إلى علماء البيان من قال بحرمة الخروج على الحاكم الظالم 1 ؟
بقلم/ دكتور/حالية الحنش
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 17 يوماً
الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2011 09:11 م

لا يخفى على الكثيرين من أن العلم ضد الجهل وهو طريق النور والحياة والحرية ولهذا قال تعالى في كتابه العزيز \" إنما يخشى الله من عباده العلماء \" بمعنى أن العالم هو من يخشى الله ويخافه سواء في قوله أو فعله ، وأنا لن أدعي أنني أصبحت عالمة بالشريعة وإنما طالبة علم درستها ومازلت أنهل منها إلى هذه الساعة ، ولكن قول الحق يصدح ولو كان ما كان ، أيها العلماء الكرام قد يكون باعكم في مجال العلم أكثر مني ولكني أثق أن الانسان جبل على الخطأ والنسيان وإلا عد ملكاً لا بشرا، وفتواكم الأخيرة ذات مدلول صاعق وخطير لإنها بدون أي سند شرعي أكثر من أنها إتباع لهوى السلطان وادعاءه ، أيها الاجلاء إن ما استدللتم به في فتواكم كان عبارة عن آيه قرآنية تدعوا إلى طاعة ولي الأمر وهي قوله تعالى \" \"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم\"

وهنا سأتبع معكم الطرق العلمية في الرد وأرد عليكم بأقوال العلماء السابقين لا بقولي ولا بهواي وذلك من عدة نواحي :

أولاً : أختلف العلماء في تفسير قوله تعالى \" وأولي الأمر منكم \" على عدة أقوال فقال بعضهم هم الأمراء\" ومنهم: أبو هريرة، وابن عباس، وميمون بن مهران، وابن زيد، وغيرهم \"وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه\"، ومنهم: جابر، ومجاهد، وابن أبي نجيح، وابن عباس كذلك، وعطاء بن السائب، والحسن، وأبو العالية.\"وذهب آخرون إلى أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم\"، وممن قال بهذا: مجاهد\" فكما ترون أن العلماء مختلفون في اللفظة وتفسيرها .

ثانياً : إن ذهبنا معكم إلى أن المراد بهم الولاة والامراء فهم مقيدون بشرط أن يكونوا ممن يحكمون بالعدل حتى لا تتعارض هذه الآية مع الآيات الآمرة بالعدل كقوله تعالى \" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي \" وقوله تعالى \" و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون \"

وبدليل أن هذه الأية جاءت مباشرة بعد قوله تعالى \" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم\" فالقرآن متصل بعضه ببعض ولا يمكن بتر بعضه وتفسيره حسب الهوى ، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم بدليل قول سيدنا علي بن أبي طالب \" رضي الله عنه\" حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا\" .

ويقول الامام ابن القيم -رحمه الله- تعقيبا على ذلك \"إن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم \" أي الطاعة مقترنة بالمعروف وما أوجبه الله ورسوله فكيف وقد خالف الامام كل العلم وسفك الدماء وأكل أموال الناس بالباطل .

ويقول الامام ابن كثير في تفسير الآية السابقة \" فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ولهذا قال تعالى: \"أطيعوا الله\" أي اتبعوا كتابه، \"وأطيعوا الرسول\" أي خذوا بسنته، \"وأولي الأمر منكم\" أي فيما أمروكم به من طاعة الله، لا في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما تقدم في الحديث الصحيح \"إنما الطاعة في المعروف\"

فأمر الطاعة ليس مطلقاً وإلا لما حصل التنازع بعد ذلك بدليل الآية التي بعدها والتي تقول \" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ...) فلو كان التنازع غير جائز والخروج على الحاكم بالقول والفعل لا يجوز لما ذكر الله التنازع وأمر برد أي نزاع للشرع لا للهوى ، والشرع يامر بالعدل والاحسان ، وينهى عن الظلم والتعدي على الناس ، فهذا هو الشرع المتوجب إرداد النزاعات إليه ، وأنتم ألا ترون الحاكم قد أعتدى على الناس وظلمهم فكيف لا يجوز التنازع هنا والخروج عليه؟ ، ولكم أعجبني تفسير أحد العلماء السابقين للآية السابقة حيث ربط هذه الآية بما قبلها فقال لمن سأله عن هذه الآية \" اقرأ ما قبلها تعرف فقرأ \"ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل \" .

