة التوافقية اتخاذ إجراءات سريعة وعملية لمعالجة المسألة الإعلامية، بانتظار العمل الاستراتيجي طويل المدى، وذلك ليتمكن الإعلام من الإسهام الإيجابي والفاعل في المرحلة الإنتقالية لما يحقق أهدافها ويخلق اجواء ملائمة لجميع الأطراف لحوار وطني بناء.. تجاهل الإعلام في الإتفاق السياسي شكل عقبة كبيرة نعيشها اليوم امام تنفيذ أهم بنود المبادرة... فالإعلام هو الحاضن او الإطار المناسب للتهيئة والقيام بدور إيجابي وفعال لكل بند من بنود المبادرة الخليجية وإجراءاتها التنفيذية.. ومن أهم وظائف الإعلام تنظيم النقاش والحوار العام بين مختلف الأطراف والأطياف السياسية والاجتماعية، وهذا يعني طرح القضايا التي تهمّ المجتمع اليمني واحترام مبدأ تعدّد الأصوات والتنوع الفكري للمجتمع اليمني وأخلاقيات الحوار. إدارة الحوار العام تعني البحث عن التوازن بين خطاب النخب السياسية والاجتماعية وخطاب الجمهور، كما تعني الانفتاح بنفس المستوى على كل من المجتمع السياسي والمجتمع المدني. ولكن للأسف ، الوضع الراهن للإعلام الحكومي وغير الحكومي لا يؤهله للقيام بهذا الدور، بل أنه بدلا من أن يكون جزء من الحل صار جزء من المشكلة...

*كيف تصف العلاقة بين المؤتمر واحزاب المشترك بعد توقيع المبادرة..؟

- العلاقة لم تتغير كثيرا بعد توقيع المبادرة ولن تتغير يوما ما لإن هذه الأحزاب جميعها تحكمها سمات مشتركة، باختلاف توجهاتها واهدافها واساليب عملها ، وهي النزعة الفردية التسلطية وغياب الرؤية لمستقبل الدولة اليمنية والمشروع المجتمعي. فهي تتصارع بنفس الأدوات وتستخدم نفس الخطاب السياسي.... الكل يكذب على الكل في ظل إنعدام الثقة بين الطرفين... والأمل يكمن في ظهور أحزاب جديدة بدماء جديدة تعمل على تغيير الخارطة السياسية وتعيد للعمل السياسي مكانته اللائقة في السياق الاجتماعي ودوره البناء في التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي. كما ان الأمل معقود في ما يمكن ان نطلق عليه مجازا وفقا للخطاب السائد اليوم "بثورة الأحزاب"، عبر صحوة داخلية للاحزاب التقليدية الكبيرة لاحداث تغيير حقيقي داخل هذه الاطر السياسية للتعامل مع متطلبات الراهن ومواكبة المتغيرات ومواجهة تحديات المستقبل..

