دلالات وأبعاد هيكلة الجيش
بقلم/ صادق عبدالرزاق العامري
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
السبت 10 مارس - آذار 2012 06:30 م

تأتي قضية إعادة هيكلة الجيش على رأس قائمة الأولويات الوطنية فإعادة الهيكلة تمثل حاجة وطنية ملحة لمواجهة الأخطار التي تحدق باليمن , وهي من هذه الزاوية لا تستهدف أفراد او قيادات بذاتها بقدر ما تستهدف تصحيح الأوضاع والاختلالات التى أدت إلى ضعف الجيش وفقدانه القدرة على القيام بدوره الوطني وفقا للدستور والقانون , وليس صحيحا كما يقال ان الهدف من الهيكلة مجرد استبعاد أقرباء الرئيس السابق , ولو كان الهدف استبعادهم لكان يكفي إصدار قرارات بالغزل لكن الموضوع اكبر من غزل هذا او ذاك , الموضوع يتعلق بقدرات الجيش ذاته بفاعلية المؤسسة العسكرية وقدرتها على التعامل الجيد في مواجهة أخطار الفوضى التي تصنعها الجماعات المسلحة وجماعات المصالح والتخريب من المرتزقة والمستأجرين

ان إعادة هيكلة الجيش تعنى من زاوية أخرى إيقاف عجلة التخريب والإفساد في الأرض , التي لا يستطيع الأمن بمفرده التعامل معها , ان وضع الجيش بالصورة الراهنة شجع الطامعين والطامحين بالسلطة إلى تبني مشاريع صغيرة يفصلونها على مقاساتهم المذهبية او المناطقية وهو ما يعني ضرورة انتشال الجيش من حالة الضعف الراهنة

وهيكلة الجيش تعني أيضا قطع دابر التأمر والخيانة التي كبدت الجيش الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات حتى بات الجيش هو القاتل والمقتول في ذات المشهد

بات الجيش في اللحظة الراهنة بلا عقيدة قتالية تمنحه صلبة التصدي لأعداء الوطن ولن يسترد الجيش عقيدته القتالية الا حين يكون ولاءه الكامل للوطن تربةً وأنساناً , وذلك الولاء لن يتشكل الا من خلال عملية هيكلية تحمل في مضامينها الروح العميقة للولاء الوطني ولا تقبل باي شريك للوطن في ولاء الجيش

وهيكلة الجيش تعنى قطع الطريق على تجار الحروب والمستفيدين منها والذين يروق لهم استمرار حالة الضعف والتشظى والفوضي تلك الحالة التى تمتد من المؤسسة العسكرية لتشمل كافة مجالات الحياة العامة والخاصة , فالذين فقدوا مصالحهم غير المشروعة سيضلون يتربصون بالوطن ويتحينون فرص التخريب ولا سبيل لكبح رغباتهم الانتقامية إلا بسد الثغرات التي يتسللون منها للإضرار بالوطن

والهيكلة تعنى تأسيس أعراف وتقاليد داخل المؤسسة العسكرية من شانها ان تقضي على مداخل الفساد الذي نخر وباض وفرخ في كل زاوية من زوايا المؤسسة العسكرية حتى أضحى فسادها لا يزكم الأنوف بل يخنق الصدور بحجم روائحه العفنة , ذلك الفساد الذي حولها إلى مؤسسة تجارية أسرية انتهازية تصدر فسادها إلى كل مرافق العمل في البلاد , وأصبحت المؤسسة العسكرية غطاء لكل مظاهر الفساد الأخرى , وذلك الفساد أسهم أيضا في قتل الروح الوطنية لدى منتسبي المؤسسة العسكرية لأنهم وجدوه بلا روح وطنية وأدركوا حقيقة ما يدور داخلها من محسوبية وشللية وشخصنة ونهب ومتاجرة , فسقطت في أعينهم هيبتها ومعها سقط شعورهم بالمسئولية , وبالولاء الوطني

إن أهمية أي مؤسسة يكون بقدر تأثيرها في اتجاه صناعة القرار وبقدر قدرتها على إسناد ذلك القرار , ففي الدول الخاضعة لنمط حكم اسري استبدادي سنجد الجيش فيها يمثل الركيزة الأولى لحماية الحكم الاستبدادي والكابح لتطلعات شعوب تلك الدول , وتحت مظلة الجيوش فافسدوا الحرث والنسل وامتلكوا الحياة كلها وصادروا ابسط الحقوق على شعوبهم , وهذا الأمر يعنى ان إصلاح المؤسسة العسكرية هو المقدمة الصائبة لإصلاح كافة المجالات الأخرى , فعندما يعود الجيش الى ممارسة دوره الدستوري على أساس الولاء الكامل للوطن , فان ذلك يعنى ان الغطاء المنسدل الحامي لبؤر الفساد قد انكشف وأصبح بلا غطاء مما يسهل عملية استئصال كل الأورام الخبيثة و النتوءات الشاذة العالقة في جسد الوطن 

وفي ظل هذه الأبعاد لعملية هيكلة الجيش فان حصرها في زاوية استبعاد أفراد بعينهم تصبح بلا معنى و بلا مضمون يذكر ولا ينبغي تقييمها من زاوية عزل هذا او ذلك بل من خلال ما تحمله من مضامين وطنية كفيلة بتصحيح كافة الاختلالات , وتأثيرها على الوضع العام للبلاد