اليمن... مخاضات ما قبل الرحيل!
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 13 سنة و شهر و يوم واحد
السبت 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 07:46 ص

كان يمكن للرئيس علي عبدالله صالح تدارك الحال الذي وصل وأوصل معه البلاد إليه لو أنه مضى جاداً في تنفيذ البرنامج السياسي الذي أُعلن عنه يوم 10 مارس الماضي في اجتماع كبير عقده في ملعب الثورة الرياضي بالعاصمة صنعاء، ففي ذلك اليوم أعلن عن برنامج من عدة نقاط كان أهمها الدعوة لصياغة دستور جديد يتبنى النظام البرلماني وبموجبه تجري انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة في نهاية العام الحالي... وفي كلمته تلك قال إنه يتوجه بمبادرته تلك إلى الشعب اليمني لأنه يتوقع رفض المعارضة لها، ولو أنه أثبت جديته في إعلانه ذاك بتشكيل لجنة مستقلة من شخصيات دستورية وقانونية مشهود لها بالنزاهة والوطنية – وهو كان قادراً على ذلك – ودفع بها للعمل على صياغة مشروع الدستور الجديد، لكان حظي بتأييد إقليمي ودولي ولكان حصر أحزاب المعارضة في زاوية ضيقة ولاضطرها أن تنضوي لاحقاً في إنجاز هذا المشروع ولتم تجنيب البلد الوضع الكارثي الذي يمر به، حتى لو بقي الشباب في الساحات كضمان لإنجاز الدستور الجديد والمضي في الانتخابات المبكرة... لكن ما حدث – للأسف الشديد – بدلاً عن ذلك أن المبادرة تم طيها بمجرد الانتهاء من إعلانها وجرى الإعداد لعدد من المذابح البشعة بدأت بمذبحة جمعة الكرامة 18 مارس التي قوضت النظام وأنهت مشروعيته وحولته إلى مجرد عائلة تدافع عن وجودها بهيمنة أفرادها على مؤسستي الجيش والأمن...

وفي هذا الصدد ولأن الشيء بالشيء يذكر فإنه يخطر لي باستمرار مقارنة تلك المبادرة الهامة التي أعلن عنها الرئيس صالح ودفنها بنفسه بمبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس التي كان أعلن عنها في 9 مارس أي قبل خطاب الرئيس صالح بيوم واحد بشأن تعديل الدستور المغربي وتنازله عن العديد من صلاحياته الدستورية فيها للحكومة والتي لقيت في البداية اعتراضاً من معظم التيارات السياسية المغربية خشية أن تكون خديعة، لكن لأن ملك المغرب كان جادا في مبادرته لتجنيب بلاده وحكمه مصيراً مشابهاً لما حدث في تونس ومصر وما كان يحدث في ليبيا مضى في مبادرته دون أن يلتفت للأصوات السياسية الرافضة وأثبت مصداقيته بالفعل بتعديلات حقيقية أنجزتها لجنة محترمة وأعلن عنها في شهر يونيو ودعا للاستفتاء عليها مواصلا إنجازه التاريخي الذي لم تجد الأحزاب السياسية الرئيسة في النهاية إلا التعامل معه والترحيب به، فالرجل مضى في طريق تحويل بلده إلى ملكية دستورية... ورغم صغر سنه فقد أثبت أنه أكثر حكمة من قادة عرب آخرين أكبر منه سناً وأطول منه في سنوات حكمهم وهكذا وصل ببلاده إلى بر الأمان والتي استفتت على الدستور بنسبة كبيرة جدا وهاهي اليوم على أبواب الانتخابات البرلمانية في حين نحن اليمنيون لازلنا نعاني من قصر نظر الحكم وسوء تقديراته وعجزه عن فهم المتغيرات!

