آخر الاخبار
لقيادة اليمن الجديد: وطز «في» اليمن!
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الإثنين 12 مارس - آذار 2012 05:51 م

أولاً أخشى أن ينبري من يدمر مسعاي الإنساني نحو تحرير كلمة يتيمة من أسرها، بحكم إستخدام السلف الطالح لها، أو أنها ومشتقاتها أصبحن من التراث المأثور الذي وجدوا آباءهم عليه.

اذكر ان التعبير باللغة العربية خذلني ذات يوم وأنا في مقابلة تلفزيونية عندما لجأت دون إدراك إنتقائي الى إستخدام كلمة «ماينياك» للتعبير عن ولعي القوي بموضوع تكنولوجي صناعي سآتي على ذكر أهميته لاحقاً، مما دفع بالمذيع لطلب حذف أهم جملة في البرنامج قبل البث.

وللتوضيح فإن كلمة Maniac باللغة الإنجليزية لاتحمل المعنى ولا الإيحاء السلبي الذي صنعه تكرار إستخدامها عند العرب منذ عهد الإحتلال البريطاني للمنطقة على مايبدو.

وهي ببساطة، كلمة أدبية مشتقة من Mania وتعني «الهوس» الشديد بالشيء. مثلاً مجنون ليلى ترجمتها الصحيحة تصبح Laila Maniac . وهو الأصح لأن اصل الكلمة بالإغريقية تعني الخبال أو الجنون. ويمكن ان تطلق على الحب المفرط للشيء، كما انها لاتحمل المعنى السلبي إلاّ من سياق الكلمة الملصقة بها، كأن تقول ان شخص مدمن قمار Gambling Maniac ، أو أن شخص ما مولع بسباق السيارات، فهو إذاً Car Racing Maniac .

أعتقد أن مجتمعاتنا في حقبة الوجود البريطاني في مصر وعدن وغيرهما كانوا يشيرون إلى المغرم بالجنس فيقولون عن فلان أنه Sex Maniac ، وهذا التعبير جائز لغوياً أيضا.

- والقارئ الكريم قادر بمفرده على إستدعاء بعض المصطلحات السوقية، أي السفيهة، المشتقة من الكلمة والمرتبطة بها وشائعة جداً في ثقافتـنا.

وكما نرى أن الكلمة المسكينة حُمّلت من دون ذنب وزر معنى غير محتشم بفعل التكرار ولزوم الإختصار، وككل الإعوجاجات الفقهية، بقت في الذاكرة الجمعية تحمل صفة الجنس إلى درجة إختفاء معنى الكلمة الأصلية التي أستبدلت بحاملة الوصف مكانها، فتفرع منها إشتقاقات قليلة أدب والتي لا أصل لها، لا باللغة الإنجليزية ولا بالعربية.

هذا التوضيح ظل يدرو في عقلي منذ تلك اللحظة إلى أن أردت كتابة عنوان لمقال كان موجهاً لقياداتنا الحالية باسندوة وعبدربه منصور لأحفزهم فيه أن يذوبوا عشقاً في اليمن.

مضمون المقال كان ديموغرافياً ويدور حول نسبة الشباب في المنطقة، واليمن منها، أي أن الفئة العمرية تحت سن الثلاثين يصل تقريباً إلى 60 بالمئة، وهو عمر العطاء والإبداع، وأي تأخير في إطلاق عنان البناء والتنمية الآن يعنى أن ما سوف يأتي لاحقاً سوف تلتهمه متطلبات شيخوخة هذا الجيل، فالسنتين القادمتين كثيرة، والإنتخابات القادمة بعيدة، ناهيك عن مسيرة سلاحف السياسة لعقود زمنية متوالية.

وحينها على اليمن أن ينتظر إلى أن يأتي الله بقوم غيرنا وغيرهم، في حين أننا واقراننا وهم سنكون قد صرنا تراباً وأيضاً مواداً عضوية حيوية متحللة، كمشتقات النفط من مادة الديزل الذي أسمع دائماً أنه «مدعوم» و «معدوم». لا أدري لماذا هو معدوم في اليمن في حين أننا أقرب أسواق الدنيا إلى مصادر النفط التي تغذي ثلاثة أرباع إحتياجات العالم الصناعي. - هل ربما لأنه مرتبط بتدوير عجلة الإنتاج والتنمية ؟!