*كيف ترى حكومة الوفاق الوطني وماذا تتوقع لها..؟

- من الصعب الحكم على اداء هذه الحكومة في هذه الظروف وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة... فمهتمها وإن كانت واضحة ومحددة بتنفيذ المبادرة الخلجية وآليتها وتسيير شؤون البلاد خلال فترة زمنية محددة وقصيرة إلا أن هذه المهمة صعبة للغاية وطريقها ملئ بالمعوقات والصعاب... كما أنه لم يكن متوقعا، في ظل آلية تشكيل الحكومة المتفق عليها وفي ظل التحالفات السياسية ومخرجات الأزمة الطاحنة، لم يكن متوقعا ان تكون هذه الحكومة حكومة تكنوقراط او ان يلتزم الجميع بمعايير جادة لاختيار مرشيحهم ترتكز في الاساس على الكفاءة والخبرة والنزاهة قبل اي شيء آخر وتهدف اولا واخيرا الى ارضاء تطلعات وانتظارات الشعب عموما والانصار والموالين لكل طرف خصوصا... ونلاحظ أنه في الوقت الذي نجح فيه المشترك وحلفاؤه الى حد ما في ترشيح بعض الوجوه الجديده رغم إشكالية وتعقيدات توزيع الحصص بين الشركاء ، نجد ان المؤتمر الشعبي العام ظل اسيرا لنفس الآلية العتيقة في اختياره لمرشحيه وعجز عن تقديم شخصيات سياسية او مهنية تتناسب مع اهمية المرحلة الراهنة وتعكس جديته ورؤيته المستقبلية في خوض الانتخابات القادمة والنجاح فيها وتقديم الأفضل... والقراءة الاولية لوزراء المؤتمر الشعبي العام تشير الى ان أولويات المؤتمر كانت هو ارضاء ومكافأة " الأوفياء والمخلصين" له وللرئيس خلال الأزمة بالاضافة الى القدرة على مصادمة ومقارعة الطرف الاخر في حكومة الوفاق... حيث احتفظ المؤتمر بثمانية وزراء من تشكيلته السابقة اما وزراء المشترك من الواضح انهم نتيجة طبيعية للمحاصصة في الغالب فباستثناء وزارتين او ثلاث نجد ان معيار الكفاءة غير وارد في كثير من الأسماء كما هو الحال بالنسبة للخبرة والتخصص فهناك بعض الوزراء خرجوا من باب المؤتمر ودخلو من باب المشترك او باسم "الثورة" رغم ان بعضهم أثبت فشله في أطار حكومة المؤتمر كوزير او قيادي والبعض الآخر عرف القاصي والداني بفسادهم....

والمشهد الماثل للعيان اليوم يشير بأن حكومة الوفاق تحولت إلى مجرد حكومة وفاق حزبي وسياسي بين الاطراف المتصارعة. وحتى هذا الوفاق الحزبي يكاد يصيبه الفشل فكل فريق في الحكومة يعمل منفردا ويعمل جاهدا على تعطيل الآخر والتنصل من مسؤولية اي فشل... والمؤشرات الأولية الماثلة في الواقع المعاش تؤكد أن كل طرف لديه اجندته الخاصة غير المعلنة لادارة الازمة والاستفادة منها إلى ابعد مدى... وأتمنى أن تكون هذه مجرد سحابة مؤقتة ستتجاوزها اطراف الأزمة لتقف مع الاخ رئيس الجمهورية طرفا واحدا في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بيمننا العزيز...

*طالبت في مقال سابق لك بتشكيل لجنة عليا كما تم في المجلس العسكري والامني أو احداث مجلس أعلى للاعلام هل تعتقد ان تشكيل هذا الامر سيكون قادراً على حل الخلاف الموجود بي الاطراف المتنازعة..؟

- الخلاف بين الاطراف ليس إعلامياً ولكنه يوظف الإعلام بشكل يسيء للعمل الإعلامي وأخلاقيات المهنة ويتجاوز احيانا كل الحدود السياسية والوطنية وحتى الإنسانية... ما اقترحته في مقالي أفكار ومقترحات مطروحة للنقاش والتفكير للاستفادة من تجارب الآخرين وللإسهام في تنظيم العمل الإعلامي والسيطرة على الفوضي الإعلامية المتفشية والتي تؤثر بشكل سلبي على المجالات الأخرى الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية لدى الأفراد... إنشاء لجنة او مجلس اعلى للاعلام يمكن أن يشكل إنشاء إطار مؤسسي مهني خارج إطار الحكومة للإشراف على الإعلام الحكومي والخاص خلال المرحلة الإنتقالية كآلية عملية مؤقتة او جسر لعبور المرحلة الإنتقالية من شأنها احتواء الفوضى ووقف التدهور وضبط إيقاع العمل الإعلامي خلال هذه المرحلة التاريخية المهمة والخطيرة بحيث يكون لهذه اللجنة او المجلس صلاحيات محددة في الزمان والوظيفة باتفاق بين الاطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وباشراك المؤسسات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية والمهتمة. وتعمل هذه اللجنة وفق معايير وضوابط مهنية وإدارية بعيدة عن اي ولاءات سياسية. وهذا الأطار المؤسسي من شأنه أن يبدأ في وضع القواعد الأولى لإحداث التغيير والتطوير المنشود في المجال الإعلامي نحو ما يمكن ان نسميه بنمط الإعلام الديمقراطي التشاركي...

