الريال اليمني يحافظ على استقراره أمام العملات الاجنبية بايدن يوافق على تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 571 مليون دولار لتايوان كتائب القسام تكشف عن عملية نوعية ومفاجئة في جباليا انطلاق بطولة كأس الخليج الـ26 في الكويت: مهرجان رياضي وثقافي يجمع الفرق العربية عاجل: الخارجية الأمريكية تعلن عن هدية خاصة لأحمد الشرع عقب لقاء شخصيات أمريكية رفيعه به في دمشق حصة تدريب على القيادة تتحول إلى كارثة مأساوية تفجع أسرة بأكملها في صنعاء خلافات تعصف بالمجلس السياسي الأعلى للحوثيين.. تحركات للإطاحة بمهدي المشاط وحزب المؤتمر يوجه صفعة جديدة لعبدالملك الحوثي.. عاجل السلطة المحلية بمحافظة ذمار تعلن موقفها من العفو الحوثي عن قاتل المواطن طارق الخلقي نقابة المعلمين تحذر الحكومة اليمنية وتمهلها أسبوعاً واحد .. الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية
ما أشبه ولادة الأفكار بولادة الأطفال ؛ إنهم يُولدون صغاراً ضعافاً تحيط بهم شوائبُ المرحلة البطنية السابقة من كل مكان .. يولدون غالباً في جُنح الظلام ، لا يكاد يشعر بولادتهم أحد ، إلا قلة قليلة من المجتمع المحيط بهم ! ، بل قد يولد الطفلُ و لا يدري بولادته إلا أمه التي ولدته !
و هكذا الحال مع كل فكرة ، سواء كانت فكرة حق أو فكرة باطل ، فهي تولد – غالباً - صغيرة ضعيفة لا أنصار لها ، ثم لا تلبث أن تشبَّ و يقوى عودها ، و تتضح ملامحها ، و تبرز سماتها التي تميزها عن غيرها من الأفكار .
ولد موسى عليه السلام في ظل حكم فرعون .. ولد و لم يدرِ بولادته إلا أمه و أخته الصغيرة ! ، ولد في ظل قرار يقضي بقتل أبناء بني إسرائيل ! ، و كان صدور القرار استباقاً لثورة المستضعفين من بني إسرائيل التي تنبأت بها وسائل الإعلام الخاصة بفرعون !، صدر القرار استباقاً لثورة الجياع ، لثورة استرداد الكرامة المنهكة ! ، صدر القرار حتى لا يُسلب ملكُ الطاغية القائم على الظلم و الجور! ، لكن أنَّى لقراره أن يَغلبَ ، و قد صدر قرارُ : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }؟!
يأمر الله أمَّ موسى أن ترمي بوليدها و فلذة كبدها في البحر ! ، يأمرها أن ترمي ببحرِ النبوة الكريم في بحر الماء العظيم ، في البحر الذي سيضربه هذا الوليدُ الصغير في يوم من الأيام بعصاه ليكون معجزة عظيمة خالدة إلى يوم القيامة ! ، في البحر الذي سيكون هلاك الطاغية فيه ! { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .
يحتضنُ فرعونُ موسى على مضض ، كما يفعل فراعنة اليوم حينما يحتضنون قوى المعارضة على مضض ! ، أو كما يحتضنون الديمقراطية المكذوبة ! ، يحتضنه و لا يدري أن ذهاب ملكه سيكون على يد هذا الطفل الصغير الذي تقاذفته أمواجُ البحر!
يشبُّ موسى و يستوي و يُؤتيه الله – من فضله - حكماً و علماً ، و هي صفاتٌ أساسية يجب أن يكون عليها كل داعية للحرية ؛ فالقوة في الحق ، و الحكمة في تنفيذ الحق ، و العلم بكل مقومات و وسائل الحق .. كل هذه أركان مهمة ، تهتز صورة الداعية في نظر أتباعه حينما يفقد أحدها .
يزودُ الله موسى بالوسائل المادية : العصا ، و اليد المنيرة ، ثم يسألُ موسى ربَه عز و جل أن يزوده بالوسائل المعنوية : { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي } ، ثم يسأله أن يزوده بالأنصار المخلصين : { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} ، و هذه العوامل الثلاثة لبُّ و جوهرُ الانطلاق لأي مشروح تحريري .
يقفُ موسى بمفرده أمام الطاغية كمرحلية أولية في الدعوة ، يقف بثباتِ المؤمن الواثق بالله ، المؤمن الذي يعلم أنَّ ما أمامه من بهرجة و قوة و سلطان ما هي إلا فقاعات دعائية ، و طلاسمُ وهَمٍ يضحك بها الطغاة على عقول البسطاء من أتباعهم ! .