 وحتى كتابة هذا صباح الخميس كان الرئيس علي عبدالله صالح يختلق شروطاً تلو أخرى لتوقيع المبادرة الخليجية التي دللته وضمنت له خروجاً مشرفاً من الحكم لأن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي مثلما الشعب اليمني أدركوا جميعا أن الرجل قد أعطى كل ما عنده على مدى ثلث قرن وأن التغيير أصبح ضرورة وطنية وإقليمية ودولية لأن بقاءه أكثر من ذلك على رأس الحكم – بعد الانتكاسات المستمرة على كل الأصعدة في السنوات السبع الأخيرة تحديدا – سيؤدي إلى مزيد من الدمار لهذا البلد الذي لم تعد ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية تحتمل المزيد من المصاعب بعد أن دخل فعلياً في دائرة الفشل ولم ينجح في تلبية متطلبات صندوق الألفية ولا متطلبات الدعم من الصندوق والبنك الدوليين ولا متطلبات الوفاء بما أقره مؤتمر المانحين بلندن عام 2006م ولا متطلبات الانضمام للمزيد من مؤسسات مجلس التعاون الخليجي تمهيدا لعضويته الكاملة فيه، كما لم ينجح في تلبية متطلبات مؤتمر أصدقاء اليمن تمهيدا لإنشاء الصندوق الخاص بالتنمية... ولم ينجح في إنجاز اتفاق سلام مع الحوثيين في صعدة تماماً كما ظل يرفض كل المعالجات المقترحة بشأن الاضطرابات القائمة في المحافظات الجنوبية... ناهيك عن روائح الفساد التي أزكمت الأنوف والفوضى ضاربة الأطناب في معظم جوانب الحياة العامة والعجز السياسي الذي تبدى في رضوخه لتأجيل الانتخابات النيابية عام 2009م بسبب رفضه تعديل قواعد العملية الانتخابية لتكون أكثر عدلاً رغم كل الضغوط الدولية حينها... كل هذا الفشل الذي وقع فيه نظام الرئيس صالح في السنوات الأخيرة وعجز كل الحكماء أو من تبقى منهم حوله في دفعه لتداركه فيما كان يمضي دون مبالاة بأحد في التمديد لنفسه فترات أخرى وإعداد نجله لخلافته لاحقا معتمدا على عدد من الشخصيات غير الناضجة سياسياً والتي تسببت ولازالت تتسبب في إرباكه سياسياً أمام الداخل والخارج، وآخرها ما تبدى من مواقف مترددة ومتناقضة ومرتبكة إزاء التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ما قد يؤدي إلى الدفع بنظامه إلى مواجهة محتمة مع شعبه ومع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي في حال استمرار المماطلة بشأن تنفيذ القرار الدولي رقم 2014 الذي أصدره مجلس الأمن في 21 أكتوبر المنصرم.

سيصعب التنبؤ بأي شيء الآن بالنسبة لموقف مجلس الأمن في حال غادر جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة اليمن دون توقيع المبادرة بعد أن ثبت له أن الرئيس صالح وعائلته هم من يحبطون عملية التوقيع وليس أي طرف آخر بابتداع شروط جديدة في كل مرة رغم ما تسرب عن احتمالات التوقيع يوم السبت في الرياض، وفيما المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي يتعاملان بالكثير من التدليل لصالح تجنيباً لدخول اليمن في صراع مسلح، فإن هذا التدليل يبدو أنه الذي سيقود اليمن إلى الخيار المسلح لحسم الأمور وسيصل اليمنيون إلى لحظة يصبح فيها خيار القوة أفضل لهم من خيار السلمية لإنجاز أهداف ثورتهم، خاصة بعد عمليات التمزيق المذهبي والمناطقي والشطري التي يمارسها النظام على قدم وساق بهدوء وذكاء وإن كانت مكشوفة من أقصى صعده وحجه شمالا حتى أبين وعدن جنوبا، مروراً بتعز وسط اليمن التي يعاملها بقسوة بالغة باعتبارها منطلق الثورة الشعبية وروح المشروع النهضوي المدني الذي يحلم به اليمنيون منذ ثلاثينيات القرن الماضي... وما لم يكن لدول العالم وتحديدا دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص موقف حازم من هذه المماطلات فإن عليها أن تتحمل ما يمكن اعتباره مخاضات ما قبل الرحيل والتغيير الذي لن يكون لها أي فضل فيه باعتبار أن الشعب اليمني خرج من أجل التغيير ولن يعود من دونه.