آخر الاخبار
ثورة الشباب ....وتجليات الحكمة اليمانية
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الخميس 08 مارس - آذار 2012 04:13 م

إذا هي ثورة جاءت على قدر بعد أن هبت رياح التغيير قادمة من تونس مرورا بمصر لتجد موطنا لها في البلد الطيب حيث تتفجر ينابيع الحكمة على مر التاريخ ؛ فكأنها جاءت لتعمد تاريخيا ولتنبت نباتا حسنا في بلدة طيبة لتؤتي ثمارها حاضرا ومستقبلا ولتكون مصدر إلهام لصناع التاريخ يستلهمون منها العبرة ويقتبسون نور الحكمة ليسلك الجميع دروب الحرية ويفتحون أبوابها أمام عهد جديد من التغيير ومرحلة يتخذ فيها العقل أنماطا جديدة من التفكير تتناسب مع مافي هذه المرحلة من التغيير ويهجر ألأنماط القديمة التي كانت تنطلق وسط أشواك الاستبداد فتخرج أنماطا باهتة توهنها أوهام المؤامرة ويبطلها قانون الطوارئ وتردها عقول كانت رهينة اليأس ...

ومن هنا ندرك جليا تجليات الحكمة اليمانية في مسيرة الثورة السلمية منذ انطلاقتها ....ولعل من أبرز مظاهر تجليات الحكمة اليمانية في ثوراتنا المباركة :

- أولا : الخطاب الثوري السلمي رغم كل المؤامرات الإقليمية والدولية والضغوط التي مورست على شباب الثورة والمساومات التي تعرضوا لها ، إلا أن خطاب ثورتنا ظل محافظا على لغته الثورية المؤسسة لدولة مدنية تنشد الأمن والسلام والنهضة بكل مستوياتها وقد قدم شباب الثورة خطابا إعلاميا واقعيا واضعا النقاط على الحروف بشكل لا غموض فيها ولا إبهام ، بحيث كان هذا الخطاب قابلا لأن يحتوي جميع الأطياف في ظلال أفكاره ، لأنه خطاب وطني يخاطب الجميع بلغة السلام مستلهما هذا المعنى من قول الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) .

ثانيا : من مظاهر تجليات الحكمة اليمانية ، اللغة السياسية لأفراد اللقاء المشترك التي جاءت رافدا للحالة الثورية ، حيث كانت الحالة الثورية بخطابها الثوري السلمي مستمرة ومن ورائها خطاب سياسي يسعى لأن ينال ما يستطيعه من خلال السياسة ،

ولقد واجه هذا الخطاب حربا إعلامية لا هوادة فيها أدارها إعلام النظام متخذا كل الوسائل التي يملكها لتشويه الخطاب الإعلامي الثوري والخطاب الإعلامي السياسي ولقد كانت أهم الوسائل التي اتخذها هي اعتماده على الخطاب السلفي الذي يمجد الحاكم ويقدس موقعه داخل الدولة ويجعلون الخروج عليه علامة فارقة بين أهل السنة وأهل البدعة للتلبيس على الناس ، وكلنا شاهد وسمع تلك اللقاءات والندوات الإعلامية التي كان يتصدرها أدعياء نصبوا أنفسهم علماء ينطقون باسم العلم وأهله فيكفرون هذا ويفسقون ذاك بناء على الهوى الذي يتماشى مع رغبة الحاكم بأمره ثم في نهاية الندوة تلهج ألسنتهم بالدعاء للحاكم وهذا كله كان المقصود منه تشويه شباب الثورة وتفنيد الحجج الثورية والقضاء على مبادئ الثورة إلا أن الوعي الذي انتشر بين الناس انتشار النور في الأفق كان راسخا في مواجهة كل الادعاءات التي تبناها إعلام الرئيس المخلوع .

ومن أبرز تجليات الحكمة اليمانية في ثورتنا السلمية ثبات الخطاب الثوري بمفرداته السلمية بعد خلع الرئيس عفاش بحيث استطاعت هذه المفردات التعامل مع المرحلة الجديدة مباشرة دون وجود مظاهر للضعف أو التراجع ؛ فما إن تم تشكيل الحكومة حتى وجدنا الخطاب الثوري ينتقل إلى المؤسسات مطالبا بتطهيرها من الفساد والمفسدين وجاء ذلك أيضا متزامنا مع المطالبة ب( هيكلة الجيش ) وتحريك المسيرات على مستوى الجمهورية للمطالبة بهيكلة الجيش مما كان له أكبر الأثر في زعزعة الوضع تحت أقدام المفسدين الذين كانوا يتخذون من كبيرهم المجرم ظهيرا يستندون عليه وهاهو اليوم قد تهاوى كما تهاوت الأصنام تحت ضربات سيف رسول الله وهو يردد قول الله :

( وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا )، وهانحن أولاء اليوم نشهد أصنام الفساد تترنح وتتهاوى في ظلال الخطاب الثوري مؤسسا لمرحلة جديدة تكسر فيها شوكة الفساد ويفتح فيها باب المحاسبة بغض النظر عن أي اعتبار ، فالموظف أجير عند المسليمن مهما كان منصبه خاضع للمحاسبة في كل وقت ، يلاحق بسؤال مهم جدا وهو : ( من أين لك هذا ؟ ) ولعل مبدأ تطهير المؤسسات هو من المبادئ التي تمنح الثورة قوتها وبقاءها وامتداد معانيها إلى المستقبل لأنها أصبحت مركوزة في الذهنية اليمنية بشكل لن يمحى أبدا .

