نظام صالح ومرحلة متقدمة من الحريق
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 11 يوماً
الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:08 م

رغم أن المتابع للوضع والقارئ للتاريخ اليمني والمطلع على أسراره كان يُلم بأن الثورة ليست مجرد هتافات واعتص امات وجُمع، بل هي السير على الخناجر.. إلا أننا عندما ثرنا لم نكن نعرف أن من سنثور عليه بهذا القدر من السوء، لذلك ظللنا نتفاجئ، ونعرف يوماً عن كم كان التغيير في اليمن مستحيلاً، وكيف أن ثورتنا كانت واجبة، بغض النظر عن الربيع العربي..

والناس أصناف، صنف يسكن اليمن ويراه وطناً غالياً يجب أن نحافظ عليه وهؤلاء يحسنون النوايا لكنهم يكتشفون يوماً عن يوم، لأنهم لا يجيدون دائماً الطرق المناسبة، وصنف يسكن اليمن في دمائهم.. وهؤلاء، لا تبهرهم المستجدات والصدمات والمنعطفات يميناً ويساراً، لأنهم يعرفون اليمن على القدر الذي يجعلهم يتصرفون ببديهة دون الحاجة إلى المزيد من الدروس أو الوقوع في الحفر..

وكانت الثورة، وأخرج المجتمع اليمني كل ما لديه.. حلمٌ فطري في نفوس أبنائه باعث على الطموح لا يهدأ ولا يمل.. وواقع آخره عن العالم قروناً من الزمان وتراكم أزمات وصراع.. ما جعلها حربٌ بين الأمل العظيم والواقع الأليم.. فأخرج المجتمع كل حسناته وأزماته.. والنظام الفاسد أخرج كل ما اخترعه العالم من وسائل الدجل والسوء والقتل، وأثبت للناس كم كان سيئاً.. ورمى نفسه إلى مزبلة التاريخ المتعفنة أعفن ما يكون.. فقد عمد إلى الاستفادة من كل نقطة سوداء في اليمن، مضافاً إلى إليها الزور والقتل والهدم في سبيل إحراق الجميع، حتى تحترق أوراقه العفنة مع احتراق اليمن..

أشعل النظام سيء الذكر، حروباً أهلية جمة، لكنه لم يفز، لأن المجتمع اليمني لا يريد محاربة نفسه، فعندما يبدأ حرباً في الحصبة، هو بذلك كان يريد إشعالها على نحو كبير، لكن الآخر لم ينجر إليها.. وعندما يقصف مقر قيادة الجيش المؤيدة للثورة بعشرات الصواريخ هو أشعلها حرباً أهلية، لكن الآخر لم ينجر إليها.. ولم يحدث أن أي بلد في العالم يعيش ما يقرب من عام بلا دولة، ولم تجد مواطناً يعتدي على الآخر.. باستثناء ما يفتعله النظام، وإن حدث أحداث عارضة فقد كانت تحدث في عهده أكثر مما يمكن.. ولا تزال الأيام تحبل بجرائم جمة تظهر كم هذا النظام العائلي سيء وكم هذا الشعب عظيم ومسالم.. بمعنى: لا نريد أن نتحارب، مشكلتنا أنت فقط، وأنك تمتلك القدرة على القتل فقط، وتخزن ترسانة عسكرية من أموال الشعب .. ولكن الله وحده هو القوي..

لما أحترق كبير الفساد، بغض النظر عن المتسبب، إلا أن الله آذن بذلك، كان درساً عظيماً لمن يتعلم، لكنه لا يرى لمن أوغلوا في هدم الحياة "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب".. فها هو عاد، ليقتل الناس من جديد، ويطفئ عنهم الضوء، ليعيشوا كأنهم في القرون الوسطى.. في الوقت الذي أصبحت حياة ا фڦ اس مرتبطة كثيراً بوس Ч چل الحياة الحديثة..

إن قطع الكهرباء، ليس عبارة مكونة من كلمتين على الصفحات، بل هي أن ملايين الأسر وأغلبها فقير وبينها المريض، تعيش في الظلام وبعيداً عن ما يدور وتنتاوله وسائل الإعلام، وأن الاقتصاد يتعطل، والاقتصاد يعكس نفسه على الشعب كله.. وإن الحرب، ليست مجرد حدث، بل هي دماء وبكاء، وأرامل ودمار ويتامى وجرحى فقدوا بعض أعضائهم مدى الحياة..

هذا كله ليس إلا جزءاً من واقع أليم ومعاناة صعبة وصبر شعب.. ناهيك عن كونه مرحلة متقدمة لجرائم قديمة، عبثت باليمن الواحد وأبناءه وشردتهم وفرقتهم.. ووأدت أحلامهم.. وكما يقول البردوني، عن كهنوت الحكم الإمامي سابقاً:

وآثامها لم تسعها اللغات . . ولم يحو تصويرها ملهمُ

أنا لم أقل كل أوزارها . . تنزه قولي وعف الفمُ!!

إذن، هي ثورة عظيمة، ومجرمون كبار.. وإن أردنا لهم الخروج المشرف حقناً للدماء، فإن ذلك قد لا يتم لنا، لأنهم قد فعلوا ما يستحقون معه الخزي في الدنيا والآخرة وليس البقاء، لذلك رفض النظام كل المساعي السلمية واختار الموت، وارتكب خلال 9 أشهر من الثورة، جرائم عظيمة توازي جرائم العهود السابقة كلها..

ولذلك عاد علي عبدالله صالح إلى اليمن وقد كان بمأمن في الوقت الذي يبحث فيه الآخرون عن مخرج آمن، دخل زعيم البلطجة مدخل غير آمن.. بعد أن أحترق نفسياً وإعلامياً وتاريخياً وسننياً وجسدياً.. عاد ليحترق مرة أخرى بما يوازي جرائمه وعائلته في حق هذا الوطن الغالي..

كم من الرجال والزعماء سعوا للحصول على جائزة نوبل وماتوا ولم يحصلوا عليها، وحصلت عليها توكل كرمان من بوابة الثورة، المرأة اليمنية التي ناضلت وتحملت كل المصاعب.. وهو دخول ليس بالحلم، لكن الحياة الدنيا اقتضت أن تجعله كذلك.. أما الشعب اليمني وثواره الأحرار، فهم يستحقون أن يكونوا تيجاناً على هام التاريخ والبلدان لا أن يتوجهم أجد.. فكان من نصيب الثورة اليمنية التي يخدش بها النظام ليلاً ونهاراً ويحاول تشويه سلميتها.. أن حصلت هذا العام على جائزة نوبل كأرقى درجات التكريم العالمي.. ولأكثر من صمدت وناضلت ضد هذا النظام.. فالعالم ليسوا عمياناً، ولكن الجائزة وقعت في مكانها الصحيح..

بهذه الجائزة، بدأ النظام العائلي مراحل متقدمة من الاحتراق بعد أن أحترق شعبياً وجسدياً وتاريخياً وقيمياً، وهو احتراق عالمي من أوسع أبوابه، فالثورة أصبحت في قائمة نوبل، وسيركز العالم على تفاصيلها ليكتشف ما اختفى عنه من بطولة هذا الشعب، ويحترق النظام وجدانياً بأقسى العقوبات النفسية، إن لم يصل يوماً إلى قاعة المحكمة.. لتطالب أم أنس بالاقتصاص لطفلها الوليد، ويطالب كذلك الآلاف.. وتستمر الانتصارات بإذن الله..