يدعوه دعوة الحق .. يجيبه عن أسئلته .... يعرض عليه حججه و براهينه الساطعة .. يستكبرُ فرعون و يرفضُ الحق ، و يبدأ بالتشكيك أولا في موضوع الدعوة بقوله : { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } ؟ ، ثم يشوه صورة الداعية بقوله : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } ، ثم يلجأ إلى ما يلجأ إليه كل فرعون في كل زمان و مكان حين يتهاوى بنيان حججه و براهينه ، ألا و هو استخدام " القوة " ، و ذلك بقوله : { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } !!
إنها نفس المراحل التي يواجه بها فراعنة اليوم شعوبهم الراغبة في التغيير ! ، أولا : قالوا أنها دعوات تخريبية و لها أجندة خارجية ! ، ثانياً : قالوا إنَّ قادتها و الداعين لها مجرمون و دجالون لا هَمَّ لهم إلا الجري وراء السلطة ! ، و أخيراً : استخدموا كل وسائل الإجرام الحيوانية لسحق هذه الثورات ! ، ألا ترى أنها نفس المراحل التي واجه بها فرعونُ موسى عليه السلام ؟!
تتسارعُ الأحداث ، و يُعرضُ فرعون الحق ، و يبدأ في تنفيذ مشروعه الدموي الإجرامي في حق بني إسرائيل ، ثم يأمر الله موسى { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى } ، فيخرجُ النبي الكريم و قومه المستضعفون هرباً من فرعون و جنوده ! ، سبحان الله ؛ يأمرهم الله أن يتجهوا ناحية البحر ! على الرغم أنه لم تكن هناك سفن تنتظرهم ، و لم يكن هناك أنصار يأملون أن ينصروهم ، لكن هو أمر الله ، و أمر الله واجب التنفيذ .. يصل بنو إسرائيل إلى البحر ، ثم يدركهم فرعون و جنوده ، ثم يترآى الجمعان !! إنها مرحلة حاسمة ، مرحلة شديدة ، مرحلة يصفها الغزالي رحمه الله بقوله : ( إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها وقذف كل فريق بآخر ما لديه ليكسب ، فهناك ساعة حرجه يبلغ فيها الباطل ذروة قوته ، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته ، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول ، والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها ، فإذا ثبت تحول كل شيء لمصلحته ، وهنا يبدأ الحق طريقه صاعدا ، ويبدأ الباطل طريقه نازلا ، وتقرر بإذن الله النهاية المرتقبة ) !
ها هو ذلك الطفل الصغير أمام البحر مرة أخرى ! ، يقف أمامه بثبات عجيب ، لقد بدأت ملمحته معه ، و ها هو يختمها معه ! ، كأنه يهمس إليه : ( إنَّ من سخَّرك لي و أنا صبي ، سيسخرك لي و أنا نبي ) ! ، هنا يتجلى اليقين ، و يزهرُ التوكل ، و يخضَّر الإيمان .. هنا يُطلِقُ موسى الشعارَ الأبدي الخالد : { كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ، إنه يقول لكل مظلومٍ من بعده ، لكل مظلومٍ تتقطع به السبل ، و تضيق عليه الأرض بما رحبت ، و يتخلى عنه القريبُ و البعيد : لا تخف إن معك ربك سيهديك ، و سينجيك !!
و ما أن تجلى إيمانُ موسى ، حتى تجلت قدرة رب موسى سبحانه : { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } !
و نحن نقولها اليوم لكل ظالم مستبدٍ حاصر شعبه ، و ضيق الخناق عليه : إنَّ معنا ربنا سيهدينا ، و سيكفينا ، و هو حسبنا و نعم الوكيل .
و في الختام اسمح لي أيها القارئ الكريم أن أهمس في أذنك بهذه الهمسات التي آمل أن تجد مكانها في قلبك الطاهر :
· إنَّ عاشوراء تذكار سنوي عنوانه : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } ، فطوبى لمن اعتبر !
· ربما تكون الشعوب ضعيفة .. ربما تكون محاصرة ببحار المؤامرات من كل جانب .. ربما يصرُّ الفراعنة على سحق طموحاتها بكل ظلم و جبروت ..! ، كل ذلك يتلاشى بطرفة عين حين توجد في الأمة عصا الإرادة و التوكل على من بيده ملكوت كل شيء سبحانه .
· استجاب بنو إسرائيل - على ما فيهم من تقصير - لدعوة موسى بالخروج على فرعون فنجوا ، و كذلك تنجوا الشعوب في كل زمان و مكان حين تستجيب لدعوة المخلصين من أبنائها .
· هنيئاً لمن خلع رداء العبودية عن قلبه لغير الله .. طوبى لمن وقف في صف المظلومين .. مرحا لمن أمره الفرعون بتأييده على الظلم و قتل الشعب فقال : { لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنيَا } .