آخر الاخبار
الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة.. الحرب الخاطفة
بقلم/ الجزيرة
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 27 فبراير-شباط 2007 07:17 م

عرض/إبراهيم غرايبة

يعرض المؤلف في هذا الكتاب سلسلة الحروب الأميركية على إيران والعراق وأفغانستان، ويربطها بالحروب البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، وفي منتصف القرن التاسع عشر.

ويظهر الدعاوى الإمبريالية نفسها، والرؤية الغربية نفسها التي لم تتغير، والتي تجاهلت بعنجهية تطلعات الشعوب إلى الحرية والاستقلال ورفضها للاحتلال، وإصرار الغرب المتواصل على ارتكاب جرائم الحروب وانتهاك حقوق الإنسان وقتل المدنيين والنساء والأطفال بوحشية بدائية، وبلا أدنى احترام أو شعور بالهيبة تجاه الحياة الإنسانية.

إيران وتحالف أميركي

كان كريستوفر مونتايغ وودهاوس يتساءل عما إذا كان أحد ساعد في نجاح الثورة الإسلامية في إيران، لقد كان العميل السري الأعلى مقاما في "عملية الجزمة" Boot عام 1953، للإطاحة برئيس وزراء إيران الديمقراطي محمد مصدق.

إنه وودهاوس الذي أعاد شاه إيران مدة ربع قرن، وتُوج الشاه "شاهنشاه" أي ملك الملوك، "ونور الآريين".

كان الانقلاب على مصدق وعودة الشاه عملية وقف وتأخير للتاريخ، وقد وجدت الولايات المتحدة في تأميم شركة النفط ( AIOC ) سببا كافيا للتدخل العسكري وإنهاء حكومة مصدق، ولم تتغير طريقة التفكير عام 2003 أي بعد خمسين سنة عندما قام المحافظون الجدد الذين يحكمون الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق لأجل تغيير النظام السياسي هناك.

وهكذا صار الشاه شرطي الغرب، الحاكم المستبد المطلق الحكيم دون أن يعتبر دكتاتورا يجدر أن تجرد لوقف استبداده حملة لأجل الحرية مثل عملية "حرية العراق" وأصبح معقِلا ضد التوسع السوفياتي جنوبي غربي آسيا، وحارسا لإمدادات النفط.

ولكن حكم الشاه لم يكن مستقرا كما يدعي مساندوه، إذ كانت هناك أعمال شغب وانتفاضات ضد النظام طوال الستينيات، وحصلت 400 انفجار بين عامي 1971و1975، وفي عاشوراء (ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي) من عام 1963 أدان آية الله الخميني حكم الشاه وشجبه واتهمه بالفساد.

أوقِف الخميني فورا وسيق إلى طهران، فحصل انفجار شعبي وأصبح الخميني زعيما للمعارضة، وعندما ألقى خطابا أدان فيه إعطاء القوات الأميركية حصانة تمنع ملاحقتهم للجرائم المرتكبة داخل إيران، في اليوم التالي نفي الخميني إلى تركيا.

ثم انتقل الخميني من تركيا إلى مدينة النجف الشيعية في العراق، حيث أعلن صراحة دعمه للفلسطينيين، وسجلت خطبه على أشرطة وزعت عبر إيران، ولما لم يستطع الشاه أن يوقف انتشار خطب الخميني المسجلة طلب من النظام السياسي في العراق إبعاده، فانتقل إلى باريس، حيث حظي بإعجاب الصحافة الدولية المستمر.

وعاد الخميني من باريس على متن طائرة فرنسية مقدمه له ليعود بها إلى وطنه، وبعد أربعة أيام أعلن تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة مهدي بازركان، وحان الوقت لتصفية رجال الشاه.

كل يوم تستيقظ لتقرأ أسماء الرجال المدانين، وترى "السافاك" يسقطون أمام فرق الإعدام، حتى أنهم لم يستطيعوا إنقاذ نعمة الله نصري رئيس "السافاك" الذي حمل فرمان الشاه إلى مصدق طالبا استقالته عام 1953وهو نفسه الذي رتب لزيارات بن غوريون وغولدا مائير ورابين لطهران التي كانت ترتب في الخفاء.

وفي آخر المطاف مات الشاه في القاهرة عام 1980 وأودع الثرى في قبر متواضع في مسجد الرفاعي.

كان مسؤولو الأمن في الدولة الإسلامية الجديدة مقتنعين بأن بعض أعضاء الحكومة الجديدة يتطلعون إلى الولايات المتحدة شريكا ممكنا لا شيطانا أكبر كما أوحت بذلك مظاهرات الشوارع.

وبعد الاستيلاء على السفارة الأميركية عام 1979 بواسطة الطلبة المسلمين المتبعين لخط الإمام، وجد رجال الأمن أطنانا من أوراق المراسلات الدبلوماسية الأميركية ممزقة، وقضوا بعد ذلك شهورا من أجل إعادة جمعها وتلصيقها.