*في اكثر من مرة كنت تقدم استقالتك من منصبك كمدير للمؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون..؟

- صحيح وقد اوضحت ذلك في مقابلات صحفية سابقة. وهذا الأمر يعود إلى مواجهتي لصعوبات جمة في تسيير العمل بالمؤسسة حاولت تجاوزها ومعالجتها مع بعض الزملاء المؤمنين بالعمل الوطني ولا اريد هنا الدخول في التفاصيل لكن اهم المبررات هي التدخلات والتجاوزات غير القانونية لصلاحياتي كمدير عام وتعطيلها والعمل على قتل كل طموح وأمل للتغيير نحو الأفضل وإعاقة أي مشروع او نشاط في هذا السياق، هذا فضلا عن تراكمات مشاكل الماضي المالية والإدارية وسيادة اللامبالاة. 

* أغلب من في قطاع الاذاعة والتلفزيون توقع عودتك ما تعليقك..؟

- لا تعليق...

*الثورة اليمنية او الازمة اليمنية خرجت بالمبادرة الخليجية ما قولك ..؟واين الخلل في المبادرة الخليجية من وجهة نظرك..؟

- ما حدث ويحدث في اليمن لا اعتبره ثورة كما أنه ليس مجرد أزمة سياسية، إنه حراك اجتماعي سياسي احتجاجي رافض لواقع الحال ويتطلع إلى التغيير ولكن هذا الحراك تم الالتفاف عليه والسيطرة عليه من قبل القوى السياسية الحاكمة والمسيطرة في البلاد ، وهي هنا الاحزاب السياسية الكبرى وقوى قبلية وعسكرية وبالتالي فإن المشهد في اليمن مختلف جملة وتفصيلا عما حصل في بعض البلدان العربية الأخرى في إطار ما يعرف بالربيع العربي... لذلك فإن سيناريو تطور الأحداث في اليمن اختلف عما حصل في تونس وليبيا ومصر، فهناك اتفاق دولي وإقليمي إلى حد ما حول الموضوع اليمني وفي المقابل على المستوى الداخلي هناك فسيفساء سياسية واجتماعية تحكم المشهد السياسي فضلا عن المخاطر والتحديات الأمنية والاقتصادية بفعل الجغرافيا السياسية اليمنية ، فكان الحل السياسي المتمثل في المبادرة السياسية هو المخرج الأمثل والمتاح وليس بالضرورة الأفضل لجميع القوى داخل اليمن والمحيط الإقليمي والدولي... واعتقد أن المشكلة ليست في النصوص المكتوبة المتفق عليها وإنما في النوايا الحقيقية للقوى السياسية المتصارعة وفي أولويات كل طرف وأجندته التي قد لا تتفق مع المبادرة ، هذه من جهة ، ومن جهة أخرى النزعة الفردية السائدة في عملنا السياسي وعلاقاتنا السياسية وحتى الاجتماعية تجعل مسألة تنفيذ اي اتفاق مرهون بمصالح أفراد وأجندات شخصيات سياسية او عسكرية محددة بعيدا عن اي تكتلات اواصطفاف سياسي او اجتماعي... وأضيف إلى كل ذلك التداخل المعقد بين السياسي والاجتماعي والعسكري – الحزب والقبيلة ووحدات الجيش – وهذا كان له الدور الكبير في المشكلة وفي الحلول المتاحة، فالصراع لم يقتصر على المجال السياسي وبين اطراف سياسية فحسب لإن أطراف الصراع يتقاطع فيها السياسي مع القبلي والعسكري وهو ما أدى إلى انقسام المجتمع والجيش وبعض مؤسسات الدولة المدنية والخدمية...

