الثورة اليمنية .. و اولويات المرحلة الراهنة
بقلم/ احمد نبيل
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 06:11 م

يبدو ان صالح ترك تركة ثقيله على كاهل الحكومة الإنتقالية الجديدة ، تبرز في صراعات افرزتها ثلاثة عقود من الحكم الفاشل والتي ستشكل تحدياً كبيراً وعنواناً للمرحلة الراهنة كالقضية الجنوبية وقضية صعدة وقضايا الأمن والاستقرار و العدل و معالجة الأزمات الاقتصادية .

  من الأرجح حدوث تغيرات حقيقية قادمة من خلال الحكومة الجديدة التي ستُرغم على صنع بيئة حرة " نوعا ما " مما سيسمح للشباب بإحداث تحولات متناغمة مع متطلباتهم حتى وإن كانت الحكومة عبارة عن قوى سياسية كلاسيكية يتشائم منها البعض .

لا نبالغ اذا قلنا ان شباب الثورة إستطاعوا أن يبسطوا فكرتهم الثورية المشتركة على شكل واقعي للمجتمع اليمني من ثم نشرها بشكل مقنع من خلال المواقع الإجتماعية التي تعتبر السلاح الإعلامي لدى جميع ثوار الربيع العربي ، فالقدرة هنا على إحتواء الأغلبيات وتفعيل مشاركتها الثورية ، فقد تم تكوين نواة بناء حقيقية في خضم الثورة لدى الشباب ، وإن لم يكن تفاعل النواة قد بدء حالياً ، فسيكون تفاعلها بلا شك في المستقبل القريب .

الثورة اليمنية تستحق الإحتفاء والفرح ، ليس فقط لأنها أزالت عقبات جاثمة ، وإنما أيضا لأنها اتخذت الإستمرارية مسار ولم تتوقف برغم القمع .

الثورة اليمنية " كتيار ثوري " مازالت تعاني من صعوبة في مرحلة إسقاط النظام وهدمه كلياً ، ففي حالة اليمن تزداد الصعوبات بحجم الفقر المدني والمؤسسي الموجود في هذا البلد ، حتى بعد الثورة سيظل يرزح تحت وطأة مشاكله ، وهيمنة نخب وسلطويات سابقة (غير السلطة السياسية) تجذرت فيه عبر إنسجامها مع نظامه السابق ، مثل نخبة رجال المال والقبائل ، أو النخبة العسكرية ، وهذه النخب متنوعة ، فبعضها لو كان الأمر بيدها لساندت النظام ، لكن الارجح أنها وجدت نفسها أمام غضب شبابي وشعبي قاهر ، لذا صارعت للبقاء تحت مظلة الثورة ، وتحاول التموضع في ذات المكان الذي يضمن استمرار مصالحها ، فالتخلص من هذه النخب ، ومؤسساتها ، والأوضاع التي أقامتها يتطلب سنوات .

ليس من المنطق الحماس و الحديث عن مرحلة البناء قبل اوانه ( فالهدم ثم البناء ) . غالبا ما يقال ( ما اسرع الهدم وما ابطئ البناء ) لكن في الحالة اليمنية يبدو اننا نهدم جداراً أسمنتياً بمطرقة خشبية صغيرة تأكل كل يوم من ذلك الجدار شيئاً قليلاً حتى نستخرج كنزنا من تحته ( الحرية و الكرامة ) ، خصوصاً في ظل ثورة تابى أن تخرج من قوقعة ( سلمية - إستسلامية ) . فقد قلنا في مقال سابق " خلاص ... كتب عليكم القتال " أن لا وجود لثورة سلمية في التاريخ السياسي ، ولا مخرج في السيناريو اليمني غير التسوية السياسية ( المبادرة الخليجية ) طالما صمم الثوار على طابع السلمية . في الوقت نفسة يعتبر ساذجاً من يعتقد ان ورقة ( المبادرة ) ستحول النظام اليمني في غمضة عين من عدو الى حبيب . وان تمحو التاريخ وتبدل النفوس وتغسل الأرواح .. واصوات الرصاص الذي يحصد أرواح نساء واطفال تعز .. شاهد على كلامي .

قد تدفع الحركة السياسية الراهنة بعض الشباب إلى مغادرة أحزابها التقليدية وإنشاء أحزاب تقوم على التنافس على تحقيق تطلعات الشعب ، فمن المفترض حاليا ًتكوين قيادات شبابية جديدة يتم استنساخها من الساحات ( لا من الغرف المكيفة ) لكي تعبر عن نبض الشارع اليمني من خلال تجارب حقيقة بشكل خالص بدون اللجوء الى الأحزاب والنخب القديمة لكي تضطلع بدورها في ذلك ، فالحزب القديم ليس له إلا أجندته الخاصة مهما ادعى ثمثيله للشارع.

وطالما النظام مازال مصمماً على المرواغة حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية ، فمن المفترض ايضا ان يتفق الشباب على مرشح رئاسي منافس يمثلهم مشهود له بالشرف والنزاهة لخوض الانتخابات القادمة الى جانب المرشح " التوافقي" .

من الاولويات التي تفرض نفسها على الساحة اليمنية ، ان نعتمد اسلوب البحث والتوازن في كافة الأمور والحلول مع الأخذ بالإعتبار معايير " العدل " ، كي تُكلل هذه المعالجات بمصالحة وطنية وتوافق اجتماعي وسياسي تنتج عنه حالة من العدالة الإجتماعية التي تعتبر الكفيل الوحيد لإخراج اليمن من صراع الفتنة الطائفية والمناطقية والسياسية ( فالعدل والفتنة نقيضان لا يجتمعان ) .. فكم اخشى على وطني التمزق وسوسة العنصرية والمناطقية والطائفية .

من الاولويات ايضا اهمية صناعة مصالحة وطنية مع التيارات السياسية والدينية ، فالعلمانيون و القومييون و الليبراليون و الحوثيون و السلفيون و الإسلاميون اخواة ، ولا إقصاء لأحد في الدولة الحديثة مهما كان الأنتصار الديمقراطي للأخر . فالمصالحة الوطنية مطلب مُلح ومهم في المرحلة القادمة وهناك أيضاً حاجة لوجود بنية ثقافية مساندة لهذه المرحلة المؤسسية .

إن الإنتقال من مرحلة سياسية الى اخرى يتطلب بناء فكر سياسي و إجتماعي جديد مبني على اساس تسلسل العمل المشترك وتقسيم القيادة حسب الكفاءة . و التفكير السياسي في بلدنا يجب أن يتغير والأولويات يجب أن يُعاد النظر فيها ، و النخبة السياسية في حاجة الى إعادة النظر في كل شئ ، وتوجهاتها آن لها ان تتغير وتتحدث ، علينا ايضا ان نرتقي من مرحلة الحزبية والطائفية الضيقة الى مرحلة " التيار " الممثل لتطلعات الامة واهدافها جمعا ، الذي يعتمد على قوة الفكرة وتعزيزها ، وجهد الامة وتمكين الناس وإشراكهم .