وكان في هذه الأوراق كمية محرجة من المواد حول عباس أمير انتظام، نائب رئيس مجلس الوزراء واتصالاته بالحكومة الأميركية، ثم بدأ ذلك بشكل رسمي حين بقيت السفارة الأميركية مفتوحة بعد الثورة.

وقد أخبرت السفارة انتظام بأن الولايات المتحدة ترغب في تطبيع العلاقات مع إيران بسرعة ثابتة، فأجاب بحسب الوثائق بأن حكومته أيضا تريد إقامة علاقة طيبة مع الولايات المتحدة، وقد صرح رئيس مجلس الوزراء بازركان بذلك علنا.

وعندما كشفت الاتصالات بين انتظام ووكالة الاستخبارات الأميركية ( CIA ) في الملفات الممزقة خسر بازركان وانتظام حظوتهما، وأوقف انتظام وحوكم بتهمة الخيانة العظمى وسُجن مدى الحياة.

عمل على إعادة جمع الأوراق الممزقة فريق كبير من المتطوعين استطاعوا على مدى ست سنوات إعادة تجميع 2300 وثيقة تحوي تاريخا سريا ممتدا بين عامي 1972 و1979.

لقد كانت الثورة الإيرانية عاصفة هبت على العالم مازالت تداعياتها مستمرة لم تتوقف، إذ أتت بالسفن الحربية الأميركية التي استقرت في الخليج العربي، ثم بالحرب العراقية الإيرانية، ثم الحرب على العراق واحتلاله.

العراق وحرب إلى ما لا نهاية

كان الموظفون البريطانيون يعتقدون أن السيطرة على بلاد ما بين النهرين تؤمن مصالحهم في النفط الإيراني، وقد صُمم احتلال البصرة ليحقق هذا الغرض، ولكن تشكلت فكرة بدأ يدركها الجميع حتى الصحفيين، مفادها أن مشاريع بريطانيا للعراق قائمة على أوهام.

وهكذا وجدت بريطانيا بعد ستة أشهر من احتلال العراق في مواجهة ثورة شاملة، واعتبر الموظفون البريطانيون في العراق أن المسؤول عن العنف في العراق اضطراب سياسي قادم من خارج العراق، وأن سوريا قد تكون متورطة فيما يحدث في العراق، ويمكن بسهولة أن تقرأ الادعاء الأميركي نفسه بعد 83 سنة.

وجرى قتال في مدينة الكوفة وحصار بريطاني للنجف بعد قتل أحد الموظفين البريطانيين، ولم يرجع ويلسون ذلك إلى القومية، بل إلى الفوضى والتعصب.

ويمكن اليوم بسهولة أن تقرأ بدلا من الكوفة عام 1920 الكوفة 2004، وبدلا من النجف 1920 اقرأ النجف 2004، وبدلا من يزدي 1920 إقرأ آية الله علي السيستاني الكبير 2004، وبدلا من البدر 1920 اقرأ مقتدى الصدر 2004، وبدلا من "الفوضى والتعصب" 1920، اقرأ "بقايا صدام والقاعدة" 2004.

ونشب تمرد آخر في منطقة الفلوجة، حيث قتل الشيخ ضاري (حفيده الشيخ حارث الضاري الذي يرأس اليوم هيئة علماء المسلمين في العراق) ضابطا "الكولونيل جيرالد لكمان"، وقطع خط السكة الحديدية بين الفلوجة وبغداد، فتقدم البريطانيون نحو الفلوجة وكبدوا القبيلة "قصاصا ثقيلا".

ويعرف موقع هذه المعركة اليوم باسم "خان الضاري" وتكبد البريطانيون 450 قتيلا في التمرد العراقي، وأكثر من 1500جريح، وفي ذلك الصيف قدرت .إ. لورانس نتائج البطش البريطاني "بقتلهم حوالي عشرة آلاف عربي".

وفي عام 2003 شهد الموقع نفسه مقتل أول جندي من قوات الاحتلال الأميركي بقنبلة على جانب الطريق، وتحولت الوعود البريطانية ثم الوعود الأميركية بالحرية ودعاوى ترحيب الناس بالبريطانيين والأميركان إلى عمليات واسعة من الغضب والانتقام.

ولجأ الأميركان إلى قصف جوي لا يميز بين المدنيين والمقاتلين، ودمرت البيوت والقرى، وأبيد مشاركون في حفل عرس بإحدى القرى على الحدود السورية العراقية، وحدث الأمر نفسه في إحدى قرى أفغانستان، وقصفت المساجد، وقتل من لجأ إليها، وأجهز على الجرحى بدم بارد.

الحرب العراقية الإيرانية

أوائل عام 1980 حصلت حوادث عنيفة على طول الحدود الإيرانية العراقية لعدة شهور، ونقل عن وزير الخارجية الإيراني صادق قطب زاده قوله إن حكومته مصممة على قلب حكومة البعث التي يرأسها عميل الولايات المتحدة الأميركية صدام حسين.