الخلل الأساسي وهو غير منظور ، في الاتفاق السياسي في إطار المبادرة الخليجية هو إختزاله لما يجري في اليمن في بعض الفاعلين السياسيين المؤثرين في الأحداث وراهن على الفعل السياسي والأمني متجاهلا الأبعاد الأخرى وأهمها البعد الأقتصادي والاجتماعي والنظرة القاصرة للعمل السياسي في ما اطلق عليه ب"الحوار الوطني" بين القوى السياسية المختلفة وحصر الممارسة الديمقراطية في حوار النخبة السياسية والانتخابات.

فيجب ان ندرك جميعا أن الديمقراطية ليست انتخابات فحسب، فهي كذلك نموذج اجتماعي - ثقافي للعيش المشترك يقوم على التنوّع والإختلاف وعلى تنظيم المجتمع لنفسه بواسطة المعايير والقيم التي يبتكرها عبر المداولة والنقاش التي يشارك فيها المواطنون. 

 الديمقراطية ليست آلية تتمتع بها النخب السياسية فقط بل هي أيضا تكفل حقّ المواطن في أن يعيش بلا وصاية فكرية أو سياسية وأن يكون مستقلاّ عن الأحزاب وأن يشارك برأيه في قضايا الشأن العام. وفي إطار المبادرة وآلياتها المواطن المستقل وغير المنتمي حزبيا او المنتمي عقائديا او أيديولوجيا في إطار جماعة مثل الحوثيين او السلفيين وغيرهم لا صوت له ولا رأي له. أنا أنظر إلى الحراك السياسي والاجتماعي الراهن من هذا المنظور. الديموقراطية اليمنية الناشئة في هذه المرحلة يجب أن تقوم على هذا التوازن بين النخب الفاعلة في المجال السياسي والمواطنين الفاعلين في المجال العمومي وعلى الحرية في المجالين السياسي والعمومي.

*كيف تصف دور القنوات الموجودة الان..؟

بسبب القنوات التلفزيونية وخطابها البعيد عن كل المعايير وقواعد العمل المهنية نعيش اليوم في بيئة إعلامية تعمها الفوضى ويسود فيها خطاب التحريض القائم على فكرة الإقصاء وإلغاء الآخر السياسي، بيئة ملوثة بالكراهية والعنف اللفظي والرسائل العدائية في غياب القوانين المنظمة للعمل التلفزيوني والإداره الرشيدة، الأمر الذي يفرض على الحكومة جعل مهمة إصلاح الإعلام عموما والإعلامي السمعي البصري على وجه الخصوص أولوية قصوى في المرحلة الإنتقالية... نحن بامس الحاجة اليوم إلى إعلام مهني ومستقل عن التسلط الحكومي والإستغلال الفوضوي واللاأخلاقي للقطاع الخاص... إعلام يحكمه حدّ أدنى من العقلانية. والإسراع بوضع آليات لتنظيم العمل الإعلامي السمعي البصري هو الحل الأمثل للسيطرة على هذه الفوضى. وفي الوقت نفسه يجب أن يقوم مجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني بعمل مشترك لاعتماد معايير مضبوطة تحكم السياسة الإعلامية للحكومة مع المجتمع بمختلف فاعليه. فالانتقال من سياسة الإنغلاق الشامل واخفاء الحقائق إلى سياسة الشفافية الكاملة ينبغي ان تكون وفق ضوابط ومعايير مهنية متفق عليها.

*هل انت مقتنع بما قدمته في عملك كمدير للمؤسسة..؟

الكمال لله وحده ، لقد حاولت ان اسهم في تطوير العمل الإذاعي والتلفزيوني واحداث بعض التغيير الإيجابي بمساعدة زملائي ودعمهم وهناك مشاريع طموحة نجحت مع زملائي في بعضها وفشلنا في البعض الآخر وهو الأغلب ، وصراحة لم أتمكن من إنجاز كل ما كنت أتمنى واطمح إلى تحقيقه وذلك لا سباب عديدة ومركبة يطول شرحها ومع ذلك يمكن اختصارها في سببين رئيسيين بشكل عام، السبب الاول غياب الرؤية الاستراتجية للدولة في المجال الإعلامي والسبب الثاني سيادة النزعة الفردية التسلطية في ادارة العمل الإعلامي الأمر الذي شجع العشوائية والفوضى وخلق مناخ مناسب للتدخلات وتجاوز الصلاحيات وشيوع الفساد بكل انواعه المالي والإداري والمهني وحتى الأخلاقي... 

* كيف تقيمون تعاطي المؤسسات الاعلامية اليمنية مع الازمة من حيث التخطيط لمواجهتها، والأولويات الوطنية ؟

سؤال كبير ومفتوح من الصعب الاجابة عليه في هذه المساحة الصحفية... فاذا كنت تقصد المؤسسات الإعلامية الحكومية فقط فهي لم تكن في مستوى الاحداث والتحديات والمخاطر التي واجهها اليمن خلال اكثر من عام ولا يمكن ان يندرج عملها خلال الفترة الماضية في إطار العمل الإعلامي المهني المخطط ، لاسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا... الإعلام الحكومي الرسمي كان جزء من الأزمة كما كان ايضا الإعلام غير الحكومي المحرك الاساسي للازمة بخطابه التحريضي وسقوطه المريع في مستنقع الصراع السياسي والشخصي وخضوعه المذل للسياسي...

*اليوم هناك فوضى في الخطاب الاعلامي أو غياب المهنية من المسئول عنها؟ وهل كان لتلك الفوضى اثرا في صناعة العنف؟

بطبيعة الحال ، هذه الفوضى التي نتحدث عنها ليست وليدة اليوم وإنما نتيجية متوقعة للسياسات السابقة والأدارة غير الرشيدة للعمل الحكومي في الاساس... كان من المفترض ان يكون هناك قانون ينظم العمل الإذاعي والتلفزيوني ولكن لم تكن هناك ارادة حقيقة في اصدار هذا القانون وتم التحايل ومحاولة إعاقة اصداره اكثر من مرة...

هذه الفوضى هي كذلك نتيجة لمعطيات سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة ولها علاقة بالفساد وغيره من مشاكل المجتمع... 

وكان لهذه الفوضى اثر واضح خلال الفترة الماضية ولا يزال هذا الأثر قائما في نشر العنف وصناعته من خلال الخطاب التحريضي والتضليل المتعمد للمتلقي بقصد تحقيق اهداف سياسية وتسجيل انتصارات مزيفة على الطرف الآخر الخصم...

*الايام الفائتة أبرزت الازمة بجلاء مفاهيم كالإرهاب- الطائفية- المناطقية.. هل كان تعاطي الاعلام مع تلك المفاهيم بمستوى المسئولية الوطنية والانسانية؟

- تعاملنا بشكل عام كإعلاميين وكمتلقين للرسالة الإعلامية مع العديد من المفاهيم التي ذكرتها ومفاهيم اخرى كالثورة والحرية والديمقراطية وغيرها يتسم بالانتقائية والنفعية والتوظيف السياسي والأيديولوجي بعيدا عن أي قواعد مهنية او شعور بالمسؤولية الإنسانية قبل الوطنية وهو ما جعلنا نذهب إلى القول بأن الإعلام كان جزء من الأزمة ومحركها الأساسي...