فالتقييد على الطاعة إذاً محكوم بالعدل ، والعدل هنا مفقود فكيف يكون هناك سمع أوطاعة ، فكأنه سبحانه يقول على الحكام أن يؤدوا الامانات ، ويحكموا بالعدل فإن فعلوا فأطيعوهم .

ثالثاً : إن الله أشار إلى إحتمالية التنازع والخلاف مع ولي الأمر ولو كان محرماً لما أشار إليه ولمنعه و لكان قال \" لا تنازعوه \" وكفى ، ولكنه قال \" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ...).

يقول الطيبي \" أعاد الفعل في قوله وأطيعوا الرسول إشارة الى استقلال الرسول بالطاعة ، ولم يعده في أولى الأمر إشارة الى انه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله\" فان تنازعتم في شيء \" كأنه قيل : فان لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه الى حكم الله ورسوله \"

فكلام هذا العالم واضح أنه ليس كل إمام يجب طاعته ، وإلا لما خرج الصحابة في الماضي عن معاوية ، ولما خرجت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورغم ذلك ما أنكر عليهم أحد ، وما أباح عالم سفك دماؤهم كما فعلتم أيها العلماء الأجلاء .

أما استدلالكم بالأحاديث التي تأمر بطاعة ولي الأمر وتحرم الخروج عليه ، فنرد عليه بما يلي :

أولاً : يجب معرفة شرح كل حديث وسبب القول به لإن كل حديث له مدلول معين وهذا يراد له بحثاً علمياً مفصلاً وقد نقوم به مستقبلا .

ثانياً : وجدت أحاديث كثيرة تدعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أكثر بكثير من أحاديث الخروج على الحاكم وطاعته ، فكيف يجمع بينها إلا إن كان في المسألة خلاف وكلام كثير لأهل العلم .

ثالثاً : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدل عليه آيات كثيرة وصريحة في مدلولها مما يقوي جانب الأحاديث الدالة على الأمر بالمعروف ، ويضعف الجانب الأخر ، أو يدعوا لتأويله.

رابعاً : إن ذهبنا لكلامكم في استدلالكم بورود أحاديث في حرمة الخروج على الحاكم فلدينا كذلك أحاديث في ضرورة قتال الإمام الباغي والظالم منها قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان \" استقيموا لقريش ما استقموا لكم فان لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فابيدوا خضراءهم فان لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء \"

وحديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم وقال أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا : بلى قال قد عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض قال بعضهم إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار أفندخلها فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا \" إنما الطاعة في المعروف \" فالطاعة بالمعروف وهذا تقييد لكل أحاديث الطاعة السابقة .

خامساً : طبقاً لاحاديث الطاعة التي تستدلون بها ، الأمر مقيد هنا بعدم إتيان معصية من قبل الامام ومن يؤمره على الناس بدليل حديث نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \" السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة \" وأليس من المعصية سفك الدماء وقتل الابرياء في كل مكان ، وأليس من المعصية أكل اموال الناس بالباطل .

سادساً : ذهب بعض العلماء ومنهم الدكتور سلمان العودة في إحدى مقابلاته التلفزيونية إلى أن العلاقة اليوم بين الحاكم والمحكومين لا تتم عبر البيعة التي يترتب عليها طاعة ولي الأمر بل عبر عقد الاجتماعي بإعتبارها مقيدة بالانتخاب والدساتير وبالتالي لا يمكن إعمال الاحكام الشرعية على هذا العقد الوضعي بل يرجع الأمر فيه إلى قوانين ودساتير كل دولة على حده ، ودستور اليمن كما يعلم يكفل للمواطنين حق المظاهرات والرفض والاحتجاج فلا مسوغ لديكم علماؤنا لمنع هذا الامر بإي حال من الاحوال .

هذا فقط رد على النقطة الاولى من بيانكم بشكل مختصر أما بقية البنود التي في البيان فتريد لها حلقات متسلسلة من الردود لتفنيد كل نقطة بإدلتها الشرعية ،ولكم كنت أتمنى أن يتبنى أحد العلماء الرد عليكم وحواركم بشكل علمي ولكن طال انتظاري وعندما لم أجد أحد قام بهذا أحسست أن من واجبي الشرعي والوطني القيام بذلك قربة لله وخوفا من مغبة هذا البيان الداعي لسفك الدماء ، وفق الله الجميع لما يرضاه الله ، وأخرج بلادنا مما هي فيه ، واصلح علماءنا حتى يقولوا الحق ولا يخافوا فيه لومة لائم .