وفي حين أنني في زياراتي الأخيرة لليمن وجدت الأسواق عامرة بمياه الشرب المعدنية المستوردة من السعودية والخليج بما يكفي لتدوير عجلة الصناعات الثقيلة بمدينة «كيوتو» اليابانية لسنين بالراحة وزيادة. - بالمناسبة، هناك ملاحظة جانبية للمقاربة والتأمل والتفكر لأولي الألباب، بعيداً عمّا حدث للعراق وصناعاته وعلماءه أو مايدور من حصار تكنولوجي على إيران وإرباك لباكستان. من يلاحظ كيف يتم خنق غزة؟… «وقود الديزل مافيه، كهرباء مافيه». - ذلك يا أحبائي إنما هو مرتبط عضوياً بعمل الطيران الحربي الإسرائيلي الذي ما أن يسمع «هسيس» ورشة صناعية بغزة، خاصة ورش الحديد، حتى ينهال عليها تدميراً بالصواريخ.

المهم، في جوف الليل وأنا اكتب رسالتي لقيادتنا الحكيمة، كدت أن استخدم نفس مصطلح Maniac المذكور، لكن مرارة تلك الذكرى التلفزيونية التي أدت إلى فقدان المقابلة الرسالة التي أردت إيصالها للمجتمع عن ضرورة تخطيط المخرجات البشرية لتتضمن نخبة قادرة على هندسة حفر وخراطة القوالب التي لم تعد يدوية بحته، بل مرتبطة بمهارات التصميم ثلاثي الأبعاد بالحاسوب الآلي، والتي تعتبر «اُس» وأساس قيام أي صناعة عصرية بجانب مقدرات التعبئة والتغليف وخلق العلامات التجارية الناجحة.

وإقتداءً بعلماء اليمن الأجلاّء، بحكم قداسة «الكلم» عندنا، تراجعت عن صياغة رسالة النصيحة لأولي الأمر، وأستصوبت أن من الأوجب السعي نحو تصحيح سجل تلك الكلمة المكلومة، فهي أولى من النهضة والتقدم والعمران، ومهمة تحريرها من الظلم والأذى الذي لحق بها في ثقافتنا عمل وطني نبيل مقدم على كل شيء، و «طز» في اليمن، فاليمن لها رب وشعب يحميانها.

صحيح أن محاولتي إنصاف كلمة Maniac ، جاء متأخراً قرن ونصف على الأقل من سوء الإستخدام العربي، لكنه أتى على كل حال، وأن يأتي الشيء متأخراً بعض الوقت خير من أن لا يأتي أبداً... وبما أنه أتي أخيراً، بذلك لايجوز أن نكون نحن أدوات «الهدم» بأيدي أعدائنا، وحيث أن كل إنسان وبلاد لهم أعداء إبتداءً من إبليس إلى بعض أبناء جلدته وربما أهله، فاليمن فعلاً بحاجة إلى قائد حالم ذو خيال واسع، يغطس في عينيها في سباق مع الزمن، يستدعي عظمتها من إرثها التاريخي الفريد وإمكانياتها الهائلة المتمثلة في مخزون طاقاتها البشرية والجيوليوجية… قيادة تحبها بجنون وتذوب فيها عشقاً حتى تتفجر ينابيعاً تفيض خيراً وبركة على كل قاطنيها.

وهنا، مرة أخرى أجد نفسي مضطراً لتبرير إستخدام كلمة «طز» في سياق وصف «مليحتنا» اليمن التي يفترض بها بعد نصف قرن من الثورة الأم أن دولتها قد نجحت في القضاء على مشاكل وجودها وتفرغت للميدان التنموي... لكن الحقيقة أننا ما نزال في إنتظار ميلادها وظهور الرجل الهادي الشجاع. ولن أطيل عليكم شرح مصدر وأصل وجذر كلمة طز، فهي ببساطة تعني «ملح» بالتركية.

- و «طز» في اليمن تعني «ملح» في اليمن… جعل الله كل أيامها ملاح !

abdulla@faris.com