* هناك تصور وضعه ملتقى الرقي والتقدم حول قانون الصحافة، وكنتم أحد المساهمين أين وصل وما رأيك ؟ وهل تستطيع المنظمات المدنية المساهمة في وضع قانون ينظم العمل الاعلامي؟

- نعم، هذا المشروع هو مشروع قانون لتنظيم العمل الإعلامي بشكل عام، المكتوب والمسموع والمرئي اضافة إلى الصحافة الألكترونية وهو نص شارك في صياغته نخبة من الإعلاميين والمختصين في القانون باختلاف توجهاتهم وتخصصاتهم، وكان محاولة للمساهمة في للاسهام في تنظيم العمل الإعلامي وفق المتغيرات المحلية والدولية فهو نص متقدم جدا مقارنة بالمشاريع التي قدمتها وزارة الإعلام في الحكومة السابقة وبعض أعضاء مجلس النواب... وتم تسليمه للحكومة لدراسته وتبنيه وتقديمه إلى مجلس النواب ولكن للاسف تم تعطيل سير هذا المشروع وجميع المشاريع الاخرى كالعادة من قبل وزارة الإعلام... ونأمل ان تستفيد الحكومة الحالية من هذه المشاريع والمقترحات...

* كيف تقرأ الطفرة الكبيرة الحاصلة اليوم في عدد وسائل الإعلام وخاصة القنوات التلفزيونية الفضائية التي ظهرت مؤخرا وتأثير ذلك على حياة الناس اليومية وخاصة في اليمن؟

- الطفرة الإعلامية او ما يسمّى بالإنفجار الإعلامي بدأ في الحقيقة منذ منتصف التسعينات في العالم العربي بالتحديد وتطور شيئا فشيئا حتى وصل ذروته خلال العامين الماضيين بتاثير المتغيرات والأحداث السياسية في المنطقة وكانت اليمن من الدول التي تأثرت بهذه الطفرة في وقت متأخر، لاسباب قانونية واقتصادية وسياسية عديدة...

وهذه الطفرة نتيجة طبيعية لعاملين أساسيين هما : أولا تحول الإعلام في المنطقة العربية إلى صناعة وإلى سوق لإستقطاب الإنفاق الإعلاني. وثانيا التوظيف السياسي للإعلام في إطار إستراتيجيات التأثير والبحث عن النفوذ لتشكيل الرأي العام. .

من جهة أخرى وبسبب إحتكار السلطة السياسية للإعلام أصبح من الشائع الإعتقاد أن الإعلام سلطة. وهذا في الحقيقة وهم سياسي وفكري. الأنظمة العربية الحاكمة ، جلها إن لم تكن جميعها، عملت على إحتكار الإعلام والسيطرة عليه بكل الطرق لانها تعتقد أنه سلطة يجب أن تحتفظ بها لنفسها وتمنعها عن الآخرين وهو ماحدث في اليمن بالنسبة للإعلام السمعي البصري لكن هذا لم ينفع النظام السياسي الحاكم في شيء بل بالعكس تحوّل الإعلام إلى عامل لتخريب علاقته بالمجتمع وتحريضه ضده... وبفضل تطور تكنولوجيا الإعلام تمكن البعض من إطلاق قنواتهم الفضائية من خارج اليمن...

 السلطة تحيل إلى دلالات تتعلق بالقوة والنفوذ، كما أن السلطة في المجتمعات الديمقراطية تحتاج إلى منظومة من التشريعات وآليات العمل المؤسسية التي تضبط عملها وتقيدها حتى لا تصبح سلطة منفلتة. 

الدور الأساسي للإعلامي في أي مجتمع، بغض النظر عن تطوره او تخلفة، هو القيام بمهمة الوسيط ، فالإعلامي لا يجب أن يبحث عن السلطة لأن وظيفته النبيلة كوسيط هي مساعدتنا على إدراك الواقع الذي نعيش فيه وعلى على فهم العالم من حولنا. وظيفة المراسل الصحفي، سواء كان لصحيفة او قناة تلفزيونية او موقع اخباري اليكتروني، يجب ان تتجاوز عملية النقل إلى المعاينة والتدقيق والتحري والتأكد والمقارنة مما يسمع ويرى ويقرأ ويكتشف من المصادر. وهذه العملية معقدة جدا ومكلفة ويجب إكتسابها بالتعليم والتدريب ولا علاقة لها بالموهبة. إذن العمل الإعلامي له صلة بالحقيقة وبالمعرفة ، وهذه الطفرة في انتشار وسائل الإعلامي ستسهم في نشر المعرفة في كل مكان ولجميع الناس والوصول إلى الحقيقة بالرغم من محاولات إخفائها وتغيبها في ظل آليات التنافس والصراع وارتفاع كلفة الإنتاج...  