وهذا هو ما يدعونا إلى أبرز تجليات الحكمة اليمانية وهي إبراز المفاهيم الحضارية المتشكلة في بنية العقل اليمني رغم كل المحاولات الإعلامية التي عمدت إلى خلط المفاهيم وتشويهها لينمو جيل لا يرى غير سلطة واحدة يؤمن بها ويخضع لها ؛ ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، وهذا ما ظهر جليا في ثورتنا السليمة التي أثبتت أن الحكمة يمانية .

ولعل ما يؤكد لنا ذلك هو أن المحاولات المستميتة التي قام بها النظام لتحويل البلد إلى محرقة لا حدود لها من خلال إذكاء الصراع المسلح بين الطوائف والقبائل والمذاهب لم تفلح أبدا في إطفاء وهج الثورة السلمي ، بل إن هذا الوهج الثوري السلمي أطفأ تلك النار المستعرة ولم تجد مكانا تتوسع فيه فقد كان الخطاب السلمي والتحركات السلمية التي فرضها شباب الثورة على الأرض يقضي على كل تلك المحاولات مما أفقد النظام توازنه ولم يصدق أنه وصل إلى هذه الحالة التي لا يحسد عليها ، مما دفعه دفعا لأن يوقع المبادرة الخليجية على مضض معلنا موته السياسي وموت كل من كان لا يحيا إلا بحياته ، وهذا كان له أكبر الأثر في إصابته بنوع من الدهشة التي تتضح في تصريحاته بعد توقيع المبادرة وفي تصريحاته بعد تنصيب الرئيس الجديد ، كأني به يريد أن يبقي على شيئ من ماء الوجه ، رغم أن ماء الحياء قد نضب من وجهه فلم يبق فيه ذرة من حياء حتى يعلم على الخروج بحفظ ماء الوجه وستظل لعنة التاريخ تتبعه حتى يوم الدين كما هو الحال مع جميع المستبيدن ف يالتاريخ الذين عاشوا والقلوب تلعنهم و ذهبوا والقلوب – أيضا – مع الألسنة تلعنهم هو ومن كان عونا لهم على جرائمهم واستبدادهم .

وأبرز تجليات الحكمة اليمانية في ثورتنا ، هو بقاء الحالة الثورية في الذهنية اليمنية وبقاء هذه الحالة متوهجة في قلوبنا لا تخبو ولا تضعف وهو مايجعل ثورتنا متفردة في هذا الجانب عن غيرها من الثورات العربية المماثلة ؛ بدليل أن المؤسسات نفسها أصبحت في حالة ثورية لا تهدأ على عكس الدول الأخرى في تونس وفي مصر حيث نشهد تراجعا للحالة الثورية بسبب الدخول في قضايا جدلية لا تخدم الثورة ولا تخدم أهدافها ، بينما في واقعنا اليمني تزداد الحالة الثورية قوة إلى قوتها وهذا ما جعل بقايا النظام تسعى لاستغلال الوضع في الجنوب مسخرة السذج والمغفلين الذين أطلقوا على أنفسهم (أنصار الشريعة ) لإحداث أعمال عنف محاولة منهم في إضعاف المد الثوري كما هو الحال مع المجوس الحوثيين في صعدة وغيرها ، غير أن السحر ينقلب على الساحر دوما ؛ فلم تزدد الثورة إلا قوة ولم يزدد شباب الثورة إلا إيمانا بثورتهم وأهدافها معلنين الوفاء لمبادئ الثورة مهما كانت التحديات لأنهم يتسلهمون معاني الحديث النبوي ( الإيمان يمان والحكمة يمانية )

وما أظن الحكمة اليمانية إلا باقية في العقل اليمني كجزء من بنيته الأساسية في التفكير والإبداع لصناعة الحياة وهذا ما أبرزته جمعة ( صناعة الحياة ) التي يجب أن نقف عندها وقفة إجلال وتعظيم مساندين شباب الثورة في كل ما يمكن أن نساهم به نحن كأفراد في صانعة الحياة للتأسيس ليمن جديد يستلهم تاريخها المغدق بالإنجازات التي خدمت البشرية لندخل آفاق المستقبل بنظرة حضارية تمتد في كل الاتجاهات داعية اتلناس أجمعين للسلم والسلام لتستوعب الجميع في ظلال الإيمان والحكمة ، والله يقول : ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) .