كان الإيرانيون يشتكون غالبا من أن الطيران العراقي يدخل أجواءهم، وكان يتم تبادل إطلاق النار عبر الحدود في الاتجاهين، واتضح عدم إمكان تفادي النزاع، لكن لم يجتمع مجلس الأمن ليناقش الاعتداءات المتبادلة، حتى غزا العراقيون الأراضي الإيرانية.

سماها صدام حسين "الحرب الخاطفة" واعتبر العراقيون أنفسهم منتصرين قبل حصول النصر، وكانوا يحتفلون قبل إنجاز النجاح، وأعطي الصحفيون الحرية في ميدان المعارك، وقد جاء التصريح من صدام نفسه، حتى كان باستطاعتهم أن يستأجروا السيارات بدون مراقبة.

وبتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 1980 وبعد أسبوع من الغزو العراقي كانت قذائف الإيرانيين تسقط حول الفاو بمعدل واحدة كل 25 ثانية، وبدأ إدراك واضح بأن النصر لن يكون يسيرا كما تريد السلطات العراقية أن تعتقد.

وفي واشنطن ولندن كان "الخبراء" العسكريون والجنرالات المتحجرون يتشدقون بنوعية الجيش العراقي العالية، وخرائب إيران بعد الثورة، والقوات العراقية المجهزة بشكل واسع بالأسلحة السوفياتية.

ولكن بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول بعد ثمانية أيام من الغزو، لم يستطع العراقيون أن يتقدموا إلا إلى مسافة 15 كلم عن "خرمشهر" المرفأ العباسي القديم، الذي كان أكبر مرفأ لإيران، وعلى مقربة من عبدان دون تطويقها.

وبتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول دخل العراقيون "خرمشهر" أخيرا، والصحافة معهم فوجدوها محروقة محطمة، وكان العراقيون يحاولون أن ينقذوا عرب إيران، ولكن لم يكن باستطاعتك أن ترى إلا طرقا مدمرة وأعمدة تلغراف مكسورة وحوانيت محروقة، فبدأ العراقيون يتعلمون في يوم أن النصر لن يكون لهم على الأقل لأسابيع أو أشهر بل إلى سنوات.

وكما كان صدام يحاول القضاء على حزب "الدعوة" كامتداد عسكري شيعي، كان الخميني من جهته يحاول إزالة "مجاهدي خلق" كفرع من فروع حزب البعث، وقد جعلت هذه الثنائية في الأعداء كلا الطرفين يتخذ خطوات لإبادة خصومه في ساحة المعركة، وفي السجون وقاعات التعذيب.

وأصبح العرب الذين وضعوا ثقتهم قي صدام ينتابهم الخوف من أن يخسر الحرب التي دعموها بابتهاج، ولم يكن العرب وحدهم الخائفين من انكسار صدام، فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تزود العراق بصور فضائية عن الخطوط الإيرانية في المعركة منذ الأيام الأولى للحرب، وكان سيل من المستشارين الأميركيين غير الرسميين يزور بغداد بانتظام منذ ذلك التاريخ.

يقول التاريخ الرسمي الإيراني للحرب: إن العراق استعمل الأسلحة الكيميائية ضد الإيرانيين بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 1981، متسائلين من أين تأتي المبيدات؟

وكان الجواب أن بعضها جاء من ألمانيا، ولكن بتاريخ 25 مايو/أيار 1994 أصدرت إحدى لجان مجلس الشيوخ الأميركي تقريرا جاء فيه أن الولايات المتحدة الأميركية زودت حكومة العراق بمواد ساعدت على تطوير البرامج الكيميائية والبيولوجية وبرامج الصواريخ بما فيها مصنع لتسهيل إنتاج المواد الكيميائية الحربية ورسومات تقنية وتجهيزات تعبئة للحرب الكيميائية.

وقد استعمل العراق الغاز لمعاودة الاستيلاء على الفاو عام 1988 ولم يظهر العالم أية مبالاة، وقبل ذلك كانت القوات العراقية قد ألقت على بلدة حلبجة الكردية على مدى يومين الغاز المركب من سيانيد الهيدروجين بمساعدة شركة ألمانية وقتلت 5000 مدني.

وفي واشنطن أرسلت ( CIA ) مذكرة إلى سفاراتها في الشرق الأوسط تذكر فيها أن إلقاء الغاز قد يكون من جانب الإيرانيين.

وعند الاستماع إلى أقوال ريغان يظن المرء أن إيران هي التي بدأت غزو العراق عام 1980، وأن إيران هي التي تستعمل الأسلحة الكيميائية ضد العراق، وأن إيران هي التي حددت المنطقة البحرية المحظورة في الخليج عام 1984، وهي التي أشعلت ناقلات النفط في الخليج.

وعندما كاد العراق يُغرق فرقاطة أميركية أُلقي اللوم على إيران، ولكن عندما هاجمت "القاعدة" أميركا بعد 14 سنة أُلقي اللوم على العراق.