*ما نوع الخطاب الاعلامي المطلوب الان؟ ومن المسئول عن صناعته؟

- من الصعب الحديث عن خطاب في ظل الفوضى السائدة ، لان إطلاق صفة الخطاب يتطلب توفر رؤية واضحة ومنطق ومعايير وسمات محددة وواضحة في الرسائل الإعلامية التي يتم بثها ونشرها.. نحن بامس الحاجة اليوم إلى خطاب تسامحي خطاب يعزز من ثقافة التسامح ، خطاب يدعو إلى المحبة والسلام ويدعم قيم الحرية والمشاركة والتعايش بين جميع التشكيلات السياسية والاجتماعية... وهذا الأمر يتطلب توفر إعلام ديمقراطي يشرك الجميع ولا يقصي اي طرف... وهو ما لا يمكن تحقيقه في اطار معطيات الواقع المعاش والوضع الراهن للمؤسسات الإعلامية الحكومية وكذلك الإعلام الحزبي وغير الحكومي... فهذا الخطاب بحاجة إلى إصلاحات حقيقية في مؤسسات الإعلام الحكومية وإلى إطار مؤسسي مستقل يتحمل مسؤولية الإشراف على المجال الإعلامي وتنظيم العمل فيه كما ذكرت سابقا...  

*رحل صالح عن الحكم تقييمك الشخصي لحقبة زمنية امتدت 33عاماً..؟

• لا يمكن ان تحكم على حقبة زمنية كاملة امتدت لاكثر من ثلاثة عقود من خلال شخصية واحدة وفاعل سياسي بمفرده بمعزل عن بقية الفاعلين والبئية المحيطة بكل ذلك... وهذه الحقبة الزمنية الطويلة تستحق الدراسة والبحث بتأني للاستفادة من دروس الماضي في خططنا المستقبلية... والتقييم باعتباره عمل علمي يرتكز على ادوات منهجية للبحث وجمع المعلومات يحتاج الى الإمكانيات والوقت الكافي لتنفيذه وبالتالي من الصعب الاجابة على هذا السؤال باطلاق انطباعات شخصية وأحكام آنية متسرعة.. 

ومع ذلك يمكنني القول فيما سألت أن حقبة حكم علي عبدالله صالح لا تختلف كثيرا عن اي حاكم في بلدان العالم الثالث فهي فترة أتسمت بطغيان النزعة الفردية التسلطية، ليس في إطار مؤسسة الرئاسة فحسب وانما في جميع مؤسسات المجتمع والدولة، وهذا له مرجعيته الثقافية واسبابه المتداخلة بين الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي... هي فترة تميزت بغياب الرؤية والمشروع السياسي والحضاري لدولة المستقبل..  

كلمة اخيرة تحب ان تقولها..؟

-الحوار هو الطريق الأسلم والأمثل لحل مشاكل اليمن.. والتاريخ اليمني والإنساني ملئ بالعبر... ويجب علينا جميعا أفراد ومؤسسات وجماعات تحمل المسؤولية في هذه الفترة الحرجة للانتقال بالبلاد الى بر الأمان والسلام بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والموقع الوظيفي والمستوى الثقافي... يجب ان نسهم بايجابية في تجاوز المحنة ونتعلم من دروس الأمس القريب لبناء مستقبل أفضل لأطفالنا... 

واقول لجميع القوى السياسية الفاعلة في الاحداث اتقو الله في اليمن... حافظوا على انجازكم الذي يفاخر به العالم وهو الاتفاق السياسي واوفوا بعهودكم للشعب اليمني والمجتمع الدولي ولا تأخذكم العزة